قينان الغامدي - رجل يحبه الجميع : يماني الإنسان النادر
ھذا الرجل لم يعرف عنه إلا السعي النبيل في أوجه الخير، كان دائما شفيعا
ومؤازرا لمحتاجي الشفاعة وأصحاب الحاجة أيا كانوا سواء معروفين أو
مغمورين، لم يبخل بجاھھ أو جھده أو معرفته. وأول ما عرفت الدكتور محمد عبده
يماني كان في موقف نبيل في مدينة الطائف في صيف عام 1981 ميلادي ، وكان وزيرا
للإعلام إذ ترجل من سيارته ليقوم بمساعدة مجموعة من الصحفيين المبتدئين –
كنت واحدا منھم – على أداء مھمتھم في إحدى المناسبات الھامة، وظل معھم إلى
أن غادروا، ومثل ھذا الموقف تكرر مع كثيرين من الإعلاميين ومع غيرھم عندما
كان وزيرا وفي مناصبه التي تقلدھا من قبل، ولذلك حين غادر كرسي المسؤولية
لم يشعر بأي فراغ بل كانت حياته مترعة بحب الناس وتقديرھم وسعيھم إليه في
مواقف وفاء جميل وعرفان لمواقفه ودماثة أخلاقه ونبله عندما كان في سدة
الوزارة قريبا من الجميع يشاطرھم الأفراح ويؤازرھم في الأتراح.
لم ينس نفسه ولم ينسه الكرسي الوثير أھله وناسه فاحتل في أنفس وعقول
الجميع مكانة أثيرة من الحب والتقدير ظل متربعا عليھا بحضوره إلى أن توفاه الله
وسيظل خالدا في ذاكرة ھؤلاء وصفحات تاريخ الوطن إلى أن يرث الله الأرض
ومن عليھا.
كانت وفاته رحمه الله صدمة للجميع ومثيرة للحزن والألم في نفوس الجميع .
وعندما أقول الجميع فإنني أعني ما أقول وليس من باب المبالغة، فھو فقيد
الإعلام والثقافة وعمل الخير في عموم الوطن، وھو فقيد المحتاجين لجاهه
وشفاعته، الذين يأتي الدكتور يماني في مقدمة من يلجؤون إليه بعد الله عند أي
ملمة أو حاجة. والذين يعرفون مجلسه الأسبوعي وكثافة الوافدين إليه من مختلف
الفئات يستطيعون تقدير حجم فجيعتھم فيه. أما أعمال البر والخير التي عمل
وساھم فيھا فلا تكاد تعد أو تحصى في منطقة مكة المكرمة وفي المملكة بصفة
عامة. ولا أتذكر أنني رأيت أبا ياسر في مجلس عام أو خاص – وأنا أكاد أراه
أسبوعيا وأحيانا مرتين أو ثلاثا في الأسبوع – إلا وھو يتحدث عن مشروع خيري
أنجز أو تحت الإنجاز أو يدعو للتفكير فيه.
ومشاريع الخير عند الدكتور يماني لاحد لھا، فھو عضو في عشرات المجالس
منھا، وھو مثقف يستشعر مسؤوليته الثقافية ليوظفھا في أوجه الخير التي يساھم
فيھا أو في الميدان الثقافي العام الذي ينزع فيه إلى وسطية واضحة طبيعية ھي
إحدى سجاياه البارزة سلوكا وحديثا وتعاملا إلا في عواطفه فھو مفرط في إغداقھا
على الناس بلا حدود، وإلا في جھده فھو مجحف في حق راحته وصحته إذ لا
يتأخر عن مھمة يحتاجھا أبسط الناس مھما كانت ظروفه الصحية أو ما تفرضه
ظروف السن ومتطلبات الراحة، وھو فوق ھذا خفيف الروح، سريع البديهة،
حاضر النكتة، وھو بھي المحيا لم أره متجھما في وجه أحد حتى إنني سألته ذات
مرة مداعبا: من أين لك كل ھذا البھاء؟ فقال مجاملا: من عيون أمثالك.
لقد كنت أحد الحضور عند بداية أزمته القلبية لكننا مع الأسف الشديد نعيش جھلا
مفرطا في معرفة أعراض الأزمات الصحية المفاجئة وطرق إسعافاتھا الأولية،
لذلك ظننا كما ظن رحمه الله أنه عارض طبيعي موقت سيزول إلى أن حضر
الطبيب الذي أمر بنقله سريعا للمستشفى، ولكن صدق الحق (إذا جاء أجلھم لا
يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)، إنا لله وإنا إليه راجعون.