د. نورة خالد السعد - فقيد الوطن : د. محمد عبده يماني
كان يوم الاثنين الماضي يوما تاريخيا لايمكن نسيانه من ذاكرة محبي الدكتور محمد عبده يماني يرحمه الله حيث واراه محبوه الثرى محفوفا بتلك القلوب التي استكان شخصه في وجدانهم بتقواه وصلاحه وطيبته وحبه للخير وللعلم ولنشر ثقافة المسئولية الاجتماعية عندما تكون نبراسا لخلافة المسلم في الأرض .وعندما يكون ھذا المسلم متمثلا في أردان ذلك الرجل الرائد في مختلف التخصصات والمجالات والقطاعات والذي لايختلف اثنان على أنه استحق أن يكون رائدا للدفاع عن الإسلام، ودائما الموجود في جمعيات تحفيظ القرآن وفي جمعية رعاية الأيتام أو مرضى السرطان ، مساحات عطائه لا تتوقف ، ولا تختزل في مدينة أو قطاع في الداخل أو الخارج ، كان كالضوء ينتقل إشعاعه حيث الاحتياج إليه. من تابع ما كتب عنه أو حضر العزاء فيه ولھ حيث كنا في مجلس العزاء نعزي أنفسنا وليس فقط نعزي أھله يتأكد أنه فقيدنا جميعنا. وھذه حالات استثنائية لا تحدث الا لأشخاص ( قلة ) لكنھم في مثل مكانة الراحل يرحمه الله ( فقيد الوطن ). فالحشود التي رافقت جثمانه إلى مقبرة المعلاة في مكة المكرمة المدينة التي ولد فيها وعاش، ومنها واليها كان المسار ھي ( شھود الله في أرضه ) له فھو شخصية لھا مكانتھا في الداخل والخارج ممن يعملون في دوائر الخير والإحسان والإصلاح. مشاعر الحزن التي عمت محبيه والعارفين فضله والذين امتدت يده الكريمة لخدمتھم وعلاجھم وتأمين تعليمھم وتوفير احتياجاتھم على تعددھا ، مواقف كتب عنھا البعض وبقيت لدى الآلاف ممن لم تكن لھم فرصة للتعبير عنھا تؤكدأن حب الخير ليس مهنة مارسها ذلك الراحل الفاضل ، بل ھو جزء من كينونته ،فھو يتشربه ويعيده كما تنثر الزھور عبقھا . يقدمه بنفس كريمة سواء منه شخصيا أو وساطة خير للآخرين. كم اتعبت من سيكون بعدك يا دكتور محمد في أي موقع ، فمن يستطيع أن يكون عشرة رجال في واحد ؟ ھل أبالغ ؟؟ أبدا بل أنا مقصرة في التعبير عن دور ھذا الراحل الذي علمنا ماذا يعني حب الأرض وتطبيق سلوكيات المسلم في ھذه الحياة . وما العلاقة بين العقيدة والحياة الدنيوية، وماذا يعني الوطن عندما يكون ( أرض الحرمين بكل خصوصيتها بعيدا عن الغلو أو التميع ). عرفته مديرا لجامعة الملك عبد العزيز وكنت أحدى طالباتها،تعلمنا منه معنى ( القائد القدوة ) ، واستمر ذلك الضوء يشدنا إليه والى إخلاصه والى نموذجه القيادي العلمي والعملي،ثم عدت من الولايات المتحدة الأمريكية بعد حصولي على الماجستير وكان ھو وزيرا للإعلام وبقي متميزا في وزارة الإعلام كما عھدناه في رحاب جامعة المؤسس الملك عبد العزيز . ثم جمعتنا به رحاب المعرفة وھو خير من يلبي أي نداء للعلم أو الفكر. كان ضيفا متميزا للعديد من ندوات ولقاءات لجنة الدراسات والأبحاث في الجمعية الفيصلية في جدة حيث كنت رئيسة لھذه اللجنة خلال السنوات التي تلت عودته لجدة بعد تركه وزارة الإعلام . لازلت أتذكر ذلك العطاء والتجاوب السريع لأي نداء منا لحضوره أو مشاركاته لا يبخل بعلمه وفكره لأي نداء، يأتي ملبيا ببساطته وطيبته وبعده عن الرسميات أو التعالي . كانت دوائره متعددة المستويات والتخصصات والمجالات والجنسيات يحب الكبير والصغير والغني والفقير ، تجده بين خريجي جمعيات تحفيظ القرآن ،أو مشاركا في لقاءات رياضية ، أو في منتديات فعاليات الشباب وأنشطتھم . أو مع مرضى السرطان أو أيتام الجمعيات الخيرية ، أو معرض الكتاب أو المؤتمرات العلمية المتخصصة والثقافية والإعلامية وله وقفات كثيرة مع الأرامل واليتامى والمعوزين والفقراء، وكانت له بصمات وأعمال قد لا يعلمھا الكثير من الناس؛ يؤديها في الخفاء وتلك شيمة الصالحين الفضلاء . كتاباته ومؤلفاته ومواعظه ووقفاته معظمها في خدمة الإسلام والدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن أمهات المؤمنين رضي الله عنھن. رحم الله الفقيد محمد عبده يماني رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى ومتعه سبحانه بلقاء من أحبه ودعا إلى حبھ طوال حياته: محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام.وأحسن الله عزاءنا وأھله جميعا : أرملته الأخت الفاضلة مريم عبد الله كامل الصابرة الوقورة ، وبناته ، وأبنائه وجميع أقربائه، ومحبيه .لا ننسي أنه غاب عن مشھدنا الدنيوي ، ولكنه بقي حاضرا بأعماله وخيريته التي تركھا شاھدا وأمانة في أعناقنا جميعا نحن محبيه . فاللھم ارحمه واغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى . وانا لله وانا اليه راجعون.

الدكتور محمد عبده يماني .. كريم الشمائل عظيم المروءات

المهندس أحمد عبد الوهاب آشي
رحم الله توأم روحي أبا ياسر ، لقد كنت على موعد معه يوم الثاني من شهر ذي الحجة للصعود إلى مكة المكرمة لتقديم واجب العزاء في السادن العزيز المرحوم الشيخ عبدالعزيز كدأبه في مشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم .. وكان هذا ديدنه دائماً مهما كان في ذلك الأمر من إرهاق ومشقة عليه وتراه مسروراً وفرحاً فيما يقوم به وكنت أرافقه في كثير من الأحيان هذا التواصل والمودة مع الناس كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم وجيههم وبسيطهم ولكنه سبقنا إلى دار الحق وتركنا في هذه الدنيا الغرور.
كان رحمه الله يفشي المحبة والسلام بين الجميع لا تراه إلا مبتسماً بذلك الوجه النوراني، عف اللسان، بذلك التواضع والأدب الجم مع كل من يقابله من الناس، ينفرد بهذه الخصوصية حتى مع الأطفال ويشعر كل من يقابله بأنه يخصه وحده بالاهتمام وهذه ميزة ينفرد بها رحمه الله وهو من الذين يسارعون في الخيرات وينفقون عن سعة, يجبر كسر هذا ويفرح قلب هذا فهو أمة في رجل وركن من أركان المجتمع المكي بل ركن من أركان الوطن وكان رحمه الله يحثني دائماً ويشركني في فعل الخير وكم فرَّج بعد توفيق الله كربة محتاج وهو لا يفتأ مدافعاً منافحاً ومناصراً لكل ذي مظلمة وكذلك اصلاح ذات البين.
أيها الشيخ الجليل الفارس النبيل، إهنأ في مرقدك الأخير تتنزل عليك شآبيب رحمه الله.. وأنا لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنى عليك من غمرته بفضلك وإحسانك وأزلت بعد الله ضيقته وما اتفق اثنان أو أكثر كما اتفقوا على محبتك ولا نستطيع أن نعدد مآثرك وحسناتك في كل وجوه الحياة، جزاك الله خيراً لما قدمته لأمتك ووطنك.رحم الله الشاعر السفير حسين فطاني عندما قال في قصيدته يا قبلة المجد:

وعز في الناس من عزّت بلادهم لما أشادوا لها أو شيدوا فيهــــــا

وكما قال والدي المرحوم عبدالوهاب آشي في قصيدته:
ما مات من خلدت صحائف مجده ولسعيه الوطن العزيز مصــــدق

وهذا الإمام الشافعي رحمه الله يقول:
الناس للنّاس ما دام الوفاء بــــــهم والعسر واليسر أوقات وساعـــات
وأكرم الناس من بين الورى رجل تقضى على يده للنّاس حاجـــــات
قد مات أقوام وما ماتت فضـائلهم وعاش قوم وهم في الناس أموات

ويا حبذا أن يخلد اسم الفقيد الجليل بمعلم بارز في مكة المكرمة وغيرها من مدن المملكة.. رحم الله فقيد الأمة، فهو حيّ بمآثره ومكارمه، وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان وبارك له في أبنائه البررة.وأنا أدعو جميع محبيه والعارفين بفضله وغيرهم أن يتأسّوا ويقتدوا بأخلاقه ويسيروا على نهجه ومنهاجه فهو نعم المربي الإسلامي ونعم العبد إنه أواب بإذنه تعالى وجعله من الكرام البررة إنه سميع مجيب.و"إنا لله وإنا إليه راجعون".