شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

(الدول المتقدمة. تبتكر أحدث الإنجازات التكنولوجية، ولكنها تربطها بها بحبل متين هو: الصيانة وقطع الغيار. فما فائدة التكنولوجيا في هذه الحالة إذا بقينا مستهلكين لا حول لنا ولا قوة ولا تخطيط لخدمة أهدافنا الوطنية. فما فائدة كمبيوتر بالغ الحداثة يضاهي أعظم ما يماثله في أعظم الدول، ولكننا نستمد عمله وصيانته من صانعيه؟).

 أحاديث في الاعلام

تجديد باب الكعبة

محمد عبده يماني

لمعالي السيد أحمد عبد الوهاب نائب الحرم مجلس لطيف في بيته يستقبل فيه الأصدقاء والأحباب بروحه الطيبة وكرمه الفياض، والحق أن كل الذين يرتادون هذه الجلسة يحرصون عليها، فهي زاوية اجتماعية تثار فيها موضوعات ذات قيمة تاريخية واجتماعية، وأنا أتشرف بأني ممن يرتادون جلسة "سيدنا" فهو رجل يحب الحوار، ويحترم الرأي الآخر، ولكنه لا يؤمن بالديمقراطية، واذا كان له رأي فمن الصعب أن يتنازل عنه، ونحن كمرتادين لهذه الزاوية مجبورين على التسليم، فهو من أهل الصفوة، وتعود على أن يأمرنا أن نجلس هنا أو هناك عندما كنا نرتاد الديوان الملكي ولا نستطيع أن نغير من مكان لآخر إلا بأمر عمدة المراسم.

والسيد من أسرة كريمة، ووالده رحمه الله كان من الشخصيات المحببة لأهل مكة، وكذلك لصفوة الحكام، وكان الملك عبد العزيز رحمه الله يقدره ويحترمه، وقد أكرمه الله بخاتمة طيبة فقد توفي وهو محرما ساعيا بين الصفا والمروة، فمات وانتقل إلى رحمة الله باحرامه، وتلك نعمة من نعم الله العظمى على بعض الخلق، لأنها بشائر خير.
ولاشك أن حياة السيد عبد الوهاب نائب الحرم ومروءاته وفضله قد امتد خيرها للأخ الحبيب السيد أحمد عبد الوهاب وبقية أسرته بإعتبار أن الله عز وجل علمنا كيف يحفظ الله الأولاد ويكرمهم بصلاح آبائهم حيث يقول: {وكان أبوهما صالحا}.

والسيد أحمد عبد الوهاب يحب النقاش، ويميل إلى متابعة الأحداث ولكن كما قلت من زاويته الخاصة، باعتبار أنه تربى بجوار رجل هو الملك فيصل رحمه الله الذي كان جادا في حياته كلها، حتى إنني عندما دعيت إلى الديوان يوماً، ويبدو أنها كانت دعوة لفحص أولي لترشيحي لجامعة الملك عبد العزيز، ولقيت معالي الدكتور رشاد فرعون رحمه الله، ولم يفصح لي عن سبب الدعوة، ولكني آنست في الرجل تواضعا ووداعة، فتجرأت فسألته: (يادكتور رشاد.. أنا لا أرى جلالة الملك فيصل يبتسم ولا يضحك ؟؟ فهل هو كذلك دائما؟؟) فكانت الإجابة من رجل وقور كالدكتور رشاد فرعون: (إيه عيني.. ما دخلنا بهيك شغله.. بلا ها الحكي). وفهمت منه حدود ما يمكن أن يتكلم به الإنسان في حضور رجل بهذه الصرامة والجدية كالملك فيصل وهذا قطعا أثر على حياة السيد أحمد عبد الوهاب عندما كان من أصحاب الصفة، وقبل أن يسلموه الدرب، عندما كان الجواب الدائم عندهم لأي سؤال: (الشيوخ أبخص).

ولهذا فنحن نتعايش مع السيد أحمد عبد الوهاب من منطلق الحب والتقدير، وتثار بيننا وبينه قضايا وحوارات كان آخرها الحديث حول باب الكعبة المشرفة ومتى تم بناء هذا الباب، وكنت قد قرأت في مجلة تاريخية في بلادنا إن أول من بدل هذا الباب بعد العهد العثماني هو الملك سعود رحمه الله، ولم يوافق السيد أحمد عبد الوهاب على ذلك، وبدأ بطريقته يؤكد أن الكلام الصحيح هو أن أول من بدل باب الكعبة هو الملك عبد العزيز رحمه الله وأنا أصر على رأيي بأن هناك باب تبدل أيام الملك سعود، وطبعا كنت أتحدث منفردا، وهو يستعين بشهود ينظر إليهم، ويطلب شهادتهم، ويزجرهم فيوافقون على رأيه، ومنهم الأخ العزيز الأستاذ ادريس الناصر الذي كان من الشباب البارزين في المراسم الملكية أيام كان السيد أحمد عبد الوهاب رئيسا لها في ذلك الوقت، والأخ ادريس جاهز للشهادة إذا شد عليه السيد أحمد، فإن تعذر ذلك استعان بالأخ سعود دهلوي، فهو كذلك ممن عملوا مع السيد من خارج الهيئة، أي من خارج الديوان، فقد كان مندوبا لوزارة الإعلام في الديوان الملكي، وسبحان الله إنه من الرجال القلائل الذين حضروا وفاة الملك فيصل رحمه الله، ولكن الأخ سعود رغم صداقتي وعلاقتي به إلا أنه يكره أن يعترض على السيد أحمد أو يرفض مقولة له أو نصا تاريخيا يرويه، فهو جاهز للشهادة معه أيضا ربما لإعتبارات الولاء القديم في الديوان.

وبطبيعة الحال فقد أُسقط في يدي، لأن بقية الأخوان الأعزاء لا يتدخلون في الشهادة، ويكرهون الصدام، فاذا اشتد الأمر ألتفت السيد إلى الكاتب والأديب الاستاذ عبد الله عمر خياط، الذي يركن إلى زاوية في المجلس ويغمض عينيه، فلا تدري أهو نائم أم يستمع، أم يتهرب من الشهادة، ولكنه يجامل السيد رغم أن حاله كحال (شاهد ما شافش حاجة) كما يقول عادل إمام في مسرحيته الشهيرة.
وعندما اشتد موضوع الحوار، وأكدت أنا ما قرأت أن أبواب الكعبة التي تم تبديلها في عهد آل سعود حفظهم الله هي:  الباب الأول في عهد الملك سعود، ثم الباب الثاني في عهد الملك خالد  رحمهم الله جميعا، وكان السيد أحمد يصر على أن: الباب الأول تم في عهد الملك عبد العزيز، والثاني في عهد الملك خالد الذي حضره شخصيا مع معالي الأستاذ عبد الوهاب عبد الواسع رحمه الله، واللجنة التي شكلها الملك خالد في ذلك الوقت.
واشتد النقاش، وأصر السيد على رأيه، وأنا اعتمد على مجلة محترمة قرأت فيها عن هذه الأبواب، ولذلك رفضت أن أسلم، وكرهت هيمنة السيد أحمد عبد الوهاب وقلت هذه فرصة لأثبت هذا الأمر، وأؤكد على رأيي رغم الشهود العدول الذين أحضرهم، والعمدة الذي اعتمد عليه، ولكن عندما رجعت إلى الوثائق الخاصة بباب الكعبة المشرفة في العهد السعودي لاحظت أن الوثائق تؤكد أن باب الكعبة الذي كان موجودا آنذاك هو الذي أمر بصناعته السلطان العثمان مراد سنة 1045هـ، وبمرور الأزمنة أخذ الباب في التضعضع، وعندما دخل الملك عبد العزيز رحمه الله إلى مكة المكرمة، وعرف عن حالة باب الكعبة أصدر أمره في عام 1366 هـ بأن يصنع على حسابه الخاص باب جديد للكعبة المشرفة من صفائح الذهب الخالصة المحلاة بآيات قرآنية ونقوش ولوحات تحمل أسماء الله الحسنى على شكل بيضاوي، وعددها 13 لوحة من الفضة المطلية بالذهب، وركب هذا الباب يوم الخميس10 ذي الحجة 1366هـ،، وكان الملك سعود بن عبد العزيز قد حضر تركيب الباب ومعه مجموعة من أصحاب السمو وبعض المسؤولين والأعيان، كذلك أمر الملك عبد العزيز إصلاح جوانب باب الكعبة باستعمال الفضة الموشاة بالذهب.

وفي عام 1397هـ أصدر الملك خالد رحمه الله أمره بتغيير باب الكعبة حين بدأ الباب الذي صنع في عهد الملك عبد العزيز يتأثر ويتصدع، ويبدو عليه القدم، وأمر بعمل سلّم داخل الكعبة للصعود إلى سطحها، وقام بالعمل الحرفي شيخ الصاغة في مكة أحمد بدر، حيث تكلف (13.420.000ريال) عدا كمية الذهب التي جرى تأمينها بواسطة مؤسسة النقد، وقد احتاج البابان الداخلي والخارجي إلى مقدار( 280 كيلوجرام عيار 999.9) وتم الاتفاق مع المهندس المعماري منير الجندي في موضوع التصميمات، فقد كان مختصا في العمارة الإسلامية، وأقيم لذلك مصنعا خاصا في مكة المكرمة، وبدأ العمل التنفيذي غرة ذي الحجة عام 1398هـ، وكان الملك رحمه الله يتابع هذا العمل بنفسه، وفرح بإتمامه فرحة كبيرة.

وهكذا يكون الباب الأول هو الذي أنشئ في عهد الملك عبد العزيز، والباب الثاني أنشئ في عهد الملك خالد رحمهما الله، وبهذا يكون السيد قد كسب الرهان، وأن معلوماته صحيحة، ولكن ما أثر على الرواية التاريخية هو أنه صدر أمر ملكي ترميم عام 1376هـ بتجديد السلم الذي يصعد عليه الناس للدخول للكعبة المشرفة من قبل الملك سعود عام 1376هـ، وقد حضر الملك سعود بنفسه، وصعد إلى الكعبة على هذا السلم، وكان يوم غسل للكعبة مع الوفود الإسلامية، ويبدو أن هذا ما جعل  الرواية تختلط ويظن الكتاب أن هناك تجديد للباب في عهد الملك سعود، ولكن الحقيقة تبقى أن الباب الأول في عهد آل سعود هو ما أمر بعمله الملك عبد العزيز رحمه الله، ثم الباب الثاني في عهد الملك خالد رحمهم الله جميعا.مع الإعتذار للسيد أحمد عبد الوهاب..
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل،، 

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب