جھير بنت عبدالله المساعد - الفقيد الإنساني محمد عبده يماني
اليوم، مئات الشخصيات المھمة تكتب نعيھا في الفقيد الإنساني الدكتور محمد
عبده يماني، وما جئت ھنا أطاولھم ولا أجاريھم ولا عندي ما عندھم ولا ھم مني
ولا أنا منھم.. لكن الميزة في شخصية الراحل الجميل أنه كان للجميع! كان درسه
للجميع، وأدبه مع الجميع، وكان قلبه يتسع للجميع! ومن ھم في حضرة جنازته
المھيبة يحملونها على الأكتاف اليوم ھم أقرب الناس إليه، لكنھم ليسوا وحدھم
يبكون عليه!
وھذه التي تكتب لكم سطرا وراء سطر ھذه اللحظة لا تمت له بصلة قربي أو
نسب، لكنها استفاقت على وجوده.. ودخلت دنيا الصحافة بوجوده، حيث كان
يشغل منصب وزير الإعلام، وكانت ھي مجرد نبتة طالعة وما زالت تحتاج (وقتا)
كي تنمو !
تلك أيام عز الصحافة الورقية، حين كان لها الحضور والسيادة وليس لها منافس
لا إنترنت ولا مواقع ولا حتى قنوات فضائية!! يومها كانت المساحة مزروعة إلى
جانب الوردود بالأشواك! وكان الرجل فيها سيدا ولا يزال!! أما النساء فمثل
فوجود غير محسوس!! « الظل »
رحمه الله، كان ھو الوزير وھي النبتة الغضة.. كان ھو من الأشجار الباسقة
وكانت ھي من العشب النابت أخضر طري العود! المسافة شاسعة لكن القلوب
راضية والنفوس صافية، ھو فوق وھي تحت! ھو وزير وھي على باب الله ليس
عندھا غير (قلم) تنقش به الورق، يوم كانت الصحافة المحلية تخرج من بين
الصلب والترائب بقوة الدفع كعمليات الولادة المتعسرة! أو كالسير وسط الزحام في
الطريق الطويل.. تحتاج إلى الكوابح والإشارات الحمراء... لا تعرف الضوء
الأخضر إلا لماما!! كنا نشق الطريق الوعر واتكالنا على الله ثم حب الوطن ولا
شيء ثالثا! مرة يغفرون لنا ومرة يكيلون كيلا!... فلا نجد غير الباب قد سد..
وحضورنا منع.. والقلم في أيدينا انكسر، وبفعل فاعل نصاب بالصمت.. ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! كان زمن الصحافة النضرة!! تكد ولا تعرق! تنتج
ولا تكبر!! تنشر ولا تصرخ! وجاءت الفرصة وكتبت عنه رحمه الله وأغلظت
ثم زدت القول غلظة وقسوة!! ثم تماديت وتجاوزت.. فإذا به يغضب!! وأذھلني
غضبه المعجز!! أذھلني لأنني تعلمت كيف يكون الغضب حلما! والصبر نبلا!
والقوة أناة!. كان بمقدروه أن (يفعصني)، فالنبات الصغير لا يحتاج لقوة كبيرة
حتى يجف أو يذبل أو يموت! لكنه لم يفعل!!! ومرت السنون... وأصاب بفاجعة
وفاة والدي رحه الله.. وفي الليلة الثالثة على رحيله، قالوا لي الشيخ محمد
عبده يماني على الخط!! وسمعته معزيا يشد أزري وينصح سمعي بالصبر ويعيد
لي السكينة بنصحه القويم، ثم يعيد الاتصال ويقول: ارجعي اكتبي يا ابنتي فين
شقاوة زمان!! ويسميني (ابنتي)، ويقول اعتبريني إن شئت أباك!! ما أعظم نبل
ذاك الرجل المؤمن التقي النقي الورع اللطيف.. اللھم في ھذه الأيام المباركة فارقنا
فبارك قبره وأكرم نزله!!