شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

الإنكار المطلق للأجسام الطائرة المجهولة لا يغير من واقع الأمر شيئا ، وستظل هذه الظواهر موجودة في اعتقادي ، وكل ما ينقصنا هو ان نعرف كنهها ونحدد طبيعتها ومن اجل تحقيق هذا الهدف علينا نحن ابناء هذا الكوكب ان نعيد النظر في اسلوب معالجة هذا الموضوع ، ولابد من دراسات متكاملة مبنية على اسس علمية دقيقة لكي نتمكن من اصدار حكمنا بطريقة صحيحة.

 الأطباق الطائرة حقيقة أم خيال

العم حسنين .. بائع الخردة


محمد عبده يماني

    مثل أي يوم من أيام العم حسنين ، حين ينتهي من صلواته وتسبيحاته ، ساعة تتعانق تلك الخيوط الذهبية الساطعة مع رؤوس الجبال الشامخة, شموخ مكة المكرمة على سائر الدنيا بما حباها به الله سبحانه وتعالى من قدسية وروحانية بوجود بيته العتيق, حيث يطوف به وعلى مدى أربع وعشرين ساعة في الأربع والعشرين ساعة, الطائفون المسبحون الراكعون الساجدون, يعبدون الله جلت قدرته لا يفترون.
    في هذا الوقت وبعد فراغه من صلاة ركعتي الضحى, يقوم العم حسنين, وقد لفَّ عُمَّتهُ الأغباني ( الغبانة )  على رأسه, وشدَّ على وسطه تلك التي كانت تُكَنَّى البقشة وهي تقوم مقام الحزام فيضع في طبقاتها التي طبقت بعناية فائقة لثلاث أو لأربع, فيضع في إحداها بعض الريالات الفضه, وهي عملة التداول في زمانه, وفي الثانية القروش والهللات وفي الثالثة بعض ما يحتاجه من مستلزماته الخاصة, ويضع على كتفه الأيسر ذلك الإحرام البني المزركش مثل البقشة التي تحيط بوسطه, يقوم كعادته كل يوم وينزل من المصافي في اعالي جياد ، وبجوارها بير بليلة ، ويمر في العرض بجوار المالية ، ثم يتجه نحو جياد والبازان وبرحة الطفران ، ويوجب على اصحابه كالعادة ليذهب بعد ذلك الى الخريق وهي منطقة شبه صناعية, يتواجد بها معظم ورش إصلاح السيارات وبيع الخردوات, وبعض المحلات التجارية التي يؤمها المحتاجون لشراء بعض احتياجاتهم من أمور البناء, وميكانيكا السيارات وحديد التسليح, وما شابه
    والعم حسنين بياع الخردة, يسعى على رزقه ليعول اسرته المكونة من زوجة وابنتين وولدين, أحدهما وهو عبد الله في وسط المرحلة الإبتدائية, والآخر واسمه نوح مازال طفلا لم يكمل بعد السنة الرابعه, وأما الابنتين, فالكبرى واسمها مريم هي البكرية, أو كما كانوا يتعارفون علي تسميتها في ذلك الزمن وجه البقشه, وهي في مقتبل عمر الشباب, وهي التى تُعنى بشؤون المنزل, وفي مقام والدتهم, ولهذا لا تُنادى باسمها بل بـ استيته, وهو نداء بديل للاسم, إحتراما وتقديرا, والابنة الصغرى واسمها ـ حواء ـ لم تبلغ الحادية عشرة من عمرها فهي اضافة للمساعدة في عمل البيت, تذهب للكتَّاب نفسه الذي درست فيه استيته مريم, أمور دينها, وحفظت فيه بعضا من سور القران الكريم لتستعين بها في أداء ، أما زُهْرَهْ الأم فهي سيدة أتعبتها السمنةالفرطة, ولا تكاد تبين في حياة المنزل إلا النذر اليسير, ومعظم وقتها تقضيه في عملٍ يدر عليهم بعضا من الدخل ـ وهو المِنْسَجْ ـ حيث تتولى نسج السراويل الطويلة التي كانت سائدة في ذالك الزمان بنسل بعض خيوط القماش, ثم عمل بعض الأشكال ومنها المسوبع, والنسلة الجاوي, والنجمه والكثير من الأنواع ، وهذا النوع من العمل كان لا يستغني عنه معظم الرجال ممن سكن مكة في الماضي البعيد أوحتى القريب,
    وعندما ينادى لصلاة الظهر, يتوضأ العم حسنين, من ذلك الزير المغربي لبرودة مائه, حيث يُبرد وجهه وأطرافه في ذلك الصيف اللافح, ويذهب للزاوية القريبة منه لأداء الصلاة, وهو اسم للمكان الذي لا تقام فيه صلاة الجمعه, فهي تؤدى في الجوامع الكبيرة, ناهيك الحرم الشريف.
    وهكذا تسير الحياة رتيبة بالعم حسنين يوميا, يضاف إليها أنه بعد صلاة العصر, وقبيل المغرب بما يقارب الساعة يأخذ طريقه إلى المسفلة, وهذا الاسم يعنى أسفل مكة إتِّجاها إلى الغرب حيث البحر والذي تنحدر سيول الأمطار إليه قادمة من أعالي مكه, أي من منحدرات الجبال المحيطة بشرق وجنوب مكة المكرمة, مرورا بعرفات وبقية المشاعر ثم بحي المعابدة والقشاشية ومرورا بالمسفلة حيث ما كان يعرف ببركة ماجد, وهي عبارة عن حوض كبير وعميق تتجمع فيه بعض مياه السيول والأمطار, بالإضافة الى عين دائمة تغذي البركة ، وكانت المنطقة بأسرها عبارة عن متنزه لأهل مكة لما تتمتع به من رطوبة ظاهرة مع بعض خضرة الأشجار هنا وهناك, حيث يوجد في نفس المكان مستودع خردة العم حسنين, فيدير بعض الأعمال التي تقوم على أساسها تجارته, وهناك يتجمع الأحباب وأرباب المهن ومن في حكمهم, عند قهوة ختكار حيث يوجد مركاز ثابت للعم حسنين وأصحابه تحت شجرة نِيِمٍ كبيرة تغطي مساحة لا يقل قطرها عن ستة عشر مترا, ويحتسي الجميع الشاي, وينفث البعض الآخر شيشة الجراك, أو التنباك الحُمِّي, أيضا وفي هذا المكان كان يلجأ البعض الى إقامة حفلات السمر ليلا حيث يتغنى المغنون والفرق الشعبية بغناء ما يسمى ـ يماني الكف ـ أو الصهبة ـ أو الدانات والمجارير وهذه لا بد أن يشارك فيها آلآت الطرب كآلة العود والكمنجات والقانون والإيقاعات ويقدم فيها العشاء, وهو عادة أكلة تسمى السليق, وهي مكونة من اللحم المسلوق الذي يطبخ بمائه الرز ويضاف إليه في نهاية الاستواء الحليب الطبيعي وغالبا ما يكون من أضرعة الغنم الماعز, وهي أكلة شهية غنية مُشْبِعَهْ وتسمى أبو وجه أبيض .
    وتمر الأيام بالعم حسنين, هنيئة وضيئة, لا يعكر صفوها احد, ولأنه كان مستور الحال كان منزله أو المقعد لا يخلو عادة من الزوار والأصحاب والخلان, هذا مُتَغَدٍ وهذا مستأنسٌ وذلك وأؤلائك, إلى أن حدث المحذور حيث فوجئ في يوم من ذات الأيام أن مستودعه قد سرق بالكامل وهو يعتبر حصيلة العمر بالنسبة له, وماله الذي يتاجر به, ولم يعد يملك من حطام الدنيا شيئا, خاصة وأنه كان قد جَرَدَ دكَّانه الصغير وتم بيع ما فيه بالكامل ليتفرغ لبيع الجملة توسعا في التجارة التي يتقنها,
    لجأ إلى الشرطة ليبلغها بالحادث الأليم, وبعد الكشف والتحري والتدقيق, أخبرته الشرطة أنها لا تستطيع عمل شيء له من حماية وحراسة, لأنه ترك المستودع دون أبواب, أو حراسة وهذاالأمر لا يساعد مطلقا بطبيعة الحال على استكشاف
الجاني ، وقال العم حسنين يحاور الضابط :
ـ لقد تعودنا على هذا الأمر .. وحتى الصيارفة وأصحاب الدكاكين جميعا امام باب الحرم يتركون دكاكينهم وبضائعهم ثم يذهبون الى الصلاة ويضعون شرشفا كغطاء على الدكان ولا يخافون لأننا نعيش الأمن والأمان .
ويبتسم الضابط ويقول له :
ـ ياعم حسنين كلامك صحيح .. ولكن مكانك بعيد .. ونحن زي ما تشوف واحد والنقيب .. ولا نستطيع تغطية كل مدينة مكة .. وخاصة في الأطراف مثل مستودعك .
    وتبدأ مأساة العم حسنين تاجر الخردة, حيث لا ملجأ له ولا منقذ مما هو فيه, وقليلا قليلا يجد نفسه وحيدا أو يكاد, من كل من كانوا يحيطون به من الأصدقاء أو من كان يسميهم الأحباب, ومن ومن ومن, ولم يجد من مواسٍ له سوى زوجته زهرة وابنته الكبرى مريم, وبقية الأسرة على قدر أعمارهم فالصغير بطبيعة الحال لا يدرك فداحة الموقف وصعوبته, وكذلك لم يبق إلا بعضا من أصدقائه الذين كان يعطف عليهم
    وتَحُلُّ بالعم حسنين مشكلة أخرى وهي الأصعب, فالتعامل في السوق يستدعي أن يكون لك تعاملات, منها الآجل ومنها العاجل, وبالتالي هناك بعض الديون في التعاملات لبعض المتعامل معهم, وهناك حقوق مادية حان وقت تسديدها, وهو لا يكاد يجد قوت يومه لعياله فما العمل في من يطالب بحقِّه, وهولا يعرف ما العمل وما الحيلة, فأخذ في التهرب منهم بالغياب عن البيت حتى لا يحرج أمام أحد, ولم يكن على وجه الإطلاق ينوي عدم التسديد أو أكل المال الحرام, فالرجل يخشى الله سبحانه وتعالى في تعاملاته, ولكن ضيق اليد وحادث السرقة عطلته واربكت مسيرة عمله .
ظهر الوجه القبيح لهذه المشكلة, حين بدأت الشرطة تضييق
عليه, طالبة منه الوفاء للناس بما هو يعترف لهم به, ولكنَّ السؤال الذي يطرح, ترى من أين ؟
    ويزيد الأمر سوء, أنه لم يعد في استطاعته تأمين لوازم بيته وأسرته من الأشياء الضرورية والأساسية, وأن ما كان يدَّخر عادة ككل بيوت مكه, كمؤن استهلاكية, كالأرز وبعض المستلزمات الغذائية, نفد تماما, وأصبح كالتائه في صحراء قاحلة يفترش الأرض ويلتحف السماء, إلى أن جاءه رجل اسمه حمدتو اللبان ممن بقي من أصدقائه على حال صداقته وإن كان ممن ضاق عيشهم من الزمن الماضي ويسأله عن حاله, فيجيبه العم حسنين :
ـ  الحال ما يعلم به سوى الله, والشدة تزداد قسوة
ـ  ولكن الله موجود, ولن يتركك, نحن عبيده وهو الخالق الرازق
ـ  نعم هذا صحيح, وأسأل الله أن يعجل بالفرج
ـ  قم بنا إلى الحرم يا رجل, نطوف بالبيت سبعا ثم سبعا ثم سبعا, ونسأله الفرج القريب .. وتذكر وصية الأجداد باللجوء الى الله ودخول بيته .
ـ  صدقت وهو اقتراح رائع وفي محله هيا بنا
    وما هي إلا أيام قلائل, ويأتي الفرج من الله, فبعد طول هذه
المعاناة, جائته زوجته زهرة في ليلة من الليالي السوداء في حياته وهي خائفة مترددة, لعلمها أنه لا يقبل على وجه الإطلاق, أن تمد له يد المساعدة من أي انسان , فهو يعتبر نفسه رجل البيت والقيم عليه, وهو المسؤول الأول عن متطلباته, ولكنها رحمة الله عز وجل التي تلجمه في لحظة الفرج التي أذن الله بها سبحانه وتعالى, فالدنيا ما زالت بخير, وما زالت أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بخير وإلى خير, ويدور بينهما حوار هاديء
ـ  يا أبو مريم, أنا والله خجلانه منك, وماني عارفه كيف أبدأ معاك
 ويرد عليها بحنان الزوج العاطف المحب:
ـ  خير يا زهرة ما الأمر ؟
ـ  أنا كنت خائفة من غضبك, ولكن الحالة التي أنت فيها تخصنا جميعا, ولقد كنت في أيامنا السابقة, أحتاط وبدون قصد لشيء, على أن أدخر بعضا من نعمك عليَّ وعلى عيالنا, وهاهي يحين وقت خروجها
ـ  ماذا تقصدين يا أم العيال
ـ  أقصد أن هذه بعض الجنيهات الذهب وبعض الريالات الفضة
التي كنت أكتنزها في مكان ما بـ الدِّقِيسِي ـ وبمبدأ قرشك الأبيض ينفعك في اليوم الأسود
    وليأخذ القدر مجراه, يُلْجَمُ العم حسنين, بل يتوجَّهُ لها بالشكر الجزيل على مبادرتها التي جائت في الوقت المناسب, والتي في واقع الحال ما كانت غيرأثمان لما باعته من صيغتها وما تملكه من أدوات زينتها, لتوفر لحسنين شريك عمرها وحِبِّها الوحيد, حتى لا تجرح مشاعره بعضا من المال يستعين به على ضائقته
    وفي خضم هذه المشاعر الجيَّاشة بالحب والحنان بينهما, تعود البسمة ولو قليلا تعرف الطريق إلى شفتيهما, ويستمر هو في الذهاب إلى الحرم بشكل دائم, ويظل يطوف بالبيت العتيق  سبعا فسبعا, ثم يعود من الحرم في كل مرة هانئا منشرح الصدر وكله ثقة وإيمان بالله سبحانه وتعالى, سيفرج عليه ما هو فيه
    وفي مرة من ذات المرات بعد عودته من خارج البيت, كان قد مرَّ على بعض من ظلَّ على ملازمته في محنته وضيقه, بعد أن طاف بالبيت كالعادة عدة أسباع ليجد أم مريم وحواء وعبد الله ونوح في انتظاره, مهيئة له عشاءً يحبه, ثم وهو يحتسي الشاي اقترحت عليه
ـ  بالله يا ابو مريم, ولا أقول يا ابو عبد الله
ـ  قولي اللي تحبيه .
ـ  خلينا كده نرجِّع ليالي زمان ونفرح وننبسط الليله, ونغني وننطرب, إيش رأيك ؟
ـ  وبعد تردد بسيط يوافق العم حسنين قائلا : ومين رايح يغنِّي؟
ـ  ويْ سلامتك ! سعاد أختك, اليوم آنستنا بجيتها, أصلو جوزها خرج اليوم مع أصحابه في رحله للطايف, ويرجع بعد يومين .
    ويبدأ الغناء والطبل والعود وتشدو سعاد ببعض المواويل التي تؤكد للعم حسنين أن الفرج آتٍ بعون الله وأنَّ مع العسر يأتي اليسر, ثم تشدو بصوتها الرخيم العذب, عازفة على العود عزف المحترفين أغنية يحبها العم حسنين كثيرا وهي :
على  العقيق   اجتمعنا         إحنـا وسـود  العيونِ
ما أظن مجنـون ليلى        قد جُـن بعض جنوني
فيـا عيوني  عَيُونِـي        ويـا جُفُونِـي  جَفوني
فارقتهـم يـوم الاثنين        صبح الثلوث أوحشوني
    ويبتهج العم حسنين, ابتهاجا ظاهرا, ويحمد الله على هذه
 النعمة ويسأله أن يصلح له الحال والأحوال, ثم يتوجه إلى أم
العيال قائلا :
ـ  شكرا يا زُهْرَهْ, على كل شيء,  فرَّحتيني, وسلِّيتي همي ولو
بزبيبه
ـ  وتجيبه ضاحكة, لا بل بسعاد أختك
    ويبتسم الجميع وينصرف كل إلى حال سبيله سعيدا مبتهجا, وتمضي به الأيام وئيدة مثقلة بما يحمله في صدره من هموم الدنيا, إلى أن يطرق الباب في يوم من أيامه, احد أصحاب الوفاء اللذين لم يتخلَّون عنه في محنته حَمَتُّو قهوجي
ـ  يا حسنين لازم تجي معايا لقهوة الكنكار
ـ  خير ان شاء الله, إيش الموضوع ؟
ـ  الجماعه حقوننا مجتمعين هناك وفي الليل مسوِّين أبو وجه أبيض, تعرفو ولاّ ما تعرفو
ـ  أعرف إنه السليق, لكنِّي يا حمتو ما عندي حق الطلعه
ـ  أفا, مو عيب عليك تقول كده, أنا دفعت عني وعنك خلاص
    ويذهبان, ويقضيان وقتا سعيدا تحت شجرة النيم المعتاده بالقرب من البركه, مع هبات تلك النسمات الحانية, ممتلئة برطوبة ذلك الماء المتجمع من مياه الأمطار والسيول, ويقابلها
بئر الهيطلي, والذي تستقي من مائه معظم المسفلة
    وفي غمرة الفرح والانبساط يحضر أحد ضباط الشرطة وهو مدير شرطة المسيال, ومن الأحباب لبعضهم فيرحب به الجميع, وبعد جلوسه والتعرف على البقية الباقية من الحاضرين يقول مخاطبا العم حسنين
ـ  إنت فين يا أبو عبد الله
ـ  ويتوجس العم حسنين أبو عبد الله في نفسه خيفة, بأنه مطلوب من قبل الديَّانة واللذين شكوه بكل تأكيد للشرطه, وأخذ يستلطف الله في ما سيكون عليه الأمر, وإذا بالضابط يقول مكملا :
ـ  كنَّا بندور عليك يا أخي
ـ  خير ان شاء الله
ـ  سلاح الحدود مسكوا سيارات محمله بمواد غذائيه, وخردة وحديد, بيهربوها خارج الحدود على حدود اليمن , وبعد ما قبضوا عليهم وحققوا معاهم اتضح إنهم حراميه, وإنهم سارقين كل اللي معاهم من مكه
ـ  يارب سترك, حسبنا الله ونعم الوكيل
ـ  لا, ومعاهم كمان الصبي اللي كان عندك, أظن إسمه على
ـ  تمام إسمه علي, عسى الله يعلُّه, ولا أقول لك الله يكافيه البعيد
ـ  على كل حال ألف مبروك, وترى كل اللي لك موجود عندنا ويبغالك تجي تستلمه
وبفرحة غامرة يشكر العم حسنين الله سبحانه وتعالى على نعمه الجليله, ويسجد سجود الشاكرين لأنعمه جلت قدرته, ويشكر الضابط الذي نقل له هذه البشرى, ويقول بصوت مسموع  :
ولرب نازلة  يضيق بها الفتى ذرعا
وعنـد اللــه منـهـا المخـرج
ضـاقت,  فلما استحكمت حلقاتهـا
فرجت, وكنـت  أظنهـا لا  تفرج
ويدعو  العم حينين الأصحاب جميعا على عشاء ، وينادي حمدتو :
ـ خلونا نرقص المزمار
ويقضون ساعات جميلة يرقصون على المزمار، ثم يستمعون الى الشيخ عمر عيوني وقصائده الجميلة بأنغامها المكية ، وتعم الفرحة بهذا الفرج ، وفي خضم هذا اللقاء ينادي العمدة :
ـ تراك مقروع يا حسنين .. تراك مقروع بالحارة .. تراك مقروع بالموجب .. ما تخلي حوشك مفتوح .. وصك بابك بالظبة والمفتاح .. تراك مقروع يا صاحب تراك مقروع بالموجب .    

ويسدل الستار على قصة العم حسنين بهذه النهاية السعيدة, وتعود الأفراح والليالي الملاح لأسرته, ويعوضه الله بأضعاف ما كان عليه من الخير, ويُلبس زوجته زُهْرَه عقد من اللؤلؤ ويقول لبناته :
ـ ترى يابنات امكم أثبتت انها انسانة وبنت رجال ، ولا تظنوا اني ما عرفت انها باعت المصاغ على شان تستر علينا وتدبر امورنا ، لأن صاحبنا الفارسي اخبرني يوم باعت المصاغ عنده ، وكان مستغرب ، صحيح والله انك بنت رجال يا زهرة .
 
وضم الأولاد الى صدره ، واحتضن زوجته وهو يردد:
فرجت وكنت أظنها لا تفرج