شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

لابد من الاهتمام بقضية التسرب الحاصل في مراحل التعليم المختلفة والتي اخذت تتزايد بشكل يؤدي الى اهدار رأس المال البشري فنحن نغفل عنها ولا ندرسها ولا نتابعها ونمر بها مرورا عابرا ولا توجد جهات تعمل على اعادة توجيههم وتدريبهم للاستفادة منهم في القطاعات المختلفة .

 السعودة وجها لوجه

لص له قلب

محمد عبده يماني

أسرة تعيش على الكفاف.. قانعة  برزق ربها.. ورجل يكافح من أجل لقمة العيش، ولكنه ذو طبيعة خاصة، يميل إلى اعتزال الناس والاحتكاك بهم.. أحلامه متواضعة.. وآماله محدودة في لقمة عيش يأكل منها ويطعم زوجته وأولاده.. وقد عاش على هذه الوتيرة، وظل في منزل صغير متواضع خلف عمارة عتيقة.. وكانت الشقة تضم غرفتين وصالة مع منافعها.. وقد تعودوا جميعا على القناعة والقبول بما قسمه الله لهم.

  
الزوج " حسن ابو عمو " يخرج إلى المسجد بصورة منتظمة، وكم شعر بفضل الله الذي لا ينسى أي انسان من رحمته ونجدته، وقد كان يخرج إلى المسجد وليس في جيبه ما يساعده على شراء ما يطلبه الأولاد من طعام، ولكنه يفاجأ برجل يمد يده إلى جيبه ويضع فيه بعض اوراق النقود، مع انه لم يمد يده إلى احد، ويقول حسن:
ـ سبحانك ترزق من تشاء، وكيف تشاء، وتسخر من تشاء لتطعم من تشاء وأنت رب كريم.

عاد إلى البيت منهكا.. وفي تلك الليلة دخل عليهم لص.. وهو وزوجته على الفراش.. والأولاد في غرفتهم.. وأخذوا يسمعون أصوات تحرك اللص في الشقة..استيقضوا من نومهم.. فهمس في أذن زوجته:
ـ هناك صوت غريب
فتقول له:
ـ هناك فعلا صوت ويبدو أنه صوت لص دخل إلى منزلنا فقم إليه يا حسن.
واخذت تشجعه على مواجهة اللص ويرد حسن وهو يرتعد خوفا ويرد:
ـ ماذا تريدين مني أن افعل.. قومي وإذهبي لتعرفي ماذا يحدث؟
ـ    أقوم أنا ياحسن وأنت رجل البيت !!
ـ    أنا لا استطيع ان أواجه اللصوص، وليس لدي ما أكافح به أي لص.. لا سكين.. ولا حتى موس حلاقة.
ـ    يا حسن كيف اذهب انا واواجه اللص.
ـ اقول لك يا رحمة اسحبي اللحاف ودعينا ننام في هدوء وليفعل ما يفعل.. واذا وجد شيء فليأخذ رزقه ويترك لنا رزقنا حتى نأكل ما يبقي.
ـ يا حسن هذا كلام غير معقول ان نرى لص يتجول في بيتنا ثم ننام نحن في هدوء، وأي هدوء يا حسن واللص يتجول في البيت.
ـ اقول لك يارحمة اسحبي اللحاف بهدوء قبل ان يتحول اللص إلى قاتل ويفتك بنا، وانا بصراحة أصبحت ركبي تصطك من الخوف.
ـ صحيح إنك خواف.. صحيح إنك خواف.
فيسحبا اللحاف ويناما حتى الصباح، وفي الصباح يلاحظا أن اللص دخل من النافذة الخلفية، لأن بيتهم في الدور السفلي، ولكنه لم يسرق شيئا، فهم لا يملكون إلا أشياء بسيطة.. بساط وبعض أواني الطعام، وأيقظا الأطفال، وأخذوهما إلى المدرسة ورحمة تقول له:
ـ صحيح انك خواف يا حسن.. والله اقول لأمك وأبوك إنك خواف 
ـ يا ستي هم يعرفوا.. وما فيه واحد عاقل يواجه حرامي وما في يده سيف يدافع به عن نفسه ولا مسدس يطلقه.

ويضحكان.. ويقفلان الباب.. وبعد مغرب ذلك اليوم يأتي رجل ويطرق الباب ويستأذن في الدخول، ويسأله حسن:
ـ من أنت وماذا تريد؟
ـ ارجو أن تسمح لي بالدخول وسوف اخبرك لأنني لا استطيع الوقوف على الباب وانا احمل اشياء كثيرة معي.
ـ ما هذه الأشياء التي تحملها؟
ـ ادخلني إلى الداخل وسوف تعلم.
ويفسح له الطريق واذا به قد احضر الوانا من الطعام وبعض كميات من الرز والعصيرات والحليب ويقول له حسن:
ـ ما هذا؟؟
ـ هذه هدية لك ولزوجتك ولأولادك.
ـ ومن أنت؟؟
ـ أنا اللص الذي دخل المنزل البارحة، وضحكت من كل قلبي وانا اسمعك تتحاور مع زوجتك، وأسفت للخوف الذي أصابك، ولكن أسفي كان اكبر عندما تجولت في المنزل فلم أجد شيئا آخذه، فالشقة خاوية، وحتى الأولاد الأغطية التي عليهم ممزقة، وعرفت انني دخلت إلى مكان خطأ، فأنسحبت، وجئتكم اليوم لأكفر عن بعض سيئاتي، واقدم لكم هذه الأشياء لتستعينوا بها على حياتكم، كما أنني غدا سوف ابعث لكم بعض الملابس والبطانيات.

ـ ولكنني لا أفهم كيف  تقوم بهذا وأنت رجل لص !!
ـ كلامك صحيح، ولكني أسرق لأعيش، وقد ابتليت بهذا الأمر، ولكني عندما دخلت إلى منزلكم شعرت بخجل شديد، وألم في نفسي.
ـ أنا لا أفهمك.. كيف أنت لص وتأخذ أموال الناس، وتدخل إلى منازلهم ثم تقوم بمثل هذا العمل الطيب !!

ـ أنا لص فعلا كما ذكرت لك، وأعرف أنني أخطيء ولكني لا أريد أن احارب الله من كل جانب، فلعله يغفر لي ذنوبي بعمل خير كهذا أقدمه.

ـ أمرك عجيب.. أفعالك أفعال لص.. وأخلاقك تدل على أن في داخلك إنسان نبيل.. حاول أن تتوب.
ـ لا أعتقد أنني أستطيع أن أفعل ذلك الآن، فأنا لا أملك عملا، ولا أحسن الصبر على العمل، وليس لدي مؤهل يعينني.
ـ ولكنك تستطيع أن تحاول، وتعلم أن الله الذي تكفل برزقنا أنا وزوجتي وأولادي سوف لن يتخلى عنك.
ـ أنت رجل متفائل وطيب ولكني لدي مسؤوليات كبيرة، ومثقل بالديون.
ـ اسمع.. عد إلى الله.. ومد يدك إليه ولن يتخلى عنك، فهو لا يتخلى حتى عن الأسماك في عمق البحر، ولا الطير في جوف السماء، ولا الأجنة في بطون أمهاتها.
ـ أنت رجل فيلسوف، وأنا إنسان أقوم بهذا العمل ولكن عندي أمل في التوبة.
ـ الباب مفتوح.. وعليك أن تحدد فقط متى تدخل.
ـ ماذا تعني !!.. أنا لم أدخل من الباب، وإنما دخلت من النافذة !!
ـ لا.. لا أقصد بابنا وإنما باب الله مفتوح أيها الرجل.. هل فهمتني!!.. بالمناسبة هل أنت تصلي دائما وتحافظ على الصلاة؟
ـ لا أحافظ كثيرا.. ولكني أحتفظ بالله في قلبي.
ـ في أي مسجد تصلي
يضحك اللص ويقول:
ـ أنا لا أصلي في  المساجد.. أنا أذهب إلى الكنيسة في بعض الأحيان.
ـ إذا أنت مسيحي
ـ نعم أنا مسيحي كاثوليكي، ولكني لا أواضب على الذهاب إلى الكنيسة فمعظم الأحيان لا أفهم كلام القسيس، ولهذا قل اتصالي بالكنيسة.
ـ على أي حال حاول وسوف تنجح.. والآن وقد عرفت أنني مسلم فهل أنت آسف لتقديم هذه الأشياء، وهل لا زلت تريدني أن آخذها !!
ـ لا.. لا.. أنا قدمتها وأنا سعيد بذلك.. فأنا عندما أدخل المنازل لا أكترث إذا كان مسيحي أو مسلم إنما كل ما يهمني أن يكون المكان سهل الدخول، وسهل الخروج، وكل ما أطلبه منك أن تسامحني على اقتحام بيتكم، وما سببته لك من خوف.  
ـ لا عليك.. فما فعلته يدل على أن في أعماقك إنسان طيب.. ورجل له قلب.. فحاول العودة إلى الله.. ربك وربنا ورب الخلق جميعا.. وصدقني إنك سوف تنجح 

ـ أعدك إني سوف أُحاول، وأنا على أي حال مع الله بقلبي، 
وقال وهو يبتسم ويفتح باب استعدادا للخروج :
ـ إذا عدت فسوف أعود إلى الكنيسة طبعا 
وابتسم وأسدل القناع على وجهه وانطلق مسرعا