الشريف عبد الله فراج - الدكتور محمد عبده يماني الإنسان
الحمد لله الذي جعل الإيمان موطنه القلوب، وجعل الجوارح تصدق وجوده أو تكذبه، فيزيد بفعلها لله إخلاصاً، وينقص ترك الفعل أو إتيان المحرم، وأصلي وأسلم على سيدي خير السالكين إلى الله الطريق محمد بن عبدالله الرسول الإمام والنبي الخاتم، المقتدى به في الإيمان والعمل، الذي حبه في الدين فرض، والاقتداء به هو المنجي من كل العثرات. الشريف عبدالله فراجوبعد : فأحدثكم الليلة عن رجل عَلَمٌ، كلكم قد عرفتموه، وأخترت أن أتحدث عنه كإنسان إمتلأ قلبه حباً لله ولرسوله، فأقتدى بمن أحب سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحتمل وعورة الطريق وصبر فشكر، علم أن الجنة قد حفت بالمكاره، فعمل لها جهده، وعلم أن النار قد حفت بالشهوات فحرمها على نفسه، ذاك هو فقيد هذا الوطن معالي الدكتور محمد عبده يماني، رحمه الله وأسكنه من الجنان أعلاها. أرتاد رحمه الله حلقات الدرس صغيراً في المسجد الحرام، حينما كان جامعاً وجامعة، تزدان أروقته وحصباته بكراسي العلماء أجلاء في كل علمٍ وفن، يلتف حولهم من طلاب المعرفه وعشاقها رجال يثنون الركب في حلقاتهم يتلقون العلم، ويتنقلون من من حلقة إلى أخرى يعددون علومهم، وكان له صحبة ببعض هؤلاء أو جلهم حتى توفاهم الله، وظل العمر كله محباً للعلم والعلماء، فكان منهم بعلم أكتسبه منهم، ومن علم اتخذ الطريق الأكاديمي اليه حتى حصل على أعلى الدرجات فيه ( الدكتوراه ). وشاء الله له أن يجمع بين العلمين العلم الشرعي والعلم الطبيعي الدنيوي، وهذه مؤلفاته شاهده على ذلك.مؤلـفــاته الـديـنـيـة:- تخصص أكاديمياً في الجيولوجيا فدرسها في الجامعة، وألف فيها وحاضر ودرس العلوم الشرعية على شيوخه في جامعة الحرم المكي، وواصل الاطلاع وأثرى المكتبه الإسلامية، بكتب في السيرة وهجها عظيم، لأنها عن سيدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- وآل بيته الأطهار وصحبه الأخيار، طافت به شهرة في سائر أرجاء الدنيا، في كتاب هتف فيه للمسلمين ( تأدبوا مع رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -)، ثم هتف بكتاب آخر ( علموا أولادكم محبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم )، ثم أرشدهم إلى فريضة في الدين هامة بكتاب عنوانه ( علموا أولادكم محبة آل بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم )، وكتب في القضية التي يتكرر الجدل حولها عن أبوي سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالة عنوانها "والداه الكريمان"، وأهتم بكل ما تعلق بسيدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أحداث فكتب تحت عنوان ( بدر الكبرى المدينة والغزوة ) بل لم ينس أن يرشد أحبابه إلى كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لم ينس أن يعلمو أولادهم إلى الطريق الى رضى الله ومحبته فعلمهم بكتاب عنوانه ( علموا أولادكم ذكر الله )، وأشهر كتبه في هذا الباب كتاب ( أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، سيدة في قلب المصطفى – صلى الله عليه وسلم )، وكتاب ( إنها فاطمة الزهراء أم أبيها )،وألف كتاباً للدفاع عن صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه، الذي نالته السهام من كل جانب، وكان دوماً في كل ما ألف هاديء العبارة، مشرقها، مؤثقاَ لنقوله، معتمداَ في كل ما يقول على الحجة والبرهان والدليل. وقد استغرقه يرحمه الله حب الله ثم الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – لفطرة فطر عليها، ولجو مكي المحبون فيه، هم الأكثرون من أهل أم القرى، الذين تراهم في كل مناسبة تاريخية لأحداث حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته يهرعون للاحتفاء بها، لا ليتعبدون بهذا الاحتفاء ولكن لأن قلوبهم امتلأت بحب الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – واجتماعهم هذا للاحتفاء إنما يتخلله ملامح من السيرة، وتلاوة وذكر ومنه صلاة على المصطفى تتردد على الألسنة فترطب القلوب بالمحبة، واذا أحب هؤلاء الرسول – عليه الصلاة والسلام – اتبعوه ولا شك قدر استطاعتهم وتمثلوا هديه، ولن يحرموا الاجر وهم يطيعون الله ولا يعصونه، وهذا الجو المكي المصاحب للنشأة يجعل أبناء مكة دوماً محبين. وهذا سر اهتما راحلنا الذي لا زال بيننا حياً بارثه الثقافي المتعدد والمتنوع، فقد أغرم بالدعوة الى الله، فرحل إلى سائر أرجاء العالم داعياً إلى الإسلام، مهتماً بالمسلمين، يبحث قضاياهم، ويقترح الرأي فهذا كتابه عن ( المعادلة الحرجة في حياة الأمة في الإسلام ) يشهد لذلك، وهذا كتابه المعنون ( للعقلاء فقط ) بجزأيه في جله عن هذه القضايا، يذهب إلى البلدان فإذا عاد منها أنبأنا في ما رآه من أحوال المسلمين فهاهو يزور الصين فيكتب ( قادم من بكين والإسلام بخير ) ويكتب عن السود في أمريكا واعتناقهم الاسلام، ثم ينظر ما استهدف الاسلام من دعوات مشبوهة فيكتب عنها، فيكتب عن البابيه والبهائية. بل إنه يمارس الكتابة الفقهية فيؤلف كتاباً بعنوان ( كيف حج رسول الله – صلى الله عليه وسلم، ويكتب كتاباً آخر بعنوان ( أضواء على البنوك الإسلامية ). وهذا العلم المتدفق إنما أتى في مخزون مليء حكمة وعلماً، وهذا الحب لرسوله – صلى الله عليه وسلم – ولآل بيته صبغ حياة الدكتور محمد عبده يماني بطابع روحي انعكس على شخصيته فأنت ما أن تراه حتي تأنس برؤيته، ولا تجالسه إلا وأحببت ألا تفارقه، ترى البشر على وجهه دوماً، يلقاك بإبتسامته المشرقة، حديثه عذب، يخلطه بمزاج يرفع الكلفة، تشعر وأنت معه بطمأنينة ورضا. ومن يعرف الدكتور محمد عبده يماني يعلم يقيناً أنه قد تهيأت له من الأسباب ما يجعل غيره يخلد إلى الراحة ويتفيأ ظلال ما وهبه الله من نعمة، فمنذ أن تخرج من الجالمعة ونال أعلى الدرجات العلمية وما رافقها من دبلومات وهو يتنقل في المناصب، وكيلاً لوزارة المعارف والشئون الفنية ثم وكيلاً ومديراً لجامعة الملك عبدالعزيز ثم وزيراً للإعلام، ثم نائباً لرئيس مجموعة دلة البركة، ولكن نفسه الكبيرة ظلت دوماً تتطلع إلى المنصب الذى به يروم أن يكون العمل كله الذي يمارسه لله، لذا كان مثالاً يقتدى به في هذا الباب، فما أثر عنه أنه أضر بأحد، بل يسعى دوما للجميع في الخير، فلما كان له مكانة عند من بيدهم أمر هذه البلاد صرف جاهه كله لخدمة الضعفاء من الناس حتى أنه يسير في حاجة أرملة ضعيفة حتى تقضي حاجتها وتأخذ حقها. ولم يكن يرفع للمسؤل في أي جهة من الجهات التي بيدها أمور الناس إلا سعياً في خير لمن لا يستطيع أن يصل إليه أو لا يحسن التعبير عن ما في نفسه، حتى أن وقته كله مزدحم بأصحاب الحاجات الذين يرجون وجاهته. وأما عمل البر فكأنه صناعته التي لا يجيد غيرها، حتى أنك لا تجد جمعية للبر في منطقتنا هذه إلا وهو عضو في مجلس إدارتها أو أحد الذين أسسوها، حتى أنه رئيس مجلس إدارة أثنتي عشرة مؤسسة وشركة تعنى بمجالات الثقافة والنشر والصحة والعلوم والتعليم والتنمية والاستثمار. وهو عضو مؤسس لجمعية تحفيظ القرآن الكريم بمنطقة مكة المكرمة وظل كذلك العمر كله وهو أول من يدعمها ويدافع عنها، حباً في كتاب الله، وحرصاً على فلذات الأكباد من أبناء هذه البلاد أن يقعوا في براثن صناع الشر، فيقضون أوقات فراغهم، خاصة في فترة الصيف في حلقات تنتظم تعلمهم تلاوة كتاب ربهم، ومن حفظ هذا الكتاب استقام لسانه بالعربية، وبقيمه يصلح السلوك، وبما فيه من أحكام يقود إلى صنع المواطن الصالح الذي يعمل لوطنه بإخلاص، وظل رحمه الله، دوماً قريباً ممن يحفظون القرآن ويعلمونه ويتعلمونه، ببذل جهده كله لإعانتهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً هذا العهد به حتى وافاه الأجل. وقد كنت لقيته يوم الخميس في الأسبوع الذي وافاه الأجل بعده في يوم الأثنين الثاني من ذي الحجة عام 1431 هـ، وكان الحديث بيننا عن حلقات التحفيظ، وأراد أن أوافيه بعد يوم أو يومين، لكني ذكرت له أني مسافر إلى خارج المملكة، فإذا عدت التقينا، ولكني بعد يومين بلغني الخبر أنه تعرض للوعكة الصحية التي لم تطل، حيث توفي في اليوم التالي، وهذه المرة الثانية في شهر ذي الحجة التي أفقد فيها حبيب فأحزن لفقده ولكني اصبر كما أمرت. فرحم الله الأخ الحبيب الدكتور محمد عبده يماني، الذي أرجو أن تحمله أعماله الجليلة إلى خير الجنان مع الصديقين والشهداء وحسن أولائك رفيقاً، فالقلب حزن لفقده وأسال الدمع غزيراً يوم وفاته، فقد كان محبوه كثر، يجمعهم به الحب في الله، وكان يوم جنازته مشهوداً.مجـــالســــــه:- ولن تجد له مجلساً له في بيته إلا ورأيت من يحفون به بسطاء الخلق الذين يحتاجون من يعينهم ويسمعهم الكلمة الطيبة، وإن زرته في مكتبه رايت ذات المشهد في داخل مكتبه وخارجه ينتظرون، فقد أختار فقيدنا طريقه، فقد أشرب حب المساكين ورجا أن يحشر في زمرتهم مع من أحبهم قبله سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو عند غيرهم ممن علت مكانتهم وحازوا المال والجاه مقدم يحتل من مجالسهم صدرها، وهو يستغل وجوده على حثهم على خير يعود نفعه على من ذكرنا من قبل، ألم أقل أن الخير والبر صناعته التي قد لا يحسن غيرها. رأيت في كثير من بلادنا الاسلامية والعربية آثار لفعله الخير بادية للعيان، وشهرة يعرفه الناس بها لذلك، ولجهد علمي ولجهد علمي في السيرة يجعله حاضراً في قلوب الناس وعقولهم، فكتبه فيها لا يطبع الواحد منها حتى تنفد طبعته سريعاً.مـــجـــــده:- رحمه الله فقد بنى مجداً لا يمكن لأحد أن يهدم منه شيئاً، فحتى تلك التهمة الشهيرة، التي تتردد على ألسنة البعض، بأنه صوفي، قد أجاب عنها صادقاً : أنه يتمنى لو كان منهم، وهو يعقل ما يقول فليست الصوفية تهمة إن كانت زهداً، يكون معها المال في اليد لا في القلب، وهذا حال من أحدثكم عنه، واذا كانت عبادة وذكر بما شرع الله، أو كما يقول ابو القاسم الجنيد سيد الطائفة ؛ طريقنا مقيد بالكتاب والسنة، وجعل علماء الأمة عبر طبقاتهم من لدن التابعين، الذين ظهر بينهم من الزهاد والعباد عدد كبير من أهل مقام الإحسان. الذين يعبدون والله كأنهم يرونه، فإن لم يروه في هذه الدنيا فهو يراهم، يراقبون الله في كل ما يأتون ويدعون، لذا رأينا العلماء كما يعرفون بالعلم الذين تخصصوا فيه وبالبلد الذي نشأوا فيه وبالمذهب الذي اتبعوه، يعرفون ايضاً بالطريقة المنسوبة إلى أحد هؤلاء الزاهدين العباد، وأما ما أختلط بالتراث الصوفي مما هو مستنكر، فأهله المعروفون به ينكرونه. فالخير سادتي – والبر مجد يبقى الزمان كله – فإذا لقي صاحبه ربه كان بإذن الله ممن يدخلون الجنة بلا حساب. من أؤلئك السبعين ألفاً الذين ذكر سيدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنهم يدخلون الجنة أيديهم في أيدي بعضٍ، يدخلون معاً في وقتٍ واحد كأن وجوههم القمر ن يدخلون الجنة بغير حساب، وإنا لنرجوا أن يكون فقيدنا أحدهم، فما علمنا عنه إلا الخير.أخــــلاقـــــه:- وأما أخلاقه فهي خلق الاسلام الذي جاء سيدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم ليتمه، ما رأيته غاضباً أبداً، له قوة احتمال هي من الفضائل، ولكن ذلك لا يعني ضعفاً، فهو إن غضب لله كان قوياً في طرح وجهة نظره ولم أره متجهماً قط وهو يلقى الناس من أحب أو كره، رأيته يعفو عن من أساء إليه، لا يحب أن يدخل في جدل مع من يثيرون معه خلافاً مفتعلاً، وما رأيته يرد على أحد تناوله بالإساءة إلا نادراً، فلا يمنح مثل هذا اهتمامه، رأيته يحب كل فضيلة ويكره كل رذيلة، يحب الصدق ويكره الكذب ويجتنب الكذابين. له كل خلة تجعل الناس يحبونه، ويخلو من كل نقيصة يكرهه الناس من أجلها أو لا يقبلون عليه بسبها، العدل عنده الفعل الأهم الذي يبقي ما بين الناس عامراً، فهو من أخلاقه التي لا يجعله شيئ يتخلى عنه ولو احتشدت الأسباب لتركه يبني صلته بالناس على أسس واضحة، لذا بقيت صداقاته حتى آخر لحظة من العمر.صلته بأقاربه:- وإذا كانت صلته بالناس هكذا فهي بأقاربه وثيقة بناء على ما أرشد إليه سيد الخلق المصطفى – صلى الله عليه وسلم – من الصلة الدائمة بهم في حديثه عنها قال : ( إن الرحم شجنةٌ متمسكه بالعرش، تتكلم بلسان ذلق، اللهم صل من وصلني وأقطع من قطعني فيقول – تبارك وتعالى – أنا الرحمن الرحيم، وإني شققت للرحم من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن نكثها نكثته ). ولا أظنه قد غضب من قريب له فقطعه قط، هو بهم دوماً رحيم.تربيته لأولاده:- وفقيدنا له من الأولاد ثلاثة أولاد وثلاث بنات، ومن عرفهم علم كم بذل الدكتور محمد عبده من الجهد في تربيتهم، فقد رباهم على فضائل، ما أن تتعامل معهم إلا وتكتشفها. وهم اليوم يتحملون المسؤلية بعده، فقد حملهم في وصيته متابعة طريقه، فأمرهم بالتقوى، وعلمهم ما تعني وحذرهم من الدنيا لأنها فانية وعمرها قصير ونعيمها قليل. وأمرهم بالحب الذي ظل يعمر قلبه يعمره وذكرهم بقوله – صلى الله عليه وسلم – ( ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه من مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يقذف في النار بعد أن أنقذه الله منها )، وأمرهم أن يطهروا وأعمالهم من الرياء، وأن يقيموا الصلاة ويأتو الزكاة وأن يصوموا الشهر ( رمضان ) ويحجوا البيت، وأن يجتهدوا في النوافل، والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، وأن يعظموا جوار بيت الله، وأرشدهم إلى ما يعظمونه به، وحثهم على زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم – والصلاة في مسجده، وأن يكثروا من الصلاة والسلام عليه وأن يكثروا من ذكر الله ومن الاستغفار وسائر الأذكار، وأوصاهم بحب آل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – واحترامهم واجلالهم واكرامهم وقضاء حوائجهم وطلب دعائهم، وأوصاهم بأهل بدر الذين ظل يزورهم ويكرمهم فأمر أبنائه وزوجه الفاضلة بزيارتهم والسعي في مصالحهم، والإحسان الى فقرائهم، ثم أمرهم أن ينفقوا ثلث مالهم صدقة منه على نفسه وجعل الإشراف على ذلك لأم أولاده وقاها الله من كل شر، ثم ألحق بوصيته بياناً فيه الحقوق التي له، والحقوق التي عليه، موصياً بأن تتم من غير نقص. وكل ما أوصاهم به من الفضائل من عرفهم مثلي هم متمتعون بها، وهم اليوم يعدون له مركزاً للبر، ويجمعون إرثه العلمي، ويضعونه على موقع على الإنترنت، ولا أظنهم إلا خير خلف لخير سلف، حفظهم الله ووقاهم الشرور. هذا هو الرجل الذي أحببيت وتقربت منه، ورأيت أهتمامه بأخوانه وحرصه عليهم، دائم السؤال عنهم، فقد كنت ألقى منه دوماً التشجيع والثناء علي بما يخجلني – فمن شأنه المحبة والمودة، لا يرى في أحبابه إلا ما يجعله يثني عليهم، وبما بذلوا من جهد علمي أو أدبي.مـواهــبه:- ولن أنتهي من الحديث عن حبيبنا أبا ياسر رحمه الله – إلا وذكرت مواهبه المتعددة، التي أهلته أن يكون هذا النجم الذي تابعنا أخباره، وأحداث حياته. تخصص رحمه الله في الجيلوجيا في كلية العلوم بجامعة الرياض ( الملك سعود ) ثم حصل الدرجتين العلميتين التاليتين الماجستير والدكتوراة في نفس التخصص ثم أضاف دبلوماً في إدارة الجامعات، ودرس علوم الصور الجوية وتحديد الثروات المعدنية، ودرس التخطيط الاقليمي لاستغلال الثروة المعدنية في اطار علوم الجولوجيا الاقتصادية، وله العديد من المؤلفات في تخصصه الأصلي فله العديد من البحوث مثل : الجولوجيا الاقتصادية بالمملكة العربية السعودية، ومثل ( اقتصاديات حديد وادي فاطمة )، وله بحوث حول الفضاء مثل ( نظرات علمية حول غزو الفضاء ) و ( الأطباق الطائرة حقيقة أم خيال ) وكذلك (أقمار الفضاء غزو جديد ) ومعه بحث بعنوان ( هل نحن وحدنا في هذا الكون ) وفي نفس الموضوع بحثه ( وداعاً هالي ) وقد علّم في كلية العلوم ما تخصص فيه وبرز. وقد كان منذ شبابه وهو في المرحلة الثانوية يكتب لصفحة الطلبة التي يشرف عليها أستاذنا عبد الرازق بليلة والتي تخرج فيها عدد من أدباء الوطن مثل أديبنا الكبير الراحل عبدالله عبدالرحمن الجفري رحمه الله، والاستاذ محمد سعيد طيب، والشاعر الوزير محمد صالح باخطمة. وله في الأدب كتابات رائعة، خاصة في القصة والرواية فله منها ( فتاة من حائل ) و( أمرأة في الظلال) و ( مشرد بلا خطيئة ) و ( جراح البحر ) وكذا ( اليد السفلى )، وفي الإعلام وقد تولى حقيبته الوزارية بحوث منشورة مثل ( الاعلام العربي ما بعد أزمة الخليج ) وبحث ( وكشف أزمة الخليج عوراتنا )، وبحث بعنوان ( أحاديث في الاعلام ). ورحلاته خلدها بالكتابة عنها وقد مر معنا ما كتب عن الصين، وقد كتب عن ( روسيا والمسلمون ومحنة الانفتاح الجديد ) وكتب عن افريقيا ( لماذا لا تضيعوا أفريقيا كالاندلس )، وكتابه عن سود أمريكا المسلمين وقد بذل جهوداً في التعليم الجامعي عندما كان وكيلاً ثم مديراً لجامعة الملك عبدالعزيز، وبذل جهده للأرتقاء بالاعلام في بلادنا عندما أختير وزيراً للأعلام، فكان أصغر أصحاب المعالي الذين مروا بمجلس الوزراء آنذاك، فسعى أن يرافق رؤساء التحرير الملك في رحلاته الخارجية والذي أصبح فيما بعد تقليداَ، وحاول دمج الصحف السعودية تقوية لها إلا أنه لم يتمكن من ذلك، وسعى إلا اطلاق القناة السعودية التلفزيونية الثانية باللغة الانجليزية، وعمل لذلك مع كل من معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة، والدكتور صالح بن ناصر، وابراهيم القدحي ولكن الاطلاق لم يحصل الا بعد مغادرته الوزارة بأشهر عدة. وقد حاول أثناء توليه منصب الوزير أن يلغي القيود على الكتاب العربي، والسماح له بالتجول بحرية داخل البلاد، حيث كان يرى أن الكتب العربية تظل مسجونة في الموانيء والمطارات، في وقت تتجول فيه الكتب الامريكية والأجنبية عموماً بحرية تامة، لأننا لا نقرأها ولا نعلم فحواها، وهو ضد الرقابة على الكتب، ففي معرض الكتاب في الرياض عام 2006 طلب كف يد الرقيب على الكتب في المملكة محتجاً بأن الرقابة لم تصبح ذات قيمة في عصر الثورة المعلوماتية، وقد كان أثناء توليه الوزارة له من الجرأة أن يطبع كتاب شاعرنا الفيلسوف حمزة شحاتة ( الرجولة عماد الخلق الفاضل ) وهو محاضرة له في الأصل ألقيت في جمعية الأسعاف الخيرية بمكة المكرمة، ودون أن يمر على الرقيب. ومن نتحدث عنه وطني من الطراز الفريد، يعمل لوطنه بإخلاص ودون ضجيج، فلن تجد خطوة لرقي هذا الوطن ولاصلاح الأوضاع فيه ألا وستجده في المقدمة. وهو رجل دولة من طراز نادر ولي الوزارة في سن النضج مخلصاً وغادرها وهي أرفع مناصبه عام 1983م وظل وفياً لأفكاره العظيمة، ولآماله العريضة لوطن يزهو بالعلم والمعرفة ويرتقي إلى مصاف الدول التي احرزت المواقع المتقدمة في حضارة هذا العصر. ولنردد قوله : ( أحمد الله أنني أنتمي إلى جيل اسمه جيل الحمد، فقد كانت معطياته ضئيلة جداً، لكن علم ذلك الجيل كان كبيراً وكبيراَ جداَ، كان لدينا احساس أن نحفر في الصخر لكي نكون، كان لدينا احساس بأهمية تلك المعطيات على قلتها وندرتها أيضاً، فكنا نحافظ عليها بشكل كبير، لأنها سند لنا في بناء مستقبلنا الذي نحن فيه اليوم ). ولعله بهذا يتحدث عن جيله كله، وأنا منهم وإن كنت أقلهم جهداً. رحم الله الدكتور محمد عبده يماني فقد مضى إلى ربه وهو ونحن معه مطمئنون عليه، فقد قدم ما يأمن به كل عبد أخلص لله العبادة وسعى لرضاه العمر كله، وأظن أن ممن هم له أصدقاء وأصهاراً كمعالي وزيرنا الشاعر عبدالعزيز محي الدين خوجة، والشيخ صالح عبدالله كامل كلاهما أقدر مني على الحديث عن هذا الرجل القمة خلقاً وعملاً، ولكني لا أستطيع أن أتخلف عن الحديث عن مثله، خاصة من أبناء أم القرى، الذين بحمد الله لهم في كل باب من ابواب خدمة هذا الوطن الأغر الأغلى بين أوطان البشر مكان لا يسبقون إليه وفيه الأرض الأحب إلى الله، البقعة الأطهر على وجه الأرض كلها مكة المكرمة، ثم الأحب إلى رسوله طابة التي هاجر إليها، وبها استقر وفيها البقعة الأطهر – التي ضمت جسده الشريف – صلى الله عليه وآله وسلم وبحبي لهما أحببت أهلهما، وهم أهلي الذين غليهم أنتسب، سادتي : لعلي في هذه العجالة أوفيت بعض حق راحلنا الجليل ولم أملكم – فشكراًَ لإصغائكم وفقني الله وأياكم لما يحب الله ويرضى.

الدكتور محمد عبده يماني .. كريم الشمائل عظيم المروءات

المهندس أحمد عبد الوهاب آشي
رحم الله توأم روحي أبا ياسر ، لقد كنت على موعد معه يوم الثاني من شهر ذي الحجة للصعود إلى مكة المكرمة لتقديم واجب العزاء في السادن العزيز المرحوم الشيخ عبدالعزيز كدأبه في مشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم .. وكان هذا ديدنه دائماً مهما كان في ذلك الأمر من إرهاق ومشقة عليه وتراه مسروراً وفرحاً فيما يقوم به وكنت أرافقه في كثير من الأحيان هذا التواصل والمودة مع الناس كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم وجيههم وبسيطهم ولكنه سبقنا إلى دار الحق وتركنا في هذه الدنيا الغرور.
كان رحمه الله يفشي المحبة والسلام بين الجميع لا تراه إلا مبتسماً بذلك الوجه النوراني، عف اللسان، بذلك التواضع والأدب الجم مع كل من يقابله من الناس، ينفرد بهذه الخصوصية حتى مع الأطفال ويشعر كل من يقابله بأنه يخصه وحده بالاهتمام وهذه ميزة ينفرد بها رحمه الله وهو من الذين يسارعون في الخيرات وينفقون عن سعة, يجبر كسر هذا ويفرح قلب هذا فهو أمة في رجل وركن من أركان المجتمع المكي بل ركن من أركان الوطن وكان رحمه الله يحثني دائماً ويشركني في فعل الخير وكم فرَّج بعد توفيق الله كربة محتاج وهو لا يفتأ مدافعاً منافحاً ومناصراً لكل ذي مظلمة وكذلك اصلاح ذات البين.
أيها الشيخ الجليل الفارس النبيل، إهنأ في مرقدك الأخير تتنزل عليك شآبيب رحمه الله.. وأنا لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنى عليك من غمرته بفضلك وإحسانك وأزلت بعد الله ضيقته وما اتفق اثنان أو أكثر كما اتفقوا على محبتك ولا نستطيع أن نعدد مآثرك وحسناتك في كل وجوه الحياة، جزاك الله خيراً لما قدمته لأمتك ووطنك.رحم الله الشاعر السفير حسين فطاني عندما قال في قصيدته يا قبلة المجد:

وعز في الناس من عزّت بلادهم لما أشادوا لها أو شيدوا فيهــــــا

وكما قال والدي المرحوم عبدالوهاب آشي في قصيدته:
ما مات من خلدت صحائف مجده ولسعيه الوطن العزيز مصــــدق

وهذا الإمام الشافعي رحمه الله يقول:
الناس للنّاس ما دام الوفاء بــــــهم والعسر واليسر أوقات وساعـــات
وأكرم الناس من بين الورى رجل تقضى على يده للنّاس حاجـــــات
قد مات أقوام وما ماتت فضـائلهم وعاش قوم وهم في الناس أموات

ويا حبذا أن يخلد اسم الفقيد الجليل بمعلم بارز في مكة المكرمة وغيرها من مدن المملكة.. رحم الله فقيد الأمة، فهو حيّ بمآثره ومكارمه، وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان وبارك له في أبنائه البررة.وأنا أدعو جميع محبيه والعارفين بفضله وغيرهم أن يتأسّوا ويقتدوا بأخلاقه ويسيروا على نهجه ومنهاجه فهو نعم المربي الإسلامي ونعم العبد إنه أواب بإذنه تعالى وجعله من الكرام البررة إنه سميع مجيب.و"إنا لله وإنا إليه راجعون".