عبده خال - خسارة الرحيل
الدكتور محمد عبده يماني في العناية المركزة وفي حالة خطر.. مات الدكتور محمد عبده يماني.. , ھكذا جاء الخبر متواليا وصاعقا، ولم تكن له مقدمات مرضية حتى تستعد النفس لتقبل ما تكره. يحمل لنا التاريخ قصص أناس زرعوا الخير أينما ساروا، ولا يعرف أحد موطن بذرھم للخير إلا عندما يرحلون.. حتى أولئك الذين يتلقون إحسانھم لا يعرفونھم. كم قصة حملھا لنا التاريخ تحكي أن محسنا داوم على إحسانه حتى إذا مات تنبه الفقراء أن عطاياھم انقطعت، ساعتھا فقط يعرفون أن من كان يصلھم بالعطايا والھبات إنما ھي ھبات ھذا المحسن الذي مات. ولا أشك مطلقا أن كثيرا من الفقراء سيكتشف - في الغد - أن بموت الدكتور محمد عبده يماني انقطعت عنھم صدقات كانت تصلھم بانتظام. محمد عبده يماني ليس شخصا عاديا.. تجده في كل موقع علامة بارزة: أستاذ جامعي، مدير جامعة، وزير إعلام، روائي، مفكر، داعية، محسن، واسطة خير، شفيع لمن لا يقدر على الوصول إلى بغيته، محافظ على الآثار، محب لآل البيت، ومحب للعلماء، ناشر للخير بكل الوسائل، ومجيب لمن دعاه، سمح، بشوش، لا يرد طالبا...، قاطرة من الألقاب والنعوت ألصقت به، ولم يقم ھو بوضعھا على سيرته، بل المحبون الذي طافوا به وحوله منحوه خلاصة مشاعرھم. سقطت ورقة من التاريخ الوطني مع موت الدكتور محمد عبده يماني. فبرغم كتبه العديدة إلا أن ذاكرته كانت تمسك بأحداث مفصلية مرت بالبلاد ولم يذكرھا. كان يتحين الوقت لسردھا، نثر بعضھا في المجالس والمنابر إلا أن جلها لم يخرج من تلك الذاكرة المخزنة بعشرات الأحداث والمواقف. بسيط لدرجة يصعب على المرء صعوده. فمع اتساع وانشراح روحه تجد أنك لا تقدر أن تحتويه أو تصعده من غير انھاك. كنت في مرحلة من مراحل العمل الصحافي أجري لقاءات مع من أثر في مسيرة البلد، وكان في مقدمة تلك الشخصيات الدكتور محمد عبده يماني، احتجت إلى أربع جلسات مطولة لكي أعبر في ذاكرته.. ومع كل ھذا الوقت لم أقطع منھا إلا الجزء اليسير. كان الرجل غنيا في كل شيء وسمحا في كل شيء وعميقا في كل شيء. حملتني الظروف أن أكون شاھدا على كثير من مواقفه النبيلة، ولست الشاھد الوحيد، فھناك المئات من شھد للدكتور محمد عبده يماني بكل أنواع الصفات الحميدة. أي خسارة نحملھا الآن برحيله؟ يا الله.. وسعت كل شيء رحمة، فارحم عبدك محمد عبده يماني بما يليق بجلالة كرمك وعفوك.

الدكتور محمد عبده يماني .. كريم الشمائل عظيم المروءات

المهندس أحمد عبد الوهاب آشي
رحم الله توأم روحي أبا ياسر ، لقد كنت على موعد معه يوم الثاني من شهر ذي الحجة للصعود إلى مكة المكرمة لتقديم واجب العزاء في السادن العزيز المرحوم الشيخ عبدالعزيز كدأبه في مشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم .. وكان هذا ديدنه دائماً مهما كان في ذلك الأمر من إرهاق ومشقة عليه وتراه مسروراً وفرحاً فيما يقوم به وكنت أرافقه في كثير من الأحيان هذا التواصل والمودة مع الناس كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم وجيههم وبسيطهم ولكنه سبقنا إلى دار الحق وتركنا في هذه الدنيا الغرور.
كان رحمه الله يفشي المحبة والسلام بين الجميع لا تراه إلا مبتسماً بذلك الوجه النوراني، عف اللسان، بذلك التواضع والأدب الجم مع كل من يقابله من الناس، ينفرد بهذه الخصوصية حتى مع الأطفال ويشعر كل من يقابله بأنه يخصه وحده بالاهتمام وهذه ميزة ينفرد بها رحمه الله وهو من الذين يسارعون في الخيرات وينفقون عن سعة, يجبر كسر هذا ويفرح قلب هذا فهو أمة في رجل وركن من أركان المجتمع المكي بل ركن من أركان الوطن وكان رحمه الله يحثني دائماً ويشركني في فعل الخير وكم فرَّج بعد توفيق الله كربة محتاج وهو لا يفتأ مدافعاً منافحاً ومناصراً لكل ذي مظلمة وكذلك اصلاح ذات البين.
أيها الشيخ الجليل الفارس النبيل، إهنأ في مرقدك الأخير تتنزل عليك شآبيب رحمه الله.. وأنا لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنى عليك من غمرته بفضلك وإحسانك وأزلت بعد الله ضيقته وما اتفق اثنان أو أكثر كما اتفقوا على محبتك ولا نستطيع أن نعدد مآثرك وحسناتك في كل وجوه الحياة، جزاك الله خيراً لما قدمته لأمتك ووطنك.رحم الله الشاعر السفير حسين فطاني عندما قال في قصيدته يا قبلة المجد:

وعز في الناس من عزّت بلادهم لما أشادوا لها أو شيدوا فيهــــــا

وكما قال والدي المرحوم عبدالوهاب آشي في قصيدته:
ما مات من خلدت صحائف مجده ولسعيه الوطن العزيز مصــــدق

وهذا الإمام الشافعي رحمه الله يقول:
الناس للنّاس ما دام الوفاء بــــــهم والعسر واليسر أوقات وساعـــات
وأكرم الناس من بين الورى رجل تقضى على يده للنّاس حاجـــــات
قد مات أقوام وما ماتت فضـائلهم وعاش قوم وهم في الناس أموات

ويا حبذا أن يخلد اسم الفقيد الجليل بمعلم بارز في مكة المكرمة وغيرها من مدن المملكة.. رحم الله فقيد الأمة، فهو حيّ بمآثره ومكارمه، وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان وبارك له في أبنائه البررة.وأنا أدعو جميع محبيه والعارفين بفضله وغيرهم أن يتأسّوا ويقتدوا بأخلاقه ويسيروا على نهجه ومنهاجه فهو نعم المربي الإسلامي ونعم العبد إنه أواب بإذنه تعالى وجعله من الكرام البررة إنه سميع مجيب.و"إنا لله وإنا إليه راجعون".