بقلم: خالد بن حمد المالك - لن ننساه
تعيدني وفاة معالي الدكتور محمد عبده يماني إلى ذلك اليوم الذي اتصل بي من مكتبه- ومن الطبيعي أن يكون قد اتصل ببعض الزملاء - يودعنا ويخبرنا بأن أمراً ملكياً سوف يُذاع بعد ساعات قليلة ليُعلِن عن إعفائه من عمله بوصفه وزيراً للإعلام وتعيين الفريق علي الشاعر خلفاً له . كان هادئاً وھو يتحدث، ممتثلاً للأمر الملكي برحابة صدر، ولم يظھر لي خلال صوته أي تأثر أو شعور بالألم لأنه سيفقد موقعاً مھماً كان يعطيها لفرصة لخدمة وطنه على النحو الذي شھد الإعلام في فترته الكثير من الإنجازات . وفي مساء ذلك اليوم كنت في منزله بالرياض ضمن مجموعة كبيرة من الوزراء والوجھاء والإعلاميين، وكان ليلتها كعادته يتحدث ويناقش ويداعب كما لو أن أمراً ملكياً قد صدر بتعيينه وزيراً وليس بإعفائه من العمل بعد ثماني سنوات من عمله وزيراً للإعلام . وفيما بعد، وحين أصبح مواطناً بلا عمل رسمي بالحكومة، كان الراحل الكبير صاحب حضور اجتماعي متميز، ونشاط فكري متجدد، وصاحب مبادرات إنسانية لا يقوم بھا إلا من يتمتع بمثل ما كان يتمتع به ھذا الفقيد من صفات أھَّلته لھذا العمل كما لو أنه لا يزال على رأس الھرم في وزارة الإعلام . بقي محمد عبده يماني لصيقاً بالملك وولي العهد والنائب الثاني، ومع كل أصحاب السمو وأصحاب الفضيلة والأدباء والإعلاميين ووجوه المجتمع، يقدم تزكياته ومساعداته لمن يحتاج إليها ، ويتعاون مع الجميع في نشر ثقافة التسامح والتعاون والبر وخدمة مجتمعه في كل الميادين؛ ما أكسبه محبة الناس وتقديرھم لمواقفه . لقد خدم أبو ياسر الوطن والمواطن في أكثر من موقع، أستاذ جامعة ووكيل وزارة ومدير جامعة وأخيراً وزيراً، وبقي طيلة عمله بالدولة أميناً على كل عمل أُسند إليه، ونزيهاً في تعامله مع المال العام، وصاحب مبادرات في تطوير آلية العمل وفتح آفاق جديدة للإبداع فيه . ومن المصادفة أن يبعث إليَّ بآخر مقال كتبه قبل يوم من وفاته، فإذا به ينتقل إلى رحمة الله قبل أن يطلع عليه بعد خادم الحرمين.. » : نشره اليوم في صحيفة الجزيرة بعنوان وھو واحد من المقالات الكثيرة ،« والعراق.. وعمل صالح التي كتبها مؤيداً لسياسة الدولة ومدافعاً عنھا حتى وھو خارج العمل الرسمي الذي كان في فترة امتدت لسنوات جزءاً من منظومته . لقد حزنت لوفاته؛ إذ جاءت مفاجئة لنا جميعاً، وفي فترة زمنية قصيرة حالت دون نجاح الأطباء في إنقاذه من الحالة الصحية الصعبة التي تعرض لها. رحم الله فقيد الوطن الدكتور محمد عبده يماني، الذي سيبقى بأعماله ومواقفه وإنجازاته في ذواكرنا جميعاً .

الدكتور محمد عبده يماني .. كريم الشمائل عظيم المروءات

المهندس أحمد عبد الوهاب آشي
رحم الله توأم روحي أبا ياسر ، لقد كنت على موعد معه يوم الثاني من شهر ذي الحجة للصعود إلى مكة المكرمة لتقديم واجب العزاء في السادن العزيز المرحوم الشيخ عبدالعزيز كدأبه في مشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم .. وكان هذا ديدنه دائماً مهما كان في ذلك الأمر من إرهاق ومشقة عليه وتراه مسروراً وفرحاً فيما يقوم به وكنت أرافقه في كثير من الأحيان هذا التواصل والمودة مع الناس كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم وجيههم وبسيطهم ولكنه سبقنا إلى دار الحق وتركنا في هذه الدنيا الغرور.
كان رحمه الله يفشي المحبة والسلام بين الجميع لا تراه إلا مبتسماً بذلك الوجه النوراني، عف اللسان، بذلك التواضع والأدب الجم مع كل من يقابله من الناس، ينفرد بهذه الخصوصية حتى مع الأطفال ويشعر كل من يقابله بأنه يخصه وحده بالاهتمام وهذه ميزة ينفرد بها رحمه الله وهو من الذين يسارعون في الخيرات وينفقون عن سعة, يجبر كسر هذا ويفرح قلب هذا فهو أمة في رجل وركن من أركان المجتمع المكي بل ركن من أركان الوطن وكان رحمه الله يحثني دائماً ويشركني في فعل الخير وكم فرَّج بعد توفيق الله كربة محتاج وهو لا يفتأ مدافعاً منافحاً ومناصراً لكل ذي مظلمة وكذلك اصلاح ذات البين.
أيها الشيخ الجليل الفارس النبيل، إهنأ في مرقدك الأخير تتنزل عليك شآبيب رحمه الله.. وأنا لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنى عليك من غمرته بفضلك وإحسانك وأزلت بعد الله ضيقته وما اتفق اثنان أو أكثر كما اتفقوا على محبتك ولا نستطيع أن نعدد مآثرك وحسناتك في كل وجوه الحياة، جزاك الله خيراً لما قدمته لأمتك ووطنك.رحم الله الشاعر السفير حسين فطاني عندما قال في قصيدته يا قبلة المجد:

وعز في الناس من عزّت بلادهم لما أشادوا لها أو شيدوا فيهــــــا

وكما قال والدي المرحوم عبدالوهاب آشي في قصيدته:
ما مات من خلدت صحائف مجده ولسعيه الوطن العزيز مصــــدق

وهذا الإمام الشافعي رحمه الله يقول:
الناس للنّاس ما دام الوفاء بــــــهم والعسر واليسر أوقات وساعـــات
وأكرم الناس من بين الورى رجل تقضى على يده للنّاس حاجـــــات
قد مات أقوام وما ماتت فضـائلهم وعاش قوم وهم في الناس أموات

ويا حبذا أن يخلد اسم الفقيد الجليل بمعلم بارز في مكة المكرمة وغيرها من مدن المملكة.. رحم الله فقيد الأمة، فهو حيّ بمآثره ومكارمه، وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان وبارك له في أبنائه البررة.وأنا أدعو جميع محبيه والعارفين بفضله وغيرهم أن يتأسّوا ويقتدوا بأخلاقه ويسيروا على نهجه ومنهاجه فهو نعم المربي الإسلامي ونعم العبد إنه أواب بإذنه تعالى وجعله من الكرام البررة إنه سميع مجيب.و"إنا لله وإنا إليه راجعون".