أحمد محمد الطويان - من حارة المسفلة إلي صاحب المعالي
غاب عن دنيانا محمد عبده يماني، الرجل الصادق والمؤمن الذي لم يكن لسانه يفارق ذكر الله، ورجل الدولة الذي بقي منذ توليه أول منصب حكومي، في سبعينيات القرن الماضي، مخلصا وأمينا على أسرار ومواقف كثيرة لم يدونھا خشية أن يسرب شيء مما ائتمن عليه. الثلاثاء، يوم الوداع في الحرم المكي، شھد تجمع المحبين ودموعا تكلمت بلسان الفجيعة لتروي حكايات عن روح طاھرة مرت في عالمنا واستوطنت في كل مجلس، لم ينس أحد أنه كان رجل المجتمع بامتياز، يحرص على تلبية جميع الدعوات خصوصا الزواج، ولا يصنف الناس على أساس طبقي أو مناطقي، بل كان يخص صغار القوم بالاھتمام أكثر من كبارھم، ولا يغيب عن تقديم واجب العزاء، ولا يتوانى عن زيارة مريض، ومنذ أن ترجل عن الكرسي الحكومي شغل نفسه بھموم الناس، وبالتأليف الفكري والعلمي، ليمتد عطاؤه ويشمل جميع المناحي والمجالات. الملم بالبرنامج اليومي لھذا الرجل الفريد يتأكد أنه أمام مقدرات ومواھب استثنائية، فمنذ يصحو في الصباح الباكر يجد عشرات الأشخاص ينتظرون أمام بوابة منزله يخرج إليھم ويتحلقون حوله ليقضي حاجاتھم، وفي المكتب يجد أعدادا لا تقل عن تلك الواقفة أمام المنزل، ليمارس إنسانيته بأسمى أشكالها تجاه من أحبوه وأحبھم بصدق. في المساء كان يبدأ جولاته الاجتماعية ليلبي دعوة ھذا، ويقدم العزاء لذاك، ويلتقي بالأصدقاء والأقارب لتكتمل صورة رائعة للتواصل والوفاء. لا يمكن لأحد أن يتجاھل مواقفھ كرجل دولة يذكر له التاريخ حصافته وقدرته على إدارة الموقف إعلاميا أثناء أحداث الحرم الشريف سنة 1980 ميلادي ، وساھم خطابه الإعلامي المتزن في المحافظة على الوحدة الاجتماعية. طموح وعزيمة الدكتور يماني قاداه إلى مواقع قيادية وھو في سن مبكرة، فقد سنة 1975 ميلادي ليدخل الشاب المكي « الدكاترة » اختاره الملك الراحل خالد في حكومة إلى مطبخ السياسة، وبعفويته وطيبته وتواضعه كان حاضرا بابتسامته التي استمرت إلى اللحظة الأخيرة تكسو وجهه الطاھر. انشغل ابن المسفلة بتحقيق رغبات الناس وقضاء حاجاتھم، ونسي أن يحقق حلمه بالاستقرار في مكة المكرمة، وأن يلاقي ربه وھو يعيش قرب الحرم الشريف.. حلم كان يراوده ليعيش في ظل التقاعد ساكنا بعيدا عن الضجيج، ولكن محمد عبده يماني لم يمت قاعدا.

الدكتور محمد عبده يماني .. كريم الشمائل عظيم المروءات

المهندس أحمد عبد الوهاب آشي
رحم الله توأم روحي أبا ياسر ، لقد كنت على موعد معه يوم الثاني من شهر ذي الحجة للصعود إلى مكة المكرمة لتقديم واجب العزاء في السادن العزيز المرحوم الشيخ عبدالعزيز كدأبه في مشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم .. وكان هذا ديدنه دائماً مهما كان في ذلك الأمر من إرهاق ومشقة عليه وتراه مسروراً وفرحاً فيما يقوم به وكنت أرافقه في كثير من الأحيان هذا التواصل والمودة مع الناس كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم وجيههم وبسيطهم ولكنه سبقنا إلى دار الحق وتركنا في هذه الدنيا الغرور.
كان رحمه الله يفشي المحبة والسلام بين الجميع لا تراه إلا مبتسماً بذلك الوجه النوراني، عف اللسان، بذلك التواضع والأدب الجم مع كل من يقابله من الناس، ينفرد بهذه الخصوصية حتى مع الأطفال ويشعر كل من يقابله بأنه يخصه وحده بالاهتمام وهذه ميزة ينفرد بها رحمه الله وهو من الذين يسارعون في الخيرات وينفقون عن سعة, يجبر كسر هذا ويفرح قلب هذا فهو أمة في رجل وركن من أركان المجتمع المكي بل ركن من أركان الوطن وكان رحمه الله يحثني دائماً ويشركني في فعل الخير وكم فرَّج بعد توفيق الله كربة محتاج وهو لا يفتأ مدافعاً منافحاً ومناصراً لكل ذي مظلمة وكذلك اصلاح ذات البين.
أيها الشيخ الجليل الفارس النبيل، إهنأ في مرقدك الأخير تتنزل عليك شآبيب رحمه الله.. وأنا لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنى عليك من غمرته بفضلك وإحسانك وأزلت بعد الله ضيقته وما اتفق اثنان أو أكثر كما اتفقوا على محبتك ولا نستطيع أن نعدد مآثرك وحسناتك في كل وجوه الحياة، جزاك الله خيراً لما قدمته لأمتك ووطنك.رحم الله الشاعر السفير حسين فطاني عندما قال في قصيدته يا قبلة المجد:

وعز في الناس من عزّت بلادهم لما أشادوا لها أو شيدوا فيهــــــا

وكما قال والدي المرحوم عبدالوهاب آشي في قصيدته:
ما مات من خلدت صحائف مجده ولسعيه الوطن العزيز مصــــدق

وهذا الإمام الشافعي رحمه الله يقول:
الناس للنّاس ما دام الوفاء بــــــهم والعسر واليسر أوقات وساعـــات
وأكرم الناس من بين الورى رجل تقضى على يده للنّاس حاجـــــات
قد مات أقوام وما ماتت فضـائلهم وعاش قوم وهم في الناس أموات

ويا حبذا أن يخلد اسم الفقيد الجليل بمعلم بارز في مكة المكرمة وغيرها من مدن المملكة.. رحم الله فقيد الأمة، فهو حيّ بمآثره ومكارمه، وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان وبارك له في أبنائه البررة.وأنا أدعو جميع محبيه والعارفين بفضله وغيرهم أن يتأسّوا ويقتدوا بأخلاقه ويسيروا على نهجه ومنهاجه فهو نعم المربي الإسلامي ونعم العبد إنه أواب بإذنه تعالى وجعله من الكرام البررة إنه سميع مجيب.و"إنا لله وإنا إليه راجعون".