شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

ان من واجب الذين يتصدون لمديح الرسول صلى الله عليه وسلم ان يلتزموا بآداب هذه المديح ، وان يحرصوا كل الحرص على ذلك المنهج الرباني الذي وصفه الله به ، ثم ما تحدث به عليه الصلاة والسلام عن نفسه وأدبه ، ، ثم السير على نهج الصحابة الكرام في مديحهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتزامهم الأدب معه في وصفه ووذكر مناقبه ،  فلا يصح بأي حال من الأحوال أن نخالف هذا المنهج ، ولا هذه السنة ، بل يجب الالتزام بهما في كل حديثنا عنه صلى الله عليه وسلم

 تأدبوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

(إن القمرين الصناعيين العربيين "عرب سات ونايل سات" هما إثنان من أنجح المشروعات العربية في التاريخ الحديث الذي يتم بواسطتهما تعزيز استقلالنا في مجال الفضاء. وبرغم أن القمرين مصنَّعين في الخارج، وبرغم إطلاقهما الذي تم بوساطة صواريخ أجنبية، إلا أنه – على الأقل – يخلصانا من تحكم الشبكات الفضائية التي كنا نلجأ لاستخدامها والتي كانت تضيع علينا الكثير من الفرص للبث المباشر أو الحي، وتفرض علينا أن نسير وفق ظروفها وتوقيتها دون أي اعتبار لطبيعة الحدث عندنا).

 أحاديث في الاعلام

أنا ممن يعتقدون بأن البترول ثروة عارضة وعابرة ، وقد كنا أمة ذات حضارة وذات قيم وذات مبادىء وذات تاريخ ، ولايصح بأن نوصف بصفة مادية عابرة كدول بترولية،

 الجيويوجيا الإقتصادية والثروات المعدنية في المملكة العربية السعودية

الحب والفراق انه محمد عبده يماني

الحب والفراق

إنـه محمد عبده يمانـي

سيرة ذاتية كتبها :كمال عبدالقادر 

 

توطنة ...

وصل الدكتور محمد عبده يماني، إلى المستشفى السعودي الألماني، بعد صلاة عشاء

الأول من ذي الحجة عام 1430 ھ، بسيارة أحد الحضور في مجلس الأمير خالد الفيصل،

حيث أُغشي عليه في المجلس، كان آخر كلامه مع الأمير ھو الحديث عن حلقات تحفيظ

القرآن الكريم، بعد قرار سعودة مدرسيه.

يقول لي الأخ قينان الغامدي، وھو آخر الزملاء الإعلاميين في حياة الدكتور محمد عبده

يماني، أنه رأى الدكتور بدأ "يكح" بشكل متواصل، أثارت إنتباھه، فطلب له كوباً من الماء،

علَّ ھذه الكحة تسكت وتھدأ، ولكنھا استمرت، فسأله قينان إذا كان ھناك دواء يأخذه، للسكر،

مثلاً، فقال له الدكتور أنه لا يعاني من مرض السكر، وعاد إلى نوبة الكحة، فرأى الأمير خالد

الفيصل أن يطلب له طبيباً، فقال له اليماني: سأذھب إلى الطبيب بعد أن أخرج من ھنا، ولكن

الأمير اتصل بالطبيب، وما أن وصل وكشف عليه، فوراً، طلب نقله إلى المستشفى، ولم يكن

يرى الطبيب أن ينتظروا سيارة الإسعاف حتى تأتي، لأن معاليه بدأ يفقد الوعي، رويداً..

رويداً، حمل بعض الحضور معالي الدكتور إلى سيارة عادية، التي أسرعت إلى المستشفى.

في ھذه الأثناء اتصل بي الأخ قينان، لكي أُبلّغ أحداً من أولاد الدكتور، لأنه يعلم قربي

منھم، وأبلغني أنھم سيذھبوا به إلى المستشفى التخصصي، وبالفعل اتصلتُ بالأخ المھندس

عبدالعزيز محمد عبده يماني.

وفي الجانب الآخر، شعر من في السيارة التي تحمل د. محمد عبده يماني، وھو مغشي

عليھ، أن حالته بدأت تزداد سوء، وكان المستشفى السعودي الألماني، ھي الأقرب، ففروا

إليھا، واستقبلوه الأطباء في قسم الطوارئ.

كنتُ وقينان، قد ذھبنا إلى المستشفى التخصصي، وانتظرنا، وقالوا لنا، في قسم الطوارئ،

أن قصر الأمير خالد الفيصل، أبلغھم بأن الدكتور سيأتي إليھم ليتھيأوا لإستقباله، ولكن طال

إنتظارنا، فرأينا أن نذھب إلى المستشفى السعودي الألماني، ولما وصلنا إلى قسم الطوارئ في

المستشفى، رأينا جموعاً غفيرة تجمعت عند باب الطوارئ، و حين سألنا عن حالته، كانت

الإجابة مبھمة، والوجوه مضطربة والحال لا يطمئن، دخلتُ إلى ماقبل الغرفة الصغيرة، رأيتُ

الدكتور اليماني ممدداً، سألتُ أول طبيب يخرج من الغرفة عن حالة الدكتور، أجابني إجابة

مقتضبة.. "ادعي له"... بعد قليل، سمعنا أحد الأطباء يخرج ويقول "الحمد لله.. استجاب القلب

لعملية الإنعاش".. كأني فھمت، حينھا، أن قلب الدكتور يماني كان متوقفاً، وھذا يعني أن

الدماغ لم يصل إليھ الأوكسجين فترة من الزمن.. سألتُ الله أن يلطف بمعاليه.

خرج السرير المتحرك من غرفة الطوارئ، وبشكل سريع جداً، انتقل إلى الدور الأول في

العناية المركزة، رجعتُ والأخ قينان إلى خارج المستشفى نتسآءل عما سيحدث للدكتور

يماني، حينھا وصل الأستاذ عبدالمقصود خوجة والدكتور أيمن حبيب، نائب رئيس تحرير

جريدة عكاظ، ودار الحوار بيننا حول حالة معاليه، ونحن نمشي قي دھاليز المستشفى إلى أن

وصلنا الدور الأول.. دخلنا العناية المركزة، ورأيناه مسجىً والأجھزة تعمل من حوله.

الدكتور خالد بترجي خرج لنا من غرفة العناية المركزة، وقال لنا "إن معاليه جاءنا وقد

فارق الحياة قبل خمسة عشر دقيقة من وصوله، حاولنا إنعاش قلبه حتى استجاب، وھو يعمل

بالأدوية والأجھزة، وإذا مرّت الأربع والعشرين ساعة القادمة، دون مضاعفات، يكون قد

تجاوز مرحلة الخطر"

عدنا أدراجنا نسأل الله العلي القدير أن يلطف بمعاليه 

وصل الخبر إلى حبيبه وتوأم روحھ ورحيمه وصديق العمر الأول والأخير.. الشيخ صالح

كامل الذي كان في دمياط، ثلاث ساعات ونصف استغرقت رحلته إلى القاھرة.. تأخر وصول

طائرتھ الخاصة، وصل إلى جدة الساعة الرابعة صباحاً، فوراً انتقل إلى المستشفى.. رأى

حبيبه مسجى.. لم يتكلم الشيخ صالح، كما قيل لي، ظلَّ ينظر إلى الدكتور يماني، كأنھ يتأمله

كأنھ يحاول أن يقول لنفسه، إنھ ليس الدكتور محمد عبده يماني، إنه شخص آخر، لكن الحقيقة

ھي أن الجسد الفاقد للوعي الذي يرقد أمامه، ھو حبيبه وصديق عمره الدكتور محمد عبده

يماني.. ھو بكل الدلائل.. وبكل الملامح.. وبكل الصفات.. إلا صفة واحدة غابت.. وھي

ابتسامته!!..

صمت.. ألم.. صدمة.. مصيبة، ظلَّ الشيخ صالح على ھذه الحال قرابة ساعتين، قالوا له

إنك مُتعب.. عد إلى البيت.. لترتاح.

عدتُ إلى المستشفى قبل صلاة ظھر اليوم الثاني، التقيتُ المستشار عبدالله محمد عبده

يماني، وقال لي إن والده كان قد قرر أن يعود ليسكن مكة المكرمة.. مسقط رأسھ، ولم يكن

يشغلھ في الشھرين الأخيرين من عمره إلا قصة بناء بيتھ الجديد في مكة، وكيف أنه بكي

المستشار عبدالله، عندما قرأ آخر لقاء صحفي مع والده، الذي كان ينعى نفسه في ذاك اللقاء.

وصل الشيخ صالح كامل إلى المستشفى بعد صلاة الظھر.. تخنقه العبرات.. الأخبار تأتي

شحيحة.. كئيبة، ففي الساعة الثانية والنصف ظھر اليوم الثاني من ذي الحجة، وبھو المستشفى

يغص بالزوار، جاء الدكتور خالد بترجي واستأذن الشيخ صالح وأولاد الدكتور محمد عبده

يماني، لينفرد بھم، وكأن خبراً مؤلماً سينقض علينا، وبعد فترة قصيرة من الوقت، رجعوا..

وفھمنا بأن القلب يعمل لكن الدماغ شبه معطّل.

في الساعة الثامنة مساء، بدأ الأطباء والعائلة يتدارسوا قرار نقل الدكتور يماني إلى

المستشفى التخصصي ومن ثمَّ إلى ألمانيا، لأن حالتھ، يبدو أنھا بدأت تتدھور.

يقول لي الدكتور خالد بترجي، أثناء إعدادي للفيلم الوثائقي عن حياة معاليھ "إنني ولأول

مرة في حياتي الطبية، التي تزيد على الثلاثين عاماً، أرى من ھو في غيبوبة كاملة، أراه

يبكي.. نعم، إنه كان يبكي.. وكأني به دموع الفراق.. بكاء الوداع..!!"

الساعة التاسعة مساء، تقريباً، توقف القلب "الطيب" حاول الأطباء إنعاشه.. لكن، وبأمر

الله، سبحانه وتعالى، لم يرد القلب أن يعود إلى ملايين المحبين.. جاءني الأخ سعود دھلوي،

ونحن في بھو المستشفى.. قال لي باكياً "الله يرحمه.. مات الدكتور" يا إلھي.. مات الدكتور؟

كأن جميع من في البھو كانوا ينظرون إلينا.. وكأن الخبر تسرب إليھم من خلال مشاعر

الترقب التي كنا نعيشھا.. ولكنھم لم يتأكدوا، أو بالأحرى، لا يريدوا أن يتأكدوا من الخبر..!!

كأنھم خافوا من وقعھ عليھم..

لكن سرعان ما نزل المھندس عبدالعزيز محمد عبده يماني ومعه الأخ عبدالله صالح كامل،

وأعلن لمحبي الدكتور، قال "أُعزيكم في وفاة والدي.. لقاد مات محمد عبد يماني"..!!

وفي زمن، أسرع من الوميض، انتشر الخبر في كل أرجاء القلوب التي أحبته، فھرعت

إلى المستشفى.. علّھا ترى حبيبھا قبل أن يوارى الثرى..

كنتُ مع الأستاذ محمد سعيد طيب والأستاذ عبدالمقصود خوجة، نقذف بخبر الوفاة إلى

بعضنا البعض من خلال نظراتنا الكسورة بألم الفراق، والكل واجم.. الكل يعزي الكل، كأنما

جمعنا "اليماني" لنكون كومة من "الفجع" لا نملك إلا أن نتكاتف لنواجه تلك الصدمة المدوية..

التي أغلقت باباً من أبواب الخير.. والحب.. والإنسانية.. والطيبة.. والوطنية.. والعلم..

والتواضع.. والفكر.. لقد أخذت منا تلك الصدمة، وبيد غليظة، صاحب القلب الطيب.

وفي ذلك الوقت الشاحب.. رأينا باب المصعد يُفتح ليخرج كرسياً متحركاً يحمل ھماً..

وألماً.. وذھولاً.. وبكاء.. وشجناً.. وتماسكاً.. رأينا الشيخ صالح كامل.. أقبل الكل يعزيھ في

ھذا الفقيد الغالي.. وھو يغالب نفسه..

بعدھا نزل معالي وزير الإعلام الأخ الدكتور عبدالعزيز خوجة، متلثماً بالبكاء محاولاً أن

يتماسك، إلا أن رحيل صديق عمره لم يسمح له أن يقف دون أن يتلحفه الحزن الكئيب..

أما الأخ الصديق السيد عبدالله فدعق، قد سنح لنا القدر من خلاله أن يصحبنا، محمد سعيد

طيب وعبدالمقضود خوجة وأنا، من السلالم الخلفية لنصعد إلى العناية المركزة، وكأننا نزحف

على حزننا وشوقنا إلى غرفة الدكتور يماني، لنرى الصديق والأب والمعلم والمفكر

والإنسان.. مسجىً..

أنھ فارقنا..

ورحل إلى رب رحيم..

إلى رب كريم!!

نظرنا إليه النظرة الأخيرة، وكان معھ إبنه البكر.. ياسر، وقد حمل وجھُه البؤسَ في

ملامحھ.. تقبّل منا العزاء.. عدنا أدراجنا نتسكع في ذلك الوقت القصير.. ولكنھ كان

طويلاً..!!

سمعتُ صوت نحيب معالي السيد أحمد عبدالوھاب، في بھو المستشفى، يبكى بأعلى

صوته، بكاء الطفل على فراق أمه.. ومعه الدكتور عبدالعزيز خوجة، محاولاً تھدأته على

الفراق.. وكان يبكي.. يصمت ثم يبكي.. ويقول كنتُ على موعد معه.. وفجأة ينظر إليّ

ويسألني "كمال.. ھل مات عبده يماني؟" وينتظر إجابتي، كأنھ يعتقد أني سأقول له "لا.. يا

سيد.. لم يمت" فتداھمه نوبة البكاء قبل أن أتكلم.

خرجنا، كلنا، من المستشفى، اتصل بي الصديق الدكتور عبدالعزيز الصويغ.. ولم أسمع

صوتھ، على الإطلاق، سمعتُ نحيبه يشق فؤاده حسرة على وفاة رئيسه في وزارة الإعلام..

كأنه يريد مني أن أعزيه، ولكن ھيھات.. ھيھات، فكلانا كان ينوح من ألم..!!

وأنا في الطريق إلى بيتي، كنتُ أسأل نفسي، كيف سيكون الغد ولا يوجد محمد عبده

يماني؟ حينھا، وفي غمرة ذھولي وحزني، لا أدري كيف تذكرتُ كل ما دار بيني وبين معالي

الدكتور محمد عبده يماني، من سجل الذكريات التي نشرتھا لھ عام 1414 ھ، في جريدة

المدينة في صفحة "ھولاء يتذكرون".. تذكرت الغرفة الصغيرة اللصيقة بمكتبه في الدور

الخامس في برج دلة القابع في شارع فلسطين.. تذكرتُ جلوسنا أرضاً، فقد أثثھا "جلسة

عربي" تذكرتُ كيف كنا ننتقل بالحديث عن مراحل حياتھ.. في مكة المكرمة.. في ازقتھا..

وكتتاتيبھا.. ومدرسة الفلاح.. وجامعة الرياض، التي تحولت فيما بعد إلى جامعة الملك سعود،

ورحلته إلى أمريكا ثم العودة وزواجه من مريم عبدالله كامل، ثم العودة إلى أمريكا مرة

أخرى، والتخرج والعودة إلى الجامعة والتدريس فيھا.. ثم عمله وكيلاً لوزارة المعارف

للشؤون الفنية.. ثم مديراً لجامعة الملك عبدالعزيز.. فوزيراً للإعلام...!!

كلُّ ھذا...؟!! وفي لحظات قصيرة..

غريبة ھذه الذاكرة تحركنا وتنقلنا من عالم إلى آخر دون أن نشعر، ومن حالة إلى حالة

دون أن ندري، وفي أوقات غريبة.. وفي فترة زمنية قصيرة جداً.. أقصر مما نتخيل، إنھا

تتحكم بنا كما تشاء وكيفما تشاء.. ووقتما تشاء.. وكثيرٌ منا، يحاول أن يھرب من تلك الذاكرة،

إلا أنھ، سرعان ما ينھزم أمامھا..

الذاكرة، ھي الروح التي تجعلنا في حركة دائمة.. الذاكرة ھي التي تفرحنا.. وكما أن

الذاكرة، ھي مصدر كبير من مصادر الألم..!!

ھل فعلاً مات معالي الدكتور محمد عبده يماني؟

نعم مات.. ولابد أن نؤمن بقضاء الله وقدره، ولكننا، كلنا، كل محبي الدكتور، فجعنا بھذه

الخطفة، التي باغتنا بھا القدر.. وخطف منا ما كنا في أمسّ الحاجة إليه.

ورأيتُ أن أعيد نشر تلك المذكرات في ھذا الكتاب، الذي بين أيديكم.. لنتشارك الحب

والحزن..

إنھ أسعدنا بحياته..

إنھ اتعبنا بفراقه..

كمال عبد القادر

جدة

محرم 1432 هـ

ديسمبر 2010 م


ملامح زمن..

ولدتُ أيام الزمن الجميل.. الذي يتفق الكثير، من أبناء جيلي، في كيفية الحياة التي

عشناھا في تلك الأيام.. زمن الحب المتبادل والعطاء.. وعلى أطھر بقاع الأرض.. على أرض

مكة المكرمة..

عام 1940 م، ھو تاريخ ميلادي، في حارة "جياد".. حيث النشأة الأولى من حياتي، ثم

انتقلتُ إلى حارة "المسفلة" وكنتُ أدرس في الحرم المكي الشريف، ثم انتقلتُ إلى مدرسة

الفلاح..

كما كنتُ أدرس في "الكُتّاب" وھو أحد أھم المظاھر التعليمية المنتشرة تلك المرحلة

القديمة، وكنتُ في كُتّاب السيدة "خديجة جاوية" وكُتّاب "مريم البغدادية" وكنّ نساء

فاضلات، يُدرسنَّ الصبية والفتيات ويعتنين بھم، لوجه الله تعالى، دون مقابل، بل كنَّ يُطعمن

الأطفال وينفقنَّ عليھم، وھذا الأمر، لم يكن مستغرباً في ذلك الوقت، إنما ھو سمة ذلك

العصر.

كان والدي، حريصاً على تربيتي تربية مستقيمة وواضحة، وھذا الأمر لم يكن مقتصراً

على والدي فقط، إنما آباء ذلك الجيل كلھ، كانوا حريصين على تربية أبنائھم تربية متدينة

قائمة على الصلاح وحب الخير وحب الآخرين، وما ساعد على ذلك، أيضاً، أن معطيات ذلك

العصر كانت محدودة، ولم تكن ھناك مؤثرات على الجانب التربوي، ولذلك فقد كانت حياتنا

مشبعة بمفاھيم نقية صافية.

وقد كانت القراءة ھي المنفذ الوحيد الذي يخرجنا إلى خارج الحدود، فنھلنا بشكل نھم من

منبع القراءة، وكنا نتبادل الكتب فيما بيننا، واذكر كلاً من الأخوة محمد سعيد طيب والسيد

عبدالله الجفري كنا نتبادل الكتب، إضافة إلى حلقات الدرس التي كانت في الحرم المكي

الشريف، والتي كان لھا الأثر الكبير في توسيع مداركنا الفكرية وتنمية ثقافتنا بشكل عام.

وكنت أعمل مع والدي في الدكان بعد أن أنتھي من المدرسة ووالدي كان يعمل فراناً،

كما كنت أبيع في الحج المبردات و(الشربيت) وكنت أطوّف الحجاج، وذلك، كله، لكي

يشعرني بالمسؤولية ويزرع في داخلي معنى الرجولة، منذ نعومة أظافري، وكان يصحبني

معه في مجالس العلماء السيد علوي المالكي والسيد محمد نور سيف والسيد محمد أمين كتبي.

والدتي كانت أكثر شدة من والدي، رحمھا الله، وھي من بيت الخمرى، وھذا لا يعني أن

الوالد لم يكن شديداً، ولكنھ كان أكثر تفھماً، وكثيراً ما عاقبني، ولكن لم تكن العقوبات ناتجة

من فراغ إنما لأنني كنت أستحق العقاب فعلاً.

وكان على علاقة وثيقة برجل فاضل ھو الشيخ عبدالله كعكي، يرحمه الله، وھو شيخ

(الفرانة) في مكة المكرمة، ولھذا الرجل فضل كبير جداً عليّ، لأنه كان يھتم بي كأحد أولاده،

فلم يكن لديه أولاد، آنذاك، لذلك كنتُ ألقى عناية خاصة منه، وإلى أن توفى كانت علاقتي به

قوية، وكان يھتم بدراستي ويتابعھا، حتى أنني كنت أخبره بأي نجاح أحققه كما أفعل مع

الوالد.

وكنا في مكة المكرمة نفرح كثيراً إذا ما المطر انھل على أجسادنا الغضة، ولا نذھب إلى

المدرسة يوم ھطول المطر.. وعندما ذھبت إلى أمريكا، وبعد أن انتظمتُ في الدراسة، جاء

يوم ھطلت فيه الأمطار بشكل غزير، فلم أذھب إلى الكلية، واستمر المطر ثلاثة أيام، فلم

أذھب إلى الكلية لمدة ثلاثة أيام، بناء على ما كنا نفعله في مكة المكرمة.. ولما سألني أحد

الزملاء عن سبب غيابي، فقلت له (الدنيا بتمطر) فضحك وقال لي: ھنا المطر يھطل يومياً

ولو غبت عن الكلية كلما ھطل المطر فلن تدرس ولا يوم واحد.

فصرت أذھب إلى الكلية تحت المطر والثلوج، وھذا التصرف يدل على براءتنا وصفاء

ذھننا وتمسكنا بكل القيم والسلوكيات التي عشنا عليھا.

ومھنة "الطوافة" من أھم رموز أو مؤثرات الاقتصاد، تلك الفترة، وھي من الدخول

الأولى، إن لم تكن الوحيدة آنذاك، و "الخُلق" ھو عماد ھذه المھنة التي يتشرف بھا كل من

عمل بھا، والمطوف لم يكن يجرؤ أن يطلب من الحاج مالاً نظير طوافته، والحاج، أيضاً،

يستحي أن يعطي المطوف مباشرة، إنما كان يضع ما تجود به تحت (الطوالة) أو تحت

(المفرشة) وعند الوداع كان يقبل يد المطوف كمعلم، ويقول له المطوف (استر ما وجھت)

وكان المطوف ينظر لھذه المھنة على أنھا شرف كبير وخدمة يقوم بھا.

ويرى أنھا فضل من الله أن صار مطوفاً لضيوف الرحمن، ولم يكن المطوف يجمع المال

لكي يستثمره، ولا يمتھن الطوافة من باب الاستثمار، إنما من أجل أن يعيش على ما يأتيه من

الحجاج عامھ القادم، فقط، ھو وأسرته!!

ولم يكن الوضع المادي، بما نراه اليوم، بطبيعة الحال، وإختلاف مصادر المال، بل كان

المال شحيحاً، إلى حد أن من يجمع ألف ريال ويمتلكھا، يسمى بيت "الألفي"..!! انظر إلى أي

مدى، لم يكن للغة الأرقام ذلك الأثر في حياتنا، ولم يكن لھا دور في تركيبة المجتمع.

بعد مرحلة "الكُتّاب" انتقلتُ إلى مدارس الفلاح، في موقعھا الأول، بجوار المسعى،

وكان يرعى ھذه المدارس، ولا يزال فضيلة السيد إسحاق عزوز أطال الله عمره (كتب معاليه

ھذه المذكرات قبل وفاة السيد إسحاق عزوز، يرحمھا الله) وأنا من الذين سعدوا بأن أكون أحد

تلامذته في ھذه المدرسة التي بنيت على الخير والبركة، وقد بارك الله في خريجيھا كثيراً

فمعظمھم تقلد مناصب كبيرة في الدولة.2

وظللت في مدارس الفلاح حتى انتقلت إلى "الشُبيكَة" وحصلت منھا على الثانوية العامة،

وھنا لي قصة مھمة، غيّرت مجرى حياتي، فعلى الرغم من أن نشأتي كانت نشأة أدبية، أردتُ

أن التحق بالقسم الأدبي في الثانوية، لكن لم يكن ھناك سوى طالبين يريدان الالتحاق بالقسم

الأدبي، أنا والمرحوم غازي جميل بغدادي، فلم تستطع المدرسة أن تفتح فصلاً بھذا العدد

فذھب غازي إلى مدرسة العزيزية، حيث كان فيھا القسم الأدبي، ولم أكن أستطيع أن أذھب

معه، لأني كنتُ من رواد النشاط الثقافي والأدبي ومن أبناء المدرسة من المرحلة الابتدائية،

وعزَّ عليَّ أن أترك المدرسة، فقررتُ أن أغير تخصصي، حتى لا أضطر إلى ترك المدرسة،

وھذا سبب كبير لتغيير مجرى حياتي، وظللتُ أصارع بين العلم والأدب، حتى وصلت إلى ما

وصلت إليه اليوم.

وكانت مدارس الفلاح تعطي الثانوية العامة في خمس سنوات، وليس في ست سنوات كما

في نظام الحكومة، فمدارس الفلاح، مدارس أھلية أسسھا المرحوم الشيخ محمد علي رضا،

وكان قد أسس قبلھا فلاح جدة، عام 1323 ھ، ولعبت دوراً ھاماً وكبيراً في الحركة التعليمية

في المملكة، وكان معترفاً بالثانوية العامة الفلاحية، ويدل ھذا على مكانة ھذه المدارس، وقد

كنت آخر من تخرج من الفلاح على نظام الخمس سنوات.

..

عند التخرج من الثانوية، كنتُ أريد أن أُبتعث إلى القاھرة، مثل طلاب مدرسة تحضير

البعثات، ولكن وقع خطأ في إدارة التعليم منعني من البعثة أنا والأخ سالم مليباري، وكان

والدي حريصاً أن أدرس في جامعة الملك سعود، وعندما رأى أن ھذا الحال، سبب لي ضيقاً

وأصابني بالتذمر، لأنني لم أسافر قال لي: (لا تعتقد أن حرصي بأن تبقى ھنا في جامعة الملك

سعود يحول دون تحقيق أمنيتك وتسافر إلى القاھرة، سوف أبيع البيت الذي نملكه وابتعثك إلى

القاھرة) ولكني رفضتُ، رغم إصراره الشديد على ذلك، حتى الأخ سالم مليباري كان لدى

والدته بعض العقار أراد أن يبيعه ليسافر، لكن نصيحة أساتذتنا، مثل الشيخ إسحاق عزوز

والسيد علوي المالكي، بأن ندرس في جامعة الملك سعود ھدأت من (زعلنا) وسافرنا إلى

الرياض.

وكنا خمسة طلاب تخرجنا من مدرسة الفلاح، سالم مليباري وأحمد باسھل وعمر منشي

وعدنان خضري وأنا، وذھبنا إلى مدير القبول والتسجيل، آنذاك، الأستاذ عبدالرحمن

عبدالكريم، وقلنا له أننا نحمل برقية من إدارة التعليم تتضمن أولويتنا في القبول فقال (الله

يحييكم ما جانا غيركم).

وقبلنا في الجامعة، عام 1959 م، ولم أكن أحب الكيمياء، فاخترت الجيولوجيا بكلية

العلوم، كنا ندرس في غرفة وننام في غرفة، لأنه لم تكن توجد أماكن لسكن الطلاب، وكان

مدير الجامعة، حينھا، الدكتور عبدالوھاب عزام، وبعده الشيخ ناصر المنقور، والحقيقة أن

للأخير فضلاً كبيراً في تثبيت عري الجامعة، لأنه، وبوفاة الدكتور العزام اھتزت الجامعة،

ولم تكن ھناك رغبة من قبل البعض في استمراريتھا، لأنھم كانوا يرون أنھا تمثل عائقاً أمام

ابتعاث الشباب للخارج، وكانت تلك نظرة ضيقة، ولكن الشيخ المنقور كان حريصاً على

استمرارية الجامعة.

والذي دعم موقف الشيخ المنقور، ھو رائد النھضة التعليمية، أول وزير للمعارف، آنذاك،

الأمير فھد بن عبدالعزيز، الذي عشق التعليم وأحبه منذ المراحل الأولى، وكان يزورنا في

الجامعة، واستفاد الشيخ المنقور من دعم الأمير فھد وحبه للتعليم وكان يطلعه على احتياجات

الجامعة أولاً بأول، وكان لھذا الدعم دور كبير في استمرارية الجامعة، ثم وصل عبدالعزيز

الخويطر أول سعودي يحمل شھادة الدكتوراه، وصار يساعد الشيخ المنقور في إدارة الجامعة،

ثم صار مديراً للجامعة، ثم الدكتور رضا عبيد، وتوالت بعد ذلك الإدارات على الجامعة حتى

أصبحت من أعرق الجامعات.

ولكن تظل البصمة الأولى لخادم الحرمين الشريفين، الملك فھد بن عبدالعزيز، في دعم

ھذه الجامعة ثم للرعيل الأول الذي درس في ھذه الجامعة، وكانت الظروف صعبة، مادياً، في

تلك الفترة، فكلية العلوم لم يكن فيھا (ميكروسكوب) واحد وكنا نستعير من الأستاذ علي

الشاعر الميكروسكوب الوحيد في الكلية الحربية، وكان حينھا رئيس الكلية الحربية، وكان

يرسله لنا لكي ندرس عليه ثم نعيده إليه مرة أخرى، كعھدة علينا.

وقليل من الناس يدرك ويعرف طبيعة تلك المرحلة الصعبة وقصة الكفاح الطويل إلى أن

شاء الله أن تقف ھذه الجامعة على أقدامھا اليوم وتضم عشرات الآف من الطلاب، وھي

ظروف صعبة، لكنھا كانت في صالح الطلاب، من جانب آخر، فقد كنا نتلقى بما يشبه

الدروس الخصوصية، لأن عدد الطلاب في الفصل لا يتجاوز كما ذكرت خمسة طلاب، وكان

الأساتذة يُعتبرون من كبار الأساتذة في الدول العربية، وكانوا في بلدانھم، يدرسون في الفصل

الواحد مئات الطلاب، ومنھم الأستاذ الكبير مصطفى السقا، وھو من كبار أساتذة اللغة العربية

في مصر، كان يدرس طالباً واحداً في الفصل، ھو الأخ محمد البتر!!

ثم جاء أساتذة كبار يدرّسون في ھذه الجامعة العريقة، وأتمنى قبل فوات الأوان أن توثق

أسماء أولئك الناس والمراحل التي خدموا فيھا في إنشاء الكليات وكعمداء لھا أو رؤساء أقسام،

وأول كلية كانت كلية الآداب ثم كلية العلوم ثم كلية الصيدلة.

وقد سألت نفسي في ذلك الوقت، ھل نحن بحاجة إلى كلية علوم وكلية صيدلة؟ كون ھناك

اھتمامات في مجالات أكثر حاجة، مثل الإدارة والاقتصاد، وأدركتُ أن الدولة في حاجة لأي

تخصص في تلك الفترة، ولأي متخرج وبأي مستوى، كانت أجھزة الدولة تتلقف المتخرج، بل

كانت تشترط لكل من يعمل خارج أجھزة الدولة أن يدفع نفقات دراسته!!

أزمة السعودية ومصر..

الأمة العربية، أعزھا الله بكثير من النعم، لا يمكن حصرھا، ومن أھمھا أنھا ذات دين

واحد ولغة واحدة وتاريخ واحد ومصير واحد، أيضاً، وإذا كان ھناك خلاف بين دولتين، فإن

ھذا الخلاف يظل في السطح ولا يستطيع أن ينفذ إلى جوھر العلاقة.

وما حدث بين مصر والمملكة من قطع في العلاقات في ذلك الزمن، لم تتعد أن تكون

خلافات سطحية نتيجة سياسات وقتية، أدت إلى ھذا الخلاف، لكن ظلت العلاقات الجوھرية

قائمة والحب المتبادل بين شعبي الدولتين لم يتأثر.

لم يتجاوز عمري ثمانية عشر عاماً، آنھا، وبطبيعة الحال كنا متأثرين، كطلاب، ، بتلك

القطيعة لأن أساتذة لنا تركونا ورحلوا إلى بلادھم مصر، والحمد لله، أن ھذه القطيعة لم تستمر

طويلاً.

حين مرت ظروف قطع العلاقات بين المملكة وبين مصر، آنذاك، وتوقف المدرسين

المصريين، وكان لھذا الحدث أن يوقف استمرارية الجامعة، لولا أن ھب أبناء المملكة ممن

يحملون شھادات عليا، أمثال الشيخ أحمد زكي يماني، الذي كان يدرس مادة القانون، والشيخ

ھشام ناظر، الذي كان يدرس مادة الاقتصاد، والشيخ حسن مشاري والأستاذ عمر فقيه

والأستاذ عبدالوھاب عبدالواسع، كل أولئك وغيرھم تدافعوا للتدريس في الجامعة إلى أن

تعاقدت المملكة مع أساتذة من سوريا ومن العراق، آنذاك.

ولابد أن يكون ھناك ايجابيات لأي قرار مھما بدا سلبياً في الظاھر، وكان من أھم

الايجابيات في قرار قطع العلاقات بين مصر والسعودية، ثوب الكعبة، حيث كان يأتي من

مصر عن طريق المحمل، في بداية الأمر، ثم عن طريق البواخر، وعند قطع العلاقات كان

الأستاذ حسين عرب، أطال الله في عمره (لم يكن قد تُوفي حين تسجيل المذكرات) وزيراً

للحج والأوقاف، وقامت الوزارة بعمليات، شبه معجزة، ليوفروا الخيوط والخامات المذھبة

للحزام الذي يحيط بالكعبة، وتم تلبيس الكعبة ثوبھا في نفس الوقت الذي كانت ترتديه من كل

عام، حين كان يأتي من مصر، وبعد ذلك استمرت صناعة ثوب الكعبة في المملكة، ولم تعد

ھناك حاجة لمصر في كسوة الكعبة.

وبعد أن تخرجت من الجامعة، وعملتُ بھا كمعيد لمدة عام، ابتعثتُ إلى الولايات المتحدة

الأمريكية، وكانت عملية الابتعاث عادية، لأن كل من يرغب أن يُبتعث، كانت الفرصة

متاحة، لم تكن ھناك منافسة، وبمجرد أن تعمل معيداً في الجامعة، كان لابد أن تُبتعث، وحتى

لو كنت تعمل في إحدى الوزارات وأردت أن تُبتعث إلى الخارج لاستكمال دراستك، الوزارة

تعمل على ذلك فوراً، فالأمور كلھا كانت ميسرة، بشكل كبير، لأن الحاجة كانت قائمة لشباب

متعلم ليتسلم موقعاً في الإدارات الحكومية ليعمل بھا، وقد أثمرت تلك السياسة في وقت قياسي

ولله الحمد، فقد أصبح لدينا أساتذة أكفاء في كل المجالات، وقد درستُ جيولوجيا اقتصادية

واقتصاديات المعادن، وركزت على دراسات البحر الأحمر والثروات المعدنية، ولازلت

أدرّس ھذه المادة في جامعة الملك عبدالعزيز.

أمريكا.. الھامبروجر

مكة المكرمة بالنسبة لأھلھا، أي ساكنيھا، أمر مھم جداً، ولإنسان بسيط، مثلي، عاش في

مناخ أسري مترابط وحياة بسيطة جداً، في كل مظاھرھا، بعيدة كل البعد عن أي ترف وعن

أي معطيات حضارية، بكل ما تعنيه الكلمة، كيف سيقابل ذلك العالم الفسيح الكبير والغريب

الذي يدعى (أمريكا)؟! ولك أن تتخيل أن "مكاوياً" يسافر لأول مرة في حياته في بداية

الستينات الميلادية، فيذھب إلى نيويورك؟!

وكنت أتوقع أن أصاب بصدمة حضارية كبيرة لكن، ولله الحمد، يبدو أن احتكاك أھل

مكة المكرمة لكثير من الحضارات والثقافات من خلال الحجاج، خفف من وقع الصدمة

وجعلني أتحمل تلك الصدمة وتلك الغربة.

وعندما وصلت نيويورك، كنتُ خائفاً من أن أُسرق، وكان معي 2000 دولار وھو مبلغ

كبير جداً، آنذاك، فوضعتُ المبلغ في الحزام ووضعت الحزام في وسطي، وكنت أشعر بأنه

أفضل مكان لئلا تُسرق الفلوس، وكانت اللغة الانجليزية من أھم المشاكل التي واجھتھا.

ومن المواقف الطريفة التي وقعت فيھا، والمحرجة في نفس الوقت، أن أقرب مطعم

بالنسبة لي كان عبارة عن طاولة دائرية، ويقف الطباخ في وسط الطاولة وينادي على الزبون

قائلاً: (ماذا تريد؟) وبشكل عصبي ولم أكن أعرف ماذا آكل..!! ولا يمكن لي الاختيار، فأنا لا

أتكلم الإنجليزية، وبعد فترة عرفت كلمة (ھمبرجر) وھي كلمة غريبة عليّ، فلم نكن نعرف

في مكة المكرمة (الھمبرجر) وصرت أجلس على الطاولة وأطلب (ھمبرجر) ولكني مللتُ

(الھمبرجر) فقد كنتُ آكله يومياً، فرأيت، مرة، زبوناً يطلب (ستيك) وكان شكله شھياً، قطعة

لحم مع بطاطس، فقررت أن أغيّر طلبي من (ھمبرجر) إلى (ستيك) وعندما جاء دوري

وسألني ماذا تريد؟ بنفس العصبية.. تلعثمتُ ولم أنطق كلمة (ستيك) بطريقة صحيحة، فصار

وبعصبية شديدة يصرخ عليَّ.. ماذا تريد؟ ماذا تريد؟ فقلت له: ھمبرجر.. ھمبرجر!!

وعلى الرغم من تجلدي إلا أن الإحساس بالغربة يسري في جسدي كالقشعريرة،

والمشكلة أن ضعف اللغة يزيد من الإحساس بالغربة، وما كان مؤلماً، آنذاك، أنا والأخ أسامة

عبدالرحمن، وھو صديق لي، كنا نشعر بالفشل في الدراسة، لأننا لم نكن نعرف ما يقول

المدرس لجھلنا باللغة، وكان أسامة شاعراً حساساً، وھو الذي كان يخفف عليَّ غربتي وھو

من أھل المدينة المنورة، وأذكر أنه كتب قصيدة طويلة أرسلھا لي ينعي فيھا فشلنا وضعفنا

ولاسيما أن الجامعة ھددتنا بالفصل إذا لم نرفع معدلاتنا.

ويقول في مطلع القصيدة:

 

هالفكرُ ماحٍ والرجاءُ قليلُ

والنفسُ تسبحُ في محيط واسع

أنى تميل بھا الرياح تميل

حاولت حل المعضلات فلم أجد

غير الرجوع فھل لديك بديل؟

حملتك جامعة الرياض مراتبا

كنفاتھا الاظلال والتظليل

ما بين ممتاز وجد جيد

ھي في حقيقة أمرھا مقبول!

بعد أن عدت من أمريكا بعد حصولي على شھادة الماجستير، تزوجت من مريم إبنة الشيخ

الفاضل الوالد عبدالله كامل، وكانت ولازالت زوجة فاضلة لھا دور مھم جداً في حياتي، فقد

تحملت الكثير من المتاعب والمشاق، خاصة في أمريكا، حين كنتُ أحضّر رسالة الدكتوراه

وبطبعي أنا أحب الحركة وأحب الفعاليات، فكنتُ رئيساً لجمعية الطلبة العرب، ثم رئيساً

لجمعية الطلبة المسلمين، وكنت شبه قاض ومأذون شرعي، وكان الطلبة المسلمون يفطرون

في المركز أول يوم العيد، وكانت زوجتي تعد الأكل لأكثر من خمسمائة شخص، وھذا

المركز ھو مركز الديانات المشتركة.

وكان لاختياري لزوجتي أسباب عدة، منھا أنھا من بيت صالح ومعروف ووالدھا من

رجالات الدولة الكبار، وأخوھا كان زميل دراسة وھو صالح كامل، وكانت الناس تقدر والدھا

بشكل كبير، وقد رزقني الله من ھذه الزوجة الفاضلة ثلاثة أولاد ياسر وعبدالله وعبدالعزيز

وثلاث بنات أكبرھن ما تزال في المرحلة الثانوية.

بعد عودتي من الولايات المتحدة الأمريكية وقد حصلت على درجة الدكتوراه في

الجيولوجيا الاقتصادية، وكان حينھا الدكتور عبدالعزيز الخويطر ھو مدير الجامعة وكان عدد

أساتذة الجامعة السعوديين لم يزد عن خمسة أساتذة، فقط، لكن عدد الطلاب أخذ في الزيادة

بشكل واضح وافتتحت كليات جديدة ككلية الطب وكلية الزراعة.

عملتُ في الجامعة، كأستاذ، في كلية العلوم لفترة، ثم انتقلتُ إلى وزارة المعارف، كوكيل

وزارة للشؤون الفنية، وكان للشيخ حسن آل الشيخ فضل في ذلك.. فھو الذي اختارني لھذا

المنصب.

وبشكل عام، كانت أجھزة الدولة في ذلك الوقت تحتاج إلى كل القدرات السعودية المتعلمة،

لأن الدولة، كانت في فترة نھوض في القطاعات الحكومية، فأي شاب سعودي متعلم تتھافت

عليه كل القطاعات ليعمل بھا، والسبب في ذلك، بطبيعة الحال، قلة عدد المتعلمين وقلة عدد

سكان المملكة بشكل عام، وأحمد الله أني كنتُ من أبناء ذلك الجيل، لأني حظيتُ بما فيه من

معطيات كثيرة ساعدت، وبشكل كبير، على تكوين شخصيتي، كما ساعدت على اكتساب

الكثير من التجارب والخبرات في الحياة العملية، وعلمتني كيفية التعامل مع الآخرين بشكل

فيھ الكثير من الدراية ببواطن الأمور.

 

الجامعة الأھلية

قبل أن أقوم بالعمل في وزارة المعارف، كنتُ أعد وأقدم برنامجاً في التليفزيون اسمه

(ندوة التليفزيون) ألتقي فيه بعدد من المفكرين والمثقفين وأطرح معھم العديد من القضايا

الفكرية التي تھم المثقفين والمفكرين، آنذاك، ومن ضمن أولئك الذين التقيتُ بھم فضيلة الشيخ

محمد متولي الشعراوي، وكان لأول مرة يظھر في التليفزيون، بشكل عام، والتليفزيون

السعودي بشكل خاص، وكان مبدعاً في الحديث، ولفت انتباه الأستاذ المذيع أحمد فراج وحثني

على الاھتمام بالشيخ الشعراوي واستقطابه للحديث في التليفزيون، وبعد إلحاح على الشيخ

صار يقدم معي البرنامج وأسميته(رفيق الندوة) وكان يحاور الضيوف بشكل رائع ويثري

البرنامج بروعة أسلوبه الشيق وفكره واطلاعه الواسعين، مما ساعد في زيادة نجاح البرنامج،

وفتح الله على الشيخ الشعراوي، بعد ذلك، وانطلق، نجماً تليفزيونياً، يقدم العديد من البرامج

الدينية في التليفزيون المصري حتى صار إلى ما صار عليھ اليوم.

وبعد أن عملت في وزارة المعارف كوكيل للوزارة للشؤون الفنية لفترة زمنية، انتقلتُ عام

1973 ................إلى جامعة الملك عبدالعزيز، كأول مدير لھا، وقد انتقلتُ إلى جامعة

حكومية، بعد أن كانت أھلية، وأعلى منصب فيھا، حين كانت أھلية ھو وكيل جامعة، لم يكن

فيھا مسمى وظيفة مدير جامعة، وبذلك أكون أول مدير لھا وقد شرفت بذلك.

وعندما بدأت أمارس وظيفتي في الجامعة كان عدد طلابھا لا يتجاوز 150 طالباً

ومواردھا كانت محدودة، وكان الطلاب يھربون منھا إلى جامعة الملك سعود، لأن عدد

سنوات الدراسة فيھا كانت خمس سنوات، السنة الأولى كانت سنة تحضيرية، ولم يكن ھذا

النظام معمولاً بھ في جامعة الملك سعود.

وكان أول قرار اتخذته في جامعة الملك عبدالعزيز ھو أنني ألغيتُ تلك السنة التحضيرية

وصارت مدة الدراسة بالجامعة أربع سنوات، واحتج عدد كبير من الزملاء، آنذاك، ولكنني

بررتُ لھم سبب القرار، ولنكون مثل جامعة الملك سعود، ولترغيب الطلاب بالانضمام إليھا،

وإن كنتُ لا أنكر أن لھذه السنة التحضيرية دوراً كبيراً ومھماً في تأھيل الطلاب قبل

انخراطھم في الحياة الجامعية.. ولو كان لي من الأمر شيئاً لأعدت ھذه السنة مرة ثانية.

وأنا مدير لجامعة الملك عبدالعزيز، كنتُ أشعر أنني في مصنع للرجال.. فحياتي الأكاديمية

عمّقت إحساسي بأنني أساھم في بناء أجيال متلاحقة، وكنت أشعر بفخر واعتزاز بأني على

رأس مؤسسة تقدم خدمة جليلة للمجتمع.

وكنتُ حريصاً، منذ تولي زمام الأمور في جامعة الملك عبدالعزيز، على أن تأخذ طريقھا

إلى التطور بخطى ثابتة وسريعة، وكان ھناك تعاون كبير من الھيئة التأسيسية للجامعة، رغم

أنھم تركوا الجامعة إلا أنھم ظلوا يمدونني بتعاونھم البناء.

كما أن القائمين على العمل، آنذاك، ساھموا، أيضاً، في تطوير الجامعة واذكر منھم

الدكتور عبدالله نصيف، الذي كان يعمل في جامعة الملك سعود وجئنا به إلى جامعة الملك

عبدالعزيز والدكتور عبدالله باسلامة، الذي حمل لواء كلية الطب بالجامعة والدكتور عمر أسعد

الذي عشق كلية الطب.

وھناك العديد من أولئك الرجال، أعتذر عن عدم قدرتي الذھنية لتذكر الكل، لكن لا شك أن

أسماءھم تسطر من نور وتكتب في سجل الكبار، لأنھم ساھموا في تطوير جامعة الملك

عبدالعزيز بشكل كبير جداً، سواء كانوا في الإدارة العليا أو أساتذة في الكليات، ولولا فضل

الله عز وجل، وجھود أولئك المخلصين، لما استطاعت أن تقفز الجامعة ھذه القفزات

الحضارية المذھلة في فترة وجيزة.

وتعتبر جامعة الملك عبدالعزيز، رائدة في تأسيس المنھج اللاصفي وأقامت أول مؤتمر

للأدباء في المملكة، ومنحتُ أول وسام يُمنح في البلاد، فقد كانت ھناك (ميداليات) ولم تكن

معروف، آنذاك، مفھوم "الوسام" والكل يتساءل عن ھذه الميداليات، ولأول مرة جامعة تمنح

ھذه الأوسمة ھذه الميداليات.. وكرمنا أدباء المملكة بصورة جميلة تظل في ذاكرتي إنھا من

أروع المؤتمرات التي عقدت وأتمنى أن تتكرر.

وعقدنا مؤتمراً للمعلمين، وكان له نتائج فعالة وكبيرة وانعكست على تطوير المعلم

وتطوير المناھج، كما أقامت الجامعة، في تلك الفترة، المؤتمر الاقتصادي الأول، وھو أول

مؤتمر اقتصادي عُقد في رحاب جامعة الملك عبدالعزيز.

كل تلك الندوات والمؤتمرات، وغيرھا، أوجدت ھمزة وصل قوية بين الجامعة وبين

الجامعات العالمية وجعلت لھا مكانة مرموقة بين جامعات العالم، والمرونة التي كان يتسم بھا

ذلك الوقت، لعبت دوراً في تسھيل الكثير من الأمور، وساعدتنا على تطوير الجامعة.

وبدأت نسبة قبول الطلاب تزداد، وفتحت كليات جديدة، مثل كلية الطب وكلية الھندسة

وكلية علوم البحار، وبدأنا في تنويع التخصصات المختلفة في الكليات، وبدأت أعداد تصل من

خارج المملكة للدراسة في الجامعة، وتوالى بعد ذلك رجال أداروا دفة الجامعة ووصلوا بھا

إلى ما وصلت إليھ اليوم.

وكان لمعالي الشيخ حسن آل الشيخ، وزيرالتعليم العالي، يرحمه الله، دوراً فعالاً ومؤثراً

في النجاح الذي حققناه في جامعة الملك عبدالعزيز، وأقول عنه، للتاريخ، إنه كان رجلاً يمتلئ

حباً للخير وحباً في تقديم كل ما يستطيع لإنجاز وإنجاح أي عمل وطني، وكان مرناً معنا،

بشكل كبير، في سبيل تحقيق الھدف الأسمى للدولة، وما تميزت به فترة عملي مع معالي

الشيخ حسن آل الشيخ، سواء كانت في وزارة المعارف أو وزارة التعليم العالي، كانت فترة

عطاء منقطع النظير، وھو رجل ذو قلب كبير، وإذا لم ينفعك في شيء فلن يضرك، مھما كان

الأمر، ولم يتعمد، يوماً، إيذاء أي أحد، ولم يكن رجلاً معقداً، وليس ذا أھواء شخصية، ويعتبر

ثروة ورجلاً من رجالات الدولة العظام، ساھم في دفع حركة التعليم عدة سنوات طويلة.

ھذا العمل الدءوب، كان امتداداً لبدايات جامعة الملك عبدالعزيز، عندما كانت جامعة

أھلية، وأجدني، ھنا، أبوح بإحساسي الصادق عن تلك المرحلة في حياتي، فحين أتحدث عن

جامعة الملك عبدالعزيز، أشعر بسعادة في الحديث عنھا، وعندما أذكر أولئك الناس الذين

بذلوا أموالاً طائلة في ذلك الوقت وضحّوا بالغالي والنفيس في سبيل تحقيق رسالة وھبوا

أنفسھم لھا.

أولئك الذين أعطوا صورة رائعة من التلاحم بين الحاكم والمحكوم.. بين الراعي

والرعية.. حين أسسوا جامعة الملك عبدالعزيز، كم أكون في غاية السعادة عندما أتذكر الشيخ

أبو بكر باخشب باشا، وھو يتبرع بمليون ريال لإنشاء الجامعة، وكان ھذا المبلغ قبل أكثر من

ثلاثين عاماً (وقت تسجيل المذكرات) يعتبر مبلغاً كبيراً جداً، والذي دعم مسيرة الجامعة

آنذاك، وھذه صورة مشرفة في غاية الجمال والإبداع في العطاء، حين استعرضھا في مخيلتي

أصاب برعشة حب للوطن وبانتعاش صادق للعطاء ونشوة عارمة بالوفاء.. وھذا العطاء جاء

ضمن عطاء كبير من كوكبة درية يكاد زيتھا يضئ لو لم تمسسه نار، ھي اللجنة التأسيسية

للجامعة الأھلية، حفرت أسماؤھم بنور في سجل العلم وتاريخ التعليم في ھذه الدولة، وعلى

أرض ھذا الوطن، وكم أراھا أياماً عطرة عبقة بالحب وروح الأسرة الواحدة، عندما كنتُ

مديراً للجامعة، لأنني كنتُ أعمل مع أخوة منحوا الجامعة أرواحھم ووقتھم وقاوموا كل

الظروف والتحديات لتستمر وتنھض وتسمو.

أذكر من أولئك الرجال، وھم كثر، الدكتور محمد عمر الزبير والدكتور محمد علي

حبشي، والدكتور حسن أبو ركبة، يرحمھ الله، والدكتور مدني علاقي والدكتور عبدالله بغدادي

وغيرھم، واعتذر لكل الذين لم أذكرھم، وعدم ذكري لھم يأتي من باب عامل السن، وإنني قد

خرجتُ من تلك المرحلة، وقد خرجوا كلھم من عقلي، وتربعوا قلبي، الذي كان يشاطر عقلي

في حبھم، وما زال عدد منھم اليوم موجوداً وقد عدتُ زميلاً لھم في الجامعة.

فقيامھا يعتبر رمزاً من رموز التعاون بين الحكومة وأبناء الشعب في قيام ھذه الدولة الفتية

وتطويرھا إلى ما ھو أفضل، وأتمنى أن تتكرر ھذه التجربة مرة ثانية، لاسيما وأننا في حاجة

إلى جامعة أھلية في ھذا الوقت أكثر من أي وقت مضى، (حين كتابة ھذه المذكرات لم تكن

ھناك جامعات أھلية قد أنشأت) ومن حسن الحظ أن نظام التعليم العالي الجديد، صدرت فيه

نصوص تشجع على قيام جامعات أھلية، وإن شاء الله ترى ھذه الفكرة النور مرة ثانية،

وتعتبر جامعة الملك عبدالعزيز رائدة في تعليم الفتاة السعودية فلم يكن ھناك قسم في جامعة

الملك سعود لتعليم الفتاة.

الوضع الراھن

ولابد أن نقف اليوم وقفة مخلصة، كما وقفنا في السابق، وأعطينا مثلاً لما يمكن أن تقوم به

ھذه البلاد، يجب أن نقف الآن ونعيد النظر في تخطيط الجامعات، لأن الأمر بلغ مداه وھناك

خطورة عظيمة أراھا من تكدس الشباب على أبواب الجامعات، لأنه ليس ھناك من يرشدھم

إلى باب غير باب الجامعة، الكل يقف على باب الجامعة، لأنھ الباب الوحيد، ولم نعطه

البدائل، ومن المؤسف، أن يتخرج آلاف من شبابنا إلى الشوارع، في وقت نستقدم فيه آلافاً من

الأيدي العاملة من الخارج، الدولة قدمت جھداً كبيراً في مجال التعليم، إذاً لابد أن نتعاون في

إعادة الصيغة التعليمية، مرة أخرى، ونرشد أبناءنا إلى القطاعات المنتجة البديلة حتى نستطيع

أن نكمل المسيرة، ولا يعاني أبناؤنا من ھذا الفراغ الكبير، وأرى أن نتوقف عن قبول أي عدد

في الجامعات، حالياً، بمجرد أن يتقدم للجامعة، ويجب أن ندرس سياسة القبول في الجامعات،

وھي تحتاج إلى إعادة ترشيد، وھذا الترشيد يعني توجيه الشباب إلى وجھات أخرى غير

الجامعة، وأن الجامعات نفسھا يجب أن تعيد النظر في برامجھا، بحيث توجد تخصصات ذات

علاقة بالمجتمع، لا تعيش في أبراج عاجية وتستمر في تخريج آلاف مؤلفة في تخصصات

ليس لھا عمل.

وكل جامعات العالم تؤمن أنھا في خدمة المجتمع، وعلى جامعاتنا أن تؤمن بھذا الھدف،

أيضاً، وتعيد التخطيط لھ، وليس عيباً أن نخطط بما يتفق مع طبيعتنا، لن يضر الجامعة ولن

يقلل من مستواھا ولن يقلل من مكانتھا العلمية أن تعيد تخطيطھا بالشكل الذي يخدم المجتمع،

وأن تنشئ برامج الدراسات المتوسطة لمدة سنتين، وإذا لم نعد ذلك التخطيط، سيستمر ذلك

التدفق وھذا التخرج، سيضيع الطلاب وسيكونون عبئاً على الدولة، سيكونون في ضيق ونجد

الشباب قلقاً غير راض عن نفسه وعن مجتمعه، وھذه نتائج سلبية بكل المقاييس وخسارة

لطاقات الأمة، وكل ھذه الملايين التي تنفق على التعليم تسير في الطريق الخاطئ، لأنھا

تخرج شباباً بتخصصات لا يحتاجھا المجتمع، كما أنني أنصح بإعادة تأھيل ذلك الكم الھائل

الذي تخرج دون أن يكون له موقعاً يعبر من خلالھ عن ذاته، ومن ثم توجيھھم إلى قطاعات

منتجة أخرى، كما أنه لابد أن تعيد القطاعات الخاصة النظر في سياسة التوظيف، وأن تقبل

عدداً أكبر من الشباب السعودي.

فإذا كان ھناك تعاون بين الجامعات والمجتمع والقطاعات الخاصة والجھات التعليمية

والجھات التخطيطية والجھات المعنية، استطعنا أن نخرج من ھذه الأزمة التي أصبحنا نغمض

أعيننا عنھا مع أنھا مشكلة كبيرة بالنسبة للمستقبل، فمن الخطورة تركھا ھكذا دون تعاون أو

دراسة.

للميكروفون، قصة طويلة معي ابتداء من المرحلة المتوسطة وامتدت حتى وزارة الإعلام،

وھي قصة مفعمة بالحب والمواقف والذكريات الجميلة.

والمايكروفون بطبيعة الحال، لمن لم يتعامل معه، له ھيبة، ويخافه كل من يحاول أن يقدم

عليھ، دون أن يكون له خلفية مسبقة، ويفيد المرء في أمور كثيرة، أھمھا أن يجعلك سريع

البديھة، فلو تعثر عليك أمر وأنت أمامه، فلابد أن تكون ذكياً لتخرج من ذلك المأزق.

ولي موقف طريف مع المايكروفون، وھو أول تعاملي معھ، وكان الموقف مع الأستاذ

محمد شاھين، رجل الإعلام المعروف، وھو من أوائل المذيعين السعوديين، وعندما كنتُ في

نھاية المرحلة المتوسطة، حدثت معركة البريمي والمشاكل التي حدثت في ذلك الوقت، وكتبتُ

قصة عن تلك الواقعة، وقدمتھا في المدرسة، وكان لھا صدى جيد حيث أعجب بھا الكل،

والسيد إسحاق عزوز، كرمني وقدم لي ھدية، فرحتُ بھا كشاب صغير، مكافح، ويبدو أن كان

في المدرسة من كان يراسل جريدة البلاد السعودية، فنشر القصة، وإذا بھا تلقى صدى كبير

لدى القراء، أيضاً، فطلبوا مني أن أسجل القصة في الإذاعة بصوتي، وكانت الإذاعة، حينھا،

في جبل ھندي، والمدرسة لا تسمح للطالب أن يخرج منھا مع أي أحد، فذھبتُ بصحبة أحد

المدرسين إلى الإذاعة، وكان الأستوديو صغيراً، والأستاذ محمد بن شاھين موجوداً ومھندس

الإذاعة، وبدأ التسجيل، بعد أن جلست على كرسي خشبي وأمامي المايكروفون، وقبل أن أتكلم

حركت المايكروفون الرابض أمامي ليكون قريباً مني، فنھرني الأستاذ محمد شاھين وقال (يا

ولد لا تلعب في المايكروفون ھذا جھاز حساس وغال) فوجئت بھذه الصرامة في التوجيه

ولكن لم يكن لمثلي إلا الامتثال، ودارت الأيام والتقيتُ بالأستاذ محمد شاھين، كأديب ومرب

فاضل، وكنتُ أذكّره بالموقف، وكان يسعد لذلك.

وإذا قارنا إذاعة اليوم بإذاعة الأمس، لابد أن نحمد الله، على ھذه المعطيات الكبيرة والخير

الكثير الذي منّ به علينا، حين نقارن ما كنا علينا بالأمس القريب وما نحن عليه اليوم في كل

جانب من جوانب حياتنا، لا أحد يصدق مقدار الطفرة التي نحن فيھا اليوم، وأسأل الله أن

يديمھا علينا.

الإنسان، بطبيعة تكوينه وخلقه، يرفض أن يھان أو يذل، وما دون ذلك فيعتبر إنساناً غير

طبيعي، وقد يتعرض المرء لبعض المضايقات في عملھ، لكن تظل الكرامة مصانة في كل

الأحوال، والحمد لله لم أشعر يوماً، بأي امتھان لكرامتي في أي مرحلة من مراحل حياتي

الوظيفية، وقد وجدتُ نفسي في كل مكان وفي كل منصب، واستطعتُ أن أتخذ قراراتي دون

تدخل من أحد في ظل الأنظمة المعمول بھا.

ولكن المنصب الذي ارتحت فيه وشعرت بعطاء أكبر ھو الجامعة حين كنت أستاذاً أدرس

بھا، والحمد لله، عدت اليوم إلى مدرجات جامعة الملك عبدالعزيز، أستاذاً أدرس بھا مادة

اقتصاديات معادن، ذلك لأنك تشعر وأنت تُدرس وتتعامل مع الطلاب، أنك دائم الحيوية،

متجدد العطاء، تعاملك مع أجيال عديدة، وليس جيل واحد وليس فئة معينة أو إطار محدد أو

أشخاص محدودين، وتغير الأجيال يجعلك لا تشعر بتقدم العمر.

وأحمد الله أنني أنتمي إلى جيل اسمه "جيل الحمد" فقد كانت معطياته ضئيلة جداً، لكن

عطاء ذلك الجيل كان كبيراً.. كبيراً جداً، كان لدينا إحساس أن نحفر في الصخر لكي نكون،

وكان لدينا إحساس بأھمية تلك المعطيات على قلتھا وندرتھا أيضاً، فكنا نحافظ عليھا بشكل

كبير، لأنھا سند لنا في بناء مستقبلنا الذي نحن فيه اليوم.

ولكن اليوم، وقد زادت الإمكانيات وتوافرت المعطيات وزاد الاھتمام بطلاب الجامعات من

حيث المناخ، لكن استغلال الطلاب لھا ليس جيداً، وليس كبيراً ولا يتفق مع حجم تلك

المعطيات، وھذا جانب من جوانب عديدة، لعبت دوراً مھماً في تحجيم دور شباب ھذا الجيل

للأسف، فالمقارنة بين جيل اليوم وجيل الأمس، تكاد تكون مفقودة، على الرغم من أفضلية ھذا

الجيل، من حيث الإمكانيات، وھذا لا يعني أننا لا نملك دكاترة أو مھندسين أو أطباء، ولكن قلة

من نجدھم يعملون بنفس الروح التي انطلق بھا جيل الأمس.

وزارة الإعلام

تلقيتُ نبأ تعييني وزيراً للاعلام من خلال مكالمة ھاتفية من الأخ الدكتور أحمد محمد

علي وأنا في مكتبي مديراً لجامعة الملك عبدالعزيز، وقد جاء اختياري وزيراً للاعلام في

التشكيل الوزاري الذي تم، آنذاك، وكان شعوري في ذلك اليوم مجزأ إلى جزأين أولھما أنني

كنتُ سعيداً بأنني سأخدم ھذا الوطن من خلال منصب جديد.. وموقع أكبر، وفي نفس الوقت

كنتُ حزيناً لأنني سأترك الجامعة التي عشتُ فيھا أجمل أيام حياتي العملية.

ولكن كنتُ أدرك، تماماً، أن استمرارية المرء في مكان واحد أو موقع واحد أمر غير

طبيعي، فدوام الحال من المحال، وكان لابد لي أن أنتقل، في يوم من الأيام، إلى مكان آخر

لأخدم الوطن، ويأتي آخر في موقعي، ليقدم شيئاً جديداً وعطاء آخر.

كما كنتُ مدركاً مدى حجم المسؤولية الكبيرة التي ستواجھني في الوزارة، فالمھمة ليست

سھلة، ومحفوفة بكثير من المصاعب، ولكن إيماني الكامل بحسن الاختيار الذي يقوم به أولو

الأمر في الدولة، خفف عني كثيراً، وجعلني أكثر ثقة في نفسي، لأنھم منحوني ھذه الثقة،

وعلى الرغم من بعد الجيولوجيا عن الإعلام، إلا أن الملك خالد بن عبدالعزيز، يرحمه الله،

وولي عھده، آنذاك، الملك فھد بن عبدالعزيز، كانت رؤيتھما أكثر بعداً وأكثر دقة وأكثر

حكمة.

واعتقد أن النجاح الذي تحقق، بفضل الله، ثم بفضل الأخوة في جامعة الملك عبدالعزيز،

لفت نظر ولاة الأمر، وجاء الاختيار، على الرغم أن وزارة الإعلام كانت من أصعب فترات

حياتي العملية، ويبدو أن للشيخ حسن ال الشيخ دور في ترشيحي لھذا المنصب، حيث كان

يتابعني في الجامعة، وبحكم علاقتي بالشيخ عبدالله كامل جد أبنائي، وكان دائم الثناء عليّ

ودائم الحديث عني، فجاءت ھذه الفرصة لأكون وزيراً للاعلام.

عندما عينتُ كوزير للاعلام، انتقلت مع زوجتي إلى مدينة الرياض، لكي استلم موقعي

الجديد، ثم ذھبت للسلام على الملك خالد وأديت القسم، وكان مجلس الوزراء قد عقد برئاسة

الملك خالد، يرحمه الله، ولم أعرف بعد بعض التفاصيل التي لابد أن أعرفھا.

عُقد المجلس وناقش بعضاً من الأمور التي كانت مطروحة في جدول أعمال المجلس، ثم

انتھت الجلسة وخرج كل الوزراء، ولم أخرج أنا، وظللتُ في المجلس، كعادتي في الجامعة لا

أخرج إلا بعد نھاية الدوام بوقت طويل، فنبھني الأمين العام المساعد، في ذلك الوقت، الأخ

عبدالله سلطان وقال لي (إن المجلس انتھى والوزراء خرجوا).. يعني أنني لابد أن أنصرف،

ولم أكن أعرف برتكول مجلس الوزراء وطريقة عقده.

وعندما خرجتُ، وجدت حشداً من الصحفيين ينتظرني، وأخذوا يطرحون الأسئلة عليَّ،

وكلھا تتركز على ما دار في المجلس، بعد التشكيل الوزاري الجديد، وقلتُ لھم كل ما دار في

الجلسة، ولم يكن ھناك أمور سرية نوقشت تتطلب الكتمان، وبعد أن فرغتُ منھم، عدتُ إلى

البيت وتناولت وجبة الغداء وذھبت، بعدھا، في نوم عميق، وما أن استيقظت من نومي، قالت

لي زوجتي:

"إن ديوان مجلس الوزراء اتصل أكثر من مرة ولم أشأ أن أوقظك من نومك، فقلت لھم

إنك نائم وستستيقظ بعد صلاة العصر"

قلتُ لھا: لو أيقظتني لعل ھناك أمر مھماً، ونحن في حوارنا اتصل الأخ عبدالله سلطان

وقال لي:

"يا دكتور أخبار مجلس الوزراء في الإذاعة والتليفزيون، ولم تستأذن في ذلك، وإن

المتبع أن نقول درس المجلس جدول أعمالھ واتخذ القرارات المناسبة حيال ذلك"

فقلت له:

"على أية حال.. الخبر قد نشر وتناقلته وسائل الإعلام وليس ھناك من مجال لإعادته"

وما أن أنھيتُ المكالمة، وعرفتُ أني ارتكبتُ خطأ كبيراً، سيكلفني الكثير، التفتُ إلى أم

ياسر، ورأيتھا تفتح الحقائب، لتخرج الملابس منھا، فقلتُ لھا:

"لا تفتحي الشنط.. شكلنا حنرجع لجدة..!!"

واتصل بي بعد ذلك بعض الوزراء يتكلمون عن ھذا الخبر، فقلت لھم:

" لماذا لم تخبروني بما ھو متبع في ھذه الأمور؟"

وفي اليوم الثاني ذھبت للملك خالد، وكان ولي العھد موجوداً في المجلس، وكنت متوجساً

مما حدث، وإذا بالملك خالد والأمير فھد يثنيان بما فعلت من إذاعة الخبر وأن ھذه الخطوة

جيدة وجديدة، تنفستُ الصعداء، ومن بعد ذلك التاريخ أصبحت عادة في مجلس الوزراء أن

تذاع الأخبار بعد كل جلسة!!

إيه يا وزارة الإعلام.. كم أحببتُ ھذه الوزارة والعمل بھا.. وكم تعبتُ فيھا تعباً مضنياً.

ھذا التناقض في الشعور علمني الكثير في حياتي العامة.. وتعتبر الوزارة أكبر امتحان

في حياتي، لأنھا مرحلة دقيقة وحرجة جداً، والعمل في الوزارة عمل حساس إلى درجة كبيرة

جداً.. وقد كنتُ على علم بحجم ھذه المسؤولية وضخامتھا وعظمھا، ومن جوانب حساسيتھا

أنھا تتطلب سرعة في صنع القرار، وفي ونفس الوقت يكون قراراً يوافقه الكثير من الصواب،

وھذه معادلة صعبة وتكاد تكون شبھ مستحيلة.. وقليل من الناس، يعرف محنة الإعلان

ومشاكل الإعلام وظروف وزير الإعلام، وكل من يعمل في أي جھاز من أجھزة وزارة

الإعلام الحساسة.

وبدايات العمل في الوزارة كانت عاصفة وشديدة، لدرجة أنھ منذ أن صدر قرار تعيني

وزيراً للاعلام ومباشرتي للعمل، جاءني الأستاذ بدر كريم في المساء ببعض الأخبار

والمعاملات، ومن شدة إحساسي بعظم المسؤولية، وھو الحدث بالنسبة لي، طلبت منھ تأجيل

كل شيء إلى وقت آخر، حتى أستعيد نفسي التي تناثرت، والتقطتُ أنفاسي وأستطيع أن أعالج

تلك الأمور والمعاملات، بشكل جيد، وكان الحزن مازال ينتشر في مساحات كبيرة من

فؤادي، لأني تركت الجامعة، تلك المؤسسة الجميلة التي تلقفتھا جنيناً، خرج من قدرة ومواقف

رجال كبار.. وبعد أن عشتُ كل لحظات نموھا حين حبت.. وحين كانت تحاول أن تستجمع

قواھا لتقف على قدميھا الغضتين.. وحين بدأ تتعلم أن تخطو إلى الأمام.. وحين مشت وتعلمت

قدماھا رسم مكان لھا على خريطة العلم، وحين بدأت تنقش في عقول الكثير لغة الحرف.. لغة

الكلام.. لغة العلم.. حزينٌ أن أرى ذلك الكائن الذي عشتُ أيام مھده وصباه وفتوته.. حزين أن

أبتعد عنه.. لكن أعلل النفس أن الوطن يُخدم من كل مكان وفي كل موقع.

والعمل في الوزارة، أثرى حياتي كثيراً، وأعطاني الفرصة بالاحتكاك مع أناس كبار،

سواء في الإعلام أو السياسة، في المملكة أو في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وأعطاني

الفرصة أن أعمل عن قرب مع الملك خالد، يرحمه الله، وسمو ولي عھده، آنذاك، الملك فھد،

وأن أعمل مع صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وأن أعرف الكثير عن

مجريات الأمور، كل ھذه الأمور لا يمكن أن أعرفھا، ما لم أكن في مثل ھذا المنصب، كما أن

العمل في الوزارة كان يعرضني للكثير من الإحراجات في بعض المواقف.

اعتقد أن وزارة الإعلام، أوجدت نوعاً من تعميق العلاقة بينھا وبين رجال الصحافة،

ربما لأنني أعتبر نفسي أحد رجال الصحافة، حين عملتُ في جريدة البلاد السعودية وجريدة

الندوة، في فترة مبكرة من حياتي، حين كنا نتكب في صفحة "دنيا الطلبة" التي كان مسؤولاً

عنھا الأستاذ المربي عبدالرزاق بليلة، لذلك لا أعتقد أن ھناك فجوة بيني وبين الصحافة

مطلقاً.

وكنت حريصاً على حماية رجال الصحافة، بقدر الإمكان، من غضبة عابرة من زلة، أو

من تصريح نشر بغير قصد من مقال لم يفھم جيداً، والحمد لله، أن بعضھم يشھد بتلك المواقف

جيداً، إلا، بطبيعة الحال، حين نرغب في تغيير رئيس تحرير، وكانت لنا صراعات حميمة،

مع مجموعة من رؤساء التحرير، لكن انتھت، ولله الحمد، على علاقات قوية.

لا شك أنني قد كسبتُ كثيراً من عملي في وزارة الإعلام، ومن أھم تلك المكاسب الأسرة

الإعلامية الحميمة، سواء في القيادة العليا، مثل الدكتورعبدالعزيز خوجة والأستاذ

إبراھيم........ والدكتور صالح بن ناصر والأستاذ بدر كريم والأستاذ عبدالرحمن الراشد

والأستاذ محمد المنصور والأستاذ أحمد القحطاني والأستاذ عزت مفتي والأستاذ عبدالرحمن

الشبيلي والدكتور محمد خضيري والأستاذ حسين عسكري، وھي مجموعة كبيرة جداً لا

أستطيع أن أذكرھا كلھا واعتذر عن عدم ذكري لبعضھا، ومن فضل الله عليَّ، بأنھا ساھمت

بشكل كبير في نجاحي كوزير إعلام.

وكانت علاقتي بالملك فھد، علاقة قديمة، منذ أن كان وزيراً للمعارف، وكنتُ في نفس

الحقل، فھو لا يمثل رئيساً إدارياً، فقط، إنما كان يجسد دور الأبوة، بكل أبعادھا، من حيث

التوجيه والنصح والاھتمام، وھذا كله، انعكس، بشكل واضح، في سياسته لإدارة دفة الدولة

التي خطت خطوات ھائلة، بفضل ھذه السياسة الحكيمة.

وحتى بعد أن تركتُ العمل في الوزارة، استمرت العلاقة قوية جداً، وھذه دلالة تؤكد أن

علاقة الملك فھد بكل الوزراء علاقة حميمة متصلة لا تنقطع بانتھاء العمل القائم.

 

 

الضجيج الإعلامي..

للأسف الشديد، أننا في عالمنا العربي، أصبحنا نعالج موضوعاتنا بطريقة إعلامية، وھذا

يخدعنا كثيراً ويغيّب الحقيقة عن الجميع، لأن الزخم والضجيج الإعلامي، يصبح في المحصلة

ك"ضجيج لا طحن خلفه" وھذا يؤثر في صناعة الأجيال القادمة، ويجعلھا أجيالاً إعلامية

تحب أن تتحدث أكثر مما تعمل، وفي غياب الجدية والفعالية والمسؤولية لا تستطيع أن تنتج

شباباً يتحمل المسؤولية ويقود الأمة قيادة صحيحة، فھذه الضوضاء وھذا الضجيج يبدو أن

الكل وكأنھ يعمل، مع أنھ لا يؤدي العمل المطلوب منھ كاملاً، أيضاً، في برامجنا التعليمية

والثقافية، يدخل في نفس الحالة، وكلھا، لا تحقق الأھداف التي رُسمت لھا.

إذاً لابد أن نسأل أنفسنا، بشكل أكثر جرأة، ھل نحن أمة جادة ھل نحن أمة فاعلة؟ ما الذي

حدث؟ الأمم كلھا تسأل نفسھا، لماذا لا نسأل أنفسنا، ما الذي طرأ على مسيرة الأمة التي

أكرمھا الله برسالة سامية، وأكرمھا بثروات عظيمة، كل ھذا يؤھلھا لأن يكون لھا القيادة.

لكن الضجيج والانفعال يكون لھ مردود عاطفي، أكثر مما يكون لھ مردود حضاري

بنائي صحيح، لكننا نضيع في ھذا الإطار، ونتحول إلى أمة بائسة مغلوب على أمرھا، مع أنھ

ليس فيھا شيء يوجب أن تكون بائسة وكل مقوماتھا تجعلھا في المقدمة.

انتھت الوزراة بقضھا وقضيضھا.. فعندما انتھى دوري في وزارة الإعلام، كوزير،

شعرتُ برغبة جامحة للعودة إلى قاعات الدراسة والمدرجات في الجامعة، وخالجني إحساس

عارم وحنين دافئ إلى تلك العلاقة الجميلة وتلك الحياة التي كثيراً ما اشتقتُ إليھا.. تلھفتُ إلى

تلك المرحلة المھمة في حياتي، لأنني أعتقد أنھا أكثر مراحل حياتي من حيث العطاء، فقد

أعطيتُ فيھا، بشكل كبير، عندما كنتُ أستاذ جامعة، قبل أن أنتقل إلى وزارة الإعلام.

وعندما دخلتُ جامعة الملك عبدالعزيز، كأستاذ، وذھبتُ إلى كلية علوم الأرض، اُستقبلتُ

من قبل الأساتذة الأفاضل، في الكلية، إستقبالاً دافئاً وأرشدوني إلى الغرفة التي خُصصت لي،

وقد ملئت كتباً ومراجع في الجيولوجيا، ھذا الحفاوة والإستقبال الجميل، ليس مستغرباً من

جامعة كجامعة الملك عبدالعزيز، ولكن المفاجأة ھي أنني ألقى مراجع خاصة بي في الاقتصاد

الجيولوجي والمراجع الأساسية، وكانت بشكل منظم، وكأني، جئتُ، أنا شخصياً، ورتبتُ ھذه

الكتب، وبذلك النظام وبتلك الدقة، استغربت كثيراً، وقلتُ، ھل وصلت الجامعة إلى ھذا

المستوى الكبير؟ الذي أرى فيھ كتباً ومراجع في غرفة أستاذ الجامعة وبھذا التنظيم وبھذا

الترتيب؟

وبعد أن أخذت مكاني في المكتب، وإذا بأعداد كبيرة من أساتذة الجامعة، جاؤوا للسلام

عليّ، ومعظمھم كانوا طلابي، قبل أن أترك الجامعة، منھم د.عبدالعزيز رادين، عميد كلية

علوم الأرض، والدكتور محمد نصيف والدكتور المرزوقي والدكتور فاروق عبدالستار وعدد

كبير لا أذكرھم اليوم.

رأيت ھذا الجمع الكبير من الطلاب، الذين تحولوا إلى أساتذة ومدرسين كبار، كنتُ فخوراً

بھم وسعيداً بھم، كلھم، وھذا الحصاد أجنيھ، ومازلت في سن مبكرة في ذلك الوقت.. شعور

رائع أعتقد أن أي إنسان يشعر بذلك الشعور أو يكون بطل ھذا الموقف، ثق تماماً، أنھ لن يجد

ما يعبر عنھ من كلمات، لأن الإحساس أكبر بكثير من أي لغة يجيدھا أي إنسان.

لذلك أقول إن الحياة الجامعية، التي عشتھا في الماضي، ھي من أخصب فترات حياتي

ومن أروعھا، من حيث الروح ومن حيث جمالھا.. من حيث النتائج، فكم أسجل تلك اللحظات

التي يراني فيھا طالب من طلابي، في أي مكان، ويأتي ويسلّم عليَّ ويعرّفني بنفسھ.. إنھا

لحظات الحصاد.. لابد أن تسجل إنھا لحظات جميلة.. جميلة.

 

أخيراً

أعتقد أنني تحدثت عن كل جوانب حياة الدكتور محمد عبده يماني، وليس ھناك أي جانب

من جوانبھا أخفيتھ، وسردتھا كاملة بسلبياتھا وإيجابياتھا.

اليوم، وبعد أن مضى على ھذه المذكرات، قرابة ستة عشر عاماً، اقتربتُ فيھا بمعاليھ،

كثيراً، ورأيتھا كثيراً في مواقف إنسانية، كان غاية في السمو الإنساني.. وأعرف أنھ كثيراً ما

كان يوظف وجاھاتھ ومكانتھ عند كثير من المسؤولين، بدءً من الملك خالد والملك فھد،

يرحمھما الله، والملك عبدالله، والأمير سلطان والأمير نايف، يحفظھم الله، إلى أصغر

مسؤول.. ولم يكن يعنيھ إلى ماذا ستأول شفاعتھ، ولكنھ، يدرس الموضوع بحكمة ثم يتوكل

على الله، ويُقدم إلى الجھة المعنية أو إلى المسؤول المعني بالأمر.

حتى على الجانب الإجتماعي، فكان يخصص وقتاً كبيراً لإصلاح ذات البين، فكثير من

الأسر، لجأت إليھ ليحكم في خلاف بينھا.. أو صراع من أجل إرث.. ولإدراك الشيخ صالح

كامل، بأھمية ھذا الدور الذي كان يقوم بھ معاليھ، يرحمھ الله، أنشأ كرسياً في جامعة الملك

عبدالعزيز، أسماه كرسي "د. محمد عبده يماني لإصلاح ذات البين".

وحين كنتُ أعمل في الفيلم الوثائقي للدكتور عبده يماني، كنتُ أطرح أربعة أسئلة وھي

محاور العمل:

السؤال الأول:

لماذا أحب الناس محمد عبده يماني؟

والكل أجمع، لطيبتھ وتواضعھ وبسطاتھ وحبھ للخير والعطاء بلا حدود.

السؤال الثاني:

ماھي الساحة التي تركھا محمد عبده يماني؟

والكل أجع، أيضاً، على أنھا مساحة كبيرة جداً.. جداً.

السؤال الثالث: ألم تختلف مع محمد عبده يماني؟

والكل، قال: أنھ لم يكن يترك مساحة لأن تختلف معھ، لقدرتھ في التعامل مع المواقف،

وإذا كان ھناك من يختلف معھ، فإنھ يقبل ھذا الإختلاف، بل ويأخذ برأي المختلف، إذا رأى

أنھ ھو الصحيح.

أما السؤال الأخير..

كيف تلقيتَ خبر وفاة معاليھ؟

فكانت الإجابة مصحوبة بالدموع..!!

الوصية..

كتب معالي الدكتور محمد عبده يماني، يرحمھ الله، وصيتھ قبل أن يموت، وكانت محل

إعجاب الكثير ممن اطلع عليھا، بل وھي مؤثرة إلى حد كبير، كان يھمني جداً أن أضمنھا ھذا

الكتاب، لعل من يقرأھا يستفيد منھا في حياتھ.

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول العبد الفقير إلى رحمة ربھ: محمد عبده يماني -أبو ياسر: ھذه وصيتي التي أوصي

بھا أھلي وأولادي من بعدي.

أبدأ وصيتي ھذه بالثناء على ربي، عز وجل، فأقول: اللھم لك الحمد كما ينبغي لجلال

وجھك وعظيم سلطانك، سبحانك لا نُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشھد أن

لا إلھ إلا الله وحده لا شريك لھ، وأشھد أن محمدًا عبده ورسولھ، صلى الله عليھ وسلم، جاءنا

بالبينات من ربنا، فآمنّا بھ، واتّبعنا النور الذي أُنزل معھ.

اللھم لك الحمد أنت خلقتني، ورزقتني، ثم تميتني، ثم تحييني، وأنت على كل شيء قدير.

اللھم أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنّة حق، والنار حق،

والنبيون حق، ومحمد، صلى الله عليھ وسلم، حق، وأشھد أن عيسى عبدُ الله ورسولھ، وكلمتھ

ألقاھا إلى مريم، وروح منھ.

اللھم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت،

فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إلھ إلاّ

أنت، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

اللھم إني استغفرك وأتوب إليك، وأؤمن بك وأتوكل عليك، وأثني عليك الخير كلھ،

أشكرك ولا أكفرك، وأخلع وأترك من يفجرك. اللھم إيّاك أعبد، ولك أصلّي وأسجد، أرجو

رحمتك، وأخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق.

اللھم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وأعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة القبر، ومن

ضغطة القبر، يا أرحم الراحمين، اللھم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك.

اللھم أحيني مسلمًا، وتوفني مسلمًا، وألحقني بالصالحين.

اللھم اجعل خير عمري آخره، وخير أعمالي خواتيھما، وخير أيامي وأسعدھا يوم ألقاك يا

كريم، واجعلني من أوليائك وأحبابك، أحب فيك مَن أحببت، وأعادي فيك مَن عاديت.

اللھم اجعل حبك وحبك نبيك، صلى الله عليھ وسلم، أحب إليّ من نفسي ومالي وأھلي،

ومن إخواني وعشيرتي، ومن الناس أجمعين، ومن الماء البارد على الظمأ في اليوم الشديد

الحر، بفضلك ورحمتك يا حليم.. يا عظيم.. يا كريم، يا حنان.. يا منان، يا ذا الجلال

والإكرام.

اللھم زدني ولا تنقصني، وأعطني ولا تحرمني، وأكرمني ولا تھني، وآثرني ولا تُؤثر

عليّ، وارضَ عني وأرضني، اللھم زدني رضا منك، وزدني رضا عنك، وارضَ اللھم عني

وعن أھلي وأولادي وأحفادي، وسائر إخواني، واحفظھم بحفظك، ولا تفتنھم بعدي، واجمعني

وإيّاھم في مستقر رحمتك، ودار كرامتك مع النبيين والصديقين والشھداء والصالحين، يا

كريم.. يا حليم.. يا عظيم، يا حيّ.. ويا قيوم.. برحمتك استغيث، فلا تكلني إلى نفسي، ولا إلى

غيرك طرفة عين، وأصلح لي شأني كلھ.

اللھم إني اسألك أن تثبّتني عند الموت، وأن تھوّن عليّ سكراتھ، وأن تجعلني من الذين

تتنزل عليھم الملائكة بالبشرى (أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون)،

حتى أحب لقاءك، وتحب لقائي، وأن تجعلني من الذين يقولون عندما أُحْمل (قدّموني..

قدّموني) لما سأعلم أني صائر إليھ من نعيم القبر، وحياة البرزخ، وأن تثبّتني عند السؤال، وأن

تُفسح لي في قبري، وأن تنوّره لي، وأن تلقّني حُجتي، وتثبتّني عند السؤال، وأن تُعيذني من

عذاب القبر، وأن تبعثني آمنًا يوم القيامة، مع السبعة الذين تظلھم في ظلك يوم لا ظل إلاّ

ظلك، وارزقني اللھم شفاعة نبيك، محمد، صلى الله عليھ وسلم، وأن تجعلني من الذين يردون

عليھ الحوض، واسقني ربّي من يده الشريفة شربةً لا أظمأ بعدھا أبدًا حتى أدخل الجنة، وثبتّني

على الصراط، وأدخلني الجنّة بغير حساب ولا عذاب، ولا سابقة عتاب، يا أرحم الراحمين.

أمّا بعد:

فھذه وصيتي التي أوصي بھا أھلي، وأولادي من بعدي، وأجعلھا أمانة في ذمّتھم، وعھدًا

عليھم أوصي بھا اتّباعًا لأمر النبي، صلى الله عليھ وسلم، الذي يقول (ما حق امرئ مسلم لھ

شيء يوصي فيھ يبيت ليلتين إلاّ ووصيتھ مكتوبة عنده) رواه البخاري.

أبدأ وصيتي ھذه أولاً بوصية زوجتي الطيّبة الفاضلة، وأولادي الأعزّاء الذين أدعو لھم

بالصلاح والتقوى في حياتي ومماتي: ياسر، وعبدالله، وعبدالعزيز، وفاطمة، وغالية، وسارة،

وأولادھم الأحفاد، كما أُوصي بھا كل إخواني وأھلي بتقوى الله، عز وجل، وطاعتھ، فإنھا

وصية الله تعالى لأنبيائھ والصالحين من عباده، ووصيتھ لخير خلقھ، وخاتم أنبيائھ، صلى الله

عليھ وسلم، ووصيتھ لعباده وأحبابھ (يا أيُّھا الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاتھ ولا تموتن إلاّ وأنتم

مسلمون)، ولا يكون ذلك إلاّ بعبادة الله، وطاعتھ، وطاعة رسولھ، واستحلال ما أحل، وتحريم

ما حرّم، وبتعظيم، النبي، صلى الله عليھ وسلم، وتوقيره، وإجلالھ، وحب الله ورسولھ فوق كل

محبوب من نفس، وأھل، أو مال، أو ولد، أو عشيرة، فإن للإيمان حلاوة لا يذوقھا مؤمن إلاّ

بھذا الحب الذي قال فيھ النبي، صلى الله عليھ وسلم (ثلاث مَن كُنّ فيھ وجد بھن حلاوة

الإيمان: أن يكون الله ورسولھ أحب إليھ ممّا سواھما، وأن يحب المرء لا يحبھ إلاّ لله، وأن

يكره أن يقذف بالكفر بعد أن أنقذه الله منھ كما يكره أن يقذف في النار، ثم أُحذّر أھلي وأولادي

من الدنيا، فإنھا فانية، عمرھا قصير، ونعيمھا قليل (فلا تغرّنكم الحياة الدنيا ولا يغرّنكم بالله

الغرور)، واعلموا أننا عمّا قريب صائرون إلى ما صار إليھ مَن قبلنا من الموت، ونزول

القبر، ومن سؤال القبر، وما يكون بعده من حسن مقيل في البرزخ للصالحين، ومن النعيم

الأبدي في جنات الفردوس يوم القيامة لمَن خاف مقام ربھ، ونھى النفس عن الھوى، ومن

عذاب الجحيم لمَن طغى وآثر الحياة الدنيا.

كذلك أُوصي أھلي وأولادي من بعدي بوصل ما أمر الله بھ أن يوصل، من صلة الرحم،

وبخاصة فيما بينھم، وبين أولادھم، وأحفادھم، وبين أعمامھم وعماتھم وأولادھم، وبين

أخوالھم وخالاتھم وأولادھم، وتفقد أحوالھم، وزيارة مريضھم، ثم سائر أرحامھم، ومن

التحابب، والتناصح، والتزاور، والتعاون على الخير والبر والتقوى، وأن يعلّموا ذلك أولادھم،

ويكونوا لھم قدوةً ومثلاً، وأن لا يختلفوا على الدنيا، ولا يتنافسوا عليھا، فإنھا كما قال النبي،

صلى الله عليھ وسلم (لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منھا كافرًا شربة

ماء)، وأذكّرھم بقول النبي صلى الله عليھ وسلم (ازھد في الدنيا يحبك الله، وازھد بما عند

الناس يحبك الناس)

وأوصيھم كذلك بأن يكونوا مسلمين ح?قا، بإخلاص العمل لله وحده، وأن يطھّروا أعمالھم

من الرياء، وأن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويصوموا الشھر، ويحجوا البيت، وأن يجتھدوا

في النوافل، والتقرّب إلى الله، عز وجل، بالأعمال الصالحات، وأن يعظّموا جوار بيت الله

الحرام بزيارتھ، والصلاة فيھ، وبالعمرة بعد العمرة، ما استطعتم ذلك، وبزيارة النبي صلى الله

عليھ وسلم، والصلاة في مسجده، وأن يُكثروا من الصلاة والسلام عليھم، اللھم صلّ وسلّم

وبارك عليھ كما تحب وترضى، وأن يُكثروا من ذكر الله، ومن الاستغفار، وسائر الأذكار،

وأن يعلموا أنھم لم يُخلقوا للھو والعبث، بل لعبادة الله تعالى وطاعتھ، وأذكّرھم بقول الله، عز

وجل (وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون) وبقولھ، عز وجل (يا أيُّھا الذين آمنوا اذكروا الله

ذكرًا كثيرًا وسبّحوه بكرة وأصيلاً)

وأوصي أھلي وأولادي بحب آل بيت النبي، صلى الله عليھ وسلم، واحترامھم، وإجلالھم،

وإكرامھم، وقضاء حاجاتھم، وطلب دعائھم، كما أوصيھم بأھل بدر، وزيارتھم، وإكرامھم،

والسعي في مصالحھم، وبالإحسان إلى فقرائھم، وبالتعرّف على مواقع الغزوة، ومقبرة

الشھداء، ومكان العريش، والأماكن التي ورد ذكرھا في القرآن الكريم، فإنھا أماكن مباركة

ببركة النبي، صلى الله عليھ وسلم، وبركة أھل بدر.

ثم أوصي أھلي وأولادي أن ينفقوا ثلث مالي، من العقارات والنقود صدقةً، مني على

نفسي، ويكون ذلك بإشراف زوجتي، ومعرفتھا، وفي ذمّتھا وأمانتھا، على أن تكون الأولوية

للمحتاجين والمستحقين من أرحامي، ثم الأقرب فالأقرب من الأرحام والفقراء والمساكين،

وأصحاب الحاجات الذين تصلح لھم الزكاة، وأن لا تعطي غن?يا سواء من الأقارب أم من

غيرھم، ثم أن تھتم بمصلحة بناتي، ورعايتھنّ، وإكرامھنّ، وتعطي غير المتزوجة منھنّ ما

تحتاج إليھ من غير الوصية، فإنھ لا وصية لوارث.

وأوصي أھلي وأولادي بفقراء المسلمين، وضعفائھم، ومرضاھم، وخصوصًا بالأرامل،

والأيتام، والعاجزين، وطلاب المعروف، وأذكّرھم بقول النبي، صلى الله عليھ وسلم (ھل

تُنصرون وترزقون إلاّ بضعفائكم) رواه البخاري.

وفيما يلي بيان بالحقوق التي لي، والحقوق التي عليّ، فأوصيكم بھا بتمامھا وكمالھا، من

غير نقصٍ، ولا زيادةٍ إلاّ في خير، وإيّاكم أن تظلموا أحدًا حقھ، فأعطوا كل ذي حق حقھ،

وخذوا حقوقكم، فإن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقھا وأجلھا، فاتقوا الله، وأجملوا في

الطلب، وأوكّل زوجتي أن تكون قيّمةً على إنفاذ وصيتي، اعترافًا بمكانتھا وفضلھا وحُسن

عشرتھا، وخدمتھا وبرھا بوالديّ، وقيامھا بخدمتھما ورعايتھما، والإحسان إليھما حتى

وفاتھما، وبخاصة والدي، والاھتمام بھ كلّما مرض، وسھرھا على راحتھ، فجزاھا الله عنھ

وعنّي خيرًا، وعن تربيتھا لأولادي وإحسانھا إليھم، وأوصي أولادي ببرّھا، والإحسان إليھا،

وإكرامھا، وطاعتھا، وفيما يلي بيان بالحقوق التي لي والتي عليّ....

وللبيان وبراءة الذمة حررتُ ھذه الوصية، والله أسأل أن يبرئ ذمّتي من حقوق خلقھ

أجمعين، وأسألھ سبحانھ أن يسدد زوجتي ويوفقھا إلى الحق والصواب، وأن يوفق أولادي

ويحفظھم من كل سوء،وأوصيھم جميعًا أن لا ينسوني من بركة دعواتھم، ومن صدقاتھم،

وصالح أعمالھم، وأستودع الله دينكم، وأماناتكم، وخواتيم أعمالكم.

وأسألھ سبحانھ أن يجمعني بكم في مستقر رحمتھ، وفي دار كرامتھ، مع الذين أنعم الله

عليھم من النبيين والصديقين والشھداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، وآخر دعوانا أن

الحمدلله رب العالمين.

حُررت في يوم الاثنين: 22 ربيع الأول 1423 ھ الموافق 3 حزيران 2002 ھ.

سيرة ذاتية

الاسم: الدكتور محمد عبده يماني

تاريخ الميلاد: 1940 في مكة المكرمة

الحياة العلمية:

- درس المراحل الأولى في الحرم المكي الشريف ثم بمدارس الفلاح بمكة المكرمة.

- بكالوريوس في العلوم - جامعة الرياض.

- ماجستير ودكتوراه - جامعة كورنيل - نيويورك - أمريكا.

- دبلوم إدارة الجامعات - جامعة وستنكس.

- درس علوم الصور الجوية وتحديد الثروات المعدنية.

- درس التخطيط الإقليمي لاستغلال الثروة المعدنية في إطار علم الجيولوجيا الاقتصادية.

الحياة العلمية:

-1 محاضر بكلية العلوم جامعة الرياض.

-2 مدرس في الثانوية العسكرية ثم الكلية الحربية وكلية الأركان.

-3 وكيل لوزارة المعارف للشؤون الفنية.

-4 مدير جامعة الملك عبدالعزيز - جدة.

1403 ھ. /7/ 1395 ھ حتى 11 /10/ -5 وزير للاعلام للفترة من 8

رئيس لمجلس إدارة الشركات والمؤسسات نذكر منھا:

- الشركة العربية للاستثمار الزراعي.

- جمعية اقرأ الخيرية.

- شركة دار القبلة للثقافة الإسلامية.

- شركة دلة للتعدين.

- جمعية أصدقاء القلب.

- شركة اقرأ للتنمية.

- مجلس الأدباء - تونس.

- عضو جمعية القرآن الكريم.

- جمعية الإيمان الخيرية.

- شركة لانسا.

كما شارك في عضوية اللجان الدائمة منھا:

- جمعية جائزة الملك فيصل الخيرية.

- المجلس التأسيس لرابطة العالم الإسلامي.

المؤلفات والأبحاث (منشورة):

- نظرات علمية في غزو الفضاء.

- أقمار الفضاء غزو جديد.

- الأطباء الطائرة حقيقة أم خيال.

- وداعاً ھالي.

- أصل حديد وادي فاطمة

- اقتصاديات حديد وادي فاطمة.

- التراكيب الجيولوجية الصغيرة في الرواسب الالقوجية في منطقة الشميسي.

- اقتصاديات المعادن بالمملكة العربية السعودية.

- الجيولوجيا الاقتصادية والثروة المعدنية في المملكة.

- المعادلة الحرجة في حياة الأمة الإسلامية.

- البابية.

- حوار مع البھائيين.

- علموا أولادكم محبة رسول الله.

- بأبي أنت وأمي يا رسول الله.

- قادم من بكين والإسلام بخير.

- اليد السفلى جراح البحر وفتاة من حائل وامرأة في الظلال ومشرد بلا خطيئة (مجموعة

قصصية).

- للعقلاء فقط (الجزء الأول).

- للعقلاء فقط (الجزء الثاني).

- إفريقيا لماذا.

- علموا أولادكم حب آل البيت.

- ھكذا صام رسول الله صلى الله عليھ وسلم.

- ھكذا حج رسول الله صلى الله عليھ وسلم.

- قضايا تعليمية.

- المسيح عيسى بن مريم عليھما السلام.

- العائدون إلى الإسلام في أمريكا.

الأوسمة وشھادات التقدير:

- وسام الدرع التقديري للطالب المثالي للنشاط الثقافي - جامعة الرياض.

- الدرع التقديري - جامعة الملك عبدالعزيز - جدة.

- وشاح الملك عبدالعزيز.

- الميدالية التقديرية من حكومة أبو ظبي.

- الميدالية التقديرية من حكومة قطر.

- وسام برتبة قائد (كوماندوز) جمھورية موريتانيا.

- وسام مھابوترا اوبيراونا مع براءتھ من رئيس جمھورية اندونيسيا.

- براءة وسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى من جلالة الملك حسين.

- براسة وسام الاستحقاق الوطني درجة ضابط أكبر من رئيس جمھورية فرنسا.

- وسام ليزابيل ملك إسبانيا