عالم بلا حدود
عالم بلا حدود
محمد عبده يماني .. داعية الخير وأستاذ علوم الأرض
فاروق لقمان ـ صحيفة 26 سبتمبر اليمنية كان آخر لقاء بيننا في منتدي حول اليمن في الغرفة التجارية بجدة لكنه على غير عادته لم يكن أحد المتحدثين بسبب المرض الذي كاد يقعده. فقد ازداد وزنه حتى أرهقه السير وبات يتكئ على عصاه من جهة وعلى رفيق له من جهة أخرى وكان نادراً مايتردد في مخاطبة الحضور حيثما كان. ولعله -حسب علمي- لم يلجأ الى القراءة من ورقة معظم عمره إلا في الجامعة اذ انه كان يفضل الحديث أمام الحضور ارتجالاً كما كان يفعل طيلة حياته المهنية كمدرس واستاذ جامعة حتى وصل الى رئاسة جامعة الملك عبدالعزيز ثم وزيراً للاعلام قبل التقاعد.التقيت الأستاذ الدكتور محمد عبده يماني عدة مرات في العقود الأخيرة اذ كنت أحرص على حضور احاديثه في الأداب والتربية والعلوم بعد تخصصه في علوم الجيولوجيا وطبقات الأرض في اكثر من جامعة منها سعودية وبريطانية الى الدكتوراه في جامعة «كورنيل» الأمريكية فقد كان -رحمه الله- متحدثاً بليغاً عالما في مادته متيناً في العربية والانكليزية طليق اللسان متمكنا من العلوم التي كنا نتناقش فيها سيما ايمانه بأننا لسنا المخلوقات الوحيدة في الكون. ولما نشرت مقالاً لكاتب آخر يزعم عكس ذلك كتب الي رأياً نشرته جريدة "الشرق الأوسط"حيث كنت اساهم لعدة سنوات بأن مخلوقات الكون أو الأكوان عديدة ومختلفة واستمر يكتب بين الحين والآخر حول آرائه رغم ان الموضوع يكتنفه الغموض وصعوبة الدليل. وتواصلت أحاديثنا مع اننى لم اناقشه فيها لأنني لا أعرف مايكفي عنها ولا أدري بالطبع ان كان هناك دليل على وجود مخلوقات في أكوان أخرى على الأقل شبيهة بنا.كان الدكتور محمد يمنياً من مواليد مكة المكرمة حيث درس أعوامه الأولى قبل الالتحاق بمدرسة الفلاح الرائده في جدة أشهر مدرسة عرفتها المملكة العربية السعودية تخرج منها عدد كبير بعضهم حقق نجاحاً عريضاً بعد ذلك بالدراسة في الخارج خاصة مصر.وبعد المدرسة التحق بجامعة الرياض حيث تخرج بشهادة علوم الأرض الجيولوجيا. لكنه لم يكتف بذلك إذ انه واصل دراسته العليا في بريطانيا ثم كورنيل الأمريكية بالذات التى نال منها شهادتي الماجستير والدكتوراه قبل العودة الى المملكة معيداًً ثم استاذاً مساعداً حتى ارتقى الى أعلى ثم وزارة الإعلام.قبل ذلك تعرفت عليه في اكثر من منتدى حتى انه أصبح علماً ثابتاً في المجالس ولم اره يوماً واحداً يستخدم ورقة للقراءة منها بل يرتجل أحاديثه بالطلاقة المعهودة حتى عندما ترك الجامعه والتحق بالأعمال التجارية في خدمة شركة دلة البركة المشهورة.لكن الذي جذب اهتمامي واعجابي بالرجل هو قدرته البالغة على التحدث لمختلف الطبقات بعلم ومعرفة حتى ان الندوات التي كان يحضرها امتلأت دائماً بالناس بمختلف اهوائهم وهويرد على اسئلتهم برحابة صدر ولطف معشر نادراً ما رأيت مثله في نوادي العالم العربي.الجانب الآخر هو استعداده الدائم لتقديم المساعدة والصدقة للمحتاجين. وقد رأيته اكثر من مرة في بيته العامر وبيده دفتر صغير ينتزع منه ورقة يكتب عليها حوالة لزائر يطلبها منه بالرغم من أن حالته المالية لم تكن بالقدر الكافي للاستجابة إلى كل طلب بل يفضل مساعدة الذين يحتاجون اليه لمواصلة تعليمهم وكان يقف الى جواره في ذلك قريبه الشيخ صالح كامل صاحب شركة دلة البركة الذي كان يمد أعماله الخيرية بسخاء. واستمر كذلك حتى صار رئيس مجلس ادارة اثني عشرة مؤسسة وشركة تعني بمجالات الثقافة والنشر والصحة والعلوم والتعليم والتنمية والاستثمار محلية وعربية وعالمية.واستمر نشاطه حتى صار عضواً في مجالس ادارات عشر مؤسسات عربية ومصرفية وأدبية وخيرية وألف خمسة وثلاثين كتاباً بعضها بالانكليزية تناول فيها مواضيع علمية ودينية وثقافيه مختلفة ونال عدة أوسمة ودروع من عدة دول.لكن ابرز ما وجدته فيه شخصياً كان خلقه الحسن، اذ كان -رحمه الله- باراًً بالآخرين متى ما لجأوا اليه ليس فقط بالمال , على قدر حاله وهو مارأيته يفعل , بل باتصالاته العديدة بكبار الناس خدمة لصغارهم حتى ولوصل به ذلك الى قمة الهرم الحاكم لأنه كان محبوباً لدى الكبير والصغير. وثانياً لأنه كان على استعداد دائم لارتداء مشلحة والتوجه الى اصدقائه العديدين –حتى بدون موعد– لطلب المعونة لمن يحتاج اليها. لذلك كان مجلسه كما رأيت مزدحماً بالزائرين والمحتاجين الى خدماته مهما كانت رغم امكاناته المحدودة ومتاعبه الصحية في نهاية عمره. وقد شهدت ذلك في مجالس عده عندما يتهافت عليه الناس للسلام والتحية وتقديم فروض الاحترام لرجل وهب حياته لخدمه الآخرين. ولن تجد إلا عدداً محدوداً اختلف معه أو حوله. ولما اجتمعنا في احدى مناسبات الشركة السعودية للابحاث التى انتمي اليها كعضو في رئاسة التحرير كان -رحمه الله- الرجل المناسب في أنسب موقع اذ انه استاذ بارز في العلوم والتكنولوجيا ومتحدث بارع له صولات وجولات من بداية الدراسة الجامعية حتى تسنمه وزارة الإعلام السعودية بالاضافة الى اسهاماته في الندوات المحلية والخارجية إذ كان يملأ منصبه بجدارة واقتدار ويتحدث في الموضوع الذي طلبوه منه بعلم وثقة وله فضل عظيم في خدمة العديد من الطلاب في كافة المراحل وارتقى في مناصب عديدة يطلب العلم وينقله لغيره. ولما ترك الخدمة الحكومية واصل جهاده في تعليم الآخرين كما شهدت شخصياً إذ كان يتحدث للأخوة المواطنين ببساطة وتواضع واذا استطاع أن يقدم خدمة ما تراه ينتزع ورقة من جيبه ويسجل عليها ما قدر عليه من مساعدة في نيل إجازة علمية آو توصية الى من كان في موقع بارز ولديه المقدرة على تقديم البر والمعونة