شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

(إن القمرين الصناعيين العربيين "عرب سات ونايل سات" هما إثنان من أنجح المشروعات العربية في التاريخ الحديث الذي يتم بواسطتهما تعزيز استقلالنا في مجال الفضاء. وبرغم أن القمرين مصنَّعين في الخارج، وبرغم إطلاقهما الذي تم بوساطة صواريخ أجنبية، إلا أنه – على الأقل – يخلصانا من تحكم الشبكات الفضائية التي كنا نلجأ لاستخدامها والتي كانت تضيع علينا الكثير من الفرص للبث المباشر أو الحي، وتفرض علينا أن نسير وفق ظروفها وتوقيتها دون أي اعتبار لطبيعة الحدث عندنا).

 أحاديث في الاعلام

الشيخ محمد نصيف: المنزل والنزالة

د. محمد عبد يماني

والذكريات صدى السنين الحاكي كما يقولون ورحم الله أياما عطرة وذكريات كانت لنا فى بيت نصيف فقد كنا نفد إليه فى أول الأمر فى معية أخى وصديقى الأستاذ الدكتور الفاضل الدكتور عبد الله عمر نصيف بعد أن تعرفنا عليه فى جامعة الملك سعود وبعد ذلك أصبحنا نفد إلى البيت به وبدونه بعد أن وجدنا فيه مافيه من الترحاب والقبول والفضل والعلم والثقافة فقد كان جده الشيخ محمد حسين نصيف رجلا يفتح قلبه ومنزله للناس ويفرح بكل وافد إليه وخاصة من أهل العلم والأدب والثقافة وكان الرجل يجلس فى مكتبته أو فى مجلسه الداخلى والخارجى.

 وقد لبس زيه الحجازى الأصلي والعمة ملتفة على رأسه والصديرى يزين ملابسه وكان الرجل فى غاية الأناقة وعلى أدب جم عندما يتحدث إلى الناس وكان مولعا بجمع الكتب من أنحاء مختلفة من العالم العربى والإسلامي متى استطاع الى ذلك سبيلا وكان يبذل فى سبيل الحصول على المخطوطات الشئ الكثير وعندما نجلس إليه نجده علما وعالما فى العلوم الإسلامية عامة وفى الأدب والشعر والتاريخ على وجه الخصوص وبهذا كنا نأنس بمجلسه ونسعى إليه.
 وقد ظلت هذه الإرتباطات به منذ ثلاثين عاما تقريبا ولكن كان هناك إرتباط آخر يحدثنا عنه العم العزيز الشيخ عبد الله كامل عندما كان مديرا عاما ثم رئيسا لديوان مجلس الورزاء فقد كان على صلة بهذا الرجل وكان العم عبد السلام كامل وهو من أهل العلم.

 وكان ينزل إلى جدة ويجتمع بالشيخ محمد نصيف هو وكثير من أدباء مكة المكرمة ومثقفيها فقد كان هناك تواصل ثقافى وإتصال روحى كبير بين هذه الصفوة من الوجهاء وبعد أن إتصلنا بالشيخ محمد نصيف كنا نستعير منه بعض الكتب وبعضها كان يهديها لنا وكان أخى الدكتور عبد الله نصيف من الزملاء الذين نحترمهم ونحبهم ونجلهم فقد كان ولازال على أدب جم وأكرمه الله بخلق وخلق حسن ولهذا فقد كنا نستلطف الجلوس معه والإتصال به ويسأل عن ذلك الأخ الزميل الأستاذ أحمد الحمدان والأخ صالح كامل والأخ عابد سراج وزملاء كانوا لنا فى جامعة الملك سعود ولقد توثقت علاقتنا فيما بعد بصورة كبيرة مع فضيلة الشيخ محمد نصيف ولهذا فرحت عندما أعيد فتح المنزل وتمنيت أن تعاد المكتبه إليه كاملة وتضاف إليها مكتبات الأخ الدكتور عبد الله نصيف والأخ المحامى القدير عبد الرحمن نصيف وكل من لديهم كتب يرغبون فى إثراء هذه المكتبة بها لتبقى مكتبة الشيخ محمد نصيف مركزا زاخرا من المراكز الأدبية والثقافية فى جدة.
 خاصة وأن البيت يتميز بطراز معمارى فريد وله تاريخ مشرق فى الضيافة والكرم والأدب وصاحبه كان وجها من وجوه الحجاز المشرقه وسبحان الله كيف كان هذا البيت يزخر بالوفود من أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي وخاصة من القارة الهندية ومن أنحاء المغرب العربى يفدون ويحرصون على التواصل مع الشيخ محمد نصيف وسؤاله عن كتاب أو نشرة أو بحث.
 ولهذا فقد كان المنزل يجمع علماء وأدباء ومثقفين من أنحاء العالم العربى والإسلامي وكان الشيخ يفرح بهم ويعينهم على إكمال أبحاثهم فقد كان كريما معطاء رحمه الله وتغمدة برحمته وقد كتب عنه الشيخ حمد الجاسر فى مجلة العرب يصف فضل هذا الرجل وكرمه وصلاته مع الناس وحرصة على التواصل مع الناس فقال: "والشيخ محمد نصيف، نسيج وحده بين أبناء عصره: سماحة نفس، ورجاحة عقل ورقة طبع.. 

وقد متع بعمر طويل شغله بالأعمال النافعة، ومع أنه نشأ فى بيت غنى وجاه، وفى زمن كان للخرافات سيطرتها على عقول كثير من أبناء ذلك الزمن، إلا أنه إتجه إتجاها سليما يغاير ما كان عليه أكثر أهل عصره، وكان كثيرا ما يشتري بعض الكتب السلفية ويساعد على نشرها أو يطبعها على نفقته، ثم يوزعها على من يتوسم فيهم الخير  وكان في هذا السبيل جوادا كما كان كريم اليد بحيث قل أن يوجد عالم أتى مدينة جدة يجهل بيت الشيخ محمد نصيف وكان ـ رحمه الله ـ محل تقدير وإجلال من كل من عرفه لفضله ونبله وكرمه..
 فقد حل الملك المغفور له عبد العزيز آل سعود في بيته عندما قدم جدة أول مرة، وكانت له عنده منزلة عالية، فهو معدود من العلماء، والملك ـ رحمه الله ـ يجلهم، ومن الوجهاء ومن الأغنياء، ومن أعيان البلاد"  أما من ناحية عقيدة الشيخ فقد كان سلفي المذهب وكان يحرص على نشر السلفية بوجه خاص ولهذا فقد كانت الكتب السلفية وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ هى من أوائل الكتب التى إعتنى بنشرها الشيخ محمد نصيف وطبعها على نفقته الخاصة ووزعها فى أنحاء مختلفة من البلاد بل وخارج المملكة العربية السعودية وهناك كثير من الكتب التى قام بطباعتها ـ رحمه الله ـ ومنها:-1. كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ طبعة الهند.2. العلو للعلي الغفار لمؤلفه محمد بن أحمد الذهبي. 3. الجواب الباهر في زوار المقابر لمصنفه إبن تيمية.4. الرد الوافر  فيمن زعم أن شيخ الاسلام إبن تيمية كافر لمصنفه إبن ناصر الدين.5. القصيدة النونية المسماة "بالكافية الشافية" لإبن القيم.6. شرح القصيدة النونية للشيخ محمد خليل هراس ـ رحمه الله ـ.7. توضيح المقاصد وتصحيح القواعد للشيخ أحمد بن عيسى.8. مفتاح الخطابة والوعظ لمؤلفه محمد أحمد العدوى.9. مختصر زاد المعاد في هدي خير العباد. للشيخ محمد بن عبد الوهاب.10. غاية الأماني في الرد على يوسف النبهاني. للسهسواني.11. إيقاظ الوسنان من وسوسة الشيخ دحلان.

ومن الكتب التي سعى في نشرها وبمعاونة المحسنين:1. الخطوط العريضة التي قام عليها دين الشيعة لمؤلفه محب الدين الخطيب.2. منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية لإين تيمية.3. شرح السنة للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي.4. العقيدة الواسطية لمؤلفها شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية.5. ملخص الفتوى الحموية لمؤلفها الشيخ محمد بن صالح العثيمين.6. الدين الخالص لمؤلفه صديق حسن خان.7. الطرق الحكمية لمؤلفه إبن قيم الجوزية.8. الرد على الجهمية للدارمي.9. الوابل الصيب من الكلم الطيب لمؤلفه إبن قيم الجوزية.10. الرد على شبهات المستعينين بغير الله للشيخ أحمد بن عيسى.11. كتاب التمهيد للحافظ إبن عبد البر النمري.12. البهائية وتاريخها للكاتب عبد الرحمن القاهري. وغير ذلك كثير.
ولقد كان يعطي الزوار مجموعات مختلفة من الكتب كل على حسب ميوله وما يتوخاه من توجهات فيه على أن بعض الكتب كان يحرص على أن لا يعيرها ولا يهديها وخاصة المراجع للمخطوطات التى كان يحتفظ بها وإن كان هناك بعض الناس الذين كان يتسلطون على بعض هذه الكتب فيستعيرونها إلى غير رجعه او يأخذونها على سبيل الإعارة ثم يقومون ببيعها فى الأسواق فيعود الشيخ ويشتريها مرة أخرى ويعيدها إلى المكتبة وكان للشيخ محمد نصيف عناية بالسنة بالنبوية وكان يحرص على تتبع أولئك الذين يغمزون السنة بين حين وآخر فكان يرد عليهم ويحرص على نشر الكتب التى تفضح أهدافهم وقد تصدى بصورة خاصة لأبي ريا الذى هاجم السنة وشكك فيها وشكك فى صحتها وتصدى له الكثير من علماء المسلمين.
 لكن الشيخ محمد نصيف نشر كتابا خاصا فى هذا المجال بعنوان ظلمات أبى ريا ألفه الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة ـ رحمه الله ـ وكان الشيخ يتابع كل ماينشر عن السنة النبوية وله جهود خاصة فى مكافحة البهائية والبابية فقد كانت منتشرة فى القارة الهندية وروج لها بعض المغرضين ومولوا حركاتها ولكن الله سبحانه وتعالى كان لهم بالمرصاد وشتت شملهم وفضحهم وانتشرت فى العالم الإسلامي كتب ومحاضرات مختلفة ترد عليهم وتفضح أهدافهم وبأنهم ليسوا على الإسلام وليس لهم أية صلة بالإسلام. فالبهائية والبابية مذهبان باطلان ينتسبان إلى الإسلام زورا وبهتانا ويدعى أصحابها النبوة بل أن بعضهم ـ قبحه الله يدعى ـ بأن الله ـ تعالى عما يقولون علوا عظيما ـ بأن الله قد جامعه فولد نفسه هكذا فى غير حياء ولا أدب لا مع الله ولا مع الناس ولهذا فقد فضحهم الله وشتت شملهم، وأنا أعتقد شخصيا أن من واجبنا أن نفضح هذه الفئة وأن ننشر عنها حتى لا يلتفت الناس إلى كتاباتهم ودعواتهم وخصوصا أنهم والقاديانية أيضا يدعون أنهم من أهل القبلة وأنهم يصلون فى المساجد والدين منهم براء قاتلهم الله أنى يؤفكون.

رحم الله الشيخ محمد نصيف فقد كان رجلا على علم وادب وفضل وكان مضيافا وكانت شهرته بين الناس (الأفندى نصيف) وبعض الذين يكتبون له كانوا يكتبون إلى الشيخ الأفندى محمد نصيف وكان رجلا له عناية خاصة بالحجاج والمعتمرين والضيوف الذين يفدون إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة عن طريق جدة أو عن طريق ينبع وكان إذا سمع عنهم يرسل لهم ويسأل عنهم ويكرمهم وقد كانت له علاقات واسعة بكثير من الملوك والرؤساء والفضلاء فى أنحاء مختلفة من العالم العربى والإسلامي.
وكما وصفه الشيخ المرحوم على الطنطاوى ـ رحمه الله ـ بأنه كان تاريخا يمشى على الأرض يعرف الناس والكتب والأنساب وكان لبيبا أصيلا متواضعا غير متكلف وقد فتح الله عليه ويسر له سبل الرزق فكان ينفق إنفاق من لايخشى الفقر وكان يكرم الناس ويستضيفهم ويكرمهم وكانت مكتبة الأفندى نصيف متميزة فى مدينة جدة وقد كتب عنها الشيخ أبو تراب الظاهرى فقال: قد جمع رحمه الله مكتبة نادرة حافلة بالمخطوطات والمطبوعات، ونشر كتبا كثيرة، وأنفق على نشر الكتب السلفية شيئا كثيرا من المال، وكان يكتب أحيانا في الجرائد والمجلات كلمات تعقيبية، يرد فيها على من أخطأ في شئ من المعلومات.

 وصدق خير الدين الزركلي حين قال عنه في "الإعلام": "كان بيته ملتفى الفضلاء القادمين من مختلف البلاد، وكان حلو الحديث" قوي الذاكرة لا يكاد يصدر كتاب مما يروقه ألا أشترى منه نسخا وأهداها إلى المكتبات العامة وإلى معارفه.
وقال أبو تراب: وفي مكتبتي ومكتبة والدي رحمه الله كتب كثيرة عليها خطه، وكنا إذا جئنا جدة ننزل عنده في منزله العامر، ولا نقصد غيره، وقد ربطت بينه وبين والدي آصرة الصداقة منذ القدم، وكان والدي يشيد بكرمه وشهامته، ونهوضه بالأعباء الجسام، ويعتز ويفتخر بصلته، ورحم الله الشيخ محمد بن مانع حيث قال: "لم نعلم في الحجاز رجلا يساويه في الكرم، وحسن الخلق".

ولاشك أن مكتبة الأفندى نصيف تعتبر مكسبا من المكاسب التى أضيفت إلى مكتبة جامعة الملك عبد العزيز ففيها الكثير من الوثائق التاريخية والرسائل العلمية النادرة بالإضافة إلى مجموعات خاصة من الصحف والمجلات والمكتبة بها ما يزيد عن ستة آلاف مجلد تقريبا، حتى أنك لتظن أنها لاتخلو من كل كتب العلوم والفنون أضف إلى ذلك المخطوطات النفيسة.
رحم الله الشيخ محمد نصيف وتغمده برحمته وأسكنه فسيح جناته وبارك فى خلفه ولاشك أن أخى الدكتور عبد الله نصيف وإخوته وأبناء عمومته يمثلون البقية الباقية من تلك الأسرة الكريمة والتى حمل لواءها الأفندى نصيف رحمه الله وتغمده برحمته وأجد فى أخى الدكتور عبد الله نصيف الكثير من مزايا جده وخلقه وأخلاقه.
 وأسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه الخير.  

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب