أ.د. محمد خضر عريف - رحم الله فقيد العمل الخيري والإنساني : محمد عبده يماني
مفكر وأديب وفيلسوف وعالِم شرعي وعالِم جيولوجي، ورجل دولة من الطراز
الأول، وقبل ذلك كله رجل عمل خيري وإنساني، ليس لخيريته حدود تقف عندھا،
أو نھاية لا تجد ازدياداً بعدھا، فھو نھر عطاء متدفق وديمة سِقاءٍ لا تتوقف.. ما
بخل يوماً بماله ولا بخل بجاھھ في سبيل إغاثة ملھوف أو نصرة مظلوم، أو إطعام
فقير، أو كفكفة دمعة يتيم أو جبر كسر ضعيف، وحدّث ولا حرج عن رعايته
للأرامل والمكلومين ليس في بلده المملكة العربية السعودية فحسب بل في أقطار
العالم الإسلامي كله بطوله وعرضه، ومن قصد مكتبه في برج دلّة لحاجة أو
للسلام عليه في أي يوم لاشك رأى وفود القاصدين من كل حدب وصوب من
إفريقيا وآسيا بل ومن أوروبا وأمريكا، يقصده ذوو الحاجة منھم ليعودوا جميعاً
مجبوري الخاطر فإما أن يساعدھم في التو واللحظة وإما أن يتوسط لھم عند أھل
الخير فتقضى حاجتھم في كلتا الحالتين، بنى مؤسسات عدة للخير في مقدمتھا
(جمعية اقرأ الخيرية) التي يمتد نفعھا من أقصى المعمورة إلى أقصاھا، وقد
شرفتُ بأن عملت معه فيھا لعشر سنين في إحدى المؤسسات التابعة لإقرأ:
(المركز الثقافي الإسلامي) أول مركز لدعوة الجاليات في المملكة، وبفضل ھذا
المركز العظيم الرائد دخل مئات وربما آلاف من العاملين المقيمين في المملكة في
الإسلام: رجالاً ونساءً، وكنت أتولى تدريسھم العربية بعد إسلامھم بتوجيهه
وإشرافه وتحت مظلته، أيام كان المشرف على المركز أحد أعز أصدقائه ومريديه
أخي الدكتور حسن باحفظ الله رحمه الله رحمة واسعة.
ذلك محمد عبده يماني الشخصية الإسلامية الفذة التي لا تتكرر ويندر أن يجود
الزمان بمثلھا، مؤلفاته الكبيرة تملأ مكتباتنا، ومحاضراته القيمة تحتل قلوبنا
وعقولنا، وكنا وما نزال وسنبقى تلامذة له نطلب العلم على يديه، حتى بعد رحيله
عن دنيانا الفانية، فقد ترك الكثير من العلم الذي ينتفع به، كما فتح الكثير من
أبواب الصدقة الجارية. أما الأبناء الصالحون الذي يدعون له فبالآلاف، وربما
بمئات الآلاف في مكة والمدينة وكل أنحاء بلادنا الحبيبة، وفي كل بقاع العالم
الإسلامي التي لابد من أن يكون له أيادٍ بيضاء فيھا. فكثير من أھلھا وفد عليه،
كما أنه رحمه الله زار الكثير منھا في إفريقيا وجمھوريات الاتحاد السوفيتي
المستقلة، وكتب عنھا ووضع حلولاً لمشكلاتھا.
عرفته وأنا لمّا أزال طالباً في كلية الشريعة بمكة التي كانت إحدى كليتي جامعة
الملك عبدالعزيز (فرع مكة) حين كان مديراً للجامعتين، وأذكر أنه كان يحضر
المحاضرات الإسلامية والفكرية بمكة، وحين يحضر كان يصر على الجلوس في
المقاعد الأخيرة دون أن يستأثر بالمقدمة إمعاناً في التواضع الذي كان خُلقه على
الدوام، وعرفته وزير إعلام محنكاً من الطراز الأول. وشھدتُ إنجازاتھ العلمية من
خلال دار القِبلة للثقافة والنشر بجدة. حين كان المركز الثقافي الإسلامي ودار
القِبلة في مبنى واحد بشارع فلسطين. وبعد ذلك تتبعت كل إصداراته وفُتنت
بمؤلفاته التي تحثنا على تعليم أبنائنا محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأھل
بيته الطيبين الطاھرين. وكتبتُ عنه أديباً محلقاً وحللت بعض إبداعاته الأدبية مثل
اليد » التي صدرت عام 1400 ھ، ومجموعته القصصية « فتاة من حائل »
وسوى ذلك ،« فتاة من حائل » التي صدرت في تأريخ قريب من صدور « السفلى
التي ربما تكون مؤلفاته الإسلامية « جراح البحر « و ،« صبي من مكة » كثير مثل
العديدة غطت عليھا.
فكثير من الناس يعرفونه مفكراً إسلامياً أكثر منه أديباً مبدعاً، والحق أنك إن قرأت
أدب محمد عبده يماني، خيّل إليك أنه ليس إلا أديباً، وإن قرأت فكره الإسلامي
ظننتَ أنه ليس إلا مفكراً إسلامياً، وإن قرأت مؤلفاته الجيولوجية مثل:
أيقنت ،« الجيولوجيا الاقتصادية والثروة المعدنية في المملكة العربية السعودية »
أنه ليس إلا جيولوجياً، ذلكم لتعدد مواھبه، وذلكم فضل الله يؤتيه من يشاء.
وھذا الزخم العلمي الھائل لم يعقه –رحمه الله- من القيام بواجبه الإسلامي
الاجتماعي، فما حضرتُ عزاءً لأحد معارفه في مكة أو جدة إلا وجدته أول
الحاضرين، وكذلكم المناسبات السعيدة. وآخر عزاء لقيته فيه كان عزاء العم
عبدالرزاق بليلة رحمه الله الذي حضره وھو بادٍ عليه التعب والإعياء. كما كان
يصل كل أصدقائه ولا يقطعھم وفي مقدمتھم صديق عمره معالي الأستاذ أحمد زكي
يماني، وقد لقيته في داره قبل أسبوعين.