د. ھاشم عبده ھاشم - الصالح والمصلح الذي فقدناه
عض الرجال.. لا تعرف أين تصنفه.. ولا في أي مرتبة تضعه.. وبالذات حين
يكون نموذجاً في النبل.. وفي الإنسانية.. وفي العلم.. وفي الخلق.. وفي العفة..
والطھارة .. وفي التقى.. وفي التسامح.. وفي الأثرة.. وفي العزة.. وفي الكرامة..
والخدمة لعباد الله .. ولاسيما الضعفاء.. والمساكين.. والمحتاجين إلى العون ..
كما أن ھذا النوع من البشر.. يعد مثلاً في النزاھة.. والنظافة.. وفي العفة..
وستر الحال.. وفي مخافة الله.. وفي الحب لآل بيت رسول الله.. وفي الطيبة..
وفي قول الحق.. وفي مناصرة المظلوم.. وفي فرض الاحترام على الكل.. وفي
حسن السيرة والسلوك.. وفي أدب التعامل.. وأدب الحوار.. وفي الفكر.. وفي
الإدارة.. وفي المبادرة إلى فعل الخير.. وفي التميز والابتكار.. وفي الأناة.. وسعة
البصيرة.. وفي تحمل الأذى.. وفي الأمر بالمعروف.. واتساع الرؤية ..
وھو إلى جانب ذلك وغيره.. مثل يحتذى في الوفاء.. وفي الوطنية.. وفي
التأليف بين عباد الله.. وإصلاح ذات البين.. وفي الأمانة.. والصدق ..
ومن ھؤلاء الرجال الأفذاذ.. سيدي.. وأبي.. وموجهي.. معالي الدكتور محمد
عبده يماني.. الذي تركنا ايتاماً.. وأرامل.. ومرضى.. ومحتاجين.. كباراً وصغاراً..
رجالاً.. ونساءً.. واطفالاً.. فله في عنق كل منا ألف أمانة وأمانة.. وله على كل
من عرفه.. أو اقترب منه.. أو عمل معه.. أو تعرف عليه أو شملته خصاله..
وخلاله. ومكارمه.. له على كل ھؤلاء وأولئك أعظم دين.. وأضخم أمانة إلى يوم
الدين ..
ولا أخال ان ھناك بيتاً في مكة.. أو جدة.. أو في غيرھما.. لم تصل إليه نفحات
من أعمال الرجل.. الإنسان.. الذي تُبكيه دمعة طفل.. وأنين يتيم.. ولوعة محزن..
وتھز وجدانه حالة مريض.. أو معوز.. أو طالب شفاعة.. فلا يتردد في ان يقدم
حياته من اجل الغير.. وفي وجه الخير.. ومن أجل الخير ..
فالرجل – يرحمه الله – ويسكنه فسيح جناته.. عاش لغيره.. ونذر حياته
ونفسه.. لخدمة كل الناس.. ولتصفية قلوب الناس من الحسد.. والكراھية..
والغيرة.. وعمل طوال حياته على بذر بذور الحب في جنباتها.. والتسامي فوق كل
الصغائر والأھوال ..
فقد كان يعيش حياة الصالحين.. والزاھدين.. والموحدين ..
والأخيار.. لا تلجأ إليه الا وتجده.. ولا تستنصر به إلا ونصرك.. ولا تشكو إليه الا
وشاركك في ألمك وأحزانك.. وإن وقف أمام الصعاب كما يقف الرجال الكبار الكبار
من المؤمنين بربھم.. والصادقين مع أنفسھم.. ومع من وثقوا به.. وقربوه منھم..
ووجدوا فيه خير ناصح وأمين ..
نعم يا سيدي .. فنحن أبناؤك .. وتلاميذك.. وبعض غرسك..نحن ابناء وطنك
الذي يعرفك القاصي والداني فيه رجلاً مؤمناً.. ونبيلاً.. وطاھراً.. رجلاً أعطاه الله
سعة الصدر.. وكريم الخلق.. وفطنة العباقرة والأفذاذ.. لئن تركتنا ومضيت بعيداً
عنا.. فإننا والله لن نھنأ بحياتنا من بعدك.. وسوف نراك عند كل صلاة.. وفي
مكان ذھبت إليه.. وفي كل عمل خلاق أبدعت فيه. وتفوقت .. وفي كل محفل تابع
فيه الناس تجلياتك.. وجمال روحك.. وسمو نفسك.. وحصافة عقلك.. وتدبيرك ..
ونحن أبناؤك وإن كنا يا سيدي لا نملك الا التسليم بقضاء الله وقدره.. والدعاء
لك.. والترحم عليك.. وقد أسعدك الله بأن تلتحق به في خير الأيام.. وأضفاھا
عنده.. فإن ذلك ھو عزاؤنا فيك.. ومصدر صبرنا على فقدك.. وفراقك ..
فكما كنت سحابة رحمة استظل بھا الكل.. وھنِئوا بھا طويلاً – يا سيدي – فإن
وفاتك المفاجئة ومغادرتك لدنيانا في لمحة بصر.. لتؤكد ان الله سبحانه وتعالى
يختار عباده الصالحين إلى جواره دلالة محبته لھم.. ورضاه عنھم.. وقبوله لھم
قبولاً حسناً .. فأعمالك الخيرة جديرة بأن تضعك – إن شاء الله – يا سيدي في
جنة نعيم.. جزاء ما قدمت وفعلت.. وضحيت وتبتلت .. وأخلصت.. وتطھرت ..
فإلى جنة الخلد.. يا سيدي.. ياخير من عرفتُ من الأتقياء.. والأوفياء..
والصالحين.. وليلحقنا الله بك.. ويتغشاك برحمته.. ورضوانه وسوف لن تھدأ
نفوسنا حتى نلقاك في يوم يحشر فيه الناس أجمعين.. والحمد لله رب العالمين .
ضمير مستتر :
الصالحون.. ھم الذين يأخذون معھم عقولنا.. وقلوبنا.. ويتركون لنا جليل
أعمالھم.. لتذكّرنا باليوم الموعود على الدوام.