صالح محمد جمال .. الانسان
محمد عبده يماني

الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خير من تعلم واصدق من اعلم عن الله عز وجل.. نحمد الله سبحانه وتعالى أن أكرمنا بالأنتساب إلى بلده الحرام مكة المكرمة أم القرى وجعلنا جيران بيته العتيق حيث نشأنا وتعلمنا في جنبات هذا البيت واروقة هذا المسجد الحرام.
وأنه ليسعدني اليوم أن اتكلم عن رجل من رجال هذا البلد ورائد من رواده في الثقافة والأدب ورمز من رموزه في العطاء وحب الخير ومساعدة الفقراء والضعفاء والمساكين .. فاذا كان الناس ينفقون من صدقات اموالهم عطاءاً متنوعاً ومختلفاً حتى يصدق فيهم قول الله عز وجل: ((مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)) (سورة البقرة الآيات: 261: 262 ) .. فان هذا الرجل لم ينفق جنيهاً ولا قرشاً أو ريال فحسب بل كان يساهم بالكلمة الطيبة ولهذا يصدق فيه قول الله عز وجل ((أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِتُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون )) (صورة إبراهيم الآيات: 24، 25)وإنني أنظر الى سيرة الأستاذ صالح جمال (رحمه الله) من زاوية أنه رجل من رواد العمل الثقافي الأدبي والصحفي بصورة خاصة فقد تحمل في سبيل هذه المسيرة الكثير من المتاعب ولكنه استمر ولم يتردد لحظة في مواصلة العمل لدعم فكره الثقافي والأدبي حتى عندما قست عليه بعض الجهات الرقابية أو الرسمية فقد كان مؤمناً بالأهداف التي يسعي إليها..  ولكن لأنه طلب مني أن أقتصر الحديث على أعماله الخيرية فأود أن أقول أن جهده وجهاده في عضوية صندوق البر بمكة المكرمة والذي تحول فيما بعد ليصبح جمعية البر الخيرية بمكة المكرمة هو دون شك أول جمعية بر استطاعت أن تقدم عملاً منظماً ودقيقا.. وكان لأستاذنا الشيخ رحمه الله مواقف إنسانية متميزة خاصة في أعمال البر وإصلاح ذات البين وكان له أسلوبه في الإصلاح بين الناس وتقريب وجهات النظر.. ولهذا فقد نجح رحمه الله هو ومجموعة من الرجال الذين كانون معه في جمعية البر حتى تحققت أهداف هذه الجمعية وبرزت كعمل متميز صالح لوجه الله تعالى.
ومما يميز استاذنا الشيخ صالح جمال رحمه الله انه كان يكره المديح ، ويحب العمل في صمت وسر ، وهو رجل نشأ وفي فمه معلقة من ذهب ، وكان جده من الموسرين ، ولكن الزمن جار عليه ، وتحولت الظروف ، وقست الحياة ، فصبر وكافح ، ثم فتح الله عليه وعلى أولاده من بعده ، فكأني به وقد ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ، ثم أخذ ملعقة من تراب فتحولت بفضل الله الى عطاء وخير وبركة .
وان من ينظر في عمل استاذنا الشيخ صالح جمال يلاحظ انه قد اعطى الكثير من وقته للضعفاء والمساكين ، وكرس جهده للعمل الخيري بأنواعه ، من خلال جمعية البر التي حرص على تأسيسها واهتم في مرحلة من المراحل ببناء العمائر السكنية للأرامل والأطفال حتى بلغت حوالى 10 عمائر منها مايلي :1. التوفيق بحي الزهراء 2. السلامة بحي المعابدة3. الفوز بحي المسفلة4. الأمل بحي جرول5. التيسير رقم 1 بمنطقة التيسير 6. التيسير رقم 2 بمنطقة التيسير7. الزاهر بحي الزاهر 8. الرصيفة بحي الرصيفة9. النزهة بحي النزهة10. العوالي بحي العوالي ولقد كانت هذه العمائر السكنية صورة مشرقة من صور التعاون بعضها اقامتها الجمعية ، وبعضها كان تبرعا كاملا من اهل الخير امثال الشيخ يوسف زمزمي ، والشيخ المداح ، والشيخ عابد عجيمي ، وغيرهم من الفضلاء ، وبعضها اراضي تبرع بها اهل الخير وساهمت الجمعية في بنائها ، او قام ببنائها صفوة من محبي الخير .
ومما يذكر له انه قد دعا في الصحافة وحرص على تبني انشاء مشروع انساني لمساعدة الشباب على الزواج ، يدعمهم في  المهور ، كما يساعدهم في ايجاد السكن المناسب ، ويعين البعض منهم في فرش منازلهم ، وكل ذلك حتى تعينهم الجمعية على بدء حياة زوجية كريمة .
ثم انه رحمه الله قد قاد عملية توزيع الأرزاق من الجمعية على الأسر الفقيرة ، وبعض هذه الأسر كانت الجمعية تقدم لهم مساعدات نقدية لتعينها على ظروف المعيشة ، وقد استفادت من هذه المساعدات حوالي 8500 عائلة .
كما ان هناك مشروعا انسانيا متميزا دعا اليه الاستاذ صالح جمال وقاد عملية التخطيط ثم الانشاء لهذا العمل وهو انشاء مركز لغسيل الكلى ، واختار له ساحة مستشفى النور وجعله تحت اشراف المستشفى ، وكان ينادى دائما : يا اصحاب الثروات احسنوا كما احسن الله اليكم .
ولاشك ان رحيل هذا الرجل الانسان الى رحمة الله كان مؤلما ومؤثرا على اهل مكة الذين توافدوا للسؤال عنه بعد الحادث الذي توفاه الله بعده ، وللدعاء له وتقديم واجب العزاء لأهله وذويه واصدقائه ، ثم ساروا معه الى مثواه الأخير بالمعلاة ، وكان منظرا ومسيرة مهيبة تشهد لهذا الرجل بأنه كان من الرجال المخلصين والعاملين الصالحين ، والجميل في الأمر ان الكل شارك في تشييع الجثمان صغارهم وكبارهم ، اغتيائهم والمستورين منهم ، والكل كان يدعو له بالرحمة والرضوان ، وحتى الناشئة ساروا في تشييعه الى مثواه الأخير ، وعندما نقول صالح جمال لابد ان نذكر اخوه وصنوه العالم الفاضل والأديب الاسلامي الكبير الاستاذ احمد جمال رحمهم الله جميعا وتغمدهم بواسع رحمته . وشكرا لجامعة ام القرى  الحبيبة وهي تساهم وتحرص على تكريم امثال هؤلاء الرجال ، وشكرا لأسرة الجامعة جميعا.
والله من وراء القصد وهو الهادي الى سواء السبيل ،،

الخوف من الفجوة

تهاويل

بيوتنا والحاجة الى الحب