مراحل حياته:

مرحلة الميلاد والصبا بمكة المكرمة ومدارس الفلاح: (1940 – 1959)

في مدينة مكة المكرمة الطاهرة ابصرت عيناه النور في جبل السبع بنات بمنطقة اجياد عام 1940.. ارضعته ام كريمة محتسبة من ثديها غذاءا وحنانا .. ثم غرست بذور حب الخير وحب الله ورسوله في اعماقه .. فسار على هديها شاقا طريقه في الحياه  .. تعلم خطواته الأولى في طرقاتها وأزقتها .. يحدب عليه اب كريم .. يحمله الى جنبات الحرم على كتفيه .. من المطاف الى الصفا  واغدق عليه من زمزم وعنى بتربيته وتوجيهه واشبعه حبا وعطفا  الى جانب حنان الأم ورعايتها.
حرص عبد الله عبده يماني على اطعامه حلالا من عمله البسيط كفران في مخبز  الشيخ عبد الله الكعكي الذي يقع في ذلك الوقت امام باب الوداع  .. كان يبدأ يومه مع نسمات الصباح الأولى فيصلي الفجر في الحرم  ثم يقصد حوش الفرن ليعد الخبز ثم يدخل حفرة الفرن لينضجه ليتولى لاحقا بيعه للناس الذين كانوا يتجمعون حول الفرن  .. بيد ان طبيعة عمله في ذلك القيض والظروف القاسية  كانت تتطلب جهدا وعرقا وتعبا .. لكنها  سرعان ما تتلاشى وهو يرى ابتسامة طفله وقد اخذ عوده يشتد يوما بعد يوم وينظر بعين تملأها السعادة وهي تتأمل تلك الأم الحنون تستقبله مع ابنها اليافع في حضنها تعلمه آيات القرآن الكريم وتزرع في قلبه الغض حب القرآن وتعلمه فنشأ وحب العلم يملأ نياط قلبه متغلغلا في اعماقه .
لم تكن والدته السيدة الفاضلة مريم محمد الخمري تقرأ او تكتب ولكنها كانت امرأة حافظه للقرآن حريصة على العلم ذات رؤية واضحة تجاه مستقبل فلذة كبدها فعهدت بتعليمه القراءة والكتابة لأيدي مدرسات فاضلات في منطقة (أجياد) ومنطقة (بئر بليلة) كالسيدة (مريم البغدادية) يرحمها الله التي تلقى على يدها المبادئ الأساسية للقراءة والكتابة. ثم درس على يد السيدة (خديجة الجاوية ) التي كانت هي أيضاً تهتم برعاية الأطفال وتعليمهم  في المراحل الأولي من حياتهم الدراسية ..
كانت الدراسة على ايدي هؤلاء النسوة من المراحل السابقة للذهاب إلى المدارس الحكومية المنتظمة في ذلك الزمن وإلى جانب ذلك كان وبعض من زملائه يتجهون  إلى الحرم المكي الشريف ليتلقون  دروساً دينية في أروقته كقراءة القرآن الكريم وحفظه وتجويده وكذلك حفظ أحاديث الرسول علية أفضل الصلاة والسلام واستيعابها وتدبرها.
كان الشيخ عبد الله عبده يماني رجل نحيل البنية هاديء الطباع طيب القلب شديد الحب للخير حريص على  دينه لا يتحدث كثيرا ذا وجه مشرق بابتسامة وضاءة ترتسم على وجهه كلما تراه ولا يعمل الا صالحا  فورث عنه ابنه تلك الطباع  وقد حرص على ترسيخ بعض ملامح الحياة في مكة في ذهن ابنه رغم بساطة حياته ، مثابرا على عمله لدى الشيخ عبد الله كعكي كعادته لسنوات عديدة  ، وعندما توسعت أعمال الشيخ عبد الله الكعكي التجارية وتفرعت الى شركات للخبز ، استأذن  في الخروج من عنده والعمل في عمل خاص ففتح دكاناً صغيراً في سوق امام الحميدية بجوار باب الوداع يعينه على طلب الرزق وكان الفتى الصغير محمد عبده يماني يحرص على مساعدته عندما يعود من المدرسة فهو على علم باحوال والده المادية المتواضعة التي لاتساعد على اقتناء خدم أو عمال ..كان ذلك احد المنعطفات التي مرت بها حياته .. وبداية لتحمله للمسؤولية

بين الدراسة على الأرض على يد سيدات فاضلات إلى الدراسة تحت ضوء فوانيس الغاز في المرحلة الابتدائية التي حصل على شهادتها عام (1953م) الى الاعدادية (1956م) ثم الثانوية بمدارس الفلاح بالشبيكة (1959م) ثم الانتقال بين تلك المراحل الى حي المسفلة بجوار بركة ماجد  تشكلت شخصية الشاب محمد عبده يماني في تلك الفترة..بين عناء الفقر..وشدة الطموح..وبين الرغبة في التعلم واكتشاف هذا العالم وأسراره..وبين خدمة ضيوف الرحمن ومساعدة والده وبين تحقيق الذات بصور مختلفة من العمل الشاق طلباً للرزق والوقوف في طوابير طويلة أمام (البازان) كي يملأ (زفَّته) من الماء  ليحملها على ظهره إلى منزله وبيع ما كان يفيض عن حاجة أهله من المياه ليحصل على بعض النقود البسيطة فيفرح بما كان يكسبه بالرغم من ضآلته .. الا انه كان شديد الحرص على انفاقه على احتياجاته الأساسية البسيطة من كتب واقلام وكراريس ينهل منها ليشبع ذلك النهم الذي يملأه وذلك الشغف المسيطر عليه للتزود بمختلف المعارف والعلوم فقد كان مولعا ومحبا للقراءة والاطلاع لا يترك كتابا الا وقد اشبعه اطلاعا وفهما فلا يتركه من يده الا وقد اضاف الى حصيلته العلمية بقدر ما اتاحه ذلك الكتاب من معرفة .. وكم صحبه ذلك الكتاب على ظهر ذلك الحمار الذي كان يمتطيه من  مزارع البرسيم في المسفلة حاله حال اقرانه من مستوري الحال ليضع بعض المزارعون على ظهره البرسيم فيقوده قاصدا زقاق البرسيم في السوق الصغير مقابل نصف ريال اجرة ايصال وحراسة فقد كان الناس يشترون ذلك البرسيم لإطعام حيواناتهم .. وتارة يحمل قدر البليلة يجول به شوارع وازقة مكة .. وتارة اخرى تجده في جنبات الحرم ليسقي  الناس من ماء زمزم خاصة أيام الحج ليضعوا في يده الصغيرة بضعة قروش يفرح بها كثيرا
ساهمت تلك الظروف القاسية من شظف العيش والكفاح المبكر وحب العلم والاطلاع في صياغة شخصية محمد عبده يماني وصقلها علماء أجلاء في أروقة المسجد الحرام منهم فضيلة السيد علوي المالكي والسيد محمد أمين كتبي والشيخ حسن سناري والسيد محمد رضوان والشيخ الاستاذ عبد الرحمن دوم والأستاذ قاسم شاولى والشيخ عبد الحفيظ فدا ، والشيخ محمد العربي التبعاني ، والشيخ محمد نور سيف ، والشيخ عبد القادر موسى . وكان أكثرهم من أساتذته في المدرسة صباحاً وفي الحرم مساءً فقد كان التعليم في تلك الفترة احتساباً لوجه الله تعالى قياساً بمعدلات رواتبهم ودخولهم المتواضعة ثم قياسا بذلك الاهتمام الكبير الذي كانوا يولونه له ولأقرانه من فيض المعلومات وجميل التوجيه والرعاية التي تلقوها  منهم. وكانوا يلقون احتراما كبيرا من تلاميذهم الذين يقفون لهم كلما مروا تأدبا واحتراماً لمقامهم ولمكانتهم في نفوسهم ..
لم تكن الكتب الدراسية متوفرة كثيرا في ذلك الوقت فدرج على تبادل المتوفر منها  فيما بينه وبعض اقرانه  أو شراء المستعمل منها من طلبة آخرين سبقوه في المرحلة الدراسية .. وقد  ساهمت حياة الشظف والشدة هذه في بلورة حياته بالقدر الذي أسهمت في إصراره على ن ينطلق للبحث عن المستقبل الأفضل بعزيمة نادرة..وقوية.
كانت مرحلة دراسته الثانوية من أجمل فترات حياته حظي فيها برعاية استاذه الفاضل المرحوم السيد (إسحاق عزوز).. فقد كان بالنسبة له ابا ومعلما وموجها فاستطاع محمد عبده يماني ان ينهل من معينه دررا حاصدا للعديد من جوائز مدارس الفلاح التشجيعية للطلبة النجباء والمتميزين في الاعمال الأدبية والثقافية ،  وبدأت طلائع اعماله الأدبية تبرز الى النور بنشر قصص وحوارات ادبية يتعهد بنشرها  الاستاذ عبد الرزاق بليلة وطاهر زمخشري تشجيعا لذلك الفتى الواعد وشكل الشيخ صالح جمال رافدا آخرا من تلك الروافد التي كانت تصب في معين تشجيعهم ودفعهم للتحصيل العلمي من خلال مكتبة الثقافة فقد كان الشيخ يحرص على تزويدهم بالكتب بتكاليف بسيطة ويعفيهم من الدفع اذا اعادوا الكتاب الذي تم شراؤه سابقا ليقتنوا بنفس الثمن كتابا جديد يتزودون منه بمعرفة جديدة وكان يجعلهم يقرأون كتبا عديدة بثمن كتاب واحد وساهم الى حد كبير في بلورة ثقافتهم في ذلك الوقت حتى  برزت فيهم  مواهب أدبية في القصة والرواية والشعر والأدب .

انطلق محمد عبده يماني في بداياته الأولى خلال هذه الفترة وكتب مجموعة من القصص القصيرة أولهما قصة  "اليد السفلى"  ونشرت فيما بعد في مجلة كلية العلوم في الرياض وقصة "على ضفاف البريمي"  عندما حدثت معركة البريمي، ودون شك كان الجو العام يوحي بشئ من التحمس فكتب القصة  ونشرت في الصحف وطُلب منه مسؤول كبير القائها في الاذاعة التي كانت تقع بجبل هندي بمكة المكرمة فحصل على اول مكافأة لعمل ادبي  شجعته الى  مزيد من القراءة والإطلاع والكتابة فنشر مجموعة من القصص الأخرى والتي وفق إلى نشرها فيما بعد خلال السنوات التي تلت ذلك وهي قصص عديدة منها : " جراح البحر " و قصة " فتاة من حائل " وهي قصة عن فتاة من حائل ربطتها بالقضية الفلسطينية ثم قصص أخرى مثل: " اريده حبا "  وقصة " مشرد بلا خطئية " وهي عن طفل فلسطيني شرد بلا خطيئة ، وقصة " امرأة في الظلال "