مراحل حياته:

مرحلة التقاعد والتفرغ للعمل الانساني الى الوفاة: (1983ـ 2010)

من ضجة الاعلام الى سكون العمل الأكاديمي عاد محمد عبده يماني الى مقاعد الدراسة مرة أخرى بجامعة الملك عبد العزيز عام 1983 ، وكانت فرحته عظيمة عند اكتشافه ان معظم اساتذة الجامعة هم من ابنائه الطلبة الذين كان قد اولاهم عنايته. ووجد الوقت الكافي للتفرغ للخير فبارك الله له في وقته  واعانه الأخ الشيخ صالح كامل  وتضافرت جهودهما في الخير .. فشرق الرجل وغرب في كل مجالات العمل الانساني .. مسافرا الى ادغال القارات المختلفة ليواسي الأقليات المسلمة هنا وهناك بفضل الله .. ليطعم الجائع .. ويكسي العاري .. ويوصل الدواء .. ويوفد المدرسين لتعليمهم .. ويبني المساجد والمدارس وكأني به قد وجد ضالته فلزمها ولم يبرحها.

تميزت مرحلة ما بعد وزارة الاعلام  بمنحه الوقت الذي كان يتمناه  فحرص خلالها على الانكباب على البحث العلمي الدقيق في تخصصه الأصلي و كثير من العلوم الشرعية والعربية و المعارف والعلوم  المتعددة ، فكان ديدنه ليل نهار شأن كبار الباحثين والعلماء ، يجمع المعلومة ، ويدقق ويستنبط ويحلل و يتذاكر مع العلماء والمختصين والمثقفين , ويتباحث معهم ويسأل بكل تواضع وشغف معرفي متفاعلا في تلك الابحاث مع قضايا الأمة الآنية والمستقبلية يستنبط الحلول لمواجهتها ، ويهيء الأمة للاستعداد لها ، ومن اهمها قضايا الأقليات المسلمة ، والتنصير ، والغزو الفكري والاعلامي الموجه ، والبث الفضائي المباشر ، وقضايا الارتقاء بالتعليم في العالم الاسلامي بما يتفق مع متطلبات العصر وتقليص الفجوة التعليمية بين العالم الاسلامي  والعالم الغربي وتبسيط السيرة للناشئة ، والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام البررة ، وتميزت ايضا هذه المرحلة بغزارة انتاجه الفكري فأصدر خلالها مجموعة كبيرة من الكتب في السيرة النبوية اهمها ( علموا اولادكم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ،  ( علموا اولادكم محبة آل بيت النبي ) ، ( علموا اولادكم انهم اصحاب رسول الله ) ( بأبي انت وأمي يارسول الله ) ، ( كيف صام رسول الله ) ، ( كيف حج رسول الله ) ( خديجة بنت خويلد سيدة في قب المصطفى ) ( انها فاطمة الزهراء ) ( كيف نصلى على رسول الله ) ، ( لماذا لم يعبد رسول الله ) ( بدر المدينة والغزوة ) ( والدا النبي الكريمان ).. وابحاث اخرى حرص فيها عن الدفاع عن السنة المطهرة وفند فيها مزاعم المأجورين الذين يحاولون التشكيك والطعن في الحديث النبوي الشريف ومن هذه الكتب  ( تأدبوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ( ابوهريرة  الصحابي الجليل والحقيقة الكاملة ) ، ( السيدة عائشة وامانة الرواية ) فدحض في هذه الأبحاث التهم التي كانت تنسب الى ابي هريرة والسيدة عائشة رضي الله عنهما وفند تلك الأباطيل التي كانت تروى عن  كثرة روايتهما للحديث النبوي الشريف .

وفي كتب اخرى تناول قضايا اسلامية ذات اهمية محيطا الأمة برايه السديد فيها مثل ( المعادلة الحرجة في حياة الأمة الاسلامية ) ،(علموا اولادكم ذكر الله تعالى ) ، ( البنوك الاسلامية الى اين ) وكذلك اولى  اهتماما خاصا بقضايا الأقليات المسلمة في العالم منبها الى معاناتها وموضحا تلك الهجمات الشرسة والمستعرة التي تتعرض من قبل الارساليات التبشيرية والتنصيرية في كتب عديدة مثل :  ( افريقيا لماذا لا تضيعوا افريقيا كما ضاعت الأندلس)  (قادم من بكين والاسلام بخير) ، (روسيا والمسلمون ومحنة  الانفتاح الجديد) (المسلمون السود في امريكا القصة الكاملة ) ، ثم كشف عورة تلك النحل الهدامة التي تدعي الاسلام والاسلام منها براء ونبه المسلمين الى اباطيلها خطورتها في كتبه ( حوار مع البهائيين) و (البابية) و(البهائية) و ( القاديانية) ثم عمد لإطلاق الدعوات للتهيؤ لعصر البث الفضائي القادم  والانفتاح المعرفي المنهمر على رؤوس المجتمعات الإنسانية منذ بداية الثمانيات من القرن الميلادي الماضي في كتبه ( اقمار الفضاء غزو جديد ) و( احاديث في الاعلام) و (الاعلام العربي ما بعد ازمة الخليج). بالاضافة لتفاعله مع القضايا الاجتماعية المختلفة التي كانت تبرز بين حين وآخر في كتبه (للعقلاء فقط) بجزئية الأول والثاني وكتابه (كلمة طيبة)

كان منفتح على مختلف العلوم واحب بنحو خاص علوم الفضاء وحرص على تقريبها للناشئة فألف فيها كتبا منها (نظرات علمية في غزو الفضاء) ، (هل نحن وحدنا في هذا الكون) ، (المذنب هالي) ، (الأطباق الطائرة حقيقة ام خيال).

خرج محمد عبده يماني على الناس، من اطهر بقعة على الأرض، حاملا بين اضلعه الغضة قلبا رحيما بالفطرة ، متشربا من والده الشيخ عبد الله عبده يماني ومن والدته السيدة مريم محمد الخمري خلقا رفيعا وقلبا طيبا محبا للخير نابضا ممتلئا بحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم  ، عاضا على سنته بالنواجذ فجعل يجتهد في العمل  بها  مقبلا بقوة على اتباع ذلك الهدي النبوي لا يتقدمه في حياته شيْ البتة, تقوده بينات من الهدي الرباني  وانعكس  ذلك في كريم شمائله  ذلة للمؤمنين وخاصة الضعفاء،  وانغماساً بين المنكسرة قلوبهم من المساكين و الضعفاء والغرباء  رجالاً كانوا أم نساءً , صغاراً أم كباراً, سادة ومتعلمين، بسطاء وغير متعلمين أيا كان موطنهم  وسخر وقته في سبيل قضاء حوائجهم  ، فتعاون مع اخيه صالح كامل رئيس مجموعة دلة البركة على انشاء مؤسسات متخصصه لخدمتهم فلمرضى القلب جمعية تشفي قلوبهم وتشد من ازرهم، ولمرضى السرطان جمعية تواسيهم وتحنو عليهم، ولمرضى السكر جمعية تعطيهم الدواء وتقف على احوالهم، وهناك مكتب لمختلف الأمراض الأخرى يقف بجانبهم ويسهل علاجهم ، وفي جانب آخر يترأس جمعية اقرأ الانسانية التي تولي اهتمامها بالمسلمين في شتى انحاء المعمورة فأوصل المساعدات للمسلمين في كل حدب وصوب حتى في الجزر القابعة في المحيطات النائية وارسل البعثات الطبية لعلاج المسلمين في اوطانهم وانشاء دور للقطاء ولذوي الاحتياجات الخاصة ، واشترك في إنشاء بعض الجامعات الإسلامية، في الباكستان وفي اليمن. وفي بعض الدول الأفريقية والاسلامية. ويشرف على الجامعة الاسلامية في شيكاغو ، وله دور بارز في انشأ قناة اقرأ التي ربطت المسلمين في شتى المعمورة ببضهم البعض وانشأ دارا لخدمة الاصدارات الاسلامية اسماها في دار القبلة للثقافة الاسلامية والنشر ، ويترأس الكثير من الجمعيات الخيرية التي تعنى بمختلف احتياجات المجتمع وعلى وجه الخصوص جمعية تحفيظ القرآن الكريم فقد كان عضوا في مجلس ادارتها واولى عناية خاصة بحلقات تحفيظ القرآن للأطفال والناشئة ، وعمر  الكثير من المساجد والمدارس في مختلف أنحاء العالم .واعتنى من خلال (جمعية إقرأ الخيرية ) بالطلاب المسلمين النابهين ، وابتعاثهم لإتمام دراساتهم وعودتهم إلى بلادهم ، وذهب الى مختلف مناطق الأقليات المسلمة بنفسه ليتفقد احوالهم في في افريقيا واندونيسيا والجمهوريات الاسلامية في الاتحاد السوفيتي سابقا والى الصين ، واجتماعه مع الشباب المسلم ، واحتضانه لعدد كبير من ابنائهم الطلبة ، سواء من الأيتام أو غيرهم ، وتجديد بناء وترميم بعض المساجد بها  .
 
اما رعايته لذوي الحاجات فلها مظاهر متعددة  منها  تخصيص رواتب لذوي الحاجات من الأرامل والأيتام والعجزة ، وله في كل مدينة مكتب يؤمه المئات منهم وإيصال عوز المعوزين إلى السلطات . فتحل بإذن الله تعالى . وإدخال كثير من المرضى إلى المستشفيات في جدة ومختلف مدن المملكة وخارج المملكة، وثمة تعاون بينه وبين تلك المستشفيات، لإجراء العمليات وتلقي العلاج .
اهتم بالفقراء في القرى النائية بانشاء الطرق وحفر الآبار ، وإيصال المؤن، والمال إليهم. وتفقده للمرضى وذوي الحاجات، والفقراء، ومشاركته في أفراحهم، وحرصه على تعزية المصابين .. حتى أصغر الموظفين والفقراء، وحرص على استغلال علاقاته الواسعة وقبوله لدى ولاة الأمر وكبار المسؤولين في الدولة في قضاء حوائج الناس وايصال صوت من لا يستطيع ايصال صوته لهم.


    لقد ملأت الانسانية كل جوانح معالي الدكتور يماني وحمل هموم امته في كل خطوة كان يخطوها مترنحا متثاقلا على عصاه لا يألو جهدا في سبيل ذلك  وافني حياته في سبيل قضاياها والدعوة الى الله  .. كان جل اهتمامه قضاء حوائج الناس متحملا في سبيل ذلك المشاق فحمله الناس على الاعناق ليدفن بجوار ام المؤمنين التي احبها .. خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وارضاها .. خرج صاحب المعالي ابن مكة البار من اسفل مكة ولكنه لم يرض في حياته ـ على تواضعه الجم ـ الا بالعلو والمعالي ودفن في اعاليها . رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته وخلفه خيرا في علمه واهله وولده فقد كان من الذين وصفهم المولى في كتابه العزيز : (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)