شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية |
|
|
|
|
(لاشك أن للإعلام دوراً هاماً وحيوياً وخطيراً، فهو كما يبني أشياء كثيرة في أخلاقنا وسلوكنا وتعاملنا، قد يهدم أشياء كثيرة أيضاً إذا ما أسئ استخدامه. فالله سبحانه وتعالي نبهنا إلى خطورة قول الزور، أو الاستماع إلى الفاسق، أو حتى إلقاء القول على عواهنه.. وجعل الكلمة مسؤولية عظيمة لأنها قد تهدم أمة وتبني أخرى).   أحاديث في الاعلام
|
كتابة الحديث وكُتّابه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
د. محمد عبده يماني/ عكاظ:
سبحان من أكرمنا بالإسلام وجعل القرآن الكريم دستور هذه الأمة وهداها وهديها ثم جعل السنة النبوية المطهرة متممة لهذا التشريع وأساسية في حياة الأمة ولهذا فمن واجبنا أن نتعلم السنة المطهرة والسيرة النبوية لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صرح بذلك وحدد هذا المنهج فقال صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة: عن المقدام ابن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع ولا لقطة مال إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه" وعنه أنه قال: إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه كالسابق.. وهذا يؤكد على أهمية السنة وإنها بيان لشريعة الله عز وجل فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا الله بطاعته فقال عز من قائل: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول" وجعل طاعة الرسول طاعة لله فقال: من يطع الرسول فقد أطاع الله بل أنه قد جعل حب الله عز وجل ينتج عن اتباع الرسـول {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} ودعونا الآن نلقي الضوء على الموضوع الذي نحن بصدده وهو كتابة الحديث النبوي الشريف.. ومتى كتب.. ومتى دون.. ومن يتبع هذا يجد أنه قد كتب كثير من الحديث النبوي الشريف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاشك أن الحديث النبوي الشريف جزء من الوحي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهـوى "إن هو إلا وحي يوحى" ولقوله صلى الله عليه وسلم "ألا وإني أوتيت القرآن ومثلـه معه". ولا شك أن منزله السنة النبوية كمنزلة القرآن، لأنها مبينة له، ومفصله لمـا أجمله، وقد بين القرآن الكريم حق النبي صلى الله عليه وسلم في التحليل والتحريم، وحقه في الطاعة والاتباع في آيات كثيرة.. معلومة من أدلها على ذلك قوله تعالى { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} وقوله تعالى { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}. والإيمان بالحديث النبوي الشريف، والسنة المطهرة عموما جزء أساسي في حياة المسلم.. وأساس من أسس العقيدة وفي المقابل فأن رفض السنة المباركة رفض للقرآن الكريم، وعدم اتباعها عصيان لله الذي أرسله بالهـدى ودين الحق ليظهره على الدين كله كما دلت على ذلك الآيات الكثيرة، والأحاديث الشريفة المتكاثرة.وسوف نرى من خلال هذا المقال أن الله تعالى قد هيأ لسنة نبيه أسباب الحفظ والصيانة، وأحاطها بعين عنايتة حتى وصلتنا بيضاء نقية، ليلها كنهارها، لا يضل عنها إلا هالك . وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلة التفقه في كتاب الله وسنة نبيه فقال: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " ودعا الصحابة الكرام إلى حفظ سنته وفهمها وتبليغها فقال "نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" . ولذلك بذل الصحابة الكرام قصارى جهدهم، وغاية ما في استطاعتهم في حفظ هذه السنة الشريفة وفقهها ونشرها وإذاعتها وتعليمها، فلم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا أحصوها وأدوها، فرووا أقواله وأفعاله وأحواله، وسيرته في حربه وسلمه وسائر أحواله، حتى كأن الرسول صلى الله عليه وسلم حي يرزق، يعيش معنا، ويهدينا سبلنا، ويبين لنا طريق نجاتنا وسلامتنا. ودعونا الآن نناقش القضية الأساسية الأخرى التي نحن بصددها وهي أن السنة النبوية المطهرة دونت في أول مراحلها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأمره وقد كتب بعض السنة في عهد النبي وبعلمه وإذنه وأمره وبعض هذه الأحاديث كتبها صحابة عاشوا مع رسول الله أمثال: عبد الله بن عمرو بن العاص وكان له الصحيفة الصادقة وهو واحد من عدد من الصحابة الذين كتبوا الحديث بأمر رسول الله وكذلك الأمر مع سيدنا علي رضي الله عنه وكذلك أبو هريرة ومن هنا فإن أهل العلم يؤكدون على كتابة أجزاء أساسية من الحديث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أشهر الكتبة للسنة على عهده عليه الصلاة والسلام سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص روى البخاري في "صحيحه" رقم (113) عن أبي هريرة قال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب ورواه أحمد في "مسنده" 103:3 وزاد فيه: واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب عنه فأذن له وإسناده حسن. بل أمره صلى الله عليه وسلم بالكتابة عنه. فروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو نفسه: أنه كان يكتب كل شيء يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له قريش: تكتب كل شيء، وهو صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا! فأمسك عن الكتابة، ثم إنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما قالت له قريش، فأوما صلى الله عليه وسلم بإصبعه الشريفه إلى فمه الشريف وقال له: (أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق) وإسناده حسن أيضاً. فاجتمع لعبد الله من ذلك أحاديث كثيرة جمعها في صحف وسماها: الصحيفة الصادقة، وكان يقول ـ كما رواه عنه الدارمي في مقدمة (سننه) (496) ـ: ما يرغبني في الحياة إلا الصادقة والوهط. فأما الصادقة فصحيفة كتبتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الوهط فأرض تصدق بها عمرو بن العاص كان يقوم عليها. وكان عبد الله واحداً من الصحابة الكتبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أنه وحده.ففي سنن الدارمي أيضاً (486) عنه قال: بينما نحن جلوس حول رسول الله صلى الله عليـه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله: أي المدينتين تفتح أولاً: قسطنطينية أو رومية؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "لا، بل مدينة هرقل أولاً). وممن كتب الحديث: علي رضي الله عنه، ففي (صحيح البخاري) (111) أن أبا جحيفة سأل علياً: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل ـ أي الدية ـ وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر. ورواه مسلم أيضاً وفيه ذكر أحكام أخرى زائدة: (المدينة حرم..)، و (لعن الله من ذبح لغير الله..)ورواه النسائي، وفيه زيادة: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم) وفي رواية الإمام أحمد له زيادة فرائض الصدقة وأنصبة الزكاة. أفاد ذلك الحافظ في شرح الحديث المذكور، وهذا يدل على سعة هذه الصحيفة نوعاً ما. وأبو هريرة رضى الله عنه كان لا يكتب في أول الأمر ثم صار يكتب فيما بعدُ، أو يكتب له يدل على ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر في (الفتح) 1: 207 أن الحسن بن عمرو بن أمية قـال: تحدث عند أبي هريرة بحديث، فأخذ بيدي إلى بيته فأرانا كتباً من حديث النبـي صلـى الله عليه وسلم وقال: هذا هو مكتوب عندي. وروى الدارمي (264) عن أبي هريرة قال: إني لأجزئ الليل ثلاثة أجزاء، فثلث أنام، وثلث أقوم وثلث أتذكر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومما أمر صلى الله عليه وسلم بكتابته حديث طويل بين فيه أنصبة الزكاة، يعرف بكتاب عمرو بن حزم، وفيه أحكام غير أحكام الزكاة، منها الحديث المشهور: "لا يمس القرآن إلا طