صباح بصحبة ملك - علي سعد الموسى
لا أتذكر على الإطلاق أنني استمعت واستمتعت طوال مشواري الجامعي لمحاضرة تفوق الخيال، مثلما كان صباح الثلاثاء، ما قبل الأمس، من معالي الوزير محمد عبده يماني وهو يصف بكل تكامل الإنسان، أيامه مع الراحل الكبير، الملك خالد بن عبدالعزيز.يؤسفني، وقد قلتها، أن ثلاثة عقود مرت منذ اللبنة الأول لأول كلية حتى اليوم فمازال صباح ما قبل الأمس أول محاضرة عن سيرة ملك. يؤسفني أن أجيالا كبرت دون أن يستمعوا لهذه المقاطع الإنسانية من سيرة ملك. يؤسفني أننا لا نعرف من سيرة هؤلاء الرجال إلا التواريخ الرسمية فلن أنسى ذلك الزميل وهو يمسح دمعته بين مقاطع الإنسان من خالد بن عبدالعزيز على لسان معاصر له. أي هذه القصص تختار من بين العشرات من الصور الإنسانية في حياة ملك. ذات مرة كان خالد بن عبدالعزيز يسأل معالي الوزير: كيف ترى أسباب الخير الذي نحن فيه اليوم، ثم يقسم خالد بن عبدالعزيز برب العزة والجلال أنه لم يرفع ثوبه نحو حرام أو شبهة منه. كيف كان خالد بن عبدالعزيز يؤدي ضريبة هذا القرآن شكرا لله على القصة الباكية وهو طفل يتعلم الحروف. كيف أقسم أن لا يصلي الظهر إلا وقد أخذ القصاص لفتاتين تعرضتا لانتهاك عرض سافر في الخلاء وكيف قال: أنا أعلم منكم جميعا بالشريعة لأن الذئاب من المفسدين في الأرض وقد كان. كيف عاد بعد عامين ضاحكا فرحا ذات مساء ثم يذكر لمجالسيه أنه زوج اليوم هاتين الفتاتين لشابين من (علية القوم) ووهبهما مليوني ريال من ماله الخاص. كيف كان رده العنيف على زعيم عربي بارز حين طلب منه الأخير أن يأخذ زعماء المسلمين إلى باب الكعبة المشرفة ليقسموا على العهد والوعد ثم قال: كذبنا طويلا كل هذه الحياة فهل تريدني أن آخذهم ليكذبوا على الله أمام باب بيته المطهر. كيف كان خالد بن عبدالعزيز باكيا أمام مواقف الإنسان وصلبا عنيفا عندما تنتهك حدود الله. يؤسفني أن هؤلاء الرجال قد عاشوا بالسيرة الرسمية ولن أنسى ما قاله معالي الوزير من أن تاريخ الملك عبدالعزيز الحقيقي لم يكتب حتى اللحظة. لماذا لم يكتب هذا التاريخ في وجهه الإنساني وصفحاته الإنسانية، وهو الذي كتب كل الشوارد من أخبار يحيى بن يزيد حتى تفاصيل الليلة الأخيرة من حياة المستعصم بالله آخر خليفة عباسي. يؤسفني أن هذه الحقائق الإنسانية من صفحات هؤلاء الرجال مازالت تنتظر مثل هذا الصباح بصحبة الملوك ومن كان في شك فليأت ليقرأ أثر هذه القصص في وجوه الشباب الجامعي الذين حضروا هذا الصباح. ربما كان لهم أول صباح بصحبة وطن.

الدكتور محمد عبده يماني .. كريم الشمائل عظيم المروءات

المهندس أحمد عبد الوهاب آشي
رحم الله توأم روحي أبا ياسر ، لقد كنت على موعد معه يوم الثاني من شهر ذي الحجة للصعود إلى مكة المكرمة لتقديم واجب العزاء في السادن العزيز المرحوم الشيخ عبدالعزيز كدأبه في مشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم .. وكان هذا ديدنه دائماً مهما كان في ذلك الأمر من إرهاق ومشقة عليه وتراه مسروراً وفرحاً فيما يقوم به وكنت أرافقه في كثير من الأحيان هذا التواصل والمودة مع الناس كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم وجيههم وبسيطهم ولكنه سبقنا إلى دار الحق وتركنا في هذه الدنيا الغرور.
كان رحمه الله يفشي المحبة والسلام بين الجميع لا تراه إلا مبتسماً بذلك الوجه النوراني، عف اللسان، بذلك التواضع والأدب الجم مع كل من يقابله من الناس، ينفرد بهذه الخصوصية حتى مع الأطفال ويشعر كل من يقابله بأنه يخصه وحده بالاهتمام وهذه ميزة ينفرد بها رحمه الله وهو من الذين يسارعون في الخيرات وينفقون عن سعة, يجبر كسر هذا ويفرح قلب هذا فهو أمة في رجل وركن من أركان المجتمع المكي بل ركن من أركان الوطن وكان رحمه الله يحثني دائماً ويشركني في فعل الخير وكم فرَّج بعد توفيق الله كربة محتاج وهو لا يفتأ مدافعاً منافحاً ومناصراً لكل ذي مظلمة وكذلك اصلاح ذات البين.
أيها الشيخ الجليل الفارس النبيل، إهنأ في مرقدك الأخير تتنزل عليك شآبيب رحمه الله.. وأنا لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنى عليك من غمرته بفضلك وإحسانك وأزلت بعد الله ضيقته وما اتفق اثنان أو أكثر كما اتفقوا على محبتك ولا نستطيع أن نعدد مآثرك وحسناتك في كل وجوه الحياة، جزاك الله خيراً لما قدمته لأمتك ووطنك.رحم الله الشاعر السفير حسين فطاني عندما قال في قصيدته يا قبلة المجد:

وعز في الناس من عزّت بلادهم لما أشادوا لها أو شيدوا فيهــــــا

وكما قال والدي المرحوم عبدالوهاب آشي في قصيدته:
ما مات من خلدت صحائف مجده ولسعيه الوطن العزيز مصــــدق

وهذا الإمام الشافعي رحمه الله يقول:
الناس للنّاس ما دام الوفاء بــــــهم والعسر واليسر أوقات وساعـــات
وأكرم الناس من بين الورى رجل تقضى على يده للنّاس حاجـــــات
قد مات أقوام وما ماتت فضـائلهم وعاش قوم وهم في الناس أموات

ويا حبذا أن يخلد اسم الفقيد الجليل بمعلم بارز في مكة المكرمة وغيرها من مدن المملكة.. رحم الله فقيد الأمة، فهو حيّ بمآثره ومكارمه، وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان وبارك له في أبنائه البررة.وأنا أدعو جميع محبيه والعارفين بفضله وغيرهم أن يتأسّوا ويقتدوا بأخلاقه ويسيروا على نهجه ومنهاجه فهو نعم المربي الإسلامي ونعم العبد إنه أواب بإذنه تعالى وجعله من الكرام البررة إنه سميع مجيب.و"إنا لله وإنا إليه راجعون".