شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

لا شك ان الصلاة على رسول الله من اعظم وانفع الوسائل للثواب والخير والقربى الى الله عز وجل ، والى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأن الله عز وجل أمرنا بها وهو قد بدأها تبارك وتعالى بنفسه وثنى بالملائكة المقربين ثم ثلث بنا وهو الذي خص سيدنا محمدا بالقربى العظيمة منه في الدنيا والآخرة وهي نور وبركة وتجارة رابحة لا تبور .

 بأبي انت وأمي يارسول الله

محمد عبده يماني.. الوزير المنفتح على الجميع

إعداد - منصور محمد العساف

موقع صحيفة الرياض. الجمعة 16 جمادى الأولى 1439هـ - 2 فبراير 2018م

 

سار تلميذ مدرسة الفلاح بجد واجتهاد حتى حقق ما أراد، رغم استبعاد اسمه وزميله من بعثة لمصر، ومن الرياض بدأ محمد عبده يماني من جامعة الملك سعود، ومن تخصص نادر وجديد آنذاك بالنسبة لبعض زملائه، حرص يماني على أن يطرق باب علم الجولوجيا، وبعد أن عُين معيدًا، انطلق إلى رحاب الدراسة في أميركا، ليحصل على الماجستير والدكتوراة، كما حصل على دبلوم عالٍ في إدارة الجامعات بتوصية من أستاذه المشرف في أميركا، الذي رأي فيه من المزايا التي تؤهله لإدارة الصروح التعليمية، ولما عاد تم تعيينه في جامعة الملك عبدالعزيز التي أحبها وأمضى فيها سنوات طوال بين قاعات الدرس والمحاضرات، ثم رئاسة الجامعة حتى عُين وزيراً للإعلام، فكان محمد عبده يماني الذي عرفه الناس وأحبه الإعلاميون ورجال الصحافة.. ولم لا؟ وهو الرجل المسؤول المنفتح على الجميع والذي عرف بوضوحه وشفافية عمله، حتى أنه أحياناً يكتب الخبر للصحفيين الشباب ليشجعهم ويمنحهم سبق النشر، فالجميع كانوا يعرفون خطه وأسلوبه الأبوي وقلمه الأخضر.

ذلك هو د. محمد عبده يماني الذي ولد في مكة المكرمة عام 1359هـ /1940م ونشأ بها، وتلقى تعليمه في البداية على يد مدرسات في منطقتي «أجياد» و»بئر بليلة»؛ كمريم البغدادية التي كانت تدرسهم جلوسًا على الأرض، المبادئ الأساسية للقراءة والكتابة، وخديجة الجاوية التي كانت تهتم برعاية الأطفال وتعليمهم في المراحل الدراسية الأولى، ثم السيدة مريم الآشية. وحينها لم يكن ثمة مدارس لمرحلتي الروضة والتمهيدي أو رياض أطفال أو دور حضانة، كما هو الحال الآن، وكانت نساء المدينة أو القرية يحتسبن الأجر في تعليم الأطفال، وبعضهن يتكفلن بإطعام الفقير منهم والنفقة عليه، وحينها مثّلت الروابط الاجتماعية والتعاون المجتمعي أروع صور التكافل الاجتماعي.من أروقة الحرم

كان يماني وبعض زملائه وأصدقائه كثيري التوجه إلى الحرم المكي الشريف، ليتلقوا الدروس في أروقته، كانوا يحفظون ويقرؤون القرآن الكريم مع تجويده، وحفظ أحاديث الرسول صلى الله عليه ودراسة علوم الحديث، إلى أن بدأ تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي في مدارس الفلاح، ويُذكر أنه خلال تلك الفترة، كان يذهب إلى الحرم ويسقي الناس من ماء زمزم، خاصة أيام الحج، مقابل بضعة قروش وكان يفرح بها كثيرًا، وفي أحيان أخرى قد لا يحصل على شيء مقابل السقاية، كما كان يعمل في طوافة الحجاج، وفي كتابه "أيامي"، ذكر أنه كان يبيع البرسيم وهو صغير، حيث كان أصحاب المزارع عقب حصاده، يضعونه على الحمير، ويطلبون منه ومن أقرانه أخذها، وهي محملة، إلى السوق مقابل مبالغ بسيطة، ولما انتهى من الدراسة الثانوية عام 1379هـ/1959م التحق بجامعة الملك سعود، وحصل على البكالوريوس في العلوم قسم الجيولوجيا والكيمياء عام 1383هـ/1963م ثم حصل على درجة الماجستير في الجيولوجيا الاقتصادية 1386هـ/ 1966هـ، ثم الدكتوراه بعدها بسنتين من جامعة كورنيل" في ولاية نيويورك الأميركية، في فرع الجيولوجيا واقتصاديات المعادن، وكانت رسالته عن الثروات المعدنية في المملكة، بالإضافة إلى حصوله

على دبلوم في إدارة الجامعات من جامعة "متشجن" في نفس العام، بتوصية من أستاذه المشرف الذي رأى فيه من المزايا التي تؤهله لإدارة الصروح التعليمية.

 

البدايات الأولى

كان محمد عبده يماني يشعر بسعادة بالغة لأن الله مَنّ عليه بأن جعل مولده في مكة المكرمة، وعاش حياته الأولى فيها، وأنه ولد من أب وأم فاضلين، وقد وُلد في جبل السبع بنات في أجياد بالقرب من بيت الله الحرام، وظل هناك حتى نهاية المرحلة المتوسطة، حيث انتقلت الأسرة بعدها إلى منطقة المسفلة، حول "بركة ماجد" الجميلة.. كان والد يماني يعمل فراناً وكثيراً ما كان يحرص على مرافقة ابنه في الدكان، لاسيما بعد خروجه من المدرسة، وذلك رغبة من الأب في إشعار ابنه بالمسؤولية منذ صغره، كما كان يصحبه معه في مجالس العلماء كالسيد علوي المالكي والسيد محمد نور سيف والسيد محمد أمين كتبي.، وغيرهم من علماء مكة المكرمة، كما كان والده على علاقة وثيقة بالشيخ عبدالله كعكي -رحمه الله- وهو شيخ "الفرانة" في مكة المكرمة، والذي اهتم بمحمد يماني كأحد أولاده، فلم يكن لديه أولاد آنذاك، فكان حريص على متابعة دراسته، حتى أن يماني كان يخبره بأي نجاح يحققه كما يفعل مع الوالد.

 

حرمان من البعثة

عندما أنهى محمد عبده يماني الدراسة الثانوية العامة عام 1379هـ، تقدم هو وزميله سالم مليباري بطلب الالتحاق ببعثة إلى مصر كبقية الخريجين، ولم يكن عددهم يتجاوز أصابع اليدين، إلا أنهما فوجئا برفض طلبهما، ظناً من اللجنة المشكلة أنهما غير سعوديين، رغم ارتفاع معدلهما التعليمي، وحاولا إثبات حقهما وهويتهما، فقررا التوجه إلى الرياض، والالتحاق بجامعة الملك سعود حتى بعد أن عرض عليه والده أن يبيع البيت ليتمكن من الدراسة في مصر، فرفض، رغم إصرار والده الشديد على ذلك، ويصف يماني الوضع المادي، بالمختلف تماماً عما نراه اليوم، لأن المال كان شحيحاً، إلى حد أن من يجمع ألف ريال ويمتلكها، يُسمى بيته بيت "الألفي".

 

مناصبه وإنجازاته

عمل محمد عبده يماني بعد تخرجه من الجامعة معيدًا ثم بعد عودته من الابتعاث وحصوله على درجة الدكتوراه عام 1388/1968م، عمل محاضرًا، ثم رُقي إلى درجة استاذ مساعد فأستاذ بجامعة الملك سعود، كلية العلوم، ثم عُين وكيلاً لوزارة المعارف (التعليم حالياً) عام 1392هـ/ 1972م، وقد حرص خلال فترة عمله فيها على تطوير المكتبات المدرسية وكل ما من شأنه مساعدة الطلاب وحضهم على القراءة وذلك بالعمل على توفير الكتب والأطالس والدوريات العلمية في مدارسهم، لا سيما في المراحل الثانوية والمتوسطة وفي الصفوف الأولية كانت كتب وقصص الأطفال تملأ مكتبة المدرسة، ويخصص للطلاب ساعات معينة لارتياد المكتبة، لاسيما أثناء حصة القراءة أو المطالعة، وكذلك إدخال التلفزيون التعليمي في المدارس وتدريس القرآن الكريم للناشئ، ومازالت هذه المبادرات والأسبقيات تحسب له.

