شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

أهل الكتاب كانوا يعلمون ببعثته صلى الله عليه وسلم ، ويعلمون انه رسول الله ، وان الله تعاله باعثه ، ولكنهم كانوا ينكرون الحق وهم عارفون بن متيقنون منه وقد قال الله تعالى في حقهم : { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عفوا كفروا به }

 بأبي انت وأمي يارسول الله

الأيتام.. والذكريات ..وصدى السنين الخوالى

د. محمد عبده يمانـي 

ما أجمل أن نعود الى الذكريات القديمة والأيام الخوالى ونذكر بالفضل أولئك الرجال الذين عملوا برجولة ووطنية وصدق وإيمان من أجل هذا الوطن العزيز ومن أجل الأخذ بيد الضعفاء والفقراء ولقد شعرت بإعتزاز شديد وأنا أطالع سجل شرف لأول مجهود تم فيه إنشاء دار الأيتام بمكة المكرمة.. وقد قام مجموعة من الرجال المخلصين بإنشاء هذه الدار لوجه الله تعالى وقد ضمت مجموعة من الأيتام الفقراء وقامت بخدمات جليلة لوجه الله تعالى.. ثم لخدمة أطفال هذا الوطن.. وقد فتحت أبوابها عام 1355هـ فى أول الأمر فى بيت صغير تم إستئجاره لإيواء هؤلاء الأطفال والذين بدأ المسئولون فى الدار يجمعونهم من الأسواق وخاصة الأطفال المشردين ويقومون بدراسة حالتهم وخاصة من فقد أبويه ولا عائل له وليس له من يكفله فكانت هذه النواه الأولى.
وقد ورد بالكتاب أن صاحب فكرة تأسيس الدار هو المرحوم مهدى بك المصلح مدير الأمن العام فى ذلك الوقت فلقد كان رحمه الله أول من فكر فيها وعمل على إخراجها إلى حيز الوجود فاستصدر إذنا من حكومة حضرة صاحب الجلالة بتأسيسها. وعندما حمل البشرى إلى مساعده فى العمل آنذاك العقيد على جميل وجد منه حماساً كما لقى منه كل معاونة ومؤازرة.
وبذل الرجلان متكاتفين أقصى مالديهما من جهد وتضحيات في سبيل النهوض بهذا العمل الخيرى الجبار الذى لم يكن الطريق أمامه مفروشاً بالرياحين والأزهار وأخذا على عاتقيهما السير به قدماً غير آبهين بما يعترض طريقهما من مصاعب مادية ومعنوية يهون عليهما كل ذلك أنهما كانا يؤديان خدمة جليلة لله ثم للوطن حتى أثمر عملهما وفتحت الدار أبوابها فى مستهل شهر شوال من عام 1355هـ فى بيت صغير استؤجر لهذا الغرض.
وراح السيد على جميل يجوب الأسواق بحثاً عن الأطفال المشردين ثم يدرس حالات من يجده منهم وقد فقد أبويه ولا عائل له أو من يكفله فيلحقه بالدار.
وهكذا كانت النواة الأولى للدار.. أطفال يزيد عددهم قليلاً عن الخمسين، تتراوح أعمارهم بين الثامنة والثانية عشرة.
وأشار السجل الفضى للدار أن الملك عبد العزيز أسكنه الله فسيح جناته ـ كما يعلم الجميع ـ كان سباقاً إلى فعل الخيرات فهو أول من مدَ يد المعونة الى هذه الدار وشملها برعايته السامية. وظل رحمه الله يغدق عليها فى كل مناسبة ويوالى عطفه عليها حتى أتاح لها أن تثمر خير ما يرجى لدار كهذه من ثمار قيمة. وكان هذا دأبه حتى توفاه الله فقام من بعده خليفته حضرة صاحب الجلالة الملك سعود الأول المعظم، يحبوها بعطفه ورعايته الأبوية، ويسدى اليها معونته المادية والأدبية، حتى كان لهذه الدار خير عزاء لها فى مصابها الجلل وفقيدها العظيم. وكان لهذا أحسن الأثر وأبقاه وأقواه فى نفوس أبناء الدار وفى نفس كل من يحب الخير .
ونجحت الفكرة وقوبل إخراجها إلى حيز الوجود بصدى محمود فى نفوس المواطنين، فأخذوا يتسابقون فى سبيل إمدادها بالعون المادى حتى قوى عودها ونما جذعها واشتد جذرها ثم كان هناك من المال ما يكفى لبناء دار كبيرة ينقل اليها أبناؤها.
وبعد دراسات هندسية تمهيدية أخذ بأحسن ما قدم من مخططات وفرغ من بناء طابقين من الدار فافتتحه بعد حج عام 1357هـ الملك الراحل تغمده الله برحمته فى إحتفال جميل جليل دعى إليه عدد كبير من الشخصيات البارزة من أبناء الوطن وكبار الوافدين إلى بيت الله الحرام عامئذ.
وازداد عدد الطلبة من الأيتام وضاقت بهم الدار ذات الطابقين ففكر المسئولون عن الدار فى بناء طابق ثالث حتى يفي بالحاجة الملحة ويجابه الضغط المتزايد عليها فكان لهم ما أرادوا بإذن الله ثم بالمساعدات المالية السخية التى تبرع بها المرحوم الملك عبد العزيز وجلالة الملك سعود وكان لايزال وليا للعهد وصاحب السمو الملكى الأمير فيصل والأخيار من أبناء هذا الشعب الذين رزقهم الله بسطة فى الرزق وفى مقدمتهم معالى الشيخ عبد الله السليمان ومعالى الشيخ محمد سرور الصبان جزاهم الله جميعا عن الدار خير الجزاء. 
وكان من الواجب تشكيل هيئة تشرف على هذه المؤسسة إدارياً ولقد تم ذلك وبرز إلى حيز الوجود فى عام 1356هـ.. كما شكلت فى نفس العام هيئة أخرى سميت بالهيئة التعليمية وروعى أن يكون قوام الهيئتين رجال أكفاء من رجالات البلد عرفوا بحسن السيرة وإنكار الذات.
وألفت الهيئة الإدارية أول ما ألفت فى عام 1356هـ من:-  مهدى بك المصلح         ـ رئيساً الشيخ محمد سرور الصبان ـ عضواً السيد محمد شطا ـ عضواً العقيد على جميل ـ عضواً الأستاذ عبد الوهاب أشى ـ عضواً الأستاذ عبد القادر أبو الخير ـ عضواً وقد ورد بالسجل الفضى أن هذه الهيئة قامت بما عهد إليها من عمل خير قيام وكانت فترتها من أصعب الفترات ذلك لأن الدار كانت فى طور التأسيس والذى يجب أن نسجله هنا لهذه الهيئة بمداد من الفخر هو أنها هى التى وضعت للمؤسسة نظامها الثابت الذى لايزال قائما حتى الآن.
وظلت الهيئة حتى نهاية عام 1366هـ وفى مطلع عام 1367هـ شكل مجلس إدارى عال حل محل الهيئة الإدارية من حضرات السادة:
الرئيس: معالى الشيخ محمد سرور الصبان. نائب الرئيس: سعادة اللواء على جميل. الأعضاء: سعادة الشيخ صالح قزار. سعادة المرحوم الشيخ عبد الله باحمدين. سعادة المرحوم الشيخ محمد لبنى.
وبقى هذا المجلس الأعلى للدار قائما حتى عام 1374هـ حيث أعيد تشكيله مرة ثانية من حضرات السادة: الرئيس: سعادة اللواء على بك جميل. الاعضاء:سعادة الأستاذ محمد سعيد العامود ىـ رئيس تحرير مجلة الحج.سعادة الأستاذ أحمد محمد جمال ـ عضو مجلس الشورى.سعادة الأستاذ فؤاد رضا ـ عضو مجلس الشورى.سعادة الأستاذ محمد فدا ـ مدير منطقة الطائف التعليمية. وكان هذا بموافقة حضرة صاحب السمو الملكى رئيس مجلس الوزراء المعظم. 
وسبحان الله كيف وقف مجموعة من الرجال خلف هذه الفكرة وبدأوا دعمها أمثال الأمير عبد الله الفيصل والشيخ عبد الله السليمان وزير المالية فى ذلك الوقت والشيخ محمد سرور الصبان وكان وزيراً للمالية بعد ذلك.
وفى عام 1355هـ شكلت هيئة التعليم وأسندت إدارة الدار الى الشيخ جمال كتوعه رحمه الله تساعده نخبة ممتازة ممن لهم خبرة فى التدريس. ثم تعاقب على إدارة الدار كل من: الأستاذ عمر رفيع الأستاذ عبد الله خوجه. الأستاذ عمر عبد الجبار. الأستاذ عبد القادر أبو الخير. الأستاذ طلعت على جميل. الأستاذ محمود قارى.
أما الذين تولوا إدارة التعليم وأسهموا فى رفع مستواه فهم السادة: الأستاذ محمد على قطب. الأستاذ على عوض. الأستاذ عبد الفتاح خياط. الأستاذ عبد المالك الطرابلسى. الأستاذ عبد الله فدا رحمه الله. الأستاذ زبير رفاعى. وكان موظفوا الدار يتكونون من:قسم المحاسبة:1. رئيس المحاسبة العامة : الأستاذ عبد القادر أبو الخير.2. أمين الصندوق: السيد محمد العلمى.3. كاتب المحاسبة بالوكالة: السيد صالح صخيرى.الإدارة:1. المدير: الأستاذ محمود قارى.2. المعاون: الأستاذ صالح صخيرى.3. كاتب: الأستاذ صديق سندى.قسم المستودع:1. المأمور: الأستاذ عبد الرزاق سندى.2. الكاتب: الأستاذ على باشماخ.3. مأمور المشتريات: الاستاذ محمد عبد الله خميس.قسم الدراسة:المدرسون:1. مدير الدراسة الأستاذ زبير الرفاعى.2. مدرس الأستاذ خالد عبده.3. مدرس الأستاذ محمد موسى.4. مدرس الأستاذ حسين عبد المجيد.5. مدرس الأستاذ محمد محى الدين.6. مدرس الأستاذ باشا ناجى.7. مدرس الأستاذ محمد عطيه الفرا.8. مدرس الرياضة الأستاذ السيد على طلبه.9. مدرس الآلات الناسخة محمد عبد الله خميس.قسم المراقبة:1. مراقب الأعمال العامة الشيخ صالح بن حامد.2. المساعد الشيخ على هزاع.وفى الدار عشرة مراقبين دوريين يتناوبون المراقبة ليلا ونهارا.قسم الطهو:1. الطاهى:   صديق أحمد مغربى.2. المعاون:   عبد الكريم شرف الدين.3. مراقب الطهو:  عبد القادر عبد الله.قسم الغسيل والكى:غسال وكواء: إسماعيل حافظ.غسال وكواء: سليمان نوفل.وهناك سبعة موظفين آخرين يقومون بالنظافة والفراشة والصيانة .وقد أشار السجل الفضى للدار أن المنهج الدراسي للمؤسسة قد وضع على أساس يتفق ومنهج وزارة المعارف والغرض من ذلك هو تمكين الطلبة الذين يتخرجون من هذه الدار من الجلوس مع زملائهم خريجى السنة السادسة من المدارس الحكومية فى الإمتحانات ويحسن بنا أن نوضح أن المواد التى تدرس فى الدار هى:القرآن الكريم.التجويد.الفقه.التوحيد.الحديث.المحفوظات.الإنشاء.التاريخ.الحساب.الخط.الإملاء.الجغرافيا.القواعد وتشمل النحو والصرف.الهندسة.الرياضة البدنية .وتخرج من المدرسة عشرات الطلاب وأخذوا يساهمون فى نهضة هذا الوطن وكتب عنهم الأستاذ أحمد ابراهيم الغزاوى مساعد جلالة الملك ونائب رئيس مجلس الشورى فى ذلك الوقت فقال:
"إن اليتيم مكفول برعاية الله وعونه وعنايته ـ وهذا أفضل الخلق وسيد أبناء آدم وحواء (محمد بن عبد الله) صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. وهو من علو مكانته ورفعة شأنه (رسول رب العالمين) إنما نشأ (يتيما) وقد من الله عليه بالإصفطاء.. قال تعالى: "ألم يجدك يتيما فآوى" فكل من كان على هذه الصفة من أمته أواه الله وهداه وأغناه.. وما كان اليتيم إلا بوتقة ينصهر فيها الرجال الأفذاذ.. ويتميز منهم المتفوقون فى كل ميدان.. والمجلون عند كل سباق.
وبعد: فإنى لاجد نفسى تحفزنى إلى الإعتراف بالفضل لأولئك الذين وفقهم الله لهذا العمل الطيب المفيد.. وأعانهم عليه.. وقر عيونهم بما بذلوا فيه جهودهم وأموالهم وسهروا عليه الليالى الطوال واحتملوا بسببه شتى المتاعب وحمدوا سراهم.. وعوض الله صبرهم.. وضاعف أجرهم.. فجمع الله لهم بذلك بين الثواب المضاعف.. والإنتاج المبارك.. والشكر المخلد من كل من لايبخس الناس أشياءهم. وعلى رأسهم وفى طليعتهم جلالة الملك الراحل طيب الذكر عبد العزيز وخليفته البار جلالة الملك سعود المفدى وحضرة صاحب السمو الملكى ولى العهد المحبوب.
إن تاريخ إنشاء هذه الدار.. وبنائها.. وتطورها وتقدمها من شأن القائمين عليها عرضة فى مختلف أدواره فى هذه المناسبة الكريمة. ليعلم الشعب قاطبة المدى الذى بلغته خلال هذه الحقبة القصيرة من الزمن بفضل ماتوفر لها من رعاية وعناية عظيمتين من كبار المسئولين الغيورين الذين كرسوا لها من أوقاتهم وضحوا من راحتهم وابتغوا بذلك قبل كل شئ وجه الله الذى لايضيع أجر من أحسن عملا: ومن الحق على كل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحرص على تعضيد وتشجيع هذه المؤسسة الكريمة ماوسعه الجهد وأمكنته المساعدة.
وإنى كمواطن ـ لازف التهانى الخالصة الى كل من يهمه أمرها ويسره تقدمها بما أتمه الله بين صفوفها من إعداد وإستعداد.. وما تلقنه فيها أبناؤها من علوم وفنون.. وما تحلوا به من أخلاق كريمة وصفات مستقيمة وبما برهنوا عليه من كفاءات ومؤهلات تمتاز بالرجولة والبطولة فى كل عمل زاوله الخريجون من هذه الدار العظيمة.
وأدعوا الله مخلصاً أن يبارك فى مساعيهم وأن يتولى حسن جزائهم، ولا أريد أن أسمى أحدا رغبة فى الإبقاء على العمل البار الصالح بعيدا عن الشوائب الخاصة، فإن الله الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور لكفيل بمثوبة وإعانة كل مصلح.. وكل محسن.. وكل مشجع على الخير والبر والتقوى. سواء فى هذه الدار أو مثيلاتها التى عممت بشتى أنحاء ".
كما كتب عنهم الأستاذ عبد القدوس الأنصارى صاحب مجلة المنهل الغراء فقال: "ودار الأيتام الخيرية بمكة المكرمة أذكر إرهاصات إنشائها، وأتذكر ذلك الرجل الوطنى المخلص الذى قام مباشرة بتراتيب إنشائها وقام بعد ذلك بإعباء تنظيمها وتوسعتها وتصنيعها وقام فى همة لاتعرف الكلل بترقية مستواها حتى أخرجت عشرات المثقفين وعشرات من ضباط الأمن الذين أسهموا فى رفع راية الوطن بالمساهمة فى أعمال تدعيم دعائم الأمن والإستقرار فى أرجاء المملكة.. أعرف ذلك الرجل العامل الدؤوب الذى كان ومازال إحدى دعائم نهضة الوطن السعودى فى شتى المجالات بما عرف عن نشاطه وبما عرف عن وطنيته وبما عرف عن إخلاصه وبما عرف عن حرصه على تقدم مرافق البلاد، ومساهمته فى كل تقدم يراد.
ذلك الرجل المخلص العامل الذى أسس فعلا دار الأيتام ورعاها، ضابطا كبيرا فى الأمن العام ثم مديرا عام للأمن العام، ثم عضوا محترما فى مجلس الشورى، ثم رئيسا لديوان التشريفات الملكية.. إنه سعادة اللواء على جميل.
رحم الله الرجال الذين ساهموا فى إنشاء ورعاية هذه الدار وجزاهم الله خير الجزاء على كل جهد قاموا به.وأحيي مع بطلى الدار، أساتذتها ومديريها وموظفيها، وأحيى معهم مجلس إداراتها، وكل من شارك فى أداء مهمتها بالمال أو بغير المال.. وأذكر فيمن أذكر بصفة خاصة ذلك المواطن العامـل الأستاذ عبد القادر أبو الخير الذى عايش الدار وثبت فى إدارة أعمالها وتسيير دفتها بتوجيهات سعادة اللواء على جميل وبإشرافه وبتقديره أمدا مديدا، برغم ما يتحمله من متاعب وما يقوم به من أعمال، وأننا نرجو للدار الإزدهار ونرجو أن تستمر حتى تحتفى ونحتفى معها بيوبيلها الذهبى.. إن الله على كل شئ قدير ".
كما كتب عنها الأستاذ محمد سعيد العامودى مدير مجلة الحج ونائب رئيس المجلس الإدارى الأعلى لدار الأيتام فى ذلك الوقت وقال:
"كانت دار الأيتام الخيرية بمكة المكرمة أول دار أقيمت بهذه المملكةـ بعد دار أيتام المدينة المنورة ـ إذ تم إنشاؤها فى عام (1355هـ) وحازت من عطف جلالة المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود وما ظل يسديه إليها من مزيد عنايته بها، ما أتاح لها الثبات والاستقرار.
ونفس العطف، ونفس العناية، مازالت تحظى بهما هذه الدار من جلالة الملك سعود المعظم. وولى عهده المحبوب سمو الأمير فيصل رئيس مجلس الوزراء كما لاقت من تشجيع الخيرين من أهل البلاد ماجعل أثرها ينمو ويزداد على مر السنين والأيام.
وللرجل الطيب الذكر المرحوم (مهدى المصلح) رئيسها السابق فضل كبير فى تأسيس هذه الدار والعمل على تقويتها وتدعيمها، ولرفيقه فى هذا العمل الطيب المبرور سيادة اللواء على جميل ـ رئيسها حاليا ـ جهود مباركة ملموسة فى هذا المضمار يعرفها له الخاص والعام. وما يزال اللواء على جميل يوليها من هذه الجهود العظيمة ماهو خليق أن يزيد من إمكانياتها ويجعلها أوسع مجالا، وأبعد أثرا حاليا ومستقبلا باذن الله.
ولقد قامت الدار منذ العام الأول لإنشائها حتى اليوم بمهمتها على خير وجه وأصبح المتخرجون منها فى مقدمة أبناء البلاد العاملين.. ممن يفخر ويعتز بهم الجميع.
والتعليم فى هذه الدار يسير وفقا لمناهج وزارة المعارف فى المرحلة الإبتدائية ومما يدعو الى الإغتباط أن جميع تقارير المختصين أثبتت أن مستوى طلابها جيد وهو أمر يستحق بلا شك التسجيل والتنويه. وبعد: فلا يسعنى فى هذه الكلمة إلا أن أدعو الله من الأعماق أن يزيد من توفيقه ومن عونه للقائمين على هذا الدارـ وأن يجزى خيرا ـ كل من أسدى إليها خيرا وكل ما يأمله المخلصون ويرجونه لها أن تقوى إمكانياتها المادية شيئا فشيئا، لتستطيع أن تؤدى مهمتها الإنسانية والوطنية فى أوسع نطاق والى أقصى الحدود ".
كما كتب عنهم الأستاذ محمد فدا عضو المجلس الأعلى للدار فى ذلك الوقت وقال:-
"ماذا أقول عن هذه الدار التى أخذت على عاتقها تحقيق مبدأ من أسمى المبادئ الإنسانية التى رفدتنا بها رسالة السماء. ماذا أقول وقد تحدث المبرزون عن هذه الغرسة الكريمة التى تمت وترعرعت وزكت وآتت أكلها ضعفين ومدت ظلالها الوارفة لتقى اليتيم لفح حياته وتكون منه رجلا يعوض يتمه بالتفوق. إن هذه الدار ما زالت كما أراد لها مؤسسها الفذ (مهدى بك المصلح) تقوم بهذه الرسالة الانسانية النبيلة وما زال المشرفون عليها وفى مقدمتهم صاحب السعادة اللواء على بك جميل يسعون ماوسعهم الجهد ليقدموا للوطن والأمة من هؤلاء الأيتام شبابا صالحا يعرف معنى الواجب عليه نحو دينه ووطنه. وتعال معى أيها المواطن الكريم فى جولة قصيرة بين المصالح الحكومية المختلفة لنرى معا خريجى هذه الدار وهم يعملون فى مختلف أقسامها بأمانة وإخلاص لايريمون ولا يتخاذلون. ويكفى هذه الدار فخرا أنها ظلت خلال الخمسة والعشرين عاما المنصرمة شامخة كالطود تتكسر الأمواج على إثباجها وهى كالمنار تبعث النور هاديا. أما وقد قمت بأداء بعض الواجب كعضو من أعضاء مجلس إدارة هذه الدار طوال عامين فإننى أود مخلصا أن تزداد أعوام الدراسة فيها فلا تقتصر على الدراسة الإبتدائية بل يعمل المسئولون فيها على إيجاد أقسام تدرس فيها بعض الصناعات الخفيفة فما أحوج بلادنا إلى مثل هذا النوع من الصناعات، وبذلك يجد هؤلاء الأيتام مجالا متسعا تبرز فيه مواهبهم التى قد يغمرها القبوع خلف المكاتب فى أعمال روتينية ما أغنانا عنها ونحن فى عصر تفخر فيه الدول بصناعاتها ورقيها وبذلك نستطيع أن نقطع شوطا كبيرا فى التقدم الصناعى والمهنى وأول الغيث قطر ثم ينهمر. "
وقد قام بالتدريس فى هذه الدار الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار صاحب ورئيس تحرير جريدة عكاظ فى ذلك الوقت وكتب عنها فقال:-
"منذ عشرين سنة وأكثر كنت مدرساً فى دار الايتام، علاوة على وظيفتى بإدارة الأمن العام، وكان الدرس الذى ألقيه على الطلبة درسا غريبا إنقطع بإنقطاعى عنه، ولم أقم به إلا شهرين ثم تركته، لأن الوقت الذى كان يشغله هذا الدرس هو نصف ساعة تبدأ من الساعة العاشرة والنصف حتى الحادية عشرة. أما الدرس نفسه فهو "ثقافة عامة" قصص أو حوادث أو فكاهة أو أى شئ يحضرنى. وكان الطلبة كثيرى الشقاء والفوضى كعادة الطلبة جميعا، وكان على أن ألقى درسى على كل طلبة دار الأيتام ـ وعددهم مائة وستون ـ وما كادوا يجتمعون حتى علا ضجيجهم وكثر صخبهم، فلم أمنعهم ولم أطلب اليهم الصمت والهدوء، بل دخلت إلى الغرفة الكبيرة الواسعة وجلست على كرسى كان موضوعا على منبر، وفى حياء وخوف حييتهم جميعا فردوا التحية بصوت عال يصم الآذان. ثم سكتوا لحظات يريدون أن يقفوا على جديد من أمر هذا المدرس الذى لا يكلفهم درسه مذاكرة وكتابة وسهر أو حفظا، وقلت: وحدوا الله، فقالوا جميعا: لا إله إلا الله. فقلت اللى عليه ذنب وخطيئة يقول: أستغفر الله. فقالوا أستغفر الله، وقلت: كان ياما كان، ولا يطيب الحديث والكلام إلا بذكر النبي علية الصلاة والسلام، فقالوا جميعا بصوت كالرعد: صلى الله عليه وسلم.
وبدأت أقص عليهم قصة رائعة، ونظرت إلى ساعتى فوجدت الزمن قد قارب على الإنتهاء ولم يبق إلا بضع دقائق فوقفت وقلت لهم:  وأكتفى الآن بما حكيت لكم، وفى غد إن شاء الله سأكمل لكم القصة، والتف بى الطلبة يرجونى أن أكمل، فقلت لهم: إننى لا أزيد على الوقت المقرر، وإذا جئت غدا سأبدأ حديثى فمن أصغى سمع، وإلا فلا أعيد ما أقول.
وبينما نحن فى الدرس ذهل مدير الدارـ وكان الرجل الفاضل الشيخ عبد القادر أبا الخيرـ لأنه لم يسمع ضوضاء ولا همسا، وظن أن الطلبة خرجوا، وأقبل على الغرفة الكبيرة فاذا الطلبة وكأن على رؤسهم الطير، وكلهم مصغ شديد الإصغاء. وكان هذا الدرس أحب الدروس الى الطلبة، وكنت أحب المدرسين الى أنفسهم فأنا لا أشتم ولا أضرب ولا أوبخ، ودرسى خفيف الظل مقبول، فهو لا سهرا ومذاكرة، ولا يلقى عليهم كفرض من الفروض، ولا إمتحان فيه، ولهذا كانوا يحبونه ويعونه وينتظرونه.
وكل درس يلقى على الطالب كفرض يفقد أثره التهذيبى فى نفسه، فهو إن وعاه فإنما يعيه من أجل الإمتحان ومتى إنتهى زال أثره، أما اذا ألقى عليه وأعطى الحرية ولم يكلف بوعيه فإنه يعيه.
وكان درسا شائقا، وكنت أستجيب له، ولكنى لم أستمر فيه لأنه كان وقته وقت راحتى ونزهتى وأنا كاره على فراق هؤلاء الأبناء الكرام، وكان راتبى ثلاثين ريالا فى الشهر.
وما أزال أذكر من طلبتى بدار الأيتام هاشم عبد المولى، وعبد العزيز أوليا، وسعيد كردى، وكلهم ـ والحمد لله ـ أصبح رجلا مرموقا، نافعا فى مجتمعه يذكرونى فضلا، وأذكرهم حبا، ومالى غير هؤلاء من طلبة، وإن كان هناك طلبة قرأوا ما كتبت ولكنى لا أعرف أكثرهم.
أما طلبتى بدار الأيتام فإنى أذكرهم بخير كما يذكروننى، وأشعر بسعادة كلما ذكرتهم أو قابلت أحدا منهم، وأنهم لكرام، وما ألقى منهم تمنيت أن لو كان لى آلاف وآلاف من هؤلاء الأبناء الطيبين. ليتنى أعود مدرساً!! أما دار الأيتام فقد بارك الله فيها وسدد خطاها، فالقائمون عليها جميعا أخلصوا فوهب الله لهم الثمرة قبل أوانها، وأنهم نماذج إنسانية فاضلة وإنهم لجديرون بتكريم الوطن وتقديره وأنه لن ينسى فضل هؤلاء البنايين بناة الروح والأذواق، بناة المعانى والاخلاق ".
وقد دعمها الملك سعود رحمه الله فى ذلك الوقت وأصدر قرارا ملكيا لدعمها واعتماد لائحتها ونظامها:-قـرار بناء على الامر السامى الكريم رقم 4174 فى … القاضى بتقرير اللازم نحو لائحة نظام دار الايتام ومنهجه الدراسى المرفوقين بهذا قد درس المجلس مواد اللائحة والمنهج المشار اليهما بالاشتراك مع نائب رئيس جمعية دار الايتام وبعد تمحيص مواد اللائحة والمنهج قرر المجلس ما يأتى:1. تعديل المواد 10 و12 و13 و14 و19 و22 و25 و29 و30 و34 و37 و41 و42 و51 و55 من المواد المقدمة من ادارة دار الايتام.2.   حذف المادة 23 من المواد المقدمة لانها تتعارض مع الاشكال النظامية.3.   اضافة المادة 53 المدرجة فى الحقل الخاص بالمواد المضافة من قبل المجلس.4.   الموافقة على بقية المواد.5.   قد نظم المجلس مواد اللائحة المذكورة حسبما هو مرفق بهذا القرار ووقع عليها.6. يوافق المجلس على منهج الدراسة المرفق المتعلق بسير الدراسة فى دار الايتام ويلاحظ أن النظام نص على التعليم الصناعى ولم يوجد له فى المنهج الدراسى مواد خاصة به وأنه من الضرورى أن يوضع للتعليم الصناعى منهج خاص يقدم بعد الان لدرسه وان يراعى فيه الترجيح والاولوية بمجرد استعداد التلميذ له واستيفائه ما يجب من المعلومات ـ الابتدائية الدينية.7. يلاحظ المجلس أيضا فى موضوع الدخول فى دار الايتام أنه من الضرورى بذلك العناية فى ترغيب البدو بصفة خاصة فى الدخول الى دار الايتام حتى تعم الفائدة المطلوبة وتحصل الغاية المنشودة.وعلى هذا حصل التوقيع متفقا.النائب الثانى النائب الأول رئيس مجلس الشورىصالح شطا بمصر          عنه     صالح شطا أعضأءعبد الوهاب قزاز، محمد على كتبى، احمد ابراهيم الغزاوى، محمد المغيربى، عبد القادر عزاوى، حسين باسلامه، عبد الرؤوف الصبان، عبد الله الشيبى.                     صورة طبق الأصل.                     رئيس ديوان النيابة العامة وتذكرت هذه الدار وكيف كنا نمر بها فى غدونا ورواحنا ونحن من سكان حارة جياد وندرس فى مدرسة الفلاح قرب المسعى ثم فى الشبيكة بعد أن إنتقلت الى مقرها الجديد.
ذكريات جميلة لمثل هذه الدار التى تدل على همم الرجال فى ذلك الوقت وعنياتهم بالأعمال الخيرية واهتمامهم الشخصى بإقتطاع بعض أوقاتهم لخدمة هذا العمل الإجتماعى الإنسانى المهم فقد ساهم فى إيواء كل أولئك الايتام ورعايتهم وتربيتهم وتعليمهم ثم إخراجهم للمجتمع كرجال ساهموا فى بناء هذا الوطن.
رحم الله الرجال الذين ساهموا فى فكرة هذه الدار أساسا وهم مهدى بك المصلح وهو صاحب فكرة إنشاء الدار واللواء على بك جميل رئيس المجلس الإدارى الأعلى لها.. وكل أولئك الرجال الذين ساهموا بالتعليم والدعم والرعاية لهذه الفكرة النبيلة والمؤسسة الإنسانية والحمد لله فقد تطورت اليوم فكرة رعاية الأيتام وأصبحت جمعيات عديدة وكثيرة ومنظمة يفخر الإنسان بها وبالعمل فيها وتستحق دعمنا وعوننا جميعا.. وجزى الله وزارة العمل والشئون الإجتماعية على ماتقوم به من دعم لهذه الأعمال. والله الموفق ،،،

Basheer03/04/2000

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب