شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

كان اصحابه صلى الله عليه وسلم يسألون عن آدابه واحواله في بيته ،ومع اهله ، وعن اكله وشربه ، وعن اذكاره وعباداته ، كل ذلك من اجل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم ، والسير على نهجه ، والتمسك بسيرته العطرة

 بأبي انت وأمي يارسول الله

مدام سيجر

د. محمد عبده يماني

ذهب حمد للدراسة في الخارج.. فهو من قرى الليث، وحصل على درجة في الثانوية أهلته ليكون مبتعثا إلى بريطانيا لدراسة القانون، وفرح وهو يجمع ثيابه للسفر.
وصل الى لندن..شعر الفتي القادم من أقاصي قرى الليث بدهشة وهو يدخل إلى مطار لندن ويفاجيء بكل تلك الأعداد من الناس تركض في كل اتجاه وكأن كل منهم يبحث عن شيء، ولا يعرف "حمد" لماذا يركض الناس بهذه السرعة حاملين متاعهم على ضهورهم وأيديهم.
دهش الفتى لأول وهلة ولكنه لا حظ أن الأمور  تسير بطريقة سهلة  فسار مع الناس في اتجاه موظف الجوازات، واستقبله الرجل وأعانه على ملء الإستمارة، وكان يبتسم بصورة أسعدت حمد وقال في نفسه: ـ ليتنا نستقبل الناس في مطاراتنا بهذه الإبتسامة التي لا تكلفنا شيء ولكنها تعني للقادم كل شيء.
فجاة وجد نفسه أمام بوابة الخروج، والتقط شنطته التي يحملها ثم سار في اتجاه الباب الخارجي وبدا مرتبكا وهو يرى أن هناك خطوطا حمراء وأخرى خضراء وأخذ يسأل وهو يتجه إلى الخارج ماذا تعني هذه الخطوط، وارتبك وهو يتجه إليها، وهل يسير في الخطوط الحمراء وهي دائما ممنوعة في بلادنا أم الخطوط الخضراء، وقد يكون للناس استعمالات أخرى لهذه الخطوط في هذه البلد.
أخيرا إلتفت إلى رجل بجواره وسأله بلغة إنجليزية ركيكة:ـ من أي  الخطوط أخرج يا سيدي؟فألتفت إليه الرجل وقال له:ـ هل تحمل شيئا ـ نعم أحمل شنطتي هذه؟سأله الرجل: ـ ولكن ماذا بداخل الشنطة ـ ملابسي وبعض كتبي ـ تستطيعع أن تسير مع الإشارة الخضراء وتتحمل المسؤولية بأنك لا تحمل أي مواد ممنوعة من الدخول أو مواد لابد أن تمر بإدارة الجمارك وتسجلها.شعر حمد بارتباك أكثر، وشكر الرجل ولكنه قرر أن يدخل مع الخطوط الحمراء ولم يوقفه أحد ولاحظ أن الجندي أخذ ينظر إليه وهو يسير في اتجاه البوابة الخارجية وكأن ليس هناك أي فرق بين من يدخل من الخطوط الحمراء أو الخضراء، وظن حمد أنه ربما تكون لهم وسائل يعرفون بها ما بداخل كل حقيبة وقال في نفسه: ـ ما عليك وقد تعود أن لا يحشر نفسة في متاهات أسئلة قد لا يستطيع الإجابة عليها خصوصا وأنه غريب وتعلم دائما (يا غريب خليك أديب) وخرج خارج المطار واتجه إلى وسط المدينة مستقلا القطار وسافر الى مدينة ادنبرة حيث الجامعة التي سيدرس فيها، عندما وصل بعد دوي شديد للقطار الذي كان يركبه دخل إلى مدينة ادنبرة واتجه إلى مكتب التسجيل، وبدأ يبحث عن مكان يسكن فيه ودله مكتب التسجيل على سيدة معروفة عندهم تأوي الطلاب مقابل مبلغ من المال.. وأخذه إليها وعرفه عليها، وكان اسمها "ماريا سيجر" ورحبت به وأتفقت معه على غرفة ليقيم فيها.
ظل لديها سنوات وهو منكب على دراسته، ونشأت نوع من الألفة بينه وبينها، وشعر بحنان وعاطفة من الأمومة تحيطه بها وهي تتبع تقدمه الدراسي، وتدعوه في بعض الأحيان لتناول الشاي لديها، وتحب أن تسمع عن أخبار بلده وأهله في المملكة.
تواصلت هذه العلاقة الطيبة والشعور بالأمومة، وسافر كعادته في نهاية العام لقضاء الإجازة بين الأهل، وعندما عاد فرح بلقائها وأحضر معه بعض قطع من المجوهرات البسيطة هدية لها، وشكرته وبدت عليها السعادة ولكنها سألته فجأة:-    "يا حمد هل أطلعت إدارة الجمارك على هذه المجوهرات التي أحضرتها لي"قال باستغراب:-    "لا.. لأنها هدية خاصة، ومررت من الخط الأحمر "لاحظ بعض التغيير على وجهها، وانصرف إلى غرفته، ولم يلق بالا على المسألة، وبعد  ساعات فوجيء بمندوب الجمارك ومعه مسؤول من الأمن وقد حضرا إلى المنزل وطلبا لقاؤه، وشرحا له ماذكرته السيدة "سيجر" وأن هذا الذي فعله خطأ لأنه من المفروض أن يسجل كل ما يدخله من ذهب أو مجوهرات، وقاما بتقييم الهدايا ووضعا عليها غرامة، ثم طلبا أن يحضر إلى المحكمة اليوم التالي.
    تدخلت السيدة "سيجر" وأفهمتهم بأنه لم يكن يعلم بمثل هذه الإجراءات، وترجوهم أن يكتفوا بدفعه للغرامة دون الذهاب إلى المحكمة لأن هذا قد يضر بسمعته كطالب وهو يجهل ما فعله.
    في اليوم التالي حمل حمد حقائبه وبحث عن مكان آخر لينتقل إليه وعند خروجه سلم عليها مودعا وقائلا:
-"يا سيدة ماري لقد قضيت معك وقتا طيبا، وكنت أشعر بعاطفة فياضة، وأنت ترددين بأنني أصبحت لي غلاوة عندك، وبصراحة فوجئت بهذا التصرف الذي يتناقض كليا مع المشاعر التي تبدينها لي"
وناولته السيدة "سيجر" بقية حاجاته وهي تودعه عند الباب قائلة:
-"ياحمد أنت غال عندي، ولا زلت أحترم جهدك وأقدر أخلاقك، ولكن وطني أغلى منك ومن الدنيا كلها.. إنها إنجلترا التي أحبها وأعتز بها.. وهي غالية عندي، وكلنا نعمل من أجل سلامة الوطن وأمن الوطن وأكرر أسفي إذا لم تفهمني ووداعا يا حمد"