بعد ذلك عُين مديرًا لجامعة الملك عبدالعزيز منذ تاريخ 5/8/1392هـ، إلى 7/10/1395هـ، وبعدها صدر أمر ملكي بتعيينه وزيرًا للإعلام في الفترة من 8/10/1395هـ وحتى 11/7/1403هـ، فعاد بعدها للتدريس في جامعة الملك عبدالعزيز، وظل يقوم بتدريس اقتصاديات المعادن والجيولوجيا الاقتصادية في كلية علوم الأرض بالجامعة، استاذًا غير متفرغ كما تولى منصب نائب رئيس مجموعة دلة البركة، ورئيسًا لمجلس إدارة اثنتي عشرة مؤسسة وشركة تُعنى بمجالات الثقافة والنشر والصحة والعلوم والتعليم والتنمية والاستثمار، بعضها محلية وأكثرها عربية وعالمية، وعضوًا في مجالس إدارات عشر مؤسسات عربية بنكية وأدبية وخيرية، إضافة إلى كونه عضوًا مؤسسًا لجمعية تحفيظ القرآن الكريم بمنطقة مكة المكرمة، وعضو المجلس التنفيذي لمؤتمر العالم الإسلامي.

 

مؤلفاته واهتماماته

لمحمد عبده يماني عشرات المؤلفات بعضها باللغة الإنجليزية، تناول من خلالها مواضيع علمية ودينية وثقافية مختلفة ومنها "خديجة بنت خويلد.. سيدة في قلب المصطفى"، "إنها فاطمة الزهراء"، "بدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان"، "علموا أولادكم محبة رسول الله صلى الله علية وسلم"، "للعقلاء فقط"، "علموا أولادكم محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم"، "الجيولوجيا الاقتصادية والثروة المعدنية في المملكة العربية السعودية"، وكان -رحمه الله- من المهتمين بالسيرة النبوية وقضية وتيسيرها للناشئة وأبناء المسلمين وتيسير اطلاعهم على مصادرها، وعن جهوده في تثقيف وتعليم الصغار يقول عبدالله فدعق إن مؤلفات محمد يماني أسهمت في تعليم الأجيال محبة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وآل بيته، وكيفية تأديتهم للعبادات وشرحها بأسلوب ميسر، في مطبوعات ملأت جميع المكتبات الإسلامية داخل السعودية وخارجها، كما كان من المهتمين بموضوع تصنيف الحديث النبوي بواسطة الحاسب الآلي، إضافة إلى موضوع قضايا الأقليات المسلمة في العالم، حيث قضي وقته متنقلاً بين مناطق الأقليات خاصة في أفريقيا وشرق آسيا والاتحاد السوفيتي والصين، وكان من أعضاء المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وشارك في العديد من المؤسسات والهيئات الخيرية في العالم الإسلامي، وكان –رحمه الله- قد عمل في التليفزيون الذي أصبح فيما بعد يدير دفته كوزير للإعلام، حيث كان يُعِدُ ويقدمُ برنامجاً اسمه "ندوة التليفزيون"، يلتقي فيه بعددٍ من المفكرين والمثقفين ويطرح معهم العديد من القضايا الفكرية التي تهمهم في ذلك الوقت، ومنهم المصريان الشيخ محمد متولي الشعراوي، والمذيع أحمد فراج، ثم صار الشعراوي يشارك في تقديم البرنامج معه بعد أن سماه "رفيق الندوة"، وانطلق بعدها الشعراوي في تقديم البرامج الدينية في التليفزيون المصري.

 

منجزاته كوزير

عندما ابتعث د. محمد عبده يماني لأميركا، كما يروي الإعلامي كمال عبدالقادر، في سيرة ذاتية عنه، شعر في البداية بالفشل في الدراسة هناك، بسبب ضعف اللغة، لأنه لم يكن يفهم ما يقوله المدرس لجهله باللغة الانجليزية، ووصل الأمر أن هددته الجامعة بالفصل إذا لم يرفع معدلاته في اللغة، وقد نجح في ذلك، ولم يرجع من هناك حتى حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الجيولوجيا الاقتصادية.

كان محمد عبده يماني قد تلقى نبأ تعيينه وزيراً للإعلام من خلال مكالمة هاتفية من د. أحمد محمد علي، وهو في مكتبه مديراً لجامعة الملك عبدالعزيز، وسَعِد بالخبر لأنه سيخدم الوطن من موقع جديد، ومنصب أكبر، إلا أنه أصابه الحزن في نفس الوقت، لمغادرة الجامعة، التي عاش فيها أجمل أيام حياته العملية، وكان اختيار يماني وزيراً للإعلام في عام 1975م مفاجأة كبيرة له فلم يكن يتوقع أبدًا أن يرشح للإعلام، فهو رجل أكاديمي وكان كل اهتماماته التركيز على الجامعة التي كان يُدرّس بها ويديرها في نفس الوقت، لذلك شعر بشيء من الارتباك والخشية من حساسية وأهمية المنصب، لكن زملاءه وأصدقاءه وقفوا إلى جانبه، وقد حفلت فترة وزارته بالعديد من المنجزات مثل افتتاح إذاعة القرآن الكريم وإذاعة قرارات مجلس الوزراء التي أصبحت عادة متبعة، ولكونه أستاذاً أكاديمياً وابناً للجامعة فقد أصدر قرارًا بمنح حرية أكبر لمديري الجامعة وأساتذتها باستيراد الكتب وعدم مراقبتها، ثم ألغى الرقابة على رؤساء التحرير، ويرى عبدالله فدعق أن أبرز الإنجازات التي حققها د.يماني خلال مسيرة عمله كوزير للإعلام، وضع نظام للمؤسسات الصحفية وترتيباتها، إضافة إلى أنه كان صريحاً وشفافاً جدًا سواء على مستوى سياسة عمله أو المستوى الشخصي، وكان سهلاً على الناس اللقاء به حينما كان وزيرًا، ولا شك أن ذلك عائد إلى بساطته وكريم خلقه إلى جانب أنه كان صحفياً إذا سبق له العمل في جريدة البلاد والندوة المكيّتين، في فترة مبكرة من حياته، كما حرص يماني أثناء تقلده منصب وزير الإعلام على حماية رجال الصحافة والإعلام، بالقدر الذي لا يخولهم تجاوز الثوابت أو الأنظمة الأعراف المتبعة والمتعارف عليها، ولا ينسى د.محمد عبده يماني الموقف المحرج والذي دل على تبسطه وشفافيته –رحمه الله- وذلك حين صرح للصحفيين بمداولات أول مجلس يحضره بعد تعيينه وزيراً للإعلام، ولم يسلم حينها من لسعات زميله غازي القصيبي الذي لطالما دار بينهما وعدد من زملائهم في مجلس الوزراء آنذاك قفشات شعرية وأدبية، كتب وحاضر عنها يماني في عدة مناسبات، ومنها قصة خروجهم للمقناص مع الملك خالد الذي منحهم واحداً من أفضل صقوره، في الوقت الذي لم يكن فيه لا القصيبي "وزير الصناعة والكهرباء" ولا يماني "وزير الإعلام" ولا عبد العزيز الخويطر "وزير المعارف" أو سليمان السليم "وزير التجارة" لا علم أو دراية بفنون الصيد والمقناص، مما أوقعهم بموقف محرج مع الملك حين تسببوا في ضياع الصقر الذي أهداهم الملك ما دعا القصيبي أن يكتب قصيدته الاعتذارية للملك خالد التي قال في مطلعها:

أبا بندر لسنا على الصيد نقدر

وفينا يماني وفينا خويطر

وفينا سليمان السليم إذا

ما أقبل الطير ينفر

 

أول جلسة

في أول جلسة يحضرها لمجلس الوزراء، وعقب انتهاء الجلسة خرج على الصحفيين وسألوه عما دار فيها فقال كل ما حدث والقرارات التي اتخذت، فلم يكن هناك أمور سرية نوقشت تتطلب الكتمان، حسب ما رأى، وذهب للبيت ونام، فلما استيقظ أخبرته زوجته أن ديوان مجلس الوزراء اتصل به، ثم اتصل به مسؤول في مجلس الوزراء وقال له " :يا دكتور أخبار مجلس الوزراء في الإذاعة والتليفزيون، ولم تستأذن في ذلك،

والمتبع أن نقول درس المجلس جدول أعماله واتخذ القرارات المناسبة حيال ذلك، فقال له يماني الخبر قد نشر وتناقلته وسائل الإعلام وليس هناك مجال لإعادته، وذهب في اليوم التالي إلى الملك خالد وكان الملك فهد في ذلك الوقت وليًا للعهد وموجوداً في المجلس، وفوجئ بالملك خالد وولي العهد يثنيان على ما فعل من إذاعة أخبار الجلسة، وأنه شيء جيد وجديد، ومن بعدها أصبحت عادة في مجلس الوزراء أن تذاع الأخبار بعد كل جلسة.

وعقب تركه الوزارة، عاد محمد عبده يماني من ضجة الاعلام إلى سكون العمل الأكاديمي، إلى مقاعد الدراسة مرة أخرى بجامعة الملك عبدالعزيز عام 1983م، وكانت فرحته عظيمة عندما علم أن معظم أساتذة الجامعة هم من أبنائه الذين كانوا طلابه في فترة إدارته للجامعة، إلى أن توجه بعدها للأعمال الخيرية والدعوية في عدد من بلاد العالم لاسيما في قارتي أفريقيا وآسيا، كما شهدت تلك الفترة اجتهاده في البحث العلمي، وأصدر عددًا كبيرًا متنوعًا من الكتب والأبحاث بلغت 66 كتابًا مع ترجمتها إلى عدة لغات.

 

قالوا عنه

ذكر الصحفي والإعلامي فضل المعينا واقعة حدثت له وكيف التقى لأول مرة بالوزير محمد عبده يماني، عندما كان يسير عبر ردهة في تلفزيون جدة وبجواره أحد الزملاء، الذي قال بصوت مسموع: ألا يوجد من يجلب الشاي للمذيعين؟ وصادف ذلك مرور أحد الأشخاص الذين لم يكن يعرفه، ثم عاد ذلك الشخص حاملاً كوبي شاي، قدمهما لهما دون أن يقول شيئاً. ثم جاء مدير التلفزيون يصرخ فيهما ألا تخجلان من نفسيكما، أيسأل أحدكما الوزير أن يجلب له الشاي؟. ويصف عبدالرحمن فقيه، رئيس مجلس إدارة شركة "جبل عمر" يماني بأنه، رحمه الله، كان اجتماعياً، يزور المريض ويحضر المناسبات، السعيدة والحزينة، فيكون أول المهنئين وأول المعزين، كان يسعى في مصالح الناس، ويتوسط لهم لدى الجهات المسؤولة لحل مشكلاتهم، مساهما في مداواة جراحهم، ويقول البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي سابقًا إن صداقته مع محمد عبده يماني اتصلت على مدى عقود ثلاث، فكرس الراحل جهده في خدمة مصالح بلاده وأمته، وكان واسع العلوم، ذا فكر ثاقب لم ينقطع عن العطاء حتى ساعات حياته الأخيرة. وكان -رحمه الله- ذو رأي صائب، بسط كفه في العلوم والآداب، وكان ممن يحضرون وينظمون مجالس العلم والمناظرات، في علوم الشرع، فأثرى الثقافة الإسلامية بعلمه وخبرته وتجربته، وكان أحد كبار رجال زمانه علمًا وثقافة.

 

أسرته أولاده

كان لمحمد عبد يماني ثلاثة أولاد ومثلهم من البنات، حيث كان أبناؤه بمثابة الساعد الأيمن لأبيهم فابنه ياسر ينوبه في الأعمال الخيرية التي كان يقوم بها والده، بينما كان عبدالعزيز مسؤولاً عن الشؤون الإعلامية، في حين تولى ابنه عبدالله مهمة إدارة شؤون الراحل وجميع ترتيباته بحكم عمله كمحامٍ ومستشار، وكان من المفترض أن يتولى د. محمد عبده يماني رئاسة المسؤولية الاجتماعية في الغرفة التجارية الصناعية بجدة وفق تكليف رسمي من صالح كامل، رئيس مجلس إدارة الغرفة آنذاك، غير أن الموت حال دون تحقيقه

ذلك، على الرغم من وجود خطة كبيرة كان يضعها في هذا الشأن، وكان صالح كامل قد أنشأ كرسياً في جامعة الملك عبدالعزيز، أسماه كرسي "د. محمد عبده يماني لإصلاح ذات البين.

 

من كتاباته

يقول يماني في كتابه للعقلاء فقط "إنها كارثة قومية ان يتخرج بعض الشباب من الجامعات ولا عمل لهم غير التسكع للبحث عن وظيفة حتى إذا وجدها كان عمله الجلوس على مكتب بدون إنتاج حقيقي أو بإنتاج متدنٍ دون ذنب ولا جريرة ولكنه مثل أمثاله في الوطن العربي الكبير ضحية سوء التخطيط في التعليم." ويقول في كتابه "السيدة عائشة وأمانة الرواية "ترعرعت السيدة عائشة في رحاب الروضة النبوية الكريمة، ثم إنها بعد أن انتقلت إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت من أقرب الناس إليه، فنعمت بالمعين الصافي وعاشت في مهبط الوحي ونهلت من القرآن وعلومه وعاشت جوانب عظيمة من السيرة النبوية وسمعت الحديث النبوي غضاً طرياً من منبعه، فاستوعبته وروته". ويقول في كتابه: الإعلام العربي ما بعد أزمة الخليج، "ينظر بعض العقلاء إلى موضوع كارثة الخليج على أنها أزمة أخلاق وليست أزمة سياسية ولقد كان الإعلام العربي خلال هذه الأزمة مثار جدل ومحل اهتمام المتابعين له لأنه كان الحاضر الغائب خلال هذه الأزمة لدرجة أن المواطن العربي انصرف يفتش عن مصدر إعلامي آخر يعطيه المعلومات والأخبار والآراء" ويقول في كتابه: الجيولوجيا الاقتصادية والثروات المعدنية في المملكة "أنا ممن يعتقدون بأن البترول ثروة عارضة وعابرة، وقد كنا أمة ذات حضارة وذات قيم وذات مبادئ وذات تاريخ، ولايصح بأن نوصف بصفة مادية عابرة كدول بترولية".

حصل الوزير محمد عبده يماني – رحمه الله- طيلة حياته العملية والمهنية على عدة أوسمه من مختلف البلدان الإسلامية منها وشاح الملك عبدالعزيز، الميدالية التقديرية من حكومة أبوظبي، براءة وسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى من الملك حسين، وسام الاستحقاق الوطني درجة ضابط أكبر من رئيس فرنسا، وسام "إيزابيل لاكوتولييكا" الكبير من ملك إسبانيا، وسام "مهابوترا أوبيروانا" من جمهورية إندونيسيا، وسام برتبة قائد كوماندوز، من جمهورية موريتانيا، وغيرها من أوسمة التقدير.

 

وفاته

كانت وفاة الوزير والمربي والأستاذ الجامعي محمد عبده يماني مساء يوم الاثنين الثاني من ذي الحجة 1431هـ، الثامن من نوفمبر 2010م، في اليوم التالي لإصابته بنوبة قلبية حادة نقل على إثرها إلى المستشفى، وهناك فارق الحياة، وصلي عليه ظهر اليوم الذي يليه مباشرة في الحرم المكي الشريف، ودفن في مقبرة المعلاة، ورثته الأعمدة الصحفية والتقارير التلفزيونية، التي لطالما قاد الفقيد دفتها ورسم سياساتها المستقبلية، كما رثاه طلاب العلم وحلقات تحفيظ القرآن الكريم وعدد من الجمعيات والمبرات الخيرية في كافة أنحاء العالم.. رحمه الله رحمةً واسعة.

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب