شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

هناك نصوص في الكتاب والسنة تعين المسلم ان شاء الله على التأمين على النفس والأهل والمال وكل ما يتصل بالإنسان ويمتاز هذا التأمين بأنه من رب العالمين الـذي هو على كل شيء قدير ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وقلوب العباد بين أصبعين من اصابعه يقلبها كيف شاء.

 التأمين بالدعاء

بنات العمدة

د. محمد عبده يماني

في أعلى حارة القرارة وفي زاوية بيت داخل منزل تجلس مجموعة من السيدات لقضاء اوقات السهر والغناء ، وقد تعودن على مثل هذه الجلسات في  اوقات الربيع ، وفي جلسات محدودة  وآمنة ويختفين عن أنظار جهات الأمن التي تتابع مثل هذه النشاطات وتمنعها وتعاقب من ُيقبض عليه في جلسات كهذه .. وكانت " مروة " فتاة من أسرة كريمة ومرموقة الجمال حلوة المعاشرة والبسمة واشتركت معهم في هذا المجلس ، وكانت تعني بصورة خاصة بتوفير الشاي والقهوة لهم ، وتنطرب أيضاً لسماع الأغاني في تلك الجلسات التي كانوا يستمتعون بها ، وكانت سيدة تتصدر المجلس وتضرب على العود وأخرى على الطار ، والجميع يصفق بفرح وسرور وسعادة بتلك الجلسة ، وهم في أمان لبعدهم عن أي مكان قد يثير الشبهة ، لانهم يجلسون في أسفل الدار في منطقة القبو ، ويحرصون على عدم سماع أصواتهم ، وتتحرك مروة كالبسمة بينهم ويطلبن منها زميلاتها في بعض الاحيان أن تشارك معهن في الرقص وفي الغناء ، ولكنها تعتذر بأنها سوف تتفرغ لعمل القهوة والشاي .

فجاءة يسمع طرق على الباب ، ويحاول الجميع الهرب من شتي المنافذ ولكن صاحب الشرطة يدخل ومعه بعض من أعضاء الهيئة ، ويقبضوا على من بقي في المجلس ، ويأخذوهم لسؤالهم عن هذه الجلسة وأسبابها ومخالفاتهم لأوامر الحكومة ، وبعد أن تقوم الشرطة بأخذ هؤلاء إلى سيارات الجيوب يُلاحظ احد الجنود أن هناك فتاة في الداخل ، ويشير الجندي إلى الضابط بأن هناك فتاة في داخل المطبخ ، فيأمره الضابط بإخراجها ، وعندما يدخل لأخذها يفاجأ بأنها تقول له :
ـ ابعد عني .. نادي الضابط
فيتراجع الجندي وينادي الضابط ويصرخ فيها الضابط
ـ ماذا تفعلين هنا؟!
فتقول له:
ـ أنا بنت العمدة يا حضرة الضابط .. أنا بنت العمدة
فيقول لها:
ـ من العمدة؟!
فتقول له:
ـ عمدة القرارة حمزة .. أنا بنته..
فيرخي الضابط رأسه قليلا ثم يقول:
ـ حركوا الجيوب واذهبوا بهم
ثم يحضر سيارة أخرى ويأخذها إلى بيت العمدة ويخرج عم حمزة متوشحاً بعمامته والصديرية على صدره والشوم في يده وينزل الضابط من السيارة ليقول له:
ـ يا عمدة العلم لك ..
ـ خير!! ..
ـ إن هذه البنت وجدناها في بيت صمدو في القرارة وقبضنا على مجموعة من الذين كانوا يمارسون اللهو والغناء ولكن هذه الفتاة قالت إنها بنتكم يا عمدة .

فتقدم العمدة إلى السيارة وقال:
ـ نعم نعم هذه بنتنا.. إيش جابك؟! إيش وداك يا بنتنا؟! شكراً يا حضرة الضابط

وأخذها العمدة وأدخلها إلى الدار وشكر الضابط وبعد ان ذهبت سيارات الشرطة نادي زوجته وأخبرها بأن تأخذها إلى الداخل وتكرمها ثم عاد إليها وهو يسألها:
ـ إنت مين؟!
قالت له:
ـ أنا مروة بنت عمر طباخ..
ـ الله يا بنتي.. إنت بنت عمر طباخ ؟! وإيش وداك هناك؟! إيش وداك مع دوله الناس؟!
فتقول له:
ـ يا عمدة حكايتي حكاية طويلة ولازم ارويها لك وأنت تعرف بعض جوانبها.. يا عمدة أنا والدي كما تعرف منذ سنوات وهو مقعد بالمنزل بعد الحادث الذي ألم به وأخي " صديق " أودع السجن منذ سنوات لتعاطيه المخدرات وبقينا في البيت أنا وأمي وأختي الصغيرة وقد ضاقت بنا الأحوال يا عمدة وأصبحت الوالدة تقوم بغسيل الملابس للناس في الطشت بيدها وتقوم بعد ذلك بكويها وإعادتها إليهم مقابل أي مبلغ يعطونه لها واستمرينا يا عمدة على هذا الحال وشعرت بألم شديد وأنا أراها تكافح بمفردها وقررت أن أساعدها وفي المدرسة شرحت القصة بكاملها للمديرة الحبيبة السيدة " إنتصار" التي تأثرت عند سماع قصتي وسألتني:
ـ ماذا تريدين؟
قلت لها:
ـ لا أريد أنا مساعدة ولكني أريد أن تجدي لي فرصة للعمل هنا في المدرسة وأنا أقوم بعمل أي شئ ترغبين فيه بعد خروج الطالبات وسأنظف المدرسة وسأقبل ما تتفضلين به من مساعدة حتى أنفق على أسرتي وأساعد أمي .وتأثرت السيدة الكريمة وبدأت تساعدني وتوصي بعض السيدات اللاتي لديهن مناسبات لأقوم بعمل الشاي والقهوة لهن في مكان بعيد من المنزل حتى لا يراني أحد لأن الناس تعرفني وتعرف والدي وأمي وأسرتي..

استمريت أقوم بهذا العمل يا عمدة واكسب رزقي بعرق جبيني وأساعد والدتي التي كانت عندما تسألني عن مصدر هذه النقود أخبرها بأن المدرسة أصبحت تقدم جوائز للطالبات المتفوقات ولأنني متفوقة والحمد لله يعطوني هذه المبالغ ويجعلوني أشرف على بعض الطالبات الصغيرات .

فرحت الوالدة ولكنها حرصت على أن تتأكد من مصدر هذه النقود ومن كلامي فذهبت إلى مديرة المدرسة وتحدثت إليها وقد أكدت لها مديرة المدرسة روايتي لأني أخبرتها بما حصل وفرحت الوالدة واستمرينا يا عمدة على هذا المنوال.

والبارحة نادتني سيدة عندها جَمْعة على طرب وغناء ، وطلبت أن أقوم بعمل الشاي والقهوة لهم فحصل ما حصل ياعمدة .. وسامحني لم أجد مخرج إلا أن أقول للضابط بأني أنا بنت العمدة..

ونظر إليها العمدة وهو يشعر بالأسى والأسف وفجاءة تكلمت زوجة العمدة:
ـ لكن هذه ما هي أصول تقولي للناس إنك إنتي بنت العمدة..
فالتفت العمدة إلى زوجته وهو يقول:
 
ـ أسمعي يا أم محمد كل بنات الحارة بنات العمدة وأنا مسؤول عن الأولاد والبنات في الحارة ..
ـ لكن ما يصير يا عمدة تقول إنها بنتك..
ـ أقولك أسمعي كلامي وأقصرى الموضوع .. كلهم بناتي..

وأخذها العمدة وخرج بها وأعادها للمنزل.. وشعر بإكبار عظيم لهذه الفتاة التي سلكت هذا السلوك لتعين أهلها وقال لها:
ـ لا تعملي بعد اليوم يا مروة وسوف أرسل لك بعض المال مساعدة لوالدتك..
 فقالت مروة :
ـ لكن يا عمدة الوالدة لا تقبل صدقه ونبهتني إني ما آكل من أي اموال الصدقه لان الوالد كما تعلم من آل البيت سيد ولا نأكل من أموال الصدقه..
فقال لها العمدة:

ـ لا يا بنتي لا يا مروة أنا سأخبر أمك بأن هذه ديون كانت في رقبتي لوالدك عم صالح الله يشده بالعافية فقد كان يسلف الناس ولهذا ستطمئن والدتك وأنت لا تتدخلي في الموضوع من قريب أو بعيد..

وشعر العمدة بقطرات من الدمع تتساقط من عيون مروة ودخلت إلى الداخل.. واستمر العمدة يدعم الأسرة ثم بحث عن شاب من شباب الحارة يكافح في الحياة ولكنه عرف بمروءته ومن الشباب المحترمين وأولاد الحارة المتميزين ولكنه كان يعاني من ضائقة مالية فقدم له العمدة الدعم والمال وأخذه إلى بيت مروة وتحدث إلى والدها بأن هذا من أولادنا :
ـ هذا إبراهيم يا شيخ صالح ولد عم عزو الله يرحمه يبغي يخطب يد مروة وأنا أعرفه وأزكيه فهو من أولادنا الكمل يا شيخ صالح..
ويصمت العم صالح قليلا ثم يقول:
ـ لكن يا عمدة إبراهيم مين أخواله؟
فيرد العمدة:
ـ أنا خاله يا عم صالح..
ويرد ابو مروة .
ـ ونِّعم.. وأنا موافق على زواجها ..أعمل الترتيبات يا عمدة ..البنت بنتك على أي حال..وأنا احب ان السيد علوي مالكي يعقد لهم  

وتتم الترتيبات المِلْكَة والزواج في هدوء ويأخذ إيراهيم مروة إلى بيت أعده له العمدة.. ويأخذها العمدة ليوصلها بنفسه إلى هناك مع أمها ثم يعودا ، ويعود العمدة إليها ويقول:
ـ يا مروة يا بنتي اسمعيني لا تنسي دلة القهوة وبراد الشاي ترى العريس كييف يا مروة

وتحني مروة رأسها وهي تبتسم وتقول:
ـ الله لا يحرمنا منك يا عمدة.. كل بنات الحارة بناتك.. وأنت على الرأس دائماً يا عمدة..
وُيقفل الباب ويمضي العمدة في طريقه ليرعى بقية بنات الحارة وأولادها..