شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

الحديث عن فريضة الحج لا ينفك عن حياته وهديه – صلى الله عليه وسلم – فعنه تلقت الأمة فرائض الله على عباده ، ومن جملتها فريضة الحج ، ومنه تعلمت أحكامه، ولهذا وجب التأسِّي برسول الله صلى الله عليه وسلم في اداء مناسكه، لأنه يمثل الاتباع الصادق للقرآن الكريم وتجسيد العمل بآياته.

 كتاب هكذا حج رسول الله صلى الله عليه وسلم

علّموهم .. من هو رسول الله صلى الله عليه وسلم

محمد عبده يماني

وجاءت حادثة بعض صحف الدانمارك بكل أسف واساءتهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم والى شخصيته وسيرته على شكل صدمة كبيرة جعلتنا نفوق ونصحو ونتنبه الى تقصيرنا في الاعلام عن ديننا وعن قرآننا ، وعن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وانه من الخطأ ان تكون أعمالنا كلها ردة فعل لحادثة هنا او مقال هناك ، او حديث يسيء الى سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن هنا يرى عقلاء الأمة ان من واجبنا وضع برامج اعلامية وعلمية دقيقة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونشرها بلغات العالم المختلفة ، وتوزيعها عن طريق سفاراتنا الاسلامية ، ومكاتبنا الاعلامية ، وحتى عن طريق طلابنا وطالباتنا الذين يدرسون في خارج البلاد الاسلامية في اوربا وامريكا والصين او اليابان ، بل في كل منطقة من مناطق العالم ، وان نتحين الفرص المناسبة للاعلام عن هذا الدين الحنيف ، وعن هذا الرسول الكريم ، لأنه من العيب علينا ، ان تنحصر جهودنا للتصدي لكل هجمة فقط بصورة وقتية ، او كردة فعل ، او انتظار أي تعد او اساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، اذ ان الواجب والمسؤولية الاسلامية تحتمان علينا ان نبادر نحن بالابلاغ ، ونسعى الى الاعلام عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حتى يعلم الناس حقيقة هذا النبي الكريم ، والرسول العظيم الذي ارسله الله رحمة للعالمين وليس فقط للمسلمين ، بل لكل مخلوقات العالم .
فعلينا مثلا ان نلقي الضوء على سيرته العطرة ، وما شهد له الله به ، وما ثبت حتى في الديانات النصرانية واليهودية عن مكانته ودوره وفضله ، وكيف شهد له حتى الأعداء بنبله وأمانته ومروءته ، حتى حكموه في ماشجر بينهم ،  وعلينا ان نلقي نظرات دقيقة وفاحصة على جوانب السيرة النبوية العطرة واختيار الأوقات المناسبة لنشرها والتعبير عنها وان نعرف الآخرين مكانة هذا النبي الكريم ذي القدرالعظيم ، ونخبرهم كيف ان الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سموات قد اختاره ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين ، وبالمؤمنين رؤوف رحيم ، بل وجعله رحمة للعالمين جميعا ، حتى آمن به الانس والجن والحيوان والجماد .. احبوه وخضعوا له ، وكيف  تحققت على يديه تلك المعجزات العظيمة ، وفي مقدمتها القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من لدن حكيم عليم ، وكيف ان هذا القرآن تحدث عن امور علمية لم تظهر الا في القرن العشرين وما بعده ، ، ثم نريهم ان هذا النبي ذو الخلق العظيم وضع اسس التسامح الديني وكان هو قمة في التسامح لأن الله سبحانه وتعالى قد أمره بأن يتحدث حتى الى غير المسلمين بالكلمة الطيبة وبالحسنى : ( وجادلهم بالتي هي احسن ) ، وهو صلى الله عليه وسلم علم اصحابه التسامح مع الآخرين عندما قال : " المسلم من سلم الناس من لسانه ويده " ولم يقل المسلم من سلم المسلمون فقط ، بل كل الناس عامة .
فانظر الى هذا التسامح والتوجيه للأمة بالسماحة والتسامح واحترام الآخر وخاصة اهل الكتاب الذين لايعتدون على المسلمين ولا يسيئون الى الاسلام فجاءت الآية : { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } . ثم جاء الأمر بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة : {  ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }. وعند الحوار او الجدال امر عز وجل ان يكون الحوار والمجادلة بالتي هي احسن : { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . ولا اكراه في الدين : { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، ودعوتهم الى كلمة سواء : {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } وذلك التوجيه الرباني بالهدوء وعدم الغلظة والعفو واللجوء الى المشاورة ثم التوكل على الله : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } .
ثم نأتي الآن الى قضية أخرى من قضايا التسامح ، فهذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام يعلم الصحابة في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو . قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وان ريحها توجد من مسيرة اربعين عاما "   ، وهذا الحديث فيه تحذير بعدم الاعتداء على المعاهد والذمي ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول للصحابة في حديث آخر رواه واثلة بن الاسقع : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قذف ذميا حد يوم القيامة بسياط من نار " قال الأوزاعي فقلت لمكحول : ما أشد مايقال له ؟ قال : يقال له يا ابن الكافر .  .
ثم جاءت الروايات عن عدد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : " الا من ظلم معاهدا او انتقصه او كلفه فوق طاقته او اخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة "  وهذا ابو هريرة يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال :" الا من قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله ، فقد خفر ذمة الله ، ولا يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد مسيرة سبعين خريفا "  
ولاشك ان هذه الصور التي نستعرضها ، والأمور التي ناقشناها توضح بجلاء كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو قدوة هذه الأمة واسوتها يتعامل مع الناس من غير المسلمين ، ويحذر صحابته رضوان الله عليهم من الاعتداء على غير المسلمين او السخرية منهم ، أو تكليفهم فوق طاقتهم ، وهكذا نتبع الأمر الالهي : { لقد كان لكم في رسول ا لله اسوة حسنة } والتسامح سمة من سمات الاسلام من ناحية ، ومنهج سار عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولننظر الى بعض المواقف العظيمة لهذا التسامح كموقفه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ، فقد دخل مكة فاتحا بعدما فعلت قريش ما فعلت وبعد ان غدرت فكان الرسول صلى الله عليه وسلم من المفروض ان يدخل وقد سل سيفه ليهين قريش ولكنه صلى الله عليه وسلم دخل اشد ما يكون تواضعا وكان يمتطي ناقته القصواء مطأطيء الراس تواضعا ، حتى كاد رأسه الشريف ان يلامس ظهر الناقة . ومن ينظر بعمق في تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخوله مكة يحس بأنه علم الدنيا كلها درسا في التواضع الى يوم القيامة ، فقد دخل بهذا الصورة العظيمة من التواضع ، ولم يأمر أحد بالقتال ، بل نبه الجميع بأن لايقاتلوا الا من قاتلهم ، فكان فتحه رحمة وعفوا لأهل مكة ، رغم انه دخلها بجيش لم تشهد له مكة مثيلا من قبل ، جيش عظيم قوي يزيد عدده على  عشرة آلاف مقاتل لا قبل لأهل مكة ولا طاقة لهم به ، لكنه يقول تلك الكلمات العظيمة : " من دخل المسجد فهو آمن ، ومن دخل داره فهو آمن " وأكرم أبا سفيان فجعل من دخل بيته فهو آمن . ولو كان احد غير رسول الله لسالت الدماء انهارا.
ودعونا نلقي النظر على قضية التسامح والتعامل مع الناس والحرص على تكريم النفس البشرية من خلال حادثة الرجل الذي ارتكب الزنا ، وتلك  المرأة العامرية التي رغبت من رسول الله ان يطهرها ، فماذا فعل بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انه قد عتب على ذلك الصحابي الذي خوف الزاني واخبره بخطورة هذا العمل الذي ارتكبه وقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم : " لو سترته بثوبك كان خيرا لك " وحتى عندما جاء اليه الرجل ليعترف حاول ان يجد له العذر فقال له صلى الله عليه وسلم : " لعلك لمست .. لعلك قبلت .. لعلك كذا .. لعلك كذا " وبقي الرجل مصرا على ان يقام عليه الحد 
وكذلك قصة المرأة العامرية التي زنت ، وجاءت الى الرسول صلى الله عليه وسلم ليقيم الحد عليها وكان يعرض عنها ، لكنها اصرت وأقيم عليها الحد ، وسمع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الناس يتكلمون عنها ، فقال في اليوم التالي : " لقد سمعت رجالا ونساءا يتكلمون في المرأة العامرية اما والله لقد تابت توبة لو وزعت على اهل المدينة لكفتهم "
وكذلك قصة الصحابي الذي كان قد ابتلي بشرب الخمر فحده الرسول صلى الله عليه وسلم مرة فمرة فمرة ، فغضب سيدنا عمر رضي الله عنه لما عرف عنه من شدة فقال : اللهم العنه . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاتفعل ياعمر  انه يحب الله ورسوله" . 
ثم تعالوا الآن لننظر الى معاملة الاسلام لأهل الديانات الأخرى ، وكيف كان رسول الله عادلا ومنصفا ورحيما بأهل تلك الديانات كالمسيحية واليهودية الذين لم يعتدوا ولم يحاربوا الاسلام ، ولم يحدث قط ان قام الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجوم على جماعة دينية لمجرد انهم لايعتنقون الاسلام لاجبارهم على اعتناقه ، وانما كانت كل تلك الحروب ضد القوى التي كانت تحارب الاسلام ، واسلوب الدعوة كان واضحا : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ، وايضا يخاطب اهل الديانات الأخرى : { وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }، بل وينظر اليهم بمصداقية حيث يقول تعالى : قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ 

وقد اعطى الاسلام اهل تلك الديانات كامل حقوقهم في المدينة ، ولعل موقف سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الشيخ اليهودي الضرير اكبر دليل على ذلك والقصة حدثت عندما وجد سيدنا عمر رضي الله عنه  شيخا يهوديا ضريرا طاعنا في السن يتكفف على بابا المسجد او في سوق المدينةـ فسأله: ما ألجأك الى هذا؟قال: السن والجزية، فأخذه عمر الى صاحب بيت المال وقال: أكلنا شبيبته، وضيعنا شيبته، وطلب منه ان يفرض له من بيت مال المسلمين، وان يرفع الجزية عنه وعن امثاله، نعم عنه وعن امثاله، فهي ليست مشكلة فردية بل هي مشكلة كل من كانت هذه حالته. ولقد فرض لكل مولود لقيط في الاسلام مائة درهم. أخرج ابن سعد عن شداد قال: أول كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر أن قال: "اللهم إني شديد فليني، وإني ضعيف فقوني، وإني بخيل فسخني" . وأخرج عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان عمر اذا أراد أن ينهى الناس عن شئ تقدم الى أهله فقال: لا أعلمن أحداً وقع في شئ مما نهيت عنه إلا أضعفت عليه العقوبة.وقد ركز الاسلام على النداء بوحدة الاسرة الانسانية والاعلان بأن خير بني الانسان عند الله هو اكثرهم نفعا لهذه الأسرة عملا بقول رسول الاسلام: "الخلق كلهم عيال الله واحبهم اليه انفعهم لعياله" وحرص على ان يمارس الانسان عقيدته بحرية وعدم جواز ممارسة الاكراه فيها عملا بقول القرآن الكريم: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ) وعملا بقوله ايضا: (َأفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ، ونبه الى حرمة العدوان على مال الانسان ودمه في قوله صلى الله عليه وسلم : " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " وقد اوضح سبحانه وتعالى ذلك في الآيات الكريمة :يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَوَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
وهكذا يتضح لكل منصف يتابع الشريعة الاسلامية ومبادئها ، ان التمييز في الحقوق والكرامة مابين انسان وآخر بسبب العرق او الجنس او النسب او المال امر لايقره الاسلام ويتنافى مع مبادئه ، وقد نبهنا رسول الله الى خطورة ذلك في حديثه: "لافضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود الا بالتقوى"  واوضح صلى الله عليه وسلم الى ان : النساء شقائق الرجال" وان لهن من الحقوق مثل ماعليهن الا ما جعل للرجال من حق في رئاسة الأسرة وتحمل مسئولياتها لما بني عليه تكوين الرجال من خصائص تجعلهم في الأصل ارجح في حمل هذه المسئولية الاجتماعية الثقيلة وما هذا في الحقيقة الا عبء ثقيل وضع على عاتق الرجل وحررت منه المرأة من غير ان يكون في ذلك مساس بالكرامة المتساوية وبالحقوق المتساوية وفي ذلك منتهى العدل والابتعاد عن الظلم فيما بين الجنسين. وعدل الله تعالى مع الجنسين يتضح في قصة المرأة المومس التي اصابها عطش فمرت على كلب يأكل الثرى من العطش فقالت: اصاب هذا الكلب ما اصابني فنزعت خمارها وربطت به حذاءها وادلته في البئر ثم سقت الكلب فغفر الله لها فأدخلها الجنة.
والاسلام لايبخس حق ابن آدم حيا كان ام ميتا ، مسلما ام كافر وساوى بين الحاكم والمحكوم والراعي والرعية والغني والفقير والذكور والأناث ، وبين الرؤساء والمرؤوسين قال تعالى : قال تعالى:  ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )وقال صلى الله عليه وسلم: "الناس سواسية كأسنان المشط" وقال ايضا : : " كلكم لآدم وآدم من تراب ، لافضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود الا بالتقوى .
وهناك قصة مشهورة حدثت بين ابن والي مصر عمرو بن العاص وشاب مصري توضح بجلاء موقف الاسلام من هذه القضايا فقد حدث ان اشترك ابن عمرو بن العاص في سباق للخيل ، فسبقه شاب مصري ، فلطم ابن عمرو الفارس المصري ، وقال : خذها وأنا ابن الأكرمين . فصبر المصري حتى تمكن من الرحيل الى المدينة ، والتقى بالخليفة عمر ، وقص عليه القصة ، فأستبقاه الخليفة حتى أرسل في طلب عمرو بن العاص ومعه ابنه ، فلما تأكد من صحة القصة اعطى المصري درته وقال : اضرب ابن الأكرمين ، ثم ضعها على صلعة عمرو فانه ماضربك الا بسلطانه .
ضرب المصري ابن عمرو ، والتفت عمر الى عمرو بن العاص قائلا : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرارا ، ثم اعطى الدرة للمصري وقال له : اضرب عمرو بن العاص ، فقال الشاب : ضربت من ضربني ، ورفض ان يضرب عمرا ، ولسائل ان يسأل لماذا كان يريد عمر الفاروق ضرب عمرو ، وتأتي الاجابة : لأنه شعر ان ابن عمرو لم يعتد الا بسلطان أبيه ، ولو لم يكن أبوه في هذا المنصب لما اجترأ على هذه الفعلة ، انه العدل الذي لايميل قيد انملة .
ان ما يثار من غمز ولمز على حقوق المرأة في الاسلام ما هو الا كلام مغرض يتنافي مع جوهر الاسلام وسماحته في التعامل مع الجميع فالمرأة لها نفس الحقوق بل ربما اكثر في بعض المجالات. قال تعالى :{ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف }فهي في مجال الحقوق العامة متساوية مع الرجل ، فهي مثلا لايتم زواجها حتى تقول قبلت ، اما مسألة المفاضلة فتأتي في مسألة ان : { الرجال قوامون على النساء } ، ونلاحظ الآية انه لم يقل : الذكور قوامون على الأناث ، انما قال الرجال ، والذكورة غير الرجولة . فالرجولة خلق وشهامة ومسؤولية .
اما في مسألة الانفاق فالمرأة تزيد حقوقها في هذا الجانب فالاسلام يطلب من الرجل ان ينفق اذا كان موسرا او حتى قادرا ، ولم يطلب من المرأة ان تنفق وحتى لوكانت المرأة موسرة لما اجبرت على الانفاق ، ومن هنا اعطيت اقل من الرجل في الارث ، ودعونا نرى كيف خاطب الله عز وجل الذكر والأنثى بصورة متساوية حين قال : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا

حتى الطفل في الاسلام له حقه ، فقد حفظ سيدنا عمر بن ا لخطاب رضي الله عنه حق الطفل في الرضاعة ، وكان يصرف له من بيت مال المسلمين ، وكان رضي الله عنه هو وزوجته يتطوعان للمساعدة في توليد النساء الفقيرات .
وكما حفظ الاسلام حق الانسان المسلم ، والطفل ، فانه قد حفظ حق الحيوان والجماد ، هناك قصة مشهورة للجذع الذي كان يتكيء عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اثناء خطبته في الممسجد ، وعندما تغير موضع المنبر حن الجذع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يصرخ من الحنين ، فجاء الرسول فخيره بين ان يبقى مكانه ويكون معه الجنة او يعود الى مكانه السابق في المسجد فاختار ان يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنه . اما الحيوانات فقد حث الاسلام على التعامل معها برحمة وعطف . ودعونا الآن نستعرض عددا من المواقف التي توضح تسامح رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمن فقد نبه رسول الله الى حسن التعامل مع الجار بغض النظر عن عقيدته سواء كان يهوديا او مسيحيا او مسلما ، واوضح الرسول ذلك من خلال موقفه مع جاره اليهودي الذي كان يؤذيه ويقذف بالرفث عند بابه فلما مرض واختفى ذهب وسأل عنه وجاء يوجه الأمة بحقوق الجار ويقول صلى الله عليه وسلم : " ما آمن بي من امسى شبعان وجاره جائع وهو يعلم بذلك "
ولننظر الآن الى موقفه مع بعض اهل الطائف عندما دعاهم الى الاسلام فأبوا وقذفوه بالحجارة وجاءه ملك الجبال وعرض عليه ان يطبق عليهم الأخشبين فأبى عليه الصلاة والسلام من تسامحه وفضله وقال تلك المقولة المشهورة : " لعله يظهر من اصلابهم من يشهد ان لا لاله الا الله وان محمدا رسول الله "
ثم موقفه من صفوان بن امية الذي استأجر من يقتل النبي صلى الله عليه وسلم ولما كان  يوم الفتح خرج وهو من سادات قريش يريد جدة ، ليركب البحر الى اليمن ، جاء عمير بن وهب الى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له :يانبي الله ان صفوان بن أمية سيد قومه ، وقد خرج هاربا منك ليقذف بنفسه في ا لبحر ، فأمنه صلى الله عليك .قال صلوات الله وسلامه عليه : هو آمن .قال عمير يارسول الله فأعطني آية يعرف بها أمانكاعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة ، فخرج عمير حتى ادركه وهو يهم بركوب البحر فقال :ياصفوان فداك أبي وأمي .. الله الله في نفسك ان تهلكها . هذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به .قال صفوان : ويحك .. اغرب عني فلا تكلمنيقال عمير : أي صفوان فداك أبي وأمي . أفضل  الناس ، وأبر الناس ، وأحلم الناس ، ابن عمك عزه عزك وشرفه شرفك ، وملكه ملكك.قال صفوان : اني اخاف على نفسي .قال عمير : هو أحلم من ذلك وأكرم .رجع صفوان مع عمير الى مكة حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صفوان : ان هذا يزعم انك أمنتني ؟ قال صلوات الله وسلامه عليه : صدق .قال صفوان : فاجعلني فيه بالخيار شهرين .قال صلوات الله وسلامه عليه : انت بالخيار اربعة اشهر .هكذا كان حلمه صلى الله عليه وسلم على اعدائه ، وعفوه عنهم ، يعطيهم ضعف مايطلبون ، ويمد لهم رواق الرحمة والعفو ، وقد كانوا أشد الأعداء ، وألد الخصوم .

وقد اجاز النبي صلى الله عليه وسلم اجارة ام هانيء لأحمائها حيث روى ابن اسحق عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب ، أن أم هانيء بنت أبي طالب قالت : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فر الي رجلان من أحمائي من بني مخزوم ، وكانت عند هبيرة المخزومي .فدخل علي علي بن أبي طالب أخي فقال : والله لأقتلنهما . فأغلقت عليهما باب بيتي . ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة ، فوجدته يغتسل من جفنة ان فيها أثر العجين ، وفاطمة ابنته تستره ، فلما اغتسل أخذ ثوبه ، فتوشح به ، ثم صلى ثماني ركعات من الضحى ، ثم انصرف الي فقال :مرحبا وأهلا يا أم هانيء . ما جاء بك ؟فأخبرته خبر الرجلين ، وخبر علي .فقال : قد أجرنا من أجرت يا أم هانيء  ، وأمنا من أمنت فلا يقتلهما.يقول ابن هشام عن الرجلين هما الحارث بن هشام ، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة .
 ولقد تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نصارى الحبشة باحسن مايكون من تعامل ، وكرم شديد ، فقد انزلهم في مسجده ، واصر على خدمتهم بنفسه وأذن لهم بالاحتفال بعيدهم في المسجد ، وعندما جاء نصارى نجران الى المدينة، أكرمهم النبي صلى الله عليه وسلم ، واستأذنوه ان يصلوا صلاتهم في مسجده ، فأذن لهم ، ولما عرض عليهم الاسلام أبوا ، فدعاهم الى المباهلة ، وخرج الرسول ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين ، واقبلوا هم بصلبانهم ، وطيالسهم ، فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته قال بعضهم لبعض ، هذه وجوه لو اقسمت على الله لأبرها ، وما باهل قوم نبيهم الا هلكوا ، وعرضوا الصلح على النبي ، وان يبقوا على دينهم ، فقبل مصالحتهم على ما شرطوه .
لقد كان موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبة غاية في  التسامح والمعاملة بالحسني والحكمة ، وقد فتح بذلك الباب للقبائل للدخول في دين الله وكان الصلح بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين سهيل بن عمرو موفد قريشا نموذجا رائعا وقدوة عظيمة فقد . دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ليكتب شروط الصلح .قال صلى الله عليه وسلم لعلي اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم .قال سهيل : لا أعرف هذا ولكن اكتب : باسمك اللهم .فقال صلى الله عليه وسلم لعلي أكتب : باسمك اللهم ، فكتب على كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم .ثم قال صلى الله عليه وسلم لعلي اكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو .قال سهيل : لو شهدت انك رسول الله ما قاتلتك ، ولكن اسمك واسم ابيك .قال صلى الله عليه وسلم لعلي اكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو : اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين ، يأمن فيها الناس ، ويكف بعضهم عن بعض ، على انه من أتى محمدا من قريش بغير اذن وليه رده عليهم . ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يرده عليه . وان بيننا عيبة مكفوفة ، وان لا اسلام ( الرقة الخفية ) ولا اغلال ( الخيانة ) ، وان من احب ان يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ، ومن احب ان يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : على ان تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به .فقال سهيل : لاتتحدث العرب انا اخذنا ضغطة ، ولكن ذلك من العام المقبل . فقبل صلوات الله وسلامه عليه ذلك وكتبه علي .
وكان المسلمون يعجبون من سعة صدر النبي صلى الله عليه وسلم وحلمه وموافقته لكل ما طلبه ويطلبه سهيل .ولما كان سهيل يقول اكتب باسمك اللهم ، يقول المسلمون : والله لا نكتب الا باسم الله الرحمن الرحيم .ولما كان سهيل يقول : اكتب محمد بن عبد الله بدل محمد رسول الله ، فأبى علي ان يمحوها ، فأمره صلى الله عليه وسل ان يمحوها ، فأبى فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم ومحاها بيده . وقال لسيدنا علي : " سوف تسام بمثلها فتفعل "ولما قال سهيل الشرط الأخير : من أتى محمدا رده ، ومن أتى قريشا لم يردوه غضب المسلمون ، فقال صلى الله عليه وسلم ، من ذهب منا اليهم فلا رده الله
وقد رفض رسول الله التمثيل به بعد ان وقع في الأسر عندما طلب سيدنا عمر بن الخطاب نزع ثنيته فلا يقوم خطيبا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أمثل به فيمثل الله بي ولو كنت نبيا " ، وكان موقفه عظيما يوم ترك الثأر لعمه حمزة بن عبد المطلب ، وقبل اسلام هند ،  وقبل الصلح مع كل من عرض الصلح وقام بمنع سب من ماتوا على الكفر حتى لايؤذي من اسلم من اهليهم . وصلى على ابن أبي رغم مراجعة عمر فقال له : " لقد خيرت فأخترت " مشيرا الى الآية : { استغفر او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } فقال والله لو اعلم اني لو زدت على السبعين غفر لهم لزدت " 
اما اقباط مصر فقد اوصى النبي صلى الله عليه وسلم بهم خيرا فقال يوصي اصحابه : " اذا افتتحتم مصر فأحسنوا اليهم فان لنا معهم نسبا وصهرا " والمقصود ان هاجر بنت الملك الجبار في مصر زوجة ابراهيم وأم اسماعيل ، فهاجر أم العرب ، واسماعيل أبو العرب ، فهذا النسب ، ومارية القبطية مصرية ، وهذا الصهر هي ام سيدنا ابراهيم ابن محمد رسول الله الذي مات طفلا ، ,قال عنه : " العين تدمع ، والقلب يخشع ، وانا على فراقك يا ابراهيم لمحزونون  .
كذلك علم رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابه كيف تكون اخلاق المسلم في المعارك مع غير المسلمين فقد مر رسول اله ذات يوم فرأى الناس يزدحمون على امرأة من المشركين قتلها خالد بن الوليد رضي الله عنه ، فقال صلى الله عليه وسلم لبعض من معه : " ادرك خالدا فقل له : ان رسول الله ينهاك عن ان تقتل وليدا او امرأة او عسيفا او اجيرا او عبدا او مستعانا به "
وكان صلى الله عليه وسلم يوصي بالأسرى خيرا ، ونزلت الآيات الكريمة تعظم من يطعم الأسير في سورة الدهر :  ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ) وامر صلى الله عليه وسلم بالاحسان الى كل نفس حية حيوان او انسان فقال : " في كل كبد رطبة أجر "
وقد ابقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على من صالحوه من يهود خيبر على ان يزرعوا ولهم نصف الثمار، وكان عادلا معهم فقد كانوا يقسمون الثمار الى نصفين متساويين واليهود يختارون . قال صلى الله عليه وسلم : " مازلتم منصورين على عدوكم مالم تظلموا اهل ذمتكم "
وقد حرص الصحابة رضوان الله عليهم على نهج نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعاملهم مع غير المسلمين والتعامل معهم بالحسني والتسامح ، فعندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان جيش اسامة يقف خارج المدينة خرج اليهم سيدنا ابوبكر الصديق رضي الله عنه يذكرهم بتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم واخلاقيات المسلم في القتال ، فذكرهم انفاذا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم :لاتخونوا ، ولا تغدروا ، ولاتغلوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلا ولا شيخا كبيرا ، ولا تعزقوا نخلا ولا تحرقوه ، واذا مررتم بقوم فرغوا انفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا له ، واذا قرب اليكم الطعام فاذكروا اسم الله ، يا أسامة اصدع ما أمرك نبي الله ببلاد قضاعة ، ثم انت ماض ولا تقصر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ودعه من الجرف ورجع( الجرف موضع قرب المدينة ).
وقصة سيدنا علي وتسامحه وهو يقاتل مشركا فلما كاد ان يقتله بصق المشرك في وجهه فرفع سيدنا علي عنه السيف ، فسأله لم رفعت سيفك وقد كدت ان تقتلني ، فقال علي كنت سأقتلك غضبا لله ، فلما بصقت في وجهي خفت ان اقتلك غضبا لنفسي فكففت عن ذلك ، وهذا علي ابن ابي طالب الذي رباه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورعته السيدة الكريمة خديجة بنت خويلد ام المؤمنين رضي الله عنها ونشأ في بيتها .
وعندما قدم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى القدس ، رفض الصلاة في كنيسة القدس رغم اذن " صفرنيوس " راعيها له ، وذلك حتى لا يأتي المسلمون فيجعلوها مصلى وصلى بخارجها فيما يسمى الآن بمسجد عمر . وقام بتأمين غير المسلمين فيها على كنائسهم وصلبانهم وانفسهم وأموالهم واهليهم وجاء ذلك في العهدة العمرية لأهل القدس كما يلي :
هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حبرها، ولا من صليبهم ولا من شئ من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بايلياء معهم أحد من اليهود. وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ماعلى أهل إيلياء من الجزية. ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلى بيعهم وصلبهم فانهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وعلى صُلُبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض (قبل مقتل قلان) فمن شاء منهم فعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شئ حتى يحصد حصادهم، وعلى ما فى هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذى عليهم من الجزية، شهد على ذلك:خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبى سفيان ـ وكتب وحضر سنة 15هـ.
وسيدنا عمر كان أول فاتح يدخلها ويعطى الأمان لأهلها: فمن قبله دخلها بخُتَنصَّر ودمرها ـ ثم دمرها طيطوس عام 70م ومن بعد عمر دخلها قائد الصليبيين (غودو فرواد يبوى) فقتل تسعين ألفا من أهلها المسلمين.
ولعل المواقف التي تدل على عدل جيوش المسلمين ، ماحدث من  حكم قاضي الجيش الاسلامي على جيش المسلمين بالخروج من سمرقند عندما اشتكى اهلها الى عمر بن عبد العزيز بأنهم دخلوا دون ان يدعوهم او ينذروهم ، فأجلس لهم قاضي الجيش الذي أمر بانسحاب الجيش من سمرقند ، وان لايدخلوها الا بعد الدعوة والانذار ، فلما رأى اهل سمرقند ذلك العدل والحلم من المسلمين وخليفتهم وقوادهم وجندهم وقاضيهم اعلنوا رضاهم ببقاء الجيش ، وقالوا ما رأينا مثل هذا ابدا.
وكذلك قصة خالد بن الوليد عندما فتح الشام واحتل حمص اخذ الجزية من اهلها ، فلما اقتضت الظروف العسكرية بالانسحاب منها تأمينا للجيش رد خالد الجزية الى اهل حمص قبل خروجه بجيشه وقال لهم انما اخذنا الجزية مقابل دفاعنا عنكم وحمايتكم ( بدل جندي ) فاذا انسحبنا الآن فلن نقوم بهذا الأمر ( حمايتكم والدفاع عنكم ) فخذوا مالكم ودافعوا عن انفسكم حتى اذا فرغنا من عدونا عدنا اليكم ووفينا عهدنا معكم ، فتعجب نصارى حمص وقالوا ماعهدنا فاتحا يرد المال ويفي بالعهد الا انتم ، ابقوا الأموال عندكم واستعينوا بها على عدوكم ثم عودوا الينا سالمين .والقرآن يوجب الامان لغير المسلم حتى نبلغه المكان الذي يأمن فيه على نفسه وذلك لقوله تعالى : وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ.
ومن ابلغ تلك المواقف التي تشهد لجيوش الاسلام وقادته في تعاملهم مع غير المسلمين موقف صلاح الدين الأيوبي عندما ادى الفدية عن فقراء الصليبيين وذهابه بنفسه متخفيا ليعالج عدوه الملك : " ريتشارد قلب الأسد " 
وختاما فهذه لمحات وصور مشرقة ، من تسامح رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كل ماحوله من انس وجن ، ومسلم ومسيحي ويهودي ، وعطفه وحلمه حتى مع الحيوان والنبات والجماد ، فقد ربى صحابته الكرام على ذلك ، فليتنا نؤدي الواجب المفروض علينا من الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومجادلة غير المسلمين من اهل المغرب او المشرق بالتي هي احسن ، واعطائهم نماذج من هذه الصور ليعلموا من هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانه النبي الكريم ، والرسول العظيم ، والانسان الذي ادبه ربه واكرمه وكرمه وشهد له بالخلق العظيم .
والله الموفق وهو الهادي الى سواء السبيل ،، 

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب