محمد على قدس - وداعا أبا ياسر وإنا لفراقك لمحزونون
رحمك الله يا أبا ياسر.. كنت والله ملء القلب والفؤاد.. كنت الريح الطيبة والنبت
الأصيل.. فتى مكة الذي بدأ رحلته من الحرم المكي الشريف وانطلق نحو آفاق
العلم وسبل الخير، وأصبح كما يصبح ذلك العالم المثقف الذي أحب الناس وأحبوه،
فما أن تشرف المجالس والمنابر بحضوره، حتى يعم خيره ويستبشر الجميع
بإشراقة وجهه ويستأنس الجمع بكلامه الطيب.
تلقيت خبر رحيله المفاجئ، في الوقت الذي كانت صورته وصوته ينطلقان عبر
القنوات الفضائية التي تبث أحاديثه الشيقة، وفيض كلماته عن الحج والحجاج،
سير السلف الصالح، ويسھب في حديثه بما يعن له من فكره عن المدينتين
المقدستين اللتين أحبھما وعشق التحدث عنھما، فقد أحب الأولى (مكة) حيث ولد
على ثراھا ونشأ في بطاحھا، وأحب الثانية (طيبة) التي أحب كما أحببنا جميعا
ساكنھا عليه الصلاة والسلام، أحب المدينة النبوية التي يأرز إليها الإيمان كما
تأرز الحية إلى جحرها. وقد علمنا اليماني كيف نحب سيدنا وحبيبنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وعلمنا كيف نتأسى بسنته ونقتدي بھداه وقد رضينا به نبيا
ورسولا، وأوصانا أن نعلم أبناءنا حب ھذا النبي المصطفى، ونغرس ذلك الحب في
نفوسھم ونطھرھم به.
سنفتقد الدكتور محمد عبده يماني رحمه الله في مجالات عدة برز فيها وساھم
في مشاريعھا وبذل فيھا جھوده المضنية، في الإبداع الأدبي والنشاطين الثقافي
والاجتماعي وفي العمل الخيري والإنساني. ومن كرم الله عليه، وإن كان يعز
علينا فراقه ويؤلمنا، أن الله أراد له أن يكون رحيله من حياتنا الدنيا في موسم من
مواسم الخير التي أحبها وأخلص فيها بجھوده وفكره وعمله الطيب. سنذكره في
الأندية الأدبية وقد كان علما من أعلام منابرھا، وفي الإعلام الذي كان أحد قادته
ومن رواده، وفي الصوالين والمنتديات الأدبية التي كان لحضوره في أنشطتھا
ومناسباتھا، ما يميزه ويعطر تلك الأماسي بكلماته الطيبة وأحاديثه التي دائما ھي
من صميم قلبه وفيض مشاعره، وبمداخلاته الشائقة والثرية. وللدكتور اليماني
مواقف لا ننساھا في نادي جدة الأدبي فقد كان عضوا شرفيا بارزا، يدعم نشاطاته
ويرعى مناسباته، بتشريفنا بحضوره ومشاركاته الدائمة، وكان من أھم الذين
وقفوا مواقف نبيلة في ظروف صعبة مرت بالنادي في أزماته، وكان لحضوره
بريق وألق. ولا ننسى أن الدكتور محمد عبده يماني من الروائيين الأوائل، من
الجيل الذي حقق انتصارات مفازاته الإبداعية، وبواكير إبداعات أدبنا القصصي بعد
جيل الرواد. وفي أعماله الروائية الخالدة (كاليد السفلى) و(فتاة من حائل)
و(جراح البحر) الكثير من الشواھد التي تؤكد أنھا من روائع تراثنا الأدبي الذي
سيبقى بيننا يخلد اسمه ويثري المكتبة السعودية. كنت قد أعددت الحلقات الأولى
من السيناريو والحوار والمعالجة الدرامية لروايته (جراح البحر) كأول عمل
درامي لأھم أعماله، والذي تدور أحداثه في بحر جدة يعكس تاريخ الحجاز وبيئته
الأصيلة، وكنت قد اتفقت معه على مناقشة بعض النقاط والتعديلات في السيناريو
بعد إجازة الحج، ولكن القدر لم يمھله ليملي علي ملاحظاته وأستتفيد من
توجيهاته.
ولئن تعذر اليوم بيننا وبينه اللقاء، فإني أسأل الله عز وجل أن نلتقي وإياه في
جنات النعيم. وأسأل رب العزة أن يجزيه عنا وعن أمته كفاء ما قدم في نصرة
الحق والدفاع عن دينه وبلاده وأمته، وفي أعناقنا دين رسالته وقد أفضى لما
أفضى إليه.. عند مليك مقتدر.