شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

(الدول المتقدمة. تبتكر أحدث الإنجازات التكنولوجية، ولكنها تربطها بها بحبل متين هو: الصيانة وقطع الغيار. فما فائدة التكنولوجيا في هذه الحالة إذا بقينا مستهلكين لا حول لنا ولا قوة ولا تخطيط لخدمة أهدافنا الوطنية. فما فائدة كمبيوتر بالغ الحداثة يضاهي أعظم ما يماثله في أعظم الدول، ولكننا نستمد عمله وصيانته من صانعيه؟).

 أحاديث في الاعلام

شاب يحمل غمداً

د. محمد عبده يماني

على باب المحكمة الكبرى تتجمع الأسرة ويدخلون إلى غرفة القاضي الشيخ (حماد) ويجلس القاضي وينادي:
ـ " مشعل " أخو السيدة "مرزوقه"..
ويتقدم مشعل :
ـ نعم أنا مشعل يا حضرة القاضي

ـ تقدمت للمحكمة بطلب طلاق أختك مرزوقه من زوجها جار الله فما هي مبررات طلبك؟ وعلى أي أساس تطلب طلاق أختك من زوجها؟

ـ يا فضيلة القاضي أن أطلب التفريق بين أختي وزوجها لعدم تكافؤ النسب ، فنحن قبيلة محترمة ولنا أصولنا ولنا قيمتنا بين القبائل وعند الناس ، وهذا الرجل شريطي يعني عابر سبيل لا أصل له ولا فصل جاءنا واستوطن الديرة ولا نعرف أهله والناس تقول إنه (صلبي) وِحّنا نريده يفارق أختنا ونصون كرامتنا ، وما نطالبه بشئ حتى مهره نرده عليه.

ـ ولكن هل  تطلب هذا الطلاق انت بنفسك لوحدك؟

ـ لا يا حضرة القاضي أنا وخالي وأخوي عبد الله..

ـ هل المرأة موافقة على هذا الطلاق؟

ـ لا يا فضيلة الشيخ ماهي موافقة وترفض وِحنَّا ما نقبل استمرار هذا الأمر لأنه يسبب لنا فضيحة بين الناس ، ,لا يهمنا رأيها فهي اختنا لاشك ، ولكنها اعزك الله إمرأة لا تعرف  اصول القبيلة ، ولهذا نعتبر نحن انفسنا اصحاب الكلمة ، ونطالبك بالتفريق بينها وبين زوجها على أساس عدم تكافؤ النسب .

ـ ماهي الفضيحة التي يسببها لكم هذا الزواج؟

ـ يا فضيلة الشيخ ، ماهو كفؤ وماهو نحيره وِحنَّا غُلبنا على أمرنا في زواجها.

ـ هل اختكم مرزوقه زوجت نفسها بنفسها؟

ـ لا يا حضرة الشيخ ابوي جمعان رحمه الله زوجها غصب عنا وقلنا مايصير لكن ما طاعنا ومن يومها وهذه الزيجة غصه في حلوقنا ، وِحّنا يا حضرة الشيخ نمشي ورأسنا مرخية قدام الناس ، وهؤلاء الناس جاءوا معي يؤيدون كلامي من القبيلة ، وشافوا بنفسهم يوم زوج أبوي اختي ، وحنا نريد منك التفريق بينها وبين زوجها ، ونربي له أولاده وما نطلب منه شئ.

ـ ولكن العقد صحيح ما دام والدكم وليها عقد لها وبموافقتها فالعقد صحيح.

ويتقدم أحد المرافقين ويبدو عليه أنه من شيوخ القبيلة

ـ ولكن يا فضيلة الشيخ العرف عندنا أنه ما تتزوج المرأة إلا بنسب يكافئ نسب أهلها ، وهذا الزواج غير متكافئ والرجل ما هو كفؤ ، لا نسب ولا حسب ، وأنت أعلم الناس بقول الشرع في مثل هذا الزواج الغصب الذي غصبنا عليه اخونا – رحمة الله – أبوها "جمعان" ، ونريد الآن أن نصحح الخطأ الذي أرخى رأسنا بين الناس..

ـ أنا أسألك كقاضي مسؤول أمام الله.. هل المرأة توافق على الطلاق وتعترف بأن والدها غصبها؟

ـ يا فضيلة الشيخ ما لنا ولها ، هاذي بنتنا وحنا المسؤولين عنها وعن أولادها.

ـ يعني عندها أولاد؟

ـ نعم عندها ولد وأربع بنات.

ـ أنا أرفع الجلسة الآن واطلبكم احضار الزوج والزوجة في جلسة الاثنين القادم.




وتنتهي الجلسة ، ويخرج الأخ ويذهب الى بيت اخته ، ويتحدث إليها بأنه قد ذهب الى القاضي ، وانه كما سبق ان أخبرها سيطلب الطلاق حرصا على كرامة القبيلة وعلى كرامتها.

ـ يا مرزوقه انا قدمت طلب الطلاق للشيخ ، وأنا المسؤول عنك ولايجيلك  أي بأس إن شاء الله.

ـ يا أخوي يا مشعل مالك حق تحرمني من عيالي ، وتبعدني من زوجي.

ـ لا .. لا ما أنا حارمك من عيالك ..عيالك يبقون معاك ، ولكن هذا الزواج مايصير ، ,عيب ان يستمر زواج اختنا برجل ماهو كفء ، ولا بد يا مرزوقه من الطلاق .. كرامتنا فوق كل شئ ، وعاداتنا وتقاليدنا .. حتى الشرع ما يؤيد هذا الزواج .. إلا أبوي الله يرحمه تممه.

ـ أقول يا مشعل ترى هذا أمر خطير ، وأنا والله ماني موافقة عليه ، ولا أقول إلا لاحول ولا قوة إلا بالله.

ويخرج ويتركها وهي تذرف الدموع من عينيها ، وفي الجلسة التالية حضر الجميع أمام القاضي وافتتحت الجلسة ، وسأل القاضي عن الحضور " مشعل "  أخو " مرزوقه " وابنها "سارى" وبناتها "هيا" و" العنود"  و" جميلة " والزوج "حامد"  وتحدث القاضي يسأل موجها كلامه إلى الزوجة:

ـ هذا اخوك "مشعل" تقدم بطلب طلاقك من زوجك حامد لعدم تكافؤ النسب ، وقبل أن أنظر المسألة أريد أن اسمع رأيك.

ـ ولكن المرأة لا تجيب ، وترخي رأسها ، وتبدأ في البكاء وبصوت مخنوق. وفجاءة يتقدم ابنها ، وهو في أول ريعان الشباب ويسأل القاضي.

ـ من أنت؟!

ـ أنا سارى بن ابوى حامد ، وهاذي امي مرزوقه ، وهذا خالي مشعل وهؤلاء اخواني ، حنا يا حضرة الشيخ ما نوافق على طلب خالي ، لأنه لا يحق له أن يهدم بيتنا ، ويخرب حياتنا ، بدعوى تتركز على القبلية  والعادات اللي ما لها أساس في الدين ولا في الشرع ، وهاذي يا حضرة القاضي أمي ، امرأة شريفة عفيفة زوجها جدى " جمعان " على أبوى "حامد" على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وطلب خالي ما له أساس.
القاضي يصمت فترة ثم يقول

ـ ولكن خالك يدعي عدم تكافؤ النسب وعلى أساس هذه الشبهه يريد طلاق امك من أبوك.

ـ يا فضيلة القاضي هذا طلب باطل ، ولا نقبله لا أنا ولا أبوي ولا امي ولا خواتي.

ويتحدث الخال:

ـ أقول يا ساري عيب ترفع صوتك على خالك وأنت بعد ما تعرف أصول القبائل ولا حقوق النسب.

ـ لا يا خال.. لا والله إني أعرف أنه هذه أمي حره بنت حر .. من أصول أنت منها وتعرفها .. خل عنك يا خال هذا الكلام اللي ما له لزوم.

ـ أقول يا ساري تسكت وإلا والله لاصفعك على وجهك.. وأنت ترفع صوتك على خالك.

ـ يا خال والله لو رفعت يدك على رأسي يكون محني وخاضع .. تصفع الصفعة والصفعتين ما أرفع عيني عليك وأنت خال والخال والد. وأنت نسب وحسب أعتز به والخال له حق في حدود الشرع ، وأنت يا خال أعوذ بالله من الشيطان نزغ عندك حتى جيت تهدم بيتنا ، لا والله ما نسمح بهذا ، وأنا ساري حفيد جمعان  والله يا خال جيت بسيفي وخليته على الباب في غمده يوم منعني الحارس اللي على الباب ادخله ، والله يا خال ما احد يهين أمي وأبوى إلا احاربه بهذا السيف ، اسمع يا خال خل عنك ها الفتنة.
ـ انت يا سارى ما تفهم؟ ابوك ما هو كفؤ لنا.
ـ عيب يا خال .. ابوي رجل يؤذن في المسجد ، ويصلي بالناس ، وانتم تعرفون اخلاقه.

ـ إيه لكن ما أحد يعرف أصله ، وما أحد يقبل يزوج رجل بدون أصل.

ـ يا خال الأصل هو الدين ، والنبي قال لنا ، وعلم الناس أن يزوجوا صاحب الدين ، وصاحب الأمانة ، وأشهد أني من نسل رجل صالح وأم عفيفه وأنا حفيد جمعان  الراسى اللي ثبت في كل ميدان..

ـ كف عنك ها الكلام يا سارى ، ترانا مصممين نبي نزوجها بعد طلاقها لرجل من القبيلة ، نعرفه ويعمل في المراعي عندنا ، ومن أهلنا.

ـ لا والله يا خال ولا يهون الشيخ والحاضرين ، والله ما نسمح بهذا الطلاق ولانقبله ، ولا نقبل ها الغريب اللي أنت تتكلم عنه ، وما يزيد عن سمرمد ، والرجال ماهي بنسبها فقط ، وعيب اللي إنت تقوله يا خال.

ـ يا سارى أخز الشيطان يا ولدي ولا تسبب فتنه.

ـ والله يا خال انت والجماعة اللي خلفك تبحثون عن فتنه ، وترى يا خال والله .. والله من قرب أمي أو عرضي ما يلقي إلا ها السيف اللي على الباب ، وأموت في سبيل راحة أمي وأبوي ، ولا اسمح لك بالتعدي علينا يا خال.
وهنا يرتفع صوت القاضي :

ـ اخزوا الشيطان واهدأوا .. هذا موضوع لا يمكن أن يتم على هذا النحو ، وأرى حفظ القضية لان أصول الشرع لا تقر هذا الأمر ، ولا هذا التفريق بين زوجين تم زواجهما على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبشروط مكتملة ، ولهذا فأنا أعلن قفل القضية ، ولكني أنصحك يا سارى ما يجوز تهديد الناس بالسلاح ، ولابد من الأدب مع الأهل في الخطاب.

ـ جزاك الله خير يا شيخ ، والله ما هو تهديد ، ولكنه حقيقة اذود بها عن عرضي ، وعن أهلي ، وعن أمي ، وأنت يا شيخ انظر الى ها الأم اللي يريد ان يجني عليها أخوها بدعاوي قبلية مالها أساس، حتى أنها يا فضيلة الشيخ ما استطاعت تتكلم وتعبر عن نفسها من الألم والظلم ، وخنقتها الدموع ، وهذا ظلم لا يقبله الله سبحانه وتعالى ، ولا جاء في تعالم رسوله صلى الله عليه وسلم .

ـ لقد أنهيت الموضوع يا سارى وقفلت القضية
وهنا يتقدم خاله مشعل ليقول :
ـ يا حضرة القاضي انا اعلن اعتراضي لاني اصر على طلاق اختى للأسباب التي ذكرتها ، وما نمشي راخين رؤوسنا بين الناس بزواج  ماله أساس.. ماله أساس .. ويرخي هاماتنا بين القبائل وكل الناس..

ـ يا حضرة القاضي سا محني ترى خالي ما يقول الكلام الصحيح ، وهاذي ورقة أمي تحفظها عندها وعند أبوي .. وثيقة الزواج اللي كتبها الشيخ "صالح العبد الله" رئيس المحكمة قبل عشرين سنة ، ووقع عليها أبوي وجدي ، وشهد عليها الخال .. أنت شاهد عليها يا خال .. واليوم تنقض الميثاق .. تنقض الشهادة

ويستلم القاضي الورقة.

ـ بارك الله فيك يا إبن يُعتز به ، لقد قفلت الموضوع نهائيا ، وأنت يا مشعل ارجع الى الله واستغفر .. تراك ظلمت اختك وزوجها ، وأنت يا مرزوقة سامحي اخوانك وأهلك ولا يصير في قلبك حقد عليهم ، فهذه نزغة شيطان .. قفلت الجلسة .. قفلت الجلسة..

ويتقدم مرة أخرى (سارى)

ـ يا خال .. يا خال .. ترى العشاء عندنا الليلة مع فضيلة الشيخ .. الله يحييكم وأنا حفيد جمعان

ويقول الشيخ

ـ ونعم بحفيد جمعان

وينسحب الخال إلى خارج المحكمة وقد أرخى رأسه ولم يلتفت إلى أحد كأنه يسير في ظلام دامس.