تركي الدخيل - وداعا موسوعة التواضع!
غيّب الموت اسم الوزير والمفكر السعودي الجميل روحاً وأدباً وتواضعاً ووطنية الدكتور: محمد عبده يماني، رحمه الله!وهو ـ لمن لا يعرفه ـ من روّاد التنوير الإسلامي في العالم العربي. وله أكثر من ثلاثين كتاباً، وعمل في الحقل الدعوي، ودرس في المسجد الحرام، ولم يمنعه علمه الشرعي والديني من أن ينال البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في علم الجيولوجيا. امتاز بتنوّع اهتماماته، من الإصلاح الديني، إلى تأسيس البنية التحتية للإعلام السعودي، إلى الصحافة، خلافاً للعمل الأكاديمي والمؤلفات المتعددة والمقالات الغزيرة التي توثق مدى سعة اطلاع الفقيد وبعد نظره. فهو اكتسب عن جداره اسم "مؤسس الإعلام السعودي الحديث". إنجازاته في الإعلام كانت مشهودة، أذكر هنا قصة يرويها الأستاذ خالد المالك يقول: "أذكر أنه اتصل بي في ظهر اليوم الذي صدر فيه قرار إعفائه من منصبه كوزير للإعلام وأبلغني بالخبر وأنه صدر الأمر الملكي بإعفائه من الوزارة وودعني بصوت كان يحمل الكثير من التعثر، وودعنا بالكثير من الذكريات التي مرت علينا خلال عمله في الوزارة، ونذكر أنه من بين الأعمال التي قام بها أنه كان صاحب فكرة الإعلان عن قرارات مجلس الوزراء للناس، ففي السابق وقبل أن يتولى الوزارة لم تكن قرارات مجلس الوزراء يصرح بها أو تنشر". هذه من محاسن الدكتور الراحل محمد عبده يماني، ولئن كان إعفاؤه من منصبه قد أخذ جدلاً كبيراً، إلا أنها لم تكن النهاية، حيث كافح من أجل العمل الخيري، بتبرعاته السخية، وبوقوفه الشخصي على عددٍ من المشاريع الخيرية، كان شخصاً خيّراً وقفاته مع المحتاجين مشهودة. والراحل مفكّر وصاحب رؤية، ومقالاته وحوارته وآراؤه في الفكر الديني كانت تثير الجدل، حتى ناله من سهام الشك والطعن ما ناله، بسبب حيوية تفكيره وخروجه عن الأساليب التقليدية في التفكير والتأليف. كان الراحل الكبير، وطنياً، إذ إنه كان يحب جمع الكلمة تحت لواء الوطن، وهو على الرغم مما ناله من التشنيع بسبب تصوفه، إلا أنه لم يكن من تيار المواجهة التي تفضي إلى الفرقة، بل إنه بقي يؤثر التنازل عن حظوظ النفس، فقد اعتبر في (إضاءات) أن ما تعرض له خلال مشاركته في إحدى الندوات المثيرة على هامش معرض الكتاب بالرياض قبل سنوات لم يكن مقصوداً، ولا أسيء له عن عمد، وهكذا خلق الكبار، يقدمون الأوطان على حظوظ نفوسهم الشخصية، فيسمون ويرتفعون، فرحمك الله يا رجل السماحة، وعوض وطنك وأهلك وأحبابك فيك خيراً.

الدكتور محمد عبده يماني .. كريم الشمائل عظيم المروءات

المهندس أحمد عبد الوهاب آشي
رحم الله توأم روحي أبا ياسر ، لقد كنت على موعد معه يوم الثاني من شهر ذي الحجة للصعود إلى مكة المكرمة لتقديم واجب العزاء في السادن العزيز المرحوم الشيخ عبدالعزيز كدأبه في مشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم .. وكان هذا ديدنه دائماً مهما كان في ذلك الأمر من إرهاق ومشقة عليه وتراه مسروراً وفرحاً فيما يقوم به وكنت أرافقه في كثير من الأحيان هذا التواصل والمودة مع الناس كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم وجيههم وبسيطهم ولكنه سبقنا إلى دار الحق وتركنا في هذه الدنيا الغرور.
كان رحمه الله يفشي المحبة والسلام بين الجميع لا تراه إلا مبتسماً بذلك الوجه النوراني، عف اللسان، بذلك التواضع والأدب الجم مع كل من يقابله من الناس، ينفرد بهذه الخصوصية حتى مع الأطفال ويشعر كل من يقابله بأنه يخصه وحده بالاهتمام وهذه ميزة ينفرد بها رحمه الله وهو من الذين يسارعون في الخيرات وينفقون عن سعة, يجبر كسر هذا ويفرح قلب هذا فهو أمة في رجل وركن من أركان المجتمع المكي بل ركن من أركان الوطن وكان رحمه الله يحثني دائماً ويشركني في فعل الخير وكم فرَّج بعد توفيق الله كربة محتاج وهو لا يفتأ مدافعاً منافحاً ومناصراً لكل ذي مظلمة وكذلك اصلاح ذات البين.
أيها الشيخ الجليل الفارس النبيل، إهنأ في مرقدك الأخير تتنزل عليك شآبيب رحمه الله.. وأنا لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنى عليك من غمرته بفضلك وإحسانك وأزلت بعد الله ضيقته وما اتفق اثنان أو أكثر كما اتفقوا على محبتك ولا نستطيع أن نعدد مآثرك وحسناتك في كل وجوه الحياة، جزاك الله خيراً لما قدمته لأمتك ووطنك.رحم الله الشاعر السفير حسين فطاني عندما قال في قصيدته يا قبلة المجد:

وعز في الناس من عزّت بلادهم لما أشادوا لها أو شيدوا فيهــــــا

وكما قال والدي المرحوم عبدالوهاب آشي في قصيدته:
ما مات من خلدت صحائف مجده ولسعيه الوطن العزيز مصــــدق

وهذا الإمام الشافعي رحمه الله يقول:
الناس للنّاس ما دام الوفاء بــــــهم والعسر واليسر أوقات وساعـــات
وأكرم الناس من بين الورى رجل تقضى على يده للنّاس حاجـــــات
قد مات أقوام وما ماتت فضـائلهم وعاش قوم وهم في الناس أموات

ويا حبذا أن يخلد اسم الفقيد الجليل بمعلم بارز في مكة المكرمة وغيرها من مدن المملكة.. رحم الله فقيد الأمة، فهو حيّ بمآثره ومكارمه، وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان وبارك له في أبنائه البررة.وأنا أدعو جميع محبيه والعارفين بفضله وغيرهم أن يتأسّوا ويقتدوا بأخلاقه ويسيروا على نهجه ومنهاجه فهو نعم المربي الإسلامي ونعم العبد إنه أواب بإذنه تعالى وجعله من الكرام البررة إنه سميع مجيب.و"إنا لله وإنا إليه راجعون".