خليل الفزيع - كلمة خليل الفزيع في تأبين الدكتور محمد عبده يماني
أقام (منتدى حوار الحضارات) بمحافظة القطيف (يوم الخميس قبل الماضي) حفل تأبين لفقيد الوطن والعلم والثقافة، وزير الاعلام الأسبق، الدكتور محمد عبده يماني، وذلك برعاية الإعلامي فؤاد نصرالله صاحب المنتدى، حضره جمع من المثقفين والأدباء والفعاليات الاجتماعية في المنطقة الشرقية والأحساء. وقد تطرق الحضور خلال الحفل الذي أداره الشاعر فريد النمر إلى جوانب مضيئة في حياة الفقيد الراحل، وألقى الكاتب خليل الفزيع كلمة في هذا المنتدى هذا نصها:السيدات والسادة:الدكتور محمد عبده يماني.. اسم سيظل في ذاكرة الوطن راسخا في الجذور، شامخا في القلوب والعقول، متألقا في سجل التاريخ.. يضيء دياجير العتمة التي امتدت إلى من التزموا بالتزمت في تعاطيهم مع محبة الله جلت قدرته ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ولد ومات بجوار الحرم الشريف، وأمضى حياته راحلا في مسيرة العلم والعمل إلى أقصى البقاع وأعلى المناصب، قبل أن يستقر به المقام في مدينته الأولى مكة المكرمة، قريبا من الحرم الشريف، فعلى إيقاع مآذن البيت العتيق خطت خطواته الأولى نحو مناهل العلم العذبة بين أروقة الحرم، حتى إستقامت في طريق العلم، لقد إستقى بواكير فهمه للحياة وحبه للدين من علماء الحرم وحلقات التدريس في رحابه، حتى إذا اشتد عوده انتظم في المدارس النظامية، لينال أرقى مراتبها ويحصل على أعلى درجاتها، وينخرط بعدها في وظائف عليا أكاديمية ووزارية قادته إلى التأثير في مسارات التعليم والإعلام، رغم تخصصه في الجيولوجيا، وقد عشق الكتابة ليصبح من أبرز الدعاة المنافحين عن الإسلام ورجاله الذين نذروا أنفسهم لخدمته وإبراز جوانب الخير والمحبة في تعاليمه، كما اثرى المكتبة العربية بالعديد من الإصدارات العلمية القيمة، كذلك أسهمت برامجه في الإذاعة والتلفزيون في تعميق فهم الدين والحياة لدى مستمعيه ومشاهديه. عرفته عندما كان وزير للإعلام، وكنت حينها أعمل رئيسا لتحرير جريدة اليوم، لكن بداية معرفتي به قد سبقت ذلك عندما كنت في قطر، والتقيت به في مناسبات رسمية كثيرة، وهو من الشخصيات الفريدة التي تشعر حيالها أنك تعرفه من زمن طويل، اتسم بلين الجانب وحب الخير للناس، يحمل بين جوانحه حبا كبيرا لكل ما هو جميل ورائع في هذه الحياة، وقد قدر له أن يزور قطر في مهمة رسمية كوزير للإعلام في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وكنت حينها أعمل في الدوحة حيث أسهمت في تأسيس مؤسسة العهد القطرية للصحافة في أوائل السبعينيات الميلادية، وكان من عادته أن يصحب معه في مثل هذه الزيارت بعضا من رؤساء تحرير الصحف المحلية، فأشار علي من أثق برأيه أن أعود لجريدة اليوم لأنها بحاجة إلى رئيس تحرير بعد عزم رئيس تحريرها وقتذاك عثمان العمير على الانتقال إلى لندن، وكنت قد تركت العمل فيها قبل ذك بحوالي سبع سنوات، ولما استشرته في الأمر، كان متحمسا لعودتي لليوم، وهكذا عدت للعمل في جريدة اليوم عام 1981م لأتولى مسئولية تحريرها للمرة الثانية، فقد توليت هذه المهمة قبل سفري إلى قطر. ثم صحبته فيما بعد في رحلات عديدة داخل وخارج المملكة، وللحق فقد كان أكثر وزراء الإعلام الذين عرفتهم حفاوة بالصحفيين ومساعدتهم وتقريبهم من ولاة الأمر، وتبني قضاياهم لدى بعض الجهات الرسمية، وأعترف أنه لولا جهوده ومساندته بالنسبة لي شخصيا لانتهى بي الأمر مرغما إلى ترك العمل في الجريدة في وقت مبكر، فما لجأت إليه في أمر يتعلق ببعض الإشكاليات مع بعض الجهات الحكومية أو غير الحكومية، إلا ولقيت منه المساعدة، والحماسة لإنهاء ذلك الأمر بما يحقق المصلحة العامة، ويحفظ للصحفي كرامته المهنية، لست وحدي في ذلك بل جميع العاملين معي، وبعد أن ترك الإعلام التقينا في بعض مؤتمرات الحوار الوطني، وفي بعض المناسبات المتفرقة، وفي كل مرة ألتقي به تزداد ثقتي بآرائه السديدة وأفكاره النيرة، الصادمة لبعض من لا يرى في الدين سوى شكله، دون التعمق في قدسيته السامية، ومعانيه النبيلة، وجلال قدر رجاله الذين نشروا الرحمة بين العباد، وأشاعوا المحبة بين الناس، وآمنوا بأن الدين أكبر وأعظم من أن تقيده آراء المتزمتين، ودعاة الإقصاء والغلو والتطرف. وبرحيل الدكتور محمد عبده يماني فقدت البلاد العربية والأمة الإسلامية واحدا من رجالها الأفذاذ، وأبناء من أبنائها الذين وهبوا حياتهم لخدمة الدين والوطن وولاة الأمر، لا يخشون في الحق لومة لائم، ولا يساومون في محبتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

الدكتور محمد عبده يماني .. كريم الشمائل عظيم المروءات

المهندس أحمد عبد الوهاب آشي
رحم الله توأم روحي أبا ياسر ، لقد كنت على موعد معه يوم الثاني من شهر ذي الحجة للصعود إلى مكة المكرمة لتقديم واجب العزاء في السادن العزيز المرحوم الشيخ عبدالعزيز كدأبه في مشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم .. وكان هذا ديدنه دائماً مهما كان في ذلك الأمر من إرهاق ومشقة عليه وتراه مسروراً وفرحاً فيما يقوم به وكنت أرافقه في كثير من الأحيان هذا التواصل والمودة مع الناس كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم وجيههم وبسيطهم ولكنه سبقنا إلى دار الحق وتركنا في هذه الدنيا الغرور.
كان رحمه الله يفشي المحبة والسلام بين الجميع لا تراه إلا مبتسماً بذلك الوجه النوراني، عف اللسان، بذلك التواضع والأدب الجم مع كل من يقابله من الناس، ينفرد بهذه الخصوصية حتى مع الأطفال ويشعر كل من يقابله بأنه يخصه وحده بالاهتمام وهذه ميزة ينفرد بها رحمه الله وهو من الذين يسارعون في الخيرات وينفقون عن سعة, يجبر كسر هذا ويفرح قلب هذا فهو أمة في رجل وركن من أركان المجتمع المكي بل ركن من أركان الوطن وكان رحمه الله يحثني دائماً ويشركني في فعل الخير وكم فرَّج بعد توفيق الله كربة محتاج وهو لا يفتأ مدافعاً منافحاً ومناصراً لكل ذي مظلمة وكذلك اصلاح ذات البين.
أيها الشيخ الجليل الفارس النبيل، إهنأ في مرقدك الأخير تتنزل عليك شآبيب رحمه الله.. وأنا لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنى عليك من غمرته بفضلك وإحسانك وأزلت بعد الله ضيقته وما اتفق اثنان أو أكثر كما اتفقوا على محبتك ولا نستطيع أن نعدد مآثرك وحسناتك في كل وجوه الحياة، جزاك الله خيراً لما قدمته لأمتك ووطنك.رحم الله الشاعر السفير حسين فطاني عندما قال في قصيدته يا قبلة المجد:

وعز في الناس من عزّت بلادهم لما أشادوا لها أو شيدوا فيهــــــا

وكما قال والدي المرحوم عبدالوهاب آشي في قصيدته:
ما مات من خلدت صحائف مجده ولسعيه الوطن العزيز مصــــدق

وهذا الإمام الشافعي رحمه الله يقول:
الناس للنّاس ما دام الوفاء بــــــهم والعسر واليسر أوقات وساعـــات
وأكرم الناس من بين الورى رجل تقضى على يده للنّاس حاجـــــات
قد مات أقوام وما ماتت فضـائلهم وعاش قوم وهم في الناس أموات

ويا حبذا أن يخلد اسم الفقيد الجليل بمعلم بارز في مكة المكرمة وغيرها من مدن المملكة.. رحم الله فقيد الأمة، فهو حيّ بمآثره ومكارمه، وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان وبارك له في أبنائه البررة.وأنا أدعو جميع محبيه والعارفين بفضله وغيرهم أن يتأسّوا ويقتدوا بأخلاقه ويسيروا على نهجه ومنهاجه فهو نعم المربي الإسلامي ونعم العبد إنه أواب بإذنه تعالى وجعله من الكرام البررة إنه سميع مجيب.و"إنا لله وإنا إليه راجعون".