شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

أهل الكتاب كانوا يعلمون ببعثته صلى الله عليه وسلم ، ويعلمون انه رسول الله ، وان الله تعاله باعثه ، ولكنهم كانوا ينكرون الحق وهم عارفون بن متيقنون منه وقد قال الله تعالى في حقهم : { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عفوا كفروا به }

 بأبي انت وأمي يارسول الله

الإعتدال في حياة الملك عبد العزيز 

د. محمد عبده يماني

هذا حديث أحاول أن ألقي فيه الضوء على جوانب من حياة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ملك المملكة العربية السعودية ومنهجه في الإعتدال، وقد اخترت مجموعة من الجوانب في حياته يتمثل فيها هذا النهج في التعامل مع الأحداث بطريقة فيها اعتدال ووسطية، وهذا أمر يرجعنا إلى قواعد الإسلام، لأن الله سبحانه وتعالى قد أنزل القرآن الكريم، وبعث سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بالوسطية والإعتدال، فالإسلام هو الدين الذي تتجلى فيه حقيقة التوازن بين ملكات النفس المختلفة، لأنه منهج الله الذي خلق هذه النفس، وقد جاءت الآية القرآنية صريحة في إيضاح معالم هذا المنهج عندما نقرأ قول الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} 
وهنا نلاحظ منطقة  التوازن التي أراد الله أن تعيشها الأمة الإسلامية بين المثل القيمة الكريمة لهذا الدين الإسلامي، وبين واقع المسلمين، أي بين الدين الذي جاء ليجعل هذه الأمة امة وسطا وبين الواقع الذي اخذ بهذه الأمة إلى منحدرات اربكت مسيرتها، مع انها امة الإسلام التي جاءة كأمة وسط بين المسيحية المفرطة واليهودية المفرّطة، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يجعلها مة مثالية.

ونجاح الأمة ونجاح أي قيادة يتطلب دائما العودة إلى هذا الوسط الذي إختاره لنا الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم اكد على مفهوم الوسطية وانه ما شاد الدين احدا الا غلبه، فعن ْأَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ "  
ولقد أضر بنا وافقدنا الحيوية ذلك الركود الفكري والعلمي الذي أصابنا، وإقبالنا على الدنيا بدون ضوابط ونظرات خاطئة لمفهوم العبادة في الإسلام، وقصرها على التعبد  فهدمنا بذلك الأسس الأساسية التي ارتكز عليها الإسلام وجاء بها كنظام كامل للحياة، فأنقسمنا إلى فريقا مفرط كل التفريط، وفريق متزمت كل التزمت، وضاعت تلك الميزة للأمة الوسط التي تجمع في اعتدال بين الدنيا بماديتها وتسعى وتجد في الحياة كأنها تعيش ابدا لتعمر وتبني، وتقبل على الآخرة وتسعى لها سعيها وكأنها ستموت غدا كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتحقق بذلك سعادة الدنيا والآخرة: (اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)
وقد أكد هذا النهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جهاده لنشر الدعوة الإسلامية، وفي تنظيمه للمجتمع الإسلامي بعد ذلك في  المدينة المنورة، وبهذه الوسطية والإعتدال استطاع ان ينتقل بالعرب من حال إلى حال، وأن يضع الأساس المتين لبناء المنهج الإسلامي، وأسس المسيرة التي تصلح أحوال الناس في كل زمان ومكان.

وإذا ما أردنا نجاح مسيرتنا فبالعودة إلى الجذور، أي جذور الإعتدال، فالطريق من هنا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} ، وقد أوضح ذلك لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما علمنا طريق النجاح، وأننا اذا أردنا بعثا جديدا فلنتبع نفس الخطوات الأساسية التي رسمها رب العالمين لرسوله الأمين، فصنع بها خير أمة أخرجت للناس وهذا الإمام الجليل عالم المدينة في زمانه الإمام مالك ابن أنس عليه رحمة الله قال: إنه لا يصلح حال أخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها
وكل حاكم أو ملك أو زعيم لا يمكن أن ينجح او ينهض ببلاده وأمته إلا إذا بدأ هو بنفسه بالإلتزام بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإعتدال كما علمنا الله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} هكذا يعلمنا الإسلام منهج الإعتدال والاتزان بين المادية والروحية دون افراط ولا تفريط.
ومن يدقق في منهج الإسلام يلاحظ تلك الوسطية التي تجمع بين طرفي المعادلة بدون افراط ولا تفريط، وهي الإعتدال الذي جاء به المنهج الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لنا، فكان الإسلام حين باشر مهمته في تنظيم حركة الحياة البشرية اعتمد على هذا الإعتدال حتى اخرج للعالم حضارة زاهرة استوعبت كل مجالات الحياة بلا غرور ولا تحكم ولا جبروت ولا تسيب ولا ظلم، لأن القيم كانت تحرس هذه الحضارات والروحانية تثريها بقيم انسانية من اخاء ومساواة. ومن هنا فإن من ينظر في تاريخنا الإسلامي يلاحظ أن كل الذين نجحوا وفازوا في قيادة اممهم هم الذين ركزوا على منهج الإعتدال والتوازن، وجعلوا الحق والعدل أساس المسيرة.

ومن ينظر في حياة الملك عبد العزيز رحمه الله يجد إن هذا الإنسان حرص منذ البداية على ان يجعل الدين هو اساس حياة هذه الأمة  وفي الوقت نفسه ورغم الظروف التي مرت به عمل بقدر المستطاع على معالجة الأمور بحكمة وروية في بعض الأحيان، وشدة وصرامة في الدفاع عن حرمات الله فجاءت طريقته في الحكم تمثل صورة من صور الإعتدال التي ساهمت في نجاحه.
ولا شك أن حياة الملك عبد العزيز صورة مشرقة لزعيم صلب، وقائد فذ ورجل وانسان تعامل مع الاحداث برجولة وحزم وعفاف، وبعد نظر، وقدرة فذة على القيادة، وكان كريما، وعلى خلق، يكرم الرجال، ويحترم الناس، ويحسن التعامل مع الاحداث، ويتصرف بحكمة ووعي ومسئولية، ولاشك انه خلف ذخيرة كبيرة من الأعمال والأفعال والتصرفات التي تستحق الوقوف عندها، والنظر إليها وتحليلها بعمق.

ومن ينظر في حياة هذا الرجل يلاحظ أنه ليس في حاجة إلى مديح، ولا يضيف المديح إلى مكانة الرجل أي شيء، وإنما يقتضي الأمر التعمق في مسيرة حياته، ومواقفه والإستفادة من تلك الجوانب، وإلقاء الضوء عليها بصورة تساهم في أعطاء أجيالنا الحاضرة صورة حقيقية عن حياة الملك عبد العزيز، فقد كان الرجل زعيما.. وملكا.. كبير النفس.. عالي الهمم، وفيا لمبادئه ولمن حوله ومن معه.. شهد له بذلك الأصدقاء والأعداء سواء، وظل حتى اللحظات الأخيرة وقبل أن يودع هذه الدنيا الفانية يحرص على جمع الكلمة، ووحدة  الصف، والعدل والانصاف، والمروءات، واعطاء كل ذي حق حقه: ينصح أولاده ومن حوله بالعفة والامانة ومخافة الله عز وجل.. وهكذا ظل رمزا لهذه الأمة، لأن الحكم كان يعني عنده الوفاء لشريعة الله، ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعدل بين الناس، واعطاء كل ذي حق حقه، ثم الاستثمار في الرجال والوفاء لهم، وكان رحمه الله معتزا بما وفقه الله اليه من خدمة للحرمين الشريفين، ورعاية لضيوف الرحمن.

وأنا أحاول في حديثي هذا عن الملك عبد العزيز أن أتعرض لجوانب مختلفة من حياة رجل لم أعرفه حق المعرفة، فقد كنت طفلا عندما كان يرحمه الله يحكم هذه البلاد، وكنت أسمع أبي وأهلي من حولي وأساتذتي يتحدثون عن شخصية هذا الرجل، وكان بعض الرجال الأفذاذ الذين خدموا معه مصدرا اساسيا لحديثي هذا أمثال: معالي العم عبد الله محمد كامل مدير عام مجلس الوزراء سابقا، وكذلك معالي الشيخ الأديب الأستاذ عبد الله بلخير، أول وزير للاعلام، والأستاذ محمد حسين زيدان  والشيخ عثمان الصالح، والدكتور رشاد فرعون، والشيخ فوزان السابق رحمه الله، وصفوة أخرى من الرجال الذين تحدثت اليهم، واطلعت على مذكرات بعضهم، فجاءت هذه المطالعة على النحو الذي بين يدي القاريء، والتي اسأل الله ان يجعلها مناسبة ومقربة لجوانب من حياة هذا الرجل الراحل الملك عبد العزيز.
شخصيته وأسلوبه في الحكم كان عبد العزيز رجلا فذا يقود أمته بوعي، ويسير نحو تحقيق اهدافه بصلابة وقوة وحكمة وقدرة على القيادة والريادة، ولاشك ان من واجبنا ان ننظر إلى ذلك الماضي التليد ثم نتذكر ابعاد المسيرة منذ قيام هذا الكيان: المملكة العربية السعودية.  فننظر ونتعمق في ابعاد وارهاصات وجهاد تلك المرحلة، حتى تكامل هذا الكيان وأصبحت له هذه المكانة العالية، وكان مزيجا من عمل صادق بناء على اسس ومباديء سليمة، فيها من الأصالة والمعاصرة والتجربة الغنية  والأعمال الرائدة، وكانت كلها تحت راية واحدة: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ومما إتصف به الملك عبد العزيز من خصال إنه كان لا يقبل أي مهادنة أو تراخ في حقوق الوطن أو النيل منه، فكان يقول: "سنقاتل كل من أراد ان ينال من ديننا ووطننا بأي أذى "، ويرجع عزته إلى الإسلام فيقول: "لاعزة لنا بدون إسلام"، ويجعل أساس حكمه الشرع فيقول: "لا أساس لأحكامنا الا شرع الله وفخرنا وعزنا يالإسلام،" وكان يتمنى دائما جمع الكلمة ووحدة الصف فيقول: "احب جمع كلمة الإسلام والمسلمين ولا قوة لنا الا بالله تعالى".
وتعجب أن هذا الرجل رغم ما يحيط به من احداث عظام كان يحرص على أن يوجه الأمة بين وقت وآخر بكلمات بسيطة، ولكنها صادقة، فقد وقف يوما يتحدث إلى الناس عن العقيدة، ثم كتب ذلك  في منشور أصدره يوجه الناس إلى اهميتة، والتناصح في الدين فكتب يقول: " تفهمون ان الله سبحانه وتعالى من علينا بنعمة الإسلام وأكملها علينا كما قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ومن أكبر نعمه علينا انزال كتابه العزيز وارسال نبيه الكريم، وخلاصة ذلك وعمدة ما نزل في كتاب الله انه وحده لاشريك له وهي مضمون (لا اله الا الله) كما أن معناها: (لا اله) نفي (الا الله) اثبات، وكل من قال (لا اله الا الله) عارفا معناها عاملا بمقتضاها، مواليا لجميع ما أمر الله به، معاديا لما نهى عنه من الافعال والاقوال، فهو من اهل (لا اله الا الله)، ومن قالها ولم يعرف معناها، ولم يعمل بمقتضاها، ولا أحب ما أحتوت عليه من الخير، وأبغض ونفى ما نهت عنه من الشر من الاقوال والافعال، فليس هو من اهل (لا اله الا الله) فهو كالانعام، بل هو اضل. وتعرفون - بارك الله فيكم - لو انني أريد ان استمر في الحديث عما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله صلى الله عليه وسلم  من الآيات الكريمة المحكمة والاحاديث الصحيحة فيما ثبت من الاعمال الطيبة، وينكر من الاعمال السيئة لطال الكلام، والمقصد من ذلك اتمام الفائدة واتباع ما أمر الله به وهو قوله سبحانه وتعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض اقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} وقوله صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة.. الدين النصيحة. قالوا لمن يارسول الله؟. قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " وشرح ذلك مفهوم، وهو ان النصح لله ان تعبد الله وحده، وتبرأ ممن سواه من قول وعمل وتحب ما أمرك به وتتجنب ما نهاك عنه، والنصح لكتاب الله ان تعمل بمحكمه وتؤمن بمتشابهه، والنصح لرسوله صلى الله عليه وسلم  ان تجزم انه أفضل الأولين والآخرين وانه الصادق المصدوق، وانه لاينطق عن الهوى وانه المعصوم وانه من لايحب الله وكتابه ورسوله أكثرمن نفسه وماله وولده، فلا آمن بالله، ولا عرف ما جاء في كتاب الله ومن فرق او شك في ان كتاب الله يخالف ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم أو ان ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم  يخالف كتاب الله، أو أول في كتاب الله وكذب على كتاب الله وسنة رسوله فقد كفر، ومن أنكر شفاعته صلى الله عليه وسلم  اذا اذن الله له ولم يرج ذلك وقال نؤمن بكتاب الله ولا نؤمن بمحمد فقد كفر.

"فإذا فهمنا ذلك ووقر في قلوبنا وصحت العقيدة بذلك فيجب علينا ان نفكر ونتدبر القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه مذهب السلف الصالح ونعمل بما فيه ونقوم بالواجب وننكر ما انكره كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم  وما انكره السلف الصالح" 
ثم يقول كلمات لطيفة في حق المرأة في الوطن، ويلفت النظر إلى كيان العائلة فيقول: "العائلة هي الركن الركين في بناء الامم وهي الحصن الحصين الذي يجب على كل ذي شيم أن يدافع عنها، اننا لانريد من كلامنا هذا التعسف والتجبر في أمر النساء، فالدين الإسلامي قد شرع لهن حقوقا يتمتعن بها، لاتوجد حتى الآن في قوانين أرقى الأمم المتمدنة، واذا اتبعنا تعاليمه كما يجب فلا نجد في تقاليدنا الإسلامية وشرعنا السامي ما يؤخذ علينا ولا يمنع من تقدمنا في مضمار الحياة والرقي اذا وجهنا المرأة إلى وظائفها الاساسية وهذا ما يعترف به الكثير من الأوربيين من أرباب الحصافة والانصاف.
"ولقد اجتمعنا بكثير من هؤلاء الاجانب واجتمع بهم كثير ممن نثق بهم من المسلمين وسمعناهم يشكون مر الشكوى من تفكك الأخلاق وتصدع ركن العائلة في بلادهم من جراء المفاسد وهم يقدرون تمسكنا بديننا وتقاليدنا وما جاء به نبينا من التعاليم التي تقود البشرية إلى طريق الهدى وساحل السلامة، ويودون من صميم أفئدتهم لو يمكنهم اصلاح حالتهم هذه التي يتشاءمون منها وتنذر ملكهم بالخراب والدمار، والحروب الجائرة.
"وهؤلاء نبغاء كتابهم ومفكريهم قد علموا حق العلم هذه الهوة السحيقة التي أمامهم والمنقادين اليها بحكم الحالة الراهنة، وهم لايفتأون في تنبيه شعوبهم بالكتب والنشرات والجرائد على عدم الاندفاع في هذه الطريق التي يعتقدونها سبب الدمار والخراب.

"إنني لأعجب أكبر العجب ممن يدعي النور والعلم وحب الرقي لبلاده من الشبيبة التي ترى بأعينها وتلمس بأيديها ما نوهنا عنه من الخطر الخلقي الحائق بغيرنا من الأمم ثم لاترعوى عن ذلك وتتبارى في طغيانها وتستمر في عمل كل أمر يخالف تقاليدنا وعاداتنا الإسلامية والعربية، ولا ترجع إلى تعاليم الدين الحنيف الذي جاءنا به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة وهدى لنا ولسائر البشر.
"فالواجب على كل مسلم وعربي فخور بدينه معتز بعروبته الا يخالف مبادئه الدينية وما أمر به الله تعالى بالقيام به بتدبير المعاد والمعاش، والعمل على كل ما فيه الخير لبلاده ووطنه، فالرقي الحقيقي هو بصدق العزيمة والعلم الصحيح والسير على الاخلاق الكريمة والانصراف عن الرذيلة وكل ما من شأنه ان يمس الدين والسمت العربي والمروءة والتقليد الأعمى وأن يتبع طرائق آبائه واجداده الذين أتوا بأعاظم الأمور باتباعهم أوامر الشريعة التي تحث على عبادة الله وحده واخلاص النية في العمل وأن يعرف حق المعرفة معنى ربه ومعنى الإسلام وعظمته، وما جاء به نبينا ذلك البطل الكريم والعظيم صلى الله عليه وسلم  من التعاليم القيمة التي تسعد الإنسان في الدارين وتعلمه ان العزة لله وللمؤمنين، وان يقوم بأود عائلته ويصلح من شأنها ويتذوق ثمرة عمله الشريف، فاذا عمل فقد قام بواجبه وخدم وطنه وبلاده." 

وهناك قصة تروى عن الملك عبد العزيز عندما شحت الموارد  وضعفت الأحوال وأصبحت الدولة عاجزة عن دفع حتى مرتبات الموظفين وقد كان هذا في أيام الحرب ولذلك ذهب المسئول الأساسي عن النواحي المالية والمسئول الاساسي عن النواحي الادارية وهما عبد الله السليمان وحافظ وهبة إلى الملك عبد العزيز وطلبا منه بعد أن قدما أسماء جميع الموظفين وقدما قائمة بالأسماء وطالبا بموافقة الملك على أن يخفض عدد الموظفين إلى النصف وبالتالي تستطيع الدولة أن تدفع الرواتب ثم تسرح النصف الآخر فغضب الملك عبد العزيز لهذا وتكلم عليهم كلاما شديدا وقال أنتم الآن حضرتم الي أثنان سرحوا واحدا منكم فأرتبكوا أرتباكا شديدا فقال الملك عبد العزيز: بدلا من ان تسرحوا الموظفين خفضوا الرواتب وأعطوا صاحب المائة خمسين واعطوا أبا الخمسين خمسة وعشرين، وهكذا.. وفي هذا نظرة عميقة لهذا الرجل الذي فكر بصورة انسانية عالية وأدرك أن تسريح هؤلاء الناس في وقت لا توجد فيه أعمال لأمثالهم هو مضيعة لهم وتجميد لحياتهم وشتات لأسرهم فكانت نظرة طيبة ورحيمة وموقفا سليما لا شك يحسب له اذ أبقى الجميع وخفض الرواتب إلى ان أراد الله وفجر البترول من تحت الأرض وأصبحت البلاد في رغد ونعمة عظمى وعاش الجميع في بحبوحة من العيش.

وهناك قصة إنسانية لطيفة وهي أن الملك عبد العزيز كان بعد أن أفاء الله عليه من النعم كان يأخذ في السيارة صررا فيها نقود وأثناء سيره اذا وجد ناسا من الفقراء أو من رؤساء القوافل أو رؤساء البوادي يكرمهم ببعض هذه الهدايا والصرر فكان يسير يوما ناحية عرفة ورأى بدويا جَمالا فجاء وسلم عليه وبعد أن سأله الملك عبد العزيز عن أحواله سحب يده وأعطاه صرة ثم أمر السائق أن يسير وبعد قليل نبهه السائق إلى أن الصرة التي أعطاها للرجل ليست من الصرر العادية ولكنها صرة ذهب كانت بجواره وليست ريالات فضة فطلب الملك عبد العزيز العودة بسرعة واللحاق بالرجل وظن السائق الذي يروي هذا الحادثة أن الملك عبد العزيز يريد أن يسترجع الصرة فعاد الملك إلى ان لحق بالرجل وناداه وقال له تعالى يا رجل ثم أخبره بأن الصرة ذهب وأن الواحد منها بعشرين وقال له لا يضحكوا عليك هذا ذهب الواحد بعشرين أنتبه وأمر السائق أن يسير وهذه روح عالية وكرم دون شك وانسانية كبيرة من الملك عبد العزيز.

وعندما نقارن هذه القصة وهذا العطف بقصص أخرى كان فيها شديدا وصارما مع رجالات من البادية اعتدوا على حرمات الله وعلى حجاج بيت الله واخافوا الناس وقطعوا الطرقات وكيف انه لم يرحمهم ولم يهادنهم، وانما طبق، اقصى العقوبات عليهم وضرب اعناق المئات منهم حتى استتب الأمن لطرق الحجيج ، ثم اخذ بعد ذلك يكرم من بقي من اسرهم وهو يكرر: " اكرموا هؤلاء، فلا تزر وازرة وزر أخرى"
وهذه قصة يرويها العم عم عبد الله كامل عندما دخل الملك عبد العزيز المدينة المنورة بعد فترة من أستقرار الحكم في المدينة له وصلى في المسجد النبوي في الروضة ثم تكلم معه شيخ الأغوات بأنهم قد فتحوا الحجرة الشريفة له ليدخل كما كان يفعل الشريف الحسين فتقدم نحو الحجرة النبوية وعندما دخل من الباب نزل على ركبته ووقف يدعو وبجواره أحد المشايخ فقال للملك عبد العزيز أخطأت يا عبد العزيز أخطات يا عبد العزيز فألتفت اليه الملك عبد العزيز غاضبا وقال له هذا موقف الاحترام وانا لم اسجد ولم أفعل خطأ وأنما وقفت احتراما لهذا المقام الشريف فسكت واستمر الملك عبد العزيز ثم سلم على رسول الله وخرج من الحجرة النبوية.

وهنا نرى مظهرا آخر من مظاهر الإعتدال، فالملك عبد العزيز وقف صارما ضد كل مظاهر الشرك التي رآها، وحرص على نشر الدين الحنيف، ورفض كل الرفض أي مخالفات لا تتفق مع هذا المنهج، ولكنه عندما جاء إلى مقام رسول الله صلى الله عليه وسسلم وصلى في المسجد النبوي الشريف تصرف داخل الحجرة بروح المسلم الذي شعر بأنه امام قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي روضة شريفة هي قطعة من الجنة كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخضع وتعامل مع هذا المقام الشريف بما يليق به..

وهناك قصة أيضا للملك عبد العزيز عندما جاء  بعض الحجاج من ايران ورغبوا ان يتظاهروا وان يلتفوا وعندهم عادة ان ينادوا بالبراءة من الشرك والبراءة من اعداء الله إلى غير ذلك فقال الملك عبد العزيز اتركوهم وراقبوهم وأصبح الحجاج يسيرون بعيدا عن الحرم ثم ينادون بأصواتهم والجنود يسيرون بجوارهم حتى يعودوا إلى امكانهم ثم بعث الملك عبد العزيز لشيخهم بأننا لا نقبل بمثل هذه الأمور ولا نريد أن نكدر عليكم في الحج كما لا نريد أن تسير الفوضى ونرجو الالتزام بآداب الحج وتفاهم معهم على ذلك ولكنه جاملهم في أول الأمر ولم يرد أن يقسو عليهم ولكن في الوقت نفسه عندما حدث من حاج من حجاج إيران جرم في حق الحرم  بأن وضع شيئا من الأوساخ على الحجر الأسود ولوثه فطلبه الملك عبد العزيز وأخذه ثم أوقفه أمام باب الحميدية وضرب عنقه ولم يتردد وجاءت وساطات مختلفة ويتوسط في ذلك الوقت والد شاه ايران فلم يقبل الملك عبد العزيز أية وساطة في ذلك، وهنا نرى أنه كان في بعض الأحيان يعامل بعض الفئات  بدرجة من المجاملة ولكن اذا وصل الامر إلى ايذاء المسلمين أو التعدي على حرمات الله أو بيت الله أو المسجد الحرام أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقبل بأي شكل من الأشكال وكان صارما في العقوبة وحازما في غير هوادة.



وهنا نلاحظ الإعتدال في التعامل مع الاحداث، فقد عالج الموضوع بحكمة ولم يسمح بأي مخالفة ولكن بروية ونصح ولكن عندما صدر من بعضهم مخالفات لا تتفق مع الشرع وتدنس بيت الله كان صارما وقويا وهذه جوانب من روح الإعتدال فيه.

وهناك موقف تاريخي هام يذكر للملك عبدالعزيز حيث تصرف بحكمة وروية ونظرة للمستقبل، وحرص على حسن الجوار، فبعد ان نشب الخلاف بين المملكة واليمن، وكان الامام يحيى حاكما لليمن وتطورت الأمور، ودخلت البلدان في حرب انتهت بهزيمة القوات اليمنية، وتقدم الأمير فيصل الذي كان يقود الجيش، واصبح على ابواب مدينة الحديدة، وعندما ادرك الامام يحيى خطورة الموضوع وابعاد الفتنة التي حصلت، فكتب للملك عبد العزيز برقية مستعجلة، وأرسل له خطاباً مع مساعده في ذلك الوقت المعروف بابن الوزير، وقال له انني تأسفت كثيرا لما حصل بيننا من خلاف ونزغ الشيطان بيننا وبينكم، ونحن بلد واحد، وقد بعثت لكم بمندوبي ابن الوزير إلى الطائف، ومعه مفتاح صنعاء ليسلمه لكم، ونحن نأسف لما حصل، وسنظل   ان شاء الله بلدا واحدا، وشعبا واحدا، وجوارا كريما، وعندما تسلم الملك عبد العزيز رسالة الامام يحيى، أمر بالحال بايقاف الحرب وعودة الأمير فيصل وعودة الجيوش وانهاء المشاكل، وأبرق للأمير فيصل بذلك، ونظرا إلى ان الأمير فيصل كان على ابواب الحديدة، فقد حاول مراجعة والده في الأمر، وكتب له بأنهم على ابواب الحديدة، ومن المصلحة دخولها لأن هؤلاء الناس تلاعبوا بهم كثيرا واستأذنه الملك فيصل في متابعة المسيرة إلى الحديدة، ولكن الملك عبد العزيز رد عليه ردا شديدا، وافهمه بضرورة العودة اذا كان تابعا للملك عبد العزيز، واذا كان يتصرف برأسه فليفعل كما يشاء. وفي الحال نزل الأمير فيصل عند رغبة والده، وعاد وانتهت المشاكل بحكمة هذا الرجل وبعد نظره ومروءته وحسن تقديره للأمور، وهذا التصرف يدل على حكمة الرجل ورجاحة عقله وقدرته على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.

عندما دخل الملك عبد العزيز الحجاز ووصل إلى مكة المكرمة وتنادى العالم الإسلامي بعقد مؤتمر اسلامي لشئون الحرمين وعقد المؤتمر فعلا في مبنى وزارة المالية السابق في بئر بليلة بدعوة من الملك عبد العزيز وحضر رؤساء الدول في الاجتماع وهنأوا الملك عبد العزيز من ناحية ثم قالوا له أنهم يرون أن تدول الحرمان الشريفان أي يصبحا تحت أشراف دول اسلامية لحساسية الحرمين الشريفين وأهميتهما فغضب الملك عبد العزيز في ذلك الاجتماع وأخرج سيفه في الاجتماع وقال: ياإخوان تراكم على العين والراس وهذه البلاد نحن عاهدنا الله على خدمتها وخاصة الحرمين الشريفين  ولا نقبل من أي إنسان أن يشاركنا في حكمها بأي شكل من الأشكال هين لا تدويل ولاغيره للحرمين ولا نقبل هذا وانكم لكم علينا أن تكتبوا ما تريدون من صيانة الحرمين الشريفين واحترامهما وتقديرهما والعناية بهما ونحن خدام للحرمين ننفذ هذه الأمور ونحرص عليها ان شاء الله ولا يحصل أي شيء يكدر خاطر أي مسلم يأتي للحج أو للعمرة أو مقيم أو نحو ذلك فنحن مـا جئنا إلا لخدمة هذا المكان ولكن لا نقبل بأي حال من الأحوال أن يشاركنا أحد في الحكم.
هنا ترى أن الرجل قَبل الدعوة وعقد المؤتمر ولكن عندما تنادوا بتدويل الحرمين ورأى أن هذا تدخل في الشئون الداخلية للبلاد لم يقبل ذلك وهذا موقف حازم يحسب له كملك له بعد نظر، وحزم في معالجة الأمور الحساسة.

إهتمامه بأمور الشرع والعلماء في المسجد الحرام والمسجد النبوي خاصة:  
كان الملك عبد العزيز رحمه الله منذ دخوله للحجاز دائم الاهتمام بالمسجد الحرام وبالائمة في المسجد الحرام وعلماء المسجد بصورة خاصة وجميع العلماء في انحاء المملكة، وكان يهتم بهم، ويتعهدهم بالسؤال، وكانت هناك حلقات في المسجد الحرام لتدريس علوم القرآن، وحلقات أخرى للحديث النبوي الشريف، وحلقات للفقة، وأخرى للغة العربية والنحو والصرف، كما كانت هناك حلقات لتدريس الطلاب من آفاق العالم الإسلامي الذين يفدون إلى مكة المكرمة للدراسة فيها، فكانت هناك حلقات لتدريس ابناء اندونيسيا، وكان الشيخ المنديلي يقوم بتدريسهم أمام باب  اجياد، وفي بعض الاحيان امام باب بني شيبة، وكانت جنبات الحرم تعج بهذه الصفوة من العلماء أمثال:
فضيلة الشيخ علوي عباس مالكي 

 "      "      حسن مشاط

"      "      ابراهيم يوسف خان 
"      "      محمد المنتصر الكتاني
"      "      عبد الحق الهاشمي المحدث (والد الشيخ ابوتراب الظاهري)
"      "      خير محمد (والد الشيخ مكي  المدرس الآن بالمسجد الحرام)
"      "      عبد الله دردوم
"      "      اسماعيل عثمان زين
"      "      علي بن محمد الهندي
"      "      عبد الفتاح راوه
"      "      محمد سعيد تنكل
"      "      عبد الرحيم كلنتن
" "  محمد نور سيف
" "  محمد أمين كتبي
" "  محمد العربي التبعاني
" " حسن يماني
" " سعيد يماني

هذه صورة من صور حياة الملك عبد العزيز رحمه الله في مكة المكرمة واحترامه للعلماء وقربه منهم عليه رحمة الله تعالى.

ومما يميز الملك عبد العزيز أنه كان رجلاً لديه بعد نظر فكل الأمور التي تعرض عليه سواء أمور أمنيه أو سياسية أو حتى قضائية يحرص على سماعها والتدقيق فيها لابراء الذمة فكان ذات يوم في المجلس وجاءه حكم من "جيزان" بقضية حكم فيها قاض من "جيزان" من قضاة الشافعيه في موضوع أرض وتملكها وتملك الماء الذي يأتي عليها وإحيائها وللشافعية رأي في هذا الأمر ولكن الشيخ بن ابراهيم عندما عرض عليه الأمر رأى أن هذا مخالف للمذهب الحنبلي فكتب عليه برفـض الحكم وأعادته وتطبيق المذهب الحنبلي عليه فسأل الملك عبد العزيز عندما عرض عليه الأمر عن القاضي الذي حكم هذا الحكم هل هو شافعي قالوا: نعم قال وأهل المنطقة من "جيزان" شوافع قالوا: نعم قال: هل هذا مخالف للشرع في المذهب الشافعي قالوا: لا، فقال الملك اذا ينفذ الحكم ويؤخذ برأي القاضي مادام قد حكم بشرع الله. ولا شك انه تصرف تصرفا حكيما ورأي أن الشرع يتسع لهذا الحكم فإذا لا بأس بأن يؤخذ به.
وهناك قصة في أمور شرعية تروى عن الملك عبد العزيز عن رجل جندي كان في منزله في الطائف وهجم عليه اثنان من اللصوص وكان هدفهم سرقة البيت فقام الرجل وكان ينام مع زوجته وأطفاله فتقاتل معهم وهرب أحدهم وقتل الأخر فعندما ذهبت القضية إلى الشرع ورأى القاضي أن هجوم السارق لا يستوجب قتله ولهذا ألزم صاحب المنـزل بدم الرجل وعندما رفض الدية ألزمه بأن يقتل كما قتل الرجل فعندما عرض الحكم على الملك عبد العزيز غضب غضبا شديدا وقال كلمته المشهورة: أنا أخو نوره إذا لم يقاتل الإنسان دفاعا عن عرضه عن أيش يدافع وكتب عليها لا يقتل الرجل وتفهم القبيلة بكاملها ان أصاب هذا الرجل شيء فأنا خصمهم جميعا وأنا ادفع الدية من عندي".

وهذا تصرف من التصرفات التي كان يتصرفها الملك عبد العزيز وتحسب له في الحقيقة في مواقفه الجادة وعمق نظره للقضايا التي تعرض عليه 
وهناك موقف يحسب للملك عبد العزيز أيضا عندما دخل الحجاز وصلى في المسجد الحرام لعدة أيام ولاحظ في صلاة الصبح ان كل جماعة تصلي بمفردها فالشافعية كانوا يصلون خلف إمام والحنابلة خلف إمام آخر والمالكية خلف إمام آخر فسأل الملك عبد العزيز عن أسباب ذلك فقيل له أنه بسبب اختلاف المذاهب في وقت صلاة الفجر في أول وقت أو في آخره فجمع الأئمة ولم يقبل بذلك وأصر على أن يجمعهم على إمام واحد في وسط الوقت وفعلا منذ ذلك الوقت ألغي موضوع تعدد الأمة في المسجد الحرام في صلاة الصبح، وهذا في حد ذاته رأي حازم وقرار صائب أخذ به الملك عبد العزيز لتجنيب الناس تعدد الأمة في المسجد الحرام ومادام هناك سعة في الدين فالمفروض أنهم أمة واحدة ويصلون جميعا خلف إمام واحد كما فعل السلف الصالح وهذا رأي حازم أخذ به الملك عبد العزيز.

وعندما دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة حرص على إبقاء العلماء  في أعمالهم وفي قضائهم وأحترام آرائهم وكان دائما يستقبلهم ويكرمهم ويكرّمهم ولذلك دخل الرجل إلى قلوب الناس واستقبلوه بروح طيبة وتعاونوا معه إلى أن أنتقل إلى رحمة الله والعلماء في مكة يحترمونه ويحترمهم ويناقشهم ويأخذ بآرائهم ولكنه في نهاية الأمر يحزم أمره إذا وجد في رأى معين مصلحة الأمة أو مصلحة الدولة ولا يخالف الشريعة الإسلامية فيفهم العلماء بأن هذا رأيه وهو يصر على الأخذ به خصوصا في قضايا الأقضيه والمحاكم التي كثيرا ما أعترض عليها وناقشهم فيها ثم أخذ برأي من أرائه يرى أنه يتفق ويحقق مصلحة الناس.
وله موقف في قضية شرعية مع الشيخ عبد الحميد مالكي عندما كان قاضياً في مكة وحكم على شاب غير محصن ارتكب زنا فحكم عليه بمائة جلدة مرة واحدة وعندما بلغ الملك عبد العزيز إعاد الحكم إلى الشيخ عبد الحميد المالكي، ولكن الشيخ اصر على حكمه، وكان الملك عبدالعزيز قد أصدر أمرا بأن يسجن من يقوم بالزنا لمدة ستة أشهر ويجلد في كل شهر 200 جلدة فلم يناسب الملك عبد العزيز الحكم الذي حكمه الشيخ عبد العزيز المالكي فأعاده أليه وطلب أن يغير الحكم فرفض الشيخ المالكي ذلك وقال هذا حكم حكمت بما حكم به الله ولولي الأمر أن يحكم بما شاء ولم أغير حكمي فلم يغضب منه الملك عبد العزيز وأنما أمر بزيادة الشاب تعزيرا له ولكنه لم يغضب من الشيخ عبد الحميد ولكنه قد قدر إلتزامه بموقف الحكم الشرعي.
وعندما كان في مكة في الحميدية وارتكب أحد شباب مكة وهو من أبناء كبار الشخصيات والعلماء جرما فطبق عليه الحد وتقدم الناس وكتبوا له ثم تقدم والده يشفع فلم يقبل الملك وعندما كرروا عليه الشفاعة أمر بتنفيذ الحد ثم كتب للرجل أنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح.

إهتمامه بالقضايا العربية والإسلامية
وكان للملك عبد العزيز مواقف صارمة من قضايا هذه الأمة التي ما تزال متعثرة حتى اليوم، فيصف موضوع فلسطين بأنه موضوع خطير حيث يقول: "ان موضوع فلسطين وما يمكن ان يجر اليه من تطورات ذات خطر أكيد في مستقبل الشرق الأدنى والبلاد العربية. وقد تحققت للحكومة البريطانية من دون شك رغبتنا الأكيدة في المساعدة على معالجة هذه القضية بروح النصف والإعتدال حين اشتداد الاضطرابات بفلسطين العام الماضي وحين تحقيقات اللجنة الملكية وبعد ذلك إلى الآن وبنفس تلك الروح، قد ابلغنا ( السير ريدر بولارد ) دهشتنا من تقرير اللجنة الملكية، واعتبارنا له ضربة مؤلمة تصيبنا نحن خاصة فضلا عن اصابتها لأماني العرب والمسلمين في الصميم، وقد أبلغناه ذلك قبل ان ينشر التقرير، ويعلم الأثر البالغ الذي احدثه بين العرب في فلسطين وسائر البلاد العربية، فلما رأينا صدى الرأي العام في فلسطين والبلاد العربية وبالأخص في بلادنا لم نجد بدا من لفت نظر الحكومة  البريطانية الصديقة إلى الأخطار التي تنجم عن الخطأ في معالجتها وإلى الظروف المحيطة بها، والتي يمكن ان تؤثر فيها وبالتالي في علاقاتنا بل علاقات العرب اجمالا ببريطانيا.
"لايخفى ان هناك اسبابا جوهرية جدا تحملنا على الاهتمام بقضية فلسطين واستعمال كل ما في وسعنا من قوة لكي نوضح للحكومة البريطانية ما عندنا  ونلح عليها لايجاد حل دائم لها وتلك الأسباب هي:
1. إن وعود بريطانيا للعرب بالاستقلال أعطيت في الأساس باسم الحجاز الذي هو الآن قسم من مملكتنا 
2. إن عدم حل قضية فلسطين على وجه مقبول، قد يؤدي إلى ايجاد هوة سحيقة وبرزخ لايمكن اجتيازه بين العرب وبريطانيا، ولسنا في حاجة للتوسع في ذكر الاخطار التي تنجم عن ذلك مما نسعى جهدنا لعدم حصوله ولتجنب وقوعه.

3. إن قضية فلسطين قضية اسلامية عربية ولايمكن لأي بلاد عربية او اسلامية او لأي حاكم عربي مسلم ان يغفلها أو يهملها من دون ان يعرض نفسه للانتقاد او التخطئة 
4. إن المسئولية الأدبية العظمى التي أخذناها على عاتقنا بموافقة صديقتنا بريطانيا حين اصدرنا بالاشتراك مع ملوك العرب وأمرائهم البيانين الذين كان لهما الأثر الفعال والمباشر في وقف الاضطرابات وتعاون العرب مع اللجنة الملكية.
5. إننا على الرغم مما مر وبالرغم من التشاور الواقع بين الحكومات العربية لتوحيد خطة العمل في معالجة قضية فلسطين لم نشأ ان نزيد في الصعوبات التي تواجهها الحكومة البريطانية بالاحتجاج على تقرير التقسيم أو اعلان استهجاننا له وعدم موافقتنا عليه وانما اكتفينا بابداء ملاحظاتنا وبيان رأينا لها رأسا وفيما بيننا ولوثوقنا انها تتلقى ما نوضحه لها بكل صراحة واخلاص وتعتبره دليلا قويا على وجود الرغبة الصادقة من جانبنا في اتباع خطة مشتركة من شأنها مواجهة الصعوبات وحلها على الوجه الموافق، غير ان مضي الحكومة البريطانية في خطتها برغم ما ظهر لها من هياج الرأي العام وظهور بوادر الخطر في هذه القضية يجعلنا نتقدم ببياننا هذا آملين توثيق التعاون بيننا وتوحيد خطتنا نحو هدف واحد هو تأمين السلام واقراره في هذا القسم من العالم.
6. إننا نرى بوادر الخطر ظاهرة في التحفز والاستعداد في فلسطين وشرقي الأردن نفسهما وفي البلاد العربية المجاورة وقد تحقق لدينا ان العرب يعتبرون هذه القضية قضية موت أو حياة ونخشى ان ينقلب هذا النزاع (وليس من المستبعدان ينقلب) إلى نزاع عنصري بين العرب وبريطانيا، وهذا أمر يجب ان نبذل جهدنا للحيلولة دونه ولكن قوة الرأي العام ودافع الشعور يجعل الوقوف في سبيله فضلا عن عدم مساعدته امرا في حكم المستحيل وهذه احدى المشكلات التي علينا ان نواجهها اذا جد الجد.

7. فإذا أمعنت الحكومة البريطانية في كل ما ذكرنا نعتقد انها ستعمل جهدها على تغيير قرارها باجراء التقسيم، لأننا نعتقد ان الحكومة البريطانية قد برت بوعدها بالنسبة لليهود بينما ان التقسيم فيه اجحاف كبير لحقوق العرب لاسيما اذا اخذنا بعين الاعتبار ان ما اطلق عليه تبادل السكان من المنطقة اليهودية إلى المنطقة العربية انما هو في الحقيقة اجلاء لم يجر له مثيل من قبل لأن المنطقة العربية ليس بها عدد من اليهود يذكر، ووعد بلفور في أساسه لم ينص على اجلاء العرب من بلادهم بل على العكس اوصى بعدم الاجحاف بحقوقهم وسيكون من دواعي سرورنا ان نقترح حلا عا دلا يرضى به جميع من يهمهم الأمر، ويحل القضية حلا نهائيا دائما على الاسس الآتية:
أ‌. تأسيس حكومة دستورية في فلسطين يشترك بها سكان فلسطين الحاليون بنسبة عددهم في الوقت الحاضر على أسس يتفق عليها وتوضع الضمانات الكافية لحماية الأماكن المقدسة والوصول اليها للجميع وكفالة حقوق الأقليات وتوزيع العدالة وضمان مصالح بريطانيا العظمى.
ب‌. تحديد الهجرة اليهودية بنسبة ثابتة هي النسبة الحالية بين سكان فلسطين بحيث لايجوز زيادتها عن ذلك مهما تقلبت الأحوال.
ت‌. وضع تدابير معينة لانتقال الأراضي بشكل يضمن عدم تجريد العرب من أراضيهم.
إننا نأمل ان تلاقي ملاحظاتنا هذه قبولا عند الحكومة البريطانية ونرجو ان توافينا بآرائها في ذلك قبل استفحال الخطر وستجد منا دوما ذلك الصديق الذي يهمه ادامة حسن التفاهم وتثبيت الصداقة بين العرب وبريطانيا، مستعدا لبذل ما في وسعه لايجاد احسن الفرص والظروف لتفاهم دائم وصداقة وطيدة " 

ثم أننا إذا ما أخذنا نتابع أسلوب الملك عبد العزيز رحمه الله في معالجة القضايا وطرح الموضوعات بأمانة وإخلاص نجده يتحدث عن حال المسلمين في ذلك الوقت ويتحدث إلى حجاج بيت الله الحرام في عام 1351هـ حيث ركز على التضامن الإسلامي وحث المسلمين على قضية التضامن وأهميته فقال بكل صراحة: 
"لقد تفشى الجهل، وساد التخاذل بين المسلمين، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه من الحالة الراهنة التي تعرفونها، ولم يبق من الدين إلا اسمه، وتفرقنا أيدي سبأ، وأصبح المسلمون فرقا وشيعا.
أما أولئك الذين يطبلون ويزمرون للنهج الحديث بتوجيه أنظارهم إلى هذه الأزمة الخانقة، وإلى هذا التبلبل السياسي، وإلى الفوضى الاجتماعية السائدة في تلك البلاد، فإن نظرة واحدة لمن يتدبر في هذه الأوضاع  تجعله يلمس فساد تلك النظريات المتسلطة على عقول السذج من المسلمين والعرب.
أما المسائل الصناعية والزراعية، فإن أوامر الله تعالى ونبيه صريحة بالأخذ بها، وكذلك في أعمال رجال السلف الصالح أكبر دليل على العناية بها، والأخذ بأسبابها، ولذلك فالقول بأن الصناعة والزراعة هما من نتاج الحضارة الغربية وحدها ليس بصحيح، وكذلك الطائرات والدبابات والمدافع والعدة التي تدافع بها الأمم عن نفسها وتذود بها عن حياضها، هي من الأعمال الصناعية أيضا ومما أمر الله به صراحة، فقال في كتابه العزيز: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوهم} .

"أنا عربي، ومن خيار الأسر العربية، ولست متطفلا على الرياسة والملك، فإن آبائي وأجدادي معروفون منذ القدم بالرياسة والملك. ولست ممن يتكئون على سواعد الغير في النهوض والقيام، وإنما اتكالي على الله، ثم على سواعدنا يتكيء الآخرون ويستندون ان شاء الله.
"لقد حاربنا جيوشا جرارة في أدوار مختلفة، منذ أن قمنا بهذه الدعوة المباركة، فكان نصيبها رغم كثرة عددها وعدتها، الفشل والخسران ولله الحمد.
"يقولون، إنني أطلب أن أصير خليفة على المسلمين. أنا ما ادعيت هذا ولا طالبت به، لأن على الخليفة واجبا هو تنفيذ أوامر الدين على كل فرد من أفراد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فهل هناك من رجل يستطيع أن ينفذ ذلك على المسلمين في هذه الأيام؟.

"أنا مسلم عربي.. رأست قومي بعد مصاعب طويلة، ولا فخر في ذلك وتسير الآن ورائي جيوش جرارة لا تقل عن أربعمائة ألف مقاتل.. إن بكيت بكوا، وإن فرحت فرحوا، وإن أمرت نـزلوا عند إرادتي وأمري، وإن نهيت انتهوا، وهؤلاء هم جنود التوحيد، "إخوان من أطاع الله" يقاتلون ويجاهدون في سبيل الله، ولا يريدون من ذلك إلا رضى الباري جل وعلا.
"وإن هذه القوة موقوفة لتأييد الشريعة الإسلامية، ونصرة الإسلام في الديار التي ولاني الله أمرها، أعادي من عادى الله ورسوله، وأصالح من لا يعادينا، ومن لا يناوئنا بسوء " .
وهكذا يركز الملك عبد العزيز – رحمه الله – على قضايا الأمة والظروف التي كانت تمر بها ويحث وينبه على أهمية التضامن بالنسبة للأمة العربية والإسلامية ثم يتحدث بكل صراحة عن أنه رجل لم يتطلع إلى أن يكون خليفة المسلمين ولم يسع إلى هذا المنصب وينبه إلى حجم وعظم المسئوليات الجسام التي تترتب على من يريد ان يتحمل هذه المسئولية بالنسبة للأمة الإسلامية. وهذا رجل نجده يتحدث بكل مسئولية وبكل صراحة وبكل وضوح. ومن هذا المنطلق فإن من يتتبع أحاديث الملك عبد العزيز وتوجهاته يدرك صدق الرجل وصراحته وبساطته ثم وعيه بأبعاد المسئولية والظروف المحيطة بالأمة الإسلامية في ذلك الوقت.

علاقاته بمن حوله ومع خصومه 
والمتتبع لسيرة الملك عبد العزيز يلاحظ انه كان عنده وفاء شديد للرجال الذين يعملون معه فكان يحترمهم ويقدرهم ودائما ما يسأل عنهم بين وقت وأخر حتى عندما تقدمت بهم السن كان يتابع احوالهم.
وللملك عبد العزيز موقف أنساني كبير ورجولي فيه نبل وشهامة وذلك عندما طلب الشريف عبد الله بن الحسين أن يزور الرياض وأمر الملك عبد العزيز بعمل الاستعدادات اللازمة وأخذ من مكة المكرمة مجموعة من الخياطين ومن المنجدين ورتب القصر في الرياض وهيأه لاستقبال الضيف وعند نزول الطائرة في الرياض وقف بجانبه أحد الناس الذين كان مع الأشراف وتبسم للملك عبد العزيز وهو يقول يا طويل العمر هذا خصمك أذله الله وأتى به ذليلا امامك خاضعا فغضب الملك عبد العزيز على هذا الرجل غضبا شديدا ودفعه بعيدا عنه وقال لا والله يا قليل الذوق لا والله ما أذله الله فجزاه الله خيرا أنه جاءنى ضيفا مكرما وهذا الكلام الخسيس الذي قلته لا أقبله فقد كنت دائما تتملقهم وانت معهم والآن جئت تشتمهم أمامي وهذا ضيفي لا أقبل بهذا الكلام أذهب ولم يقبل أن يراه طوال ذلك اليوم وغضب عليه لأنه أهان ضيفه.. وهذه نظره إنسانية عالية من الملك عبد العزيز في هذا الموقف.
وهناك قصة ذات مغزى عظيم تروى عن الملك عبد العزيز مع السيد طاهر الدباغ والسيد طاهر من الرجال الذين ناوأوا الملك عبد العزيز مناوأه شديدة عندما دخل إلى الحجاز وكتب كتابات كثيرة وأعترض ورأى أن دخوله غير صحيح وأنه نوع من التعدي على البلاد إلى غير ذلك من كلام السيد الدباغ وكان له موقف شديد في هذه المسألة ثم ذهب إلى العراق هاربا وبقي هناك لاجئا لعدة سنوات وبعد أن ضاق صدره كتب إلى الملك عبد العزيز يرغب في العودة إلى البلاد فرحب الملك عبد العزيز بطلبه وأمرهم بإرسال سيارات إلى العراق لإحضاره وأسرته وفعلا حضر السيد طاهر الدباغ إلى الرياض ولكن الملك عبد العزيز كان قد ذهب إلى المنطقة الشرقية للمشاركة في دفن أحد أمراء بن جلوي الذي توفي هناك وذهب السيد طاهر الدباغ من الرياض إلى المنطقة الشرقية وسلم على الملك عبد العزيز الذي رحب به وقابله وظل السيد طاهر الدباغ عدة أيام في ضيافة الملك عبد العزيز ثم في آخر الأيام قال للملك عبد العزيز أني أستأذنكم يا جلالة الملك في أن أذهب إلى الأهل في الحجاز فقال الملك عبدالعزيز للسيد الدباغ أمام الناس مرحبا يا سيد لكن ترى سامحنا عندما كنت في العراق تكتب خطوطك (أي رسائلك) إلى الأهل في الحجاز كنا نفتح هذه الخطوط وأنت تكتب فيها ملك جاهل يحكم شعبا جاهلا.. اليوم أنا أصدرت قرارا بتعيينك مديرا عاما للمعارف في المملكة لتعلم الشعب الجاهل والملك الجاهل!!.
هكذا قال الملك عبد العزيز هذه الكلمة ولم يتمالك السيد طاهر الدباغ نفسه فجلس بعد أن كان واقفا ثم توجه اليه وسلم عليه وأعتذر منه ووعده بأن يقوم بتحقيق الطلب الذي طلبـه منه وفعلا قاد السيد طاهر الدباغ بادارة التعليم والمعارف لسنوات طويلة، ,دعمه الملك عبد العزيز، وأعطاه الامكانات المتوفرة في ذلك الوقت، وكان من خيرة الرجال الذين بنوا أسس التعليم بالمملكة لكن الشاهد المهم هنا هو موقف الملك عبد العزيز من هذا الرجل الذي قد ناوأه واختلف معه فلم يأمر بقتله أو يأمر بعزله أو بسجنه وانما قفز فوق كل هذه الحوادث برجولة وموقف صارم وحازم وتصرف رجل بعيد النظر عإلى الهمم فطلب من السيد الدباغ أن يتولى ادارة شئون التعليم وأصدر أمرا بذلك هذه أيضا من القصص الهامة التي لا بد من القاء النظر عليها والوقوف عندها والنظر في تصرفات هذا الرجل وفي حكمته البالغة ونفسيته العالية وقدرته على التصرف الحكيم في الوقت المناسب ولا شك ان هذه كلها أمور هيأته واعانته على أن يتولى الحكم في البلاد من ناحية ثم ساهمت في استقرار  الحكم من بعد لأولاده ما شاء الله تعالى.

وهذه قصة رواها لي الملك خالد رحمة الله عليه بأنهم كانوا هو والأمير محمد لم يستطيعوا حفظ القرآن ولا دراستة بالصورة التي يرغب فيها الملك عبد العزيز فكان الملك عبد العزيز حائرا وغاضبا لأنه يريد منهم أن يتعلموا القرآن فكان يوما في مجلسه فجاء رجل وقال له يا طويل العمر انا أعرف في الديرة رجلاً عالماً ومدرساً جيداً يعلمهم فقال له الملك عبد العزيز: لا بأس أذهب وأحضر الرجل عساه يعلم محمداً وخالداً وذهب الرجل لكي يحضر هذا المدرس وغاب ويبدو أنه لم يذهب بنفسه بل أرسل مرسولا آخر ومضى الوقت دون أن يحضر فقام الملك ونسي الموضوع.. والذي حدث أن الرجل المعلم أحضروه في المساء وعندما جاء في وقت متأخر كان الملك عبد العزيز قد قام من مجلسه وكما يقول قد فز من المجلس، وعندما حضر المدرس لم يعرف رجال الأمن عند الباب والخويه الموضوع وسألوا الرجل لماذا أحضرته فقال الملك عبد العزيز طلبه فظنوا أنه أخطأ وأرتكب جرما فقال رئيسهم ضعوه في الدباب    فوضع المدرس في السجن ونسوه لمدة ليلتين وبعد ذلك تذكر الملك عبد العزيز وسألهم قال: قبل عدة ليال ذكر أحد الناس هنا ان لديه مدرساً فقال  الرجل أنا أرسلت اليه فقال بعض الخوية: نعم جاء الرجل ووضعناه في الدباب فغضب الملك عبد العزيز غضبا شديدا وطلب إحضار الرجل فأعطوه ملابس ثم أخرجوه وأتوا به للملك عبد العزيز.. فيقول الملك خالد رحمة الله عليه عندما حضر الرجل خشينا أنهم بعد أن فعلوا فيه ما فعلوا ماذا سيفعل بنا وكيف سيكون قاسيا علينا فقال له الملك عبد العزيز سامحنا يا شيخ ترى الخوية ـ أي رجال الأمن ـ  تصرفوا بصورة خاطئة وما أمرناهم به لا حول ولا قوة الا بالله وجزاكم الله عنا خيرا وأن الأولاد خالد ومحمد أبوا أن يتعلموا القرآن فسمعنا عنكم وخبرونا الأخوان فحبيت أنكم تعلموهم جزاكم الله خير.. فنظر المعلم إلى الملك وهو متأثر بما أصابه وقال بانفعال وهو يلم ثيابه ويهم بالخروج:  عساهم ما تعلموا ان شاء الله جعلهم ما تعلموا صار جاني هذا قبل ما يتعلموا أيش يصير لو جلست عندهم. فتبسم الملك عبد العزيز تبسم ووضع الغترة على فمه ولم يغضب من الرجل بل أمر أن يكرموه نظرا لما أصابه.

وهذا يوضح موقف الملك عبد العزيز وإنسانيته وتفهمه لأوضاع الناس وتقديره لما قد يصيبهم من أخطاء هنا وهناك.
الجوانب الإنسانية في حياته
ولعله من المناسب ان نأخذ جوانب من الحياة الاجتماعية ولقطات من تعامل الرجل مع الناس وروحه الإنسانية العالية التي تظهر من خلال هذه المجموعة من الحكايات التي سمعتها من رجالات اثق بهم، عاشوا مع الملك  عبد العزيز سواء كانوا من اولاده او ممن حوله من رجال خدموا هذا الكيان وتعاملوا مع هذا الرجل الإنسان، ومن ينظر بعمق في هذه القصص يرى تلك الجوانب الإنسانية التي ساهمت في احترام الناس للملك عبد العزيز واعتزازهم بمواقفه وتعامله وكرمه وايثاره ونبله وتسامحه وعدم حقده، بل قدرته على الصفح والتسامح، ولكن في بعض هذه المواقف تراه صارما وزعيما بمعنى الكلمة. 
ولنبدأ بهذه القصة التي يرويها سمو الأمير سعود بن عبد المحسن عن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز عندما كان أمير الرياض واستدعاه الملك عبد العزيز في وقت صعب في الظهيرة وبسرعة وأرسل إليه مندوبه "زويمر" وهذا الرجل عندما يأتي يعرف الأمراء أنـه لأمر حازم وشديد وليس لأمر عادي أو سار فقد كان يبعث "الطبيشي" ـ رحمه الله ـ عندما تكون هناك شرهات أو هناك أمور ذات مسرات. وعندما حضر الأمير سلطان وجد الملك عبـد العزيز غاضباً وأخبره بأنه غاضب عليه لأنه أمير الرياض ولا ينتبه إلى الرياض لأن بها رجلا يخطط للتخريب وعمل سوء للملك عبد العزيز وللرياض وأستغرب الأمير سلطان وسأله: من هو يا طويل العمر فقال الملك عبد العزيز: رجل أجنبي أبيض اللون طويل ذو لحية وليس بمسلم وكويفر فكان الأمير يحاول أن يعرف معلومات من الذين أخبروه فذكر الملك عبد العزيز أنه رآه في النوم أكثر من ثلاث مرات متوالية وهو يرى أن هذا الرجل بشكله هـذا يعمل ويخطط لأمور فيها سوء للرياض. فذهب الأمير سلطان يبحث ولم يكن بالرياض في ذلك الوقت عدد كبير من الأجانب فقد كان عددهم لا يزيد عن 36 أجنبياً فأستدعى المسئول في الرياض عن أمن الرياض وأخذوا يفتشون في جوازات الأجانب ثم دقق الأمير فيهم وأستبعد عدداً كبيراً مما لا ينطبق عليه الوصف واستقر في النهاية على ثلاثة يشبهون وصف الملك عبد العزيز فأخذ جوازاتهم وذهب للملك عبد العزيز وعندما وضع أمامه الجوازات على التو نظر الملك عبد العزيز إلى أحدهم وقال: هذا فأخذ الأمير سلطان الجواز ثم ذهب إلى جهات الأمن وطلب إحضار معلومات كافية عن الرجل فوجدوا انه طبيب عـادي يعمل في الرياض وهو يوغسلافي الأصل ويحمل جنسية بريطانية فذهبوا إلى منزله وفتشوا المنـزل ففوجئوا بأنه لديه خرائط دقيقة للرياض وتفصيلية عن قصر الملك عبد العزيز ثم جداول لمواعيد الملك عبد العزيز، خروجه إلى الصلاة وعودته وجلوسه للناس ثم أين ينام في المساء. جدول دقيق بكل تحركات الملك عبد العزيز وعندما سئل الرجل فقـال ان هذه هوايته وأنه لا يقصد شراً فأخذ وأوقف،  وذهب الأمير سلطان للملك عبد العزيز وقال هذا الرجل وجدنا وضعه كذا وكذا  فأمر الملك عبد العزيز الأمير سلطان قائلا: خذوه واذبحوه فأستغرب الأمير سلطان لأن الرجل في رأي الأمير سلطان لم يرتكب بعد ما يوجب قتله ولكن لا يستطيع أن يعصي الملك عبد العزيز فعاد إليه مرة ثانية، وحاول أن يراجعه ولكن الملك أصر وقال خذوه واذبحوه وأخيرا حاول الأمير سلطان بلباقة أن يخبره بأنه من الأفضل أن يبعثوه إلى الأمير فيصل في جدة ليذبحوه هناك فوافق الملك عبد العزيز فكتب الأمير سلطان إلى الأمير فيصل في الحجـاز وحققوا مع الرجل ثم رحل إلى خارج البلاد والقصة في حد ذاتها تري كيف ان الملك عبد العزيز أراد الله سبحانه له أن يرى في منامه رجلا يقوم بعمل مخططات وأشياء نحو ذلك ثم حزمه في أن هذا الرجل كما قال رجل "كويفر" ويتجسس ولا بد أن يحزم في الأمر ويقتل لأنه تجسس ولأنه خالف نظام جلوسه والهدف الذي من أجله حضر للرياض. فأنظر إلى تصرف الأمير سلطان وهو شاب في ذلك  الوقت، وحرصه على عدم التسرع في قتل الرجل، وسعيه لاقناع الملك عبد العزيز بارساله إلى الأمير فيصل، وهذه حكمة وروية تحسب للأمير سلطان.

وهذا جانب من جوانب حزم الملك عبد العزيز وسبحان الذي جعل هذه الرؤيا حقا " اتقوا فراسة المؤمن فأنه ينظر بنور الله " فسبحان من أراه هذا الرجل في منامه بشكله وبوضعه.
والقصة الثانية تروى عن شلهوب، وهو من رجال الملك عبد العزيز، ومن خوياه المقربين، وكان من المختصين بموضوع بناء القصور والانشاءات التي يطلبها الملك عبد العزيز على بساطتها في ذلك  الوقت، وكان الملك عبد العزيز قد أمره ببناء قصر له في المربع ولكنه تأخر لفترة وتعطل العمل نسبيا فقام الملك عبد العزيز بزيارة الموقع وعندما رآه غير جاهز غضب على "شلهوب" وتكلم عليه كلاما شديدا ثم قال له: بلهجته الصارمة إذا لم يتم هذا البناء خلال أسبوع سوف أقطع رأسك وذهب الملك عبد العزيز غاضبا وكلهم يعرفون خطورة كلام الملك عبد العزيز فذهب "شلهوب" وأخذ يحاول أن ينهي البناء وبعد أسبوع تقريبا عاد الملك عبد العزيز ودخل يسلم عليه وكان في غاية الارتباك ولحيته طويلة ووجه غير مغسول وملابسه غير مرتبه والملك عبد العزيز كان يعهد فيه أنه عندما يدخل عليه يكون في وضع أخر فأستغرب الملك عبد العزيز وسأله: وايش الدعوة يا شلهوب فقال: "يا طويل العمر أنا رجل لم اعرف مصيري فإن كان رأسي لي فأنا أذهب وأحسنه وأنظفه وإن كان لكم لا احتاج إلى ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله." فضحك الملك عبد العزيز وهذا يدل على أنه رجل عندما يغضب فترة فإنه يعود إلى التسامح ولذلك في نفس الأمسية جاء "شلهوب" بعد أن علم أن الملك عبد العزيز رضى عنه جاءه وقال له: يا طويل العمر أسأل الله أن يجعل عمري قبل عمرك أن تعطيني سيارة للأولاد فقال الملك عبد العزيز: "هين أعطيك السيارة ولكن اسألك الله تحلف هل صحيح تبغي عمرك قبل عمري" فنظر شلهوب حوله ثم قال: "لا والله أصدقك القول يا طويل العمر لا عمرك ولا عمر أولادك بعد" فتبسم الملك عبد العزيز وأعطاه السيارة. وهكذا نرى كيف تعامل مع الرجل بإعتدال واحترام، وتلك صور من جوانب حياة الملك عبد العزيز رحمه الله واعتداله.

وقصة أخرى مع شلهوب ففي وقت من الأوقات كان أمير الرياض هو الأمير ناصر بن عبد العزيز وأضطر للسفر خارج الرياض فأمر الملك عبد العزيز بأن يكون "شلهوب" أمير الرياض لمدة يومين لحين عودة الأمير ناصر فتولى "شهلوب" أمارة الرياض وكان الملك عبد العزيز في خارج الرياض في البر وظل "شلهوب" يوم ويومين ولم تحدث مشكلة في الرياض ولم يتخذ أي قرار وكان اليومان على وشك الانتهاء فأرسل برقية للملك عبد العزيز بتوقيع شلهوب: يقول فيها للملك عبد العزيز هطلت أمطار غزيرة على الرياض سالت على أثرها الأودية والشعاب وكانت برقية طويلة عريضة عندما وصلت إلى الملك عبد العزيز فرح بها فرحا شديدا وأخبر الناس الذين حولـه فأستغرب الناس لأنهم لم يروا سحابا ولم يروا شيئا من ذلك وكانت البادية تدرك مواسم الامطار وتدرك هذه الاشياء فعندما عاد الملك عبد العزيز للرياض وسأل فعرف انه لم تهطل أمطار فأتى "بشلهوب" فقال له: كيف تكتب لنا وتقول أمطار؟ فقال أنا كنت أمير الرياض وأوشكت أمارتي على الانتهاء ولا جاني أحد يشكي ولا تصرفت كأمير ولا أبرقت لكم ولا أبرقتم لنا وهذا ما يصير وكأني حتى ما ثبتت أمارتي فأردت أن أثبت إمارتي ولو ببرقيه فأبتسم الملك عبد العزيز وترك شلهوب لحاله. وهنا ترى حبه لرجاله وكانوا يألفونه ويألفهم، ويجرؤون عليه ويسامرونه، ويأنس بهم ويعطف عليهم، ويقبل منهم المزاح والمسامرات.
وهناك موقف انساني آخر يحسب للملك عبد العزيز أثناء زيارته لمصر فقد لقي سائقاً لسيارة تاكسي أحضروه اليه وذكروا له أن هذا حفيد السلطان عبد الحميد الذي حكم تركيا والذي كان من خيرة الحكام الأتراك فرق له الملك عبد العزيز وسلم عليه وقال: وتلك الأيام نداولها بين الناس الحمد لله على كل حال ولا حول ولا قوة الا بالله ثم أمر بإكرام الرجل وإعادته إلى تركيا حيث ذكر ان هناك أسرته وأجرى له مرتب تقديرا لوضعه لأنه حفيد السلطان عبد الحميد رحمه الله.


اعتداله في معالجة القضية الفلسطينية مع رؤساء امريكا وبريطانيا:
ومن الإعتدال الذي يلاحظه المتابع لسيرة الملك عبد العزيز هي الكيفية التي كان يتعامل فيها مع بعض رؤساء الدول الغربية وخاصة أمريكا فقد كان يلجأ إلى أسلوب فيه تعقل وحكمه ويسعى إلى مخاطبتهم باعتدال، ليوضح لهم حقيقة الظلم الذي وقع على الأمة العربية، ويناشدهم بالمبادئ التي يؤمنون بها على الوقوف مع الحق والعدل ليقول في خطاب بعثه إلى الرئيس فرانكلين روزفلت – رئيس الولايات المتحدة الأمريكية:
" يا صاحب الفخامة:في هذا المعترك العظيم الذي قامت فيه الأمم تهدر دماءها وتبذل ثرواتها دفاعاً عن حرياتها واستقلالها في هذه المعترك الذي أعلنت فيه المبادئ السامية التي يكافح من أجلها الحلفاء في ميثاق الأطلانطيك.في هذا الصراع الذي أهاب فيه زعماء كل بلد بشعوبهم وحلفائهم وأصدقائهم، أن يكونوا عوناً لهم في النزاع الحياتي. راعني وراع المسلمين والعرب، ما شاع عن انتهاز فئة من اليهود الصهيونيين هذه الأزمة الخانقة، وقيامهم بدعاية واسعة النطاق، أرادوا بها السعي لتضليل الرأي العام الأمريكي من جهة، والضغط على دول الحلفاء في موقفهم الحرج من جهة ثانية، ليحملوا بذلك دول الحلفاء على الخروج على مبادئ الحق والعدل والإنصاف التي أعلنوها وقاتلوا من أجلها، وهي حريات الشعوب واستقلالها، يريدون بعملهم هذا أن يحملوا الحلفاء على مساعدتهم في القضاء على الشعب العربي الآمن المطمئن في فلسطين من آلاف السنين، يريدون إخراج هذا الشعب الكريم من موطنه، وأن يحل اليهود المشردون من كل الآفاق في هذا الوطن الإسلامي العربي المقدس.

هكذا يتكلم الملك عبد العزيز بأسلوب معتدل إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ليشرح له الحقائق بصورة تصل إلى العقل وبدون انفعال، وهذا ما يلاحظ في كل خطاباته التي خاطب بها رؤساء العالم في هذا الصدد.
ونراه كيف يضع الحقائق بصور دقيقة ويطرح القضية الفلسطينية بأسلوب واع فيقول للرئيس روزفلت:
" لقد ذكرت لفخامتكم في كتابي السابق، أنه إذا نظرنا إلى الموضوع من وجته الإنسانية فإن فلسطين، البلد الصغير، قد زج فيها من اليهود – إلى ما قبل الحرب الحاضرة – ما يقرب من أربعمائة ألف، فصارت نسبتهم فيها، بعدما كانت في آخر الحرب العامة الماضية سبعة في المائة، صارت قبل الحرب العامة الحاضرة تسعة وعشرين في المائة، وهذه الزيادة لا تزال مستمرة ولا ندري إلى أي حد ستنتهي، وأصبح ما يملكونه إلى ما قبل الحرب العامة الحاضرة مليونا وثلاثمائة ألف واثنين وثلاثين دونما من أصل سبعة ملايين دونم، وهو كل ما هو قابل للزراعة في فلسطين جميعها.
إننا لا نريد محو اليهود، ولا نطالب بذلك، ولكننا نطالب بألا يمحى العرب من أرض فلسطين من اجل إسكان اليهود فيها، إن أرض العالم لن تضيق على اليهود، فإذا تحمل كل بلد من بلدان الحلفاء الآن، في الوقت الحاضر، عُشر ما تحملته فلسطين أمكن حل قضية اليهود، وأمكن حل قضية إسكانهم، وكل ما نرجوه في هذه الموقف الحاضر، هو مساعدة فخامتكم لإيقاف سيل هذه الهجرة أيقافا تاما، بإيجاد اماكن لليهود غير فلسطين يأوون إليها، ومنع بيع الأراضي لليهود في فلسطين منعا باتا، ثم ينظر فيما يعد بين العرب والحلفاء لتأمين حياة من يمكن أن تتحمله فلسطين من اليهود المقيمين فيها الآن.


ونراه في خطاب آخر وفي صور من صور الإعتدال في المناقشة والحوار يكتب للرئيس روزفلت ايضا يا فخامة الرئيس ان هؤلاء اليهود يريدون الآن القضاء على حق هذا الشعب الفلسطيني بظلم لم يسجل له التاريخ مثيلا ولا نظيرا وذلك هو حق العرب في فلسطين الذي يريد رعاة اليهودية والصهيونية غمطه وازالته بشتى الوسائل التي اخترعوها وعملوا لها في انحاء العالم دعايات كاذبة.. انهم يا فخامة الرئيس: "  يعدون العدة لخلق شكل نازي – فاشستي، بين سمع الديمقراطية وبصرها، وسط بلاد العرب، بل في قلب بلاد العرب، وفي قلب الشرق الذي أخلص العمل لقضية الحلفاء في هذه الظروف الحرجة.
إن حق الحياة، لكل شعب في موطنه الذي يعيش فيه، هو حق طبيعي، ضمنته الحقوق الطبيعية، وأقرته مبادئ الإنسانية، وأعلنها الحلفاء في "ميثاق الأطلانطيق" وفي مناسبات متعددة.
والحق الطبيعي للعرب في فلسطين، لا يحتاج إلى بيانات، فقد ذكرت غير مرة لفخامتكم، وللحكومة البريطانية، في عدة مناسبات، أن العرب هم سكان فلسطين منذ أقدم عصور التاريخ، وكانوا سادتها، والأكثرية الساحقة فيها، في كل العصور.
وإننا إذ نشير إشارة موجزة إلى هذا التاريخ القديم والحديث لفلسطين حتى اليوم، فلكي نبين أن دعوى الصهيونية في فلسطين لا تقوم على أساس تاريخي صحيح." 

ومن الملاحظ أن هذا الملك الإنسان ينبه إلى خطورة الصدام الذي سيحدث في يوم من الايام بين العرب واليهود وانه في نهاية الأمر قد تكون النهاية ساحقة لهذه الفئة اليهودية الظالمة اذا اجتمعت العرب ووحدت صفوفهم:
" وصفوة القول، أن تكوين دولة يهودية بفلسطين، سيكون ضربة قاضية لكيان العرب، ومهددا للسلم باستمرار، لأنه لأبد وأن يسود الاضطراب بين اليهود والعرب، فإذا نفد صبر العرب يوما من الأيام ويئسوا من مستقبلهم، فإنهم يضطرون للدفاع عن أنفسهم، وعن أجيالهم المقبلة إزاء هذا العدوان، وهذا – بلا شك – لم يخطر على بال الحلفاء العاملين على إقرار سيادة السلم، واحترام الحقوق، ولا نشك بأنهم لا يرضون بهذه الحالة المقلقة لسلام الشرق الأوسط.

ثم نرى هذا الاسلوب في الإعتدال في خطابه إلى الرئيس ترومان في 23 جمادي الآخرة 1365هـ الذي تحدث فيه بأنه يمثل رأي اخوانه العرب والمسلمين بالأمل الكبير في عدالة الرأي الأمريكي بالنسبة للظلم الذي وقع على الأمة العربية فيقول:

" ونحب أن نؤكد لكم يا صاحب الفخامة أن البلاد العربية والإسلامية تعلق اكبر الآمال على الحكومة الأمريكية بصفتها حاملة مشعل الحرية والمناضلة عن الحق والعدل في جميع أنحاء العالم، من دون تفريق بين العناصر، والألوان والمذاهب.
إننا لا نخاطبكم باسم المصلحة أو العاطفة فحسب وإنما نخاطبكم بصفتنا أصدقاء نعمل معا على ما فيه خير بلدينا وشعبينا خاصة والعالم عامة ونناشدكم باسم الإنصاف والعدل من حيث هما إنصاف وعدل" 
ومن ينظر في بقية خطاباته ومحادثاته مع الرؤساء يلاحظ ذلك الاسلوب الذي يلجأ إلى الحكمة والروية والحوار الذي يحاول فيه أن يصل إلى عقل الطرف الآخر فيقول في خطابه الذي ارسله للرئيس ترومان بصورة معتدلة سنة 1365هـ 23 ذي القعدة بعد أن لاحظ الملك عبد العزيز أن خطاب بعثته الحكومة الأمريكية بتوقيع الرئيس الأمريكي هاري ترومان إلى الحكومة البريطانية تؤيد فيه تقرير اللجنة البريطانية الأمريكية وتدعوها فيه لتنفيذه ولاحظ الملك عبد العزيز أن تلك الخطوة ظالمة وفيها تجاوز للحقوق العربية في فلسطين فبعث للرئيس ترومان رسالة يذكره بالعلاقات التي تربط بين المملكة وأمريكا ويقول بعد مقدمته:
" لقد دهشت للإذاعات الأخيرة التي نسبت تصريحاً لفخامتكم بدعوى تأييد اليهود في فلسطين وتأييد هجرتهم إليها مما يؤثر على الوضعية الحاضرة خلافاً للتعهدات السابقة.
ولقد زاد في دهشتي أن التصريح الذي نسب لفخامتكم أخيراً يتناقض مع البيان الذي طلبت مفوضية الولايات المتحدة في جدة من وزارة خارجيتنا أن ينشر في جريدة أم القرى  باسم بيان أدلى به البيت الأبيض بتاريخ 16 أغسطس 1946م، وذلك البيان صريح في أن حكومة الولايات المتحدة لم تتقيد بأية فكرة من جانبها لحل مشكلة فلسطين، وأظهرتم أملكم بحلها بواسطة المحادثات بين الحكومة البريطانية وبين وزراء خارجية الدول العربية وبين الحكومية البريطانية والفريق الثالث وأظهرتم فخامتكم رغبتكم في إيجاد تسهيلات في الولايات المتحدة لإيواؤ المشردين وفي جملتهم اليهود.
ولذلك كانت دهشتي عظيمة حين اطلاعي على البيان الأخير الذي نسب إلى فخامتكم مما جعلني أشك بصحة نسبته إليكم، لأنه يتناقض مع وعود حكومة الولايات المتحدة والتصريح الذي صدر في 16 أغسطس 1946م عن البيت الأبيض.

رغبة مني في المحافظة على صداقة العرب مع الولايات المتحدة، أوضحت لفخامتكم بهذا البيان الظلم الذي يمكن أن يحيق بالعرب إذا بذلت أية مساعدات لهذا العدوان الصهيوني، وإني على يقين بأن فخامتكم ومن ورائكم شعب الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل أو يدعو للحق والعدل والإنصاف ويحارب من أجله ليقره في سائر أنحاء العالم، ويمنع هذا الحق والعدل عن العرب في بلادهم فلسطين التي ورثوها عن آبائهم واجدادهم منذ العصور القديمة" .
هكذا يكتب هذا الملك لرئيس الولايات المتحدة ويذكره بأسلوب حكيم بخطأ السياسة الأمريكة التي دعمت الظلم اليهودي على العرب في فلسطين.
ثم نراه في خطاب آخر يجنح إلى أسلوب بديع عندما يدعو الولايات المتحدة إلى التفريق بين المساعدات الإنسانية وبين الدعم الظالم الذي يؤدي إلى القضاء على هذا الشعب الفلسطيني ليقول في خطابه الذي بعثه للرئيس هارى ترومان في 7/12/1365هـ.:
" لقد تلقيت بتقدير فائق رسالة فخامتكم التي بعثتموها إليَّ بواسطة مفوضية الولايات المتحدة بتاريخ 25 اكتوبر 1946م، وإني أقدر صداقة فخامتكم وشعب الولايات المتحدة لي شخصياً ولبلادي ولسائر البلاد العربية.

تقديرا للغيرة الإنسانية التي أظهرتموها فإنني لم أعترض على أية مساعدة إنسانية تسدونها فخامتكم أو تسديها الولايات المتحدة للمشردين من اليهود إذا كانت تلك المساعدة الإنسانية لا يراد منها القضاء على شعب آمن في موطنه.
ولكن اليهود الصهيونيين جعلوا من هذه الدعوة الإنسانية منفذا لأغراضهم الخاصة في الاعتداء على فلسطين للتغلب فيها بتكاثرهم وصيرورتها يهودية ليؤسسوا لهم دولة فيها ويطردوا سكانها العرب ويجعلوا منها قاعدة للتعدي على البلدان العربية المجاورة وتنفيذ برنامجهم الجائر.
إن مبادئ الإنسانية ومبادئ الديمقراطية التي قامت عليها دعائم الحياة في الولايات المتحدة تتنافي مع إكراه شعب آمن في وطنه، بإدخال عناصر أجنبية عنه لتتغلب عليه وتخرجه من بلاده مستعملة في ذلك تضليل الرأي العام العالمي باسم الرحمة والإنسانية ووضعوا من وراء ذلك الحديد والنار.
والآن يراد باسم الإنسانية  أن تكره الأكثرية العربية في فلسطين على إدخال شعب بغيض لهم ليصبح أكثرية ويصبح الأكثرون أقلين.

وأعتقد ان فخامتكم توافقون معي على أنه لا يوجد شعب في العالم يمكن أن يقبل بان يدخل عليه في بلاده شعب أجنبي عنه حتى تكون له الأكثرية ويتحكم فيها بما يشاء.إني على يقين بأن فخامتكم لا تقصدون معاداة العرب.وأعتقد بأن شعب الولايات المتحدة لا يمكن أن يرضى بمخالفة المبادئ الإنسانية والديمقراطية وقد أوضحت هذا لفخامتكم اعتمادا على الصراحة التي اعتدت عليها والتي أعتقد أن فخامتكم وشعب الولايات المتحدة يرغبان فيها.
وإني على استعداد لبذل كل ما من شأنه أن يزيل سوء التفاهم وأن يجلو الحقائق ويوضحها لتأمين الحق  والعدالة ولتوطيد الصداقة بيني وبين فخامتكم وبين شعب الولايات المتحدة. 
وفي مذكرة للحكومة البريطانية حرص الملك عبد العزيز أن يوضح مخاوف الأمة العربية وهو يعبر عنها من رغبة أكيدة لتكوين مملكة يهودية في فلسطين فيقول في مذكرته للحكومة البريطانية التي بعثها عام 1365ه برغبة في إيضاح الحق العربي لهذه القضية فأستخدم اسلوبا دبلوماسيا رفيعا لإيضاح القضية لهم:
" لسنا في حاجة إلى أن نؤكد للحكومة البريطانية صداقتنا وسعينا في تقوية هذه الصداقة وأن السياسة التقليدية التي سرنا عليها هي التي حملتنا على تبادل الرأي مع بريطانيا الصديقة في كل ماله صلة بالصالح العربي.
إن كل ما نسعى إليه من قديم هو أن يسود السلام وتزداد الطمأنينة ويقوى التعاون بين العرب جميعا وبين الحكومة البريطانية التي أثبتت الحوادث صداقتها للشعب العربي وسعيها للأخذ بناصره والشعب العربي لم يشذ عن هذه القاعدة إلا في فلسطين ليس لأن بريطانيا لها رأي آخر في الشعب العربي بل لشذوذ في وضع فلسطين بسبب تكاثر العناصر الغربية من اليهود وطغيانهم على سكان البلد الأصليين." 
وفي مذكرته التي بعثها في 19 ربيع الثاني عام 1365هـ إلى اللجنة البريطانية الأمريكية الخاصة بقضية تقصى الحقائق حول القضية الفلسطينية فقد سلم الديوان هذه المذكرة من الملك عبد العزيز لهم وكانت صريحة وبلغة معتدلة فقال:
1. إن الذي يدعو للحيرة في هذا الموقف هو الاعتداء الصريح على حقوق العرب في بلادهم فلسطين ذلك الحق الطبيعي الذي جاءت بريطانيا ومن ورائها أمريكا اليوم لتأييد هذا العدوان الصهيوني على بلاد العرب برغم كل الوعود الصريحة التي قطعت في شتى المناسبات.أ‌. انظروا تصريح الحكومة البريطانية في يونيو 1918م لسبعة من العرب في القاهرة عرف بتصريح السبعة.ب‌. انظروا التصريح البريطاني – الفرنسي الصادر بتاريخ 7 نوفمبر 1918م ففيه الوعود القاطعة للعرب.ج. انظروا الفقرة الأخيرة التي جاءت في كتاب الرئيس روزفلت بتاريخ 15 أبريل حيث يقول لي: (وجلالتكم تذكرون أيضا بدون شك أنه أثناء محادثاتنا الأخيرة أكدت لك أنني لن أقوم بأي عمل بصفتي رئيساً للسلطة التنفيذية في الحكومة يمكن أن يضر العرب).وهذه كلها صدرت بعد "وعد بلفور" فضلا عن الوعود التي كانت للعرب قبله.

2. لقد علمت أن الصهيونيين أطلعوكم على بعض المزارع والمصانع التي أوجدوها في فلسطين ليلفتوا نظركم إلى مقدار ما يمكن أن يخدموا بها البلاد ويبينوا لكم أنهم عمروا البلاد التي عجز العرب عن إعمارها ومن الإنصاف أن تنظروا للحقيقة الواقعة من الظلم الذي ليس فيه مساواة ولا عدل فهؤلاء الصهيونيون أخذوا تأييدا من بريطانيا وأمريكا بشكل لم يسبق له مثيل إزاء أية أمة أخرى ففتحت الحكومة البريطانية لهم سائر الطرق حتى تمكنوا من تطبيق برنامجهم فجمعوا لذلك الأموال الطائلة من البلاد التي يقيمون فيها فاشتروا الأراضي التي تساوي خمسة بخمسين واخذوا ينفقون بغير حساب عليها من منابع خاصة لأغراضهم الخاصة وهي احتلال فلسطين وإخراج أهلها منها فشردوا العب منها وطردوهم بقوة الحكمة إذ كل قرية يشترونها يخرجون أهلها العرب ثم يمحون آثار القرية ويغيِّرون اسمها ومعالمها بعد تشريد العرب وبذلك شغل الأهلون بفقرهم وبدفاعهم عن أنفسهم والنظر في حالتهم عن أي عمران.

3. أنا صديق لبريطانيا وصديق لأمريكا وسياستي قائمة على تحسين سياستي مع هاتين الدولتين وقائمة على تحسين السياسة بين العرب وهاتين الدولتين أيضا ولا أريد أن تضطرني الأيام بالرغم عنا وبغير إرادتنا أن نتعادى مع بريطانيا وأمريكا لدفع هذا الضرر المميت لنا جميعا وأحب أن تكونوا على يقين بأنه إذا استمرت هذه السياسة في استمرار الهجرة وبيع الأراضي ومنع العرب من حقوقهم الطبيعية والتي وعدوا بالمحافظة عليها فإن الحكومتين  البريطانية والأمريكية لا تستهدفان لنقمة العرب وحدهم فسحب بل انهما تستهدفان لنقمة كل من يقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله" من عرب وعجم وهند وصين وكل مسلم على وجه الكرة الأرضية في مشرق الأرض ومغربها وشمالها وجنوبها وهذا لا مصلحة لأحد فيه ومنه كل الضرر على المسلمين والعرب وعلى أمريكا وبريطانيا والصهيونيون لا تهمهم مصلحة بريطانيا ولا أمريكا ولا العرب ولا يهمهم إلا مصلحة أنفسهم ولو تقوى اليهود في هذا المكان الدقيق وصارت لهم دولة – لا سمح الله – فمن السهل عليهم أن يكونوا في جانب أي قوة تعادي بريطانيا وأمريكا لأن الذين يقاتلون البريطانيين الذين أحسنوا إليهم واووهم وقاموا في وجوههم أيام الحرب من السهل أن يقوموا عليهم في أحرج الأوقات" .

 

ماذا قالوا عنه؟
واذا أردنا ان ننظر في هذه المناسبة إلى حياة الملك عبد العزيز وتصرفاته وأردنا أن نقيمها ونحللها فيكفي أن نستعرض أقوال الرجال الذين درسوا حياته من خارج البلاد من مفكرين وساسة وأدباء، وكيف نظروا إلى تصرفات الملك عبد العزيز وصدقه وحزمه وادارته فمثلا كتب الدكتور "فون ويزل" الذي زار جلالته في العام 1345هـ (1926م) يقول:
"… وفي ابن سعود ميزة أخرى وهى أنه كريم وصادق، وقد حادثته مرتين في شئون مختلفة كان بعضها دقيقا جدا، فلم ألحظ قط أنه يلبس الباطل ثوب الحق.. نعم.. كان "سياسيا" أحيانا في أجوبته – فلا يقول كل ما يعرفه – ولكنه لم يتلفظ بكلمة واحدة غير صادقة.. والظاهر أن هذا شأنه مع الجميع فإني لما قابلت القناصل الأجانب في جدة قالوا لي: "إذا قال لك ابن سعود شيئا فثق أنه يقول لك الحقيقة التي لا تشوبها شائبة".
وكتب ناصر الدين دينيه" الكاتب الفرنسي المسلم في كتابه " الحج إلى بيت الله الحرام" الذي صدر في العام 1348هـ:
"… وبعد صلاة المغرب وتناول العشاء عدنا إلى أماكننا لسماع الخطبة التي سيلقيها هذا المسلم العظيم.. وما هي إلا هنيهة حتى بدا جلالته، ولم يغير شيئا من هيئته الأولى، فها هو ذا جالس في مكانه وقد انحنى قليلا نحو الحاضرين، وابتدأ خطابه بإلقاء طبيعي سهل، كان خاليا من تلك الإشارات التمثيلية الثقيلة، سالما من تلك الحركات المتكلفة الركيكة، وتلك الأصوات المزعجة، فالرزانة والرجولة والاعتداد بالنفس كلها كانت تتفجر في خطبته، ومن العجيب ألا يفارق حالته العادية وهدوءه المعتاد، حتى في ذلك الوقت الذي يبحث فيه أخطر المسائل وأهمها، ولم نر منه إشارة سوى ضم سبابتيه حينما يتكلم عن الاتحاد، وتفريقهما حينما يتكلم عن التفرق، ورغم هذا كله فقد كنا نحس بأن وراء هذا الهدوء وهذه البساطة وهذه الرزانة حزما وعزما وبطولة فذة يختص بها".
وفي كتاب: العرب والتاريخ والزيت" الذي وضعه "كيرمت روزفلت" خص جلالة الملك عبد العزيز بجانب كبير من حديثه عن الجزيرة العربية، وكان مما قاله عنه كمتحدث:
"… وهو يمتلك لب كل زائر يفد عليه من الخارج، ويمنحه صبرا لا ينفد وحبا لاستطلاع لا حد له، وله براعة نادرة في أن يجعلك تشعر بأنك فرد من أسرته القريبة، على الرغم من توسط ترجمان بينك وبينه فيما تتبادلانه من حديث".

وكتب الأستاذ/ عبد الرحمن عزام الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية مقالا عن جلالته في جريدة المصري 12/11/1953م بمناسبة وفاته، وكان مما ورد في هذا المقال:
"… كان رزوفلت طاغية يصرف الأمر ويملك كنوز الأرض، وقد وقع فريسة لليهودية العالمية سنين طويلة، يتصرف في شئون العرب وفلسطين وفق أهواء الصهيونية العالمية، حتى التقى بابن سعود على باخرة في الإسماعيلية بقناة السويس، فحدثه ثم شد على يده وعاهده على ألا يعمل في حياته ضد المصلحة العربية، وأنه لن يعمل عملا قبل مشورة العرب، والتقيت معه بعد ذلك بيوم في أوبرج الفيوم، فأخبرني بما كان بينه وبين روزفلت، وما ظننت أن روزفلت يصدق، حتى تجلت لي الأمور في أمريكا وعلمت أن روزفلت خرج من لقائه لعبد العزيز بن سعود وهو شيء آخر  بالنسبة لشعوره وفكره نحو العرب".

وأورد الأستاذ "خير الدين الزركلي" في كتابه "شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز" أوصافا دقيقة لكل ما يتعلق بالقائد العظيم، ومما قاله عنه في أحاديثه وخطبه:
"… ليس من المبالغة ولا من الثناء أن أذكر أن عبد العزيز كان عجبا في سرعة الخاطر إذا تحدث، وفي قوة الحجة إذا أراد الإقناع".
"… وقال لي صديق كان وزيرا للخارجية في سورية: أعجب ما رأيت في الملك عبد العزيز أنني لم أكد أبدأ الحديث معه حتى استوقفني وأجاب على ما قلت وما كنت مزمعا أن أقول".
"… وسر القوة في حجة عبد العزيز أن عقله كان يسبق لسانه، وأنه ينسى العاطفة أمام المنطق ولا يقول إلا ما يعتقد".
"… لم يكن يهييء الخطبة كما يفعل أكثر الناس، وفيهم من يكتبها ويحفظها، ويكاد سامعه لا يعرف أنه يخطب إلا من ارتفاع صوته هادرا، ومن ابتدائه – حين يريد الاسترسال والتوسع – بحمد الله ثم بالصلاة على نبيه كما كان يفعل الخلفاء الراشدون".

"… يتحدث حين يخطب منطلقا على سجيته، غير متأنق ولا متكلف، فيفيض في الشطر الأول من خطبته – أو من حديثه – بما تمليه عليه ذاكرته من عظات يستمدها، أو يستمد معاني أكثرها، من الحديث النبوي ومن آيات كتاب الله، ويأتي بالشواهد، وقد يتمثل بالبيت من الشعر أو بالشطر، يرد في كلامه عرضا، لا على أنه قول ينشد ولكن على أنه كلام محكم يورد. ويتناول الموضوع فإذا كان عاديا كافتتاح مجلس أو شروع في تنفيذ مشروع أو تحدث إلى فريق من الناس، تكلم هادئا متمهلا تتخلل قوله ابتسامه خفيفة تجتذب إليه قلوب سامعيه، وإن لم تكن الابتسامة فليس هناك عبوس ولا تجهم، ولا يلمح على وجهه في أي حال ما يعلو وجوه معظم الخطباء من تحديق في قريب أو بعيد، ومن اصطناع للجد، لا أثر للنكتة في خطاباته، ولا توقف لمعرفة رأي السامع فيما يقول.
"إذا كان الموضوع لأمر جلل كمواقفه في اجتماعات شيوخ نجد، وقد استمر في بعضها ساعتين أو أكثر، فكان هناك (الخطيب) حقا، المتجهم المزمجر، لا يتلكأ ولا يتلعثم ولا يتمتم ولا يجمجم. انطلاق فسيح في مجال القول، شواهد حية من أحداث عرفها السامعون أو أدركوا من عرفها، وحجج وبراهين.. هناك يتكلم "الإمام" وليس فيمن حوله من يدعوه بأكثر من "عبد العزيز" وقد يتجمل بعضهم فيدعوه "يا طويل العمر" إصغاء إلى كل حرف ينطق به.. لا هتاف.. ولا تصفيق.. ولا صياح.. ولا زعيق.. لم تنحصر مواقفه الخطابية هذه في نجد.. بل رآها بعض أبناء المناطق الأخرى من بلاده، وكثيرا ما كان يتحول إلى الخطابة بمعناها الصحيح وهو في إحدى خطبه العادية إذا استفزه في خلالها أو قبيل شروعه فيها قول أو حديث يستثيره، وإذا كان في الخطباء من يدركه المثار حين يستثار فالملك عبد العزيز كان أبين ما تراه يجد ويقتدح الزناد".
قال: "كنث وليامز" مواهب ابن سعود الخطابية عظيمة، فهو يظهر مقدرة عجيبة في أحاديثه العامة والخاصة وهو إذا تكلم تدفق كالسيل، يحب التحليل ورد الشيء إلى أصله، شديد الولع بتشريح المواضيع تشريحا يدل على ذكاء وفطنة ولباقة، يخاطب البدوي بلهجة البدوي، والحضري بلهجة الحضري، وما استمع أجنبي إليه إلا خرج مفتونا بحديثه".
" وتجدر الإشارة إلى أنه كانت له أيضا خطب وتصريحات رسمية أو شبة رسمية، كان يملي "الفكرة" فيها على بعض كتابه، فتصاغ الصياغة الأنيقة ولا يلقيها هو، وإنما يتلوها بالنيابة عنه أحد مستشاريه أو وزرائه، ولا يكون عبد العزيز هو المتكلم إلا إذا تحدث أو ارتجل". 

ولاشك أن أفضل ما نختم به حديثنا عن هذا الرجل وحياته وبنائه لهذا الكيان الكبير هذه المقتطفات من أحاديث الملك فهد خادم الحرمين الشريفين وهو يتحدث عن والده وما استفاده منه ونظرته إلى قيادة الملك عبد العزيز لهذه البلاد وتربيته لأولاده وعنايته بأمة وجهاده من أجل  رفع كلمة "لا اله إلا الله محمد رسول الله" وتطبيق الشريعة الإسلامية ووفائه لهذا الدين ثم لأولئك الرجال الذين كانوا معه فيقول الملك فهد:
"… وإذا كان من حقنا أن نفخر ونعتز بهذا القائد الملهم، المجدد، والمصلح التاريخي، باعتباره أبا قويا صالحا، حقق من الإنجازات  الوطنية، ما لم يحققه زعيم آخر معاصر له، وما لم يحققه زعيم آخر جاء بعده، فإن من حق كل مسلم في هذا العالم، أن يشترك معنا بهذا الفخر والاعتزاز، باعتبار الملك عبد العزيز زعيما إسلاميا عالميا رفع راية التوحيد، وطبق شريعة الإسلام، وجدد مسئولية الدعوة إلى الله، على مستوى التزامات الدولة، وأقام وحدة اجتماعية وسياسية وجغرافية كبرى على أساس الإسلام، ونهض بواجب النداء والعمل في سبيل وحدة العالم الإسلامي، وبنى مملكة تعتبر واحة ظليلة للمسلمين كافة.
"بل إن من حق كل إنسان أن يشترك معنا في هذا الفخر والاعتزاز، باعتبار الملك عبد العزيز زعيما إنسانيا عالميا، أقام دولته على أسس السلام، واحترام حقوق الإنسان، والتعاون الإنساني الصادق، في سبيل حياة إنسانية أكثر تقدما وأمنا، وأقل تخلفا وخوفا.

غفر الله له، وأثابه لقاء ما قدم لهذه الأمة، وجعل الخير موصولا في عقبه، وأدام علينا نعمة الإسلام، إنه ولي ذلك والقادر عليه".
وفي الكلمة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين للمواطن بمناسبة عيد الفطر المبارك (3 شوال 1402هـ) قال:
".. لقد جاء موحد هذه الجزيرة، وجامع شملها، الملك عبد العزيز، يرحمه الله، ليقيم دولة التوحيد، والشريعة الإسلامية والدعوة السلفية، رمز الإسلام الحقيقي، ومظهره العلمي، حيث يتحد الدين بالدنيا، وتسير الأمة كلها في طريق الله، طريق الجهاد الصادق والعمل المثابر".
وفي لقاء خادم الحرمين الشريفين بمنسوبي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (غرة شعبان 1404هـ) ألقى كلمة تمهيدية قال فيها:
".. كلنا يعرف ما أداه الملك عبد العزيز، يرحمه الله، وما واجهه من مصاعب في تكوين هذه القواعد الراسخة وسوف تبقى – إن شاء الله – راسخة ما دمنا متمسكين بكلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وننفذ شريعة الإسلام التي هي الفخر، وهي العز، وهي الفخر الأساسي لمن هو موجود الآن، ومن سوف يأتي.

أسس الملك عبد العزيز، رحمة الله عليه، هذه البلاد في سنوات عديدة، وكان الرائد العظيم الذي جعل الهدف الأساسي في قيادته، أن يقيم القواعد على أسس ثابتة، ويجمع شمل الأمة من مشرقها إلى مغربها، ومن شمالها إلى جنوبها، وكلنا يعرف ما اعترضه من مشكلات، وأدركت هذه الأمة أن الملك عبد العزيز يسعى لجمع الشمل، وأن مصلحتها في تجمعها.
وكلنا يعرف أنه عندما استقرت الأمور، وأخذت وضعها الطبيعي، ابتدأ التفكير في إيجاد القواعد التي يستطيع قائد هذه البلاد، الملك عبد العزيز رحمة الله عليه، أن يهيئها للمواطن، ويبني الوطن على هذا الأساس".
وقال يحفظه الله، في اللقاء نفسه، جوابا على سؤال عن مدى تأثر خادم الحرمين الشريفين بشخصية والده جلالة الملك عبد العزيز:
".. الشىء الذي تأثرت به من الملك عبد العزيز، هو أنه – دون شك – مرب كبير، ودائما عندما نكون في حضرته، يكون تركيزه الأساسي على إيضاح مفهوم العقيدة الإسلامية، وأن تمسكنا بهذه العقيدة هو الخير والسعادة والبركة التي ستكون دائما حولنا.

كانت نصائحه دائما تنصب على العقيدة الإسلامية، ولولا أن هذه البلاد متمسكة بالعقيدة الإسلامية، ما كانت وصلت إلى ما وصلت إليه.
كانت توجيهاته لنا، وأحاديثه معنا – كأبناء له – تنصب على إيضاح مفهوم العقيدة الإسلامية، فلقد كان، يرحمه الله، حريصا على أن تؤدى الواجبات التي فرضها رب العزة والجلال علينا، ومن أهمها الصلاة، والصيام والخلق الطيب، فهو قد أدى، رحمة الله عليه، واجبه من هذه الناحية وأوضح لنا الطرق والأساليب التي على أساسها يستطيع الإنسان أن يكيف نفسه ويكونها".

وختاما فهذه لمحات من حياة الملك عبد العزيز ركزت فيها على قضية ما تميز به من إعتدال في التعامل في قراراته، ولقد كانت هذه الصفة ملازمة له، وهو يتعامل مع أولاده ومن حوله ومع المواطن في قضاياه ومع العلماء عامة ورجال الدين ثم مع الزعماء ورؤساء الدول الأجنبية التي كان يتعامل معها، فقد كان منهج الرجل هو الإعتدال، ولم يكن مقبلا على الدنيا ولكنه أخذ منها نصيبه عندما فجر الله آبار البترول في بلادنا، ومع ذلك لم يتغير الملك عبد العزيز، وظل على منهج الإعتدال إلى أن توفاه الله.

وقد تحدث الأمير عبد الله الفيصل في حديث له حضرته مع صفوة من الإخوان وهم الشيخ ضياء الدين رجب، والأستاذ محمد اصفهاني، والأستاذ عبد المجيد شبكشي، والشيخ حسون البسطي رحمهم الله جميعا  وبعضهم يعيش بيننا اليوم منهم الأستاذ عبد اللطيف باناجة والعمدة  وقال:" كنت بجوار جدي عندما توفى وكان عنده طبيب،وكان يعاني من النزعات الأخيرة، فقام الطبيب بتركيب بعض السوائل لتساعده على الأكل من ناحية، وتخفيف الألم من ناحية أخرى، وكان يفتح عينية ويقول لهم: "خذوا هذا الكويفر عني، أنا مشتاق للقاء ربي." 
هكذا رأينا إن تاريخ الملك عبد العزيز – رحمه الله – لم يكن تاريخ توحيد، وتأسيس كيان كبير، فحسب، بل كان تاريخ اعتدال في الحكم وعطاء، وبناء تنمية، على أسس علمية ومنهجية فنية، تؤمن بالعلم، كما تؤمن بالإيمان، وتنطلق من الاهتمام بالإنسان، والعناية به، باعتباره العمود الفقري للتنمية والعطاء، فرغم ضآلة الدخل، وضعف الاقتصاد العالمي، وآثاره وانعكاسه على المملكة في ذلك الوقت، إلا أن التعليم كان في أول إهتمامات الملك عبد العزيز، حيث جعل له غاية واحدة، تجسدت في الالتزام بتعاليم الشريعة، سلوكا ومنهاجا، كما تجسدت في الاهتمام بالإنسان خلقيا ودنيويا، ابتغاء دفعه بطريقة واعية، وحكيمة، إلى تصور آثار التعليم وإيجابياته، ومن ثم الإقبال الذاتي عليه.

"… لقد انتقل الملك عبد العزيز – يرحمه الله – إلى جوار ربه، تاركا وراءه هذا المجموعة الكبيرة من الخصائص، والصفات، والأعمال الرائعة، التي يمن الله بها على من يشاء من عباده، وإنني أؤكد أن من نعم الله على هذه البلاد، وحسن حظها، أن حاضرها المشرف موصول بماضيها العريق، وأن ما تشهده – هذه البلاد من تحكيم شرع الله، ومن تنمية متتابعة ومتواصلة، في مجال التعليم والتدريب والزراعة والصناعة والعمران والرقي بالإنسان، والسير به على المنهاج الإسلامي، إنما هو امتداد أصيل لنهج الملك عبد العزيز رحمه الله وطريقته الفذة في العدل والإنصاف وتحكيم شرع الله.
وكما تمسكنا بهذا المنهاج في حاضرنا، فإننا سنظل – بإذن الله جل وعلا – متمسكين به، حتى يرث الأرض ومن عليها " .
وفي الختام فإن واجب هذه الأمة أن تقف لحظات تنظر وتتدبر أبعاد هذه المسيرة وتشكر الله على ما أكرم هذه الأمة من فضل وخير ونعمة ثم ننظر في تاريخ أولئك الرجال الذين ساهموا في بناء هذا الوطن وتحمل المسئولية وكانوا أوفياء لهذا الدين ثم لهذه الأمة ولهذا الوطن، والحقيقة ان حياة الملك عبد العزيز مليئة بالمواقف الرجولية والتصرفات الحكيمة واللمحات الإنسانية، وقد اتصف الرجل بكثير من الحكمة والروية والحزم والعدل، ونحتاج إلى دراسة واعية ونظرات عميقة في حياته ، لنعرف جوانب من أسرار حياته، فقد كان ملكا بحق، ورجلا يستحق أن تدرس حياته، وتتعظ بها الأجيال. 

ثم أن نتدبر ونتعلم دروس تلك المسيرة ونعلمها لأولادنا  ونستفيد منها كنبراس لمستقبلنا، فلقد كان الملك عبد العزيز رجلا صادقا نظيفا مخلصا، حمل أعباء المرحلة، وعمل ورفاقه على بناء هذا الكيان  وما صاحب ذلك من بطولات وتجارب وممارسات مختلفة هي دون شك رصيد تستفيد منه الأجيال القادمة في بناء تجاربها ومواصلة مسيرتها.


والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل..

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب