شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

.    جير الكثيرون نشوب بعض الحروب والاشتباكات التي حدثت عام 86 الى المذنب هالي ولم يعفوه من الشؤم الذي اصاب المكوك تشالنجر الذي تحطم اثناء اقلاعه ولكن كل هذه جميعها تبقى مجرد افتراضات وتخرصات لا يمكن اقامة الدليل عليها وان بقيت في نفسي اشياء تؤيد الاعتقاد فيها او في جزء منها ولكن من الواجب ان نقف عند حدود مانعلم وفوق كل ذي علم عليم.

 وداعا هالي

دادة سعدو

محمد عبده يماني

وفتح الستار .. واضيئت الأنوار .. وتدفق الناس الى داخل صالة الفرح  وبدأت فرقة الغناء تصدح .. ومن على السلالم أخذت العروس تهبط من بين صديقاتها متجهة الى مكان الكوشة .. وبدت في غاية الجمال والروعة  واخذن مجموعة من المدعوات يتكلمن عن جمالها وما تتمتع به من طلعة بهية .. وواصلت " سعاد " مسيرتها حتى جلست في  المكان المخصص لها  وواصلت الفرقة الغناء .. وكانت هناك في  الركن القصي تجلس والدتها وقد لفت رأسها بالمحرمة وعليها غطاء خفيف .. وراحت تصلح من وضع نظارتها .

في هذا الجو المفعم بالفرح قامت عريفة الحفل وهي تنادي :
" دستور ياحريم .. دستور يا ستات .. دستور العريس وصل "
وأخذن في اسدال جوانب من الحجاب عليهن .. وتقدم العريس " طاهر" وجلس بجوار زوجته على الكوشة .. وقدم لها الهدية .. وكانا سعيدين .. فهو رجل فرح بهذه العروس التي كان يتمناها دائما .. فقد تقدم به السن حتى بلغ الخمسين من العمر ولم يتزوج .. مع انه يعيش في بحبوحة من الرزق .. ويدير اعمال كبيرة .. ويملك العقارات .. ولكنه كان دائما يتمنى أن يلقى الانسانة التي يرتاح لها .. ولهذا فرح عندما قبلت به " سعاد " وهي ما تزال في الثلاثين من عمرها .. واخذ يتحدث اليها ويعرب لها عن سعادته وهي تبتسم وتبادله الفرحة .

    وأنفض السامر .. وأخذ طاهر عروسه الى الفندق حيث استراحا .. ثم توجها بعد ذلك في رحلة جميلة في شهر العسل .. ومن فرط فرحته قال لها طاهر  :
" دعينا نجعلها أشهر عسل ، فقد كنت اتوق دائما الى مثل هذه الأيام السعيدة "

    وتنقلا بين تركيا وماليزيا ، ثم رحلا الى لبنان ، وكانت الفرحة غامرة، والسعادة كبيرة ، وأخذها الى مطعم عرف بتقديم الأنواع الجيدة من الأسماك ، وقال لها :
" اني اتمنى ان يعجبك هذاه المطعم ، فأنا رجل جداوي ومولع بالسمك ، وأنا ممن يمارسون صيد الأسماك في جدة ، وأقضي فيه ساعات طويلة ، وأكثر ما يعجبني يا سعاد هو السمك الذي اتناوله بعد أن قمت بصيده بنفسي ، بل انني اقوم بطبخه وتجهيزه لي ولبعض اصدقائي كذلك ، وفي بعض الأحيان كنا نتناول طعامنا في وسط البحر ، بعد أن نقوم بصيده "

    وتبسمت سعاد وقالت وهي تنظر اليه :
" يعني انت طباخ ماهر ، ولا تحتاج الى احد يطبخ لك "
قال : " لا .. ان ما اتناوله من طعام من يدك ذو خصوصية ، فأنا اتناوله في لحظات الحب والصفاء التي كنت اتطلع اليها ، وانت يا حياتي اصبحت كل حياتي الآن في المنزل .. وفي المطبخ .. وفي الحديقة .. بل وحتى وأنا في المكتب اشعر بسعادة عندما اتذكر انك معي "

وجلسا في جانب من المطعم ، وقدمت اسرة مع اطفالها ، وجلست على مسافة منهما ، وفجأة تقدمت مجموعة من الأطفال وهرعوا الى سعاد، واخذوا يحضنونها بحب وشغف والتفوا حولها وهم ينادون :
" دادة سعاد .. دادة سعاد .. الحمد لله شفناك يا دادة بعد غياب طويل .. يا دادة سعاد نحن نحبك "
وقدمت ام الأطفال وسلمت عليها وحضنتها ، وشعر " طاهر" بهذا الحب الذي عبر عنه هؤلاء الأطفال ، ثم قدمت سعاد " طاهر " للسيدة وقالت :
" هذا زوجي طاهر يا أم جميل "
وردت " ام جميل" والسعادة بادية عليها :
الله .. الله .. الحمد لله الذي أكرمك وتزوجت ، وبالمناسبة كيف حال الوالدة الآن "
وردت سعاد:
بخير .. وقد تركناها في جدة حيث سنعود اليها قريبا بعد أن أمضينا ولله الحمد أيام طيبة في شهر العسل "
فقالت السيدة :
يا سعاد معنا عمك ابو جميل ويحب يسلم عليك ويتعرف على زوجك "
وتقدم الرجل وسلم على زوجها طاهر وقال :
" انا سعيد ان القاكما وفرح جدا بزواجك يا سعاد "
هنا تنادى الأطفال :
" يا بابا .. يا بابا .. لا تقول سعاد قول دادة سعاد نسيت يابابا دادة سعاد الحبيبة "
عادا الى الفندق ، وشعرت سعاد بأن زوجها أخذ يفكر طويلا ويصمت ، وليس كعادته ، وبدت عليه تساؤلات ، فأقتربت منه وحاولت ان تفهم ماذا وراء هذا الصمت ، واسرعت الى الشرفة امام غرفتهما في الفندق ، وأعدت الشاي ، وطلبت منه الخروج لتناول الشاي معا ، وكان الجو جميل في وقت المغيب ، والروشة تصطدم عليها تيارات الماء ، وتعود راجعة :
-    " ماذا بك ياحبيبي يا طاهر .. في أي شيء تفكر؟ "
-    " لا شيء يا سعاد ولكني افكر في بعض الأمور الخاصة "
-    " ولكن لماذا لا تشاركني كعادتك؟ .. وأين الابتسامة التي كنت أعهدها ؟.. وهل هناك ما تخفيه عني ؟"
-    " ابدا مجرد لحظات صمت وتفكير"
وأخذت تحضنه وتسير بيدها على رأسه ، والتفت اليها وقال :
-" يا سعاد لقد استغربت من اقبال الأطفال عليك وهم ينادون دادة سعاد .. دادة سعاد  .. ما هي قصة هذه الكلمات ؟
ورجعت سعاد الى مكانها وقالت :
-    " يا طاهر ان في حياة الانسان اسرار كامنة في العقل والقلب ويكره ان يعرفها الناس ، اما انت فمن حقك ان تعرف كل شيء عني ، خاصة وقد لا حظت ان هناك ملامح من الشك بدأت تساورك "
-    " لا .. لا يا سعاد مجرد تساؤل"
-    " ارجو  ان تكون صريحا معي لأني الاحظ ملامح الشك عليك "
-    " دعني اروي لك الحكاية كاملة حتى اريحك واريح نفسي فأنا ياطاهر كما تعلم ابنة والدي الشيخ عبد الحميد زيات ، ووالدتي التي رأيتها ، وكان لي أخ يعيش معنا ، وعندما بلغ سن المراهقة ابتلي بتعاطي  المخدرات ، وأتعب أبي وأنهكه وهو يخرجه من السجن ويعود اليه ، وأخيرا تعب الوالد وتعطل عن السير اثر امراض ألمت به منعته من الحركة ، وبقيت الوالدة تخدمه وأخي مودع في  السجن ، ونحن في حالة من الكرب العظيم ، مع أن والدي كان من الرجال البارزين ، ومن اهل الحرفة والصنعة ، ولكن توقفه عن العمل عطل كل نشاطاته .
كنت اذهب الى المدرسة في سيارة ثم بعناها وسرّحنا السائق لننفق على حياتنا انا وأمي ، ونقدم الدواء لوالدي ونرعاه ، وازدادت الأحوال سوءا ، فلجأت الوالدة الى الجيران الذين أخذوا يعطونها ملابسهم لتقوم بغسلها وكيها ، ثم تعيدها لهم .

واصلنا العيش في هذه الظروف الصعبة وانا اراها منهكة ولكنها دائما كانت تشعر والدي بأنها سعيدة ان تكون بجواره وتقول له :
" انت صاحب فضل يا عبد الحميد ولن انسى العشرة الحلوة ، وسأظل بجوارك وان شاء الله لن نمد يدنا الى احد ، وسوف تتخرج سعاد ، وانا ادعو لها كل يوم في الصباح والمساء فهي رضية يا عبد الحميد "

ورأيت قطرات من الدمع تسيل على خده وهو يقول :
" والله سعاد رضية .. اسأل الله ان يكرمها واهل مكة يقولوا رَضِي الوالدين ما يِِنْضَام "

وعندما ازدادت الأحوال سوءا شعرت بأن من واجبي ان اعمل أي شيء ، وتحدثت الى مديرة المدرسة عن رغبتي في العمل وشرحت لها الظروف ، فذكرت لي ان العم " ابو جميل " واسرته في حاجة الى من يساعدهم في رعاية اولادهم ، فكنت اذهب الى المدرسة ثم أعود لأساعدهم في البيت وارعى الأطفال ، وعندما احضر متأخرة كانت أمي تقول وهي منزعجة :

" لماذا تأخرت يا سعاد لقد اقلقتيني يا بنتي ، واصبحت خائفة عليك"
فقلت لها :
" يا أمي ان المدرسة ذكرت لي انهم بحاجة الى من يساعد المديرة في ترتيب غرفتها ومساعدتها على ترتيب المكتبة على أن يعطوني مبلغ مقابل هذا العمل ، فأنا اقوم به بعد الدراسة "

رضيت أمي مرغمة وفرحت ان العمل هو في المدرسة ، وقدمت لها المبالغ التي كنت احصل عليها من عائلة العم " ابو جميل " والذين كانوا كراما معي وعشت معهم احسن وأجمل ايامي الى ان تخرجت والتحقت بالجامعة وحصلت على درجة  البكالوريوس في التربية ، واصبحت اقوم بالتدريس واكسب رزقي واطعم اهلي ، ولم يكن أحد يعرف حتى الوالدة بذلك ، وتوفي والدي ، وبقيت بجوار الوالدة واخي مازال يقبع في السجن حتى توفاه الله .

تلك هي قصتي يا طاهر وهذا هو سبب النداء الذي كنت تسمعه ، وما كان لي أن اذكر هذا الجانب من حياتي لولا الظرف الذي مر بي ، وخشيت معه ان تسيء الظن بي "
 
ثم ارتمت عليه ووضعت رأسها على صدره ، ولا حظت قطرات من الدمع تسقط على وجهها ورأته وهو يبكي ويقول وهو يضمها :
-" بنت رجال يا دادة .. بنت رجال يا ماما .. بنت رجال يا سعاد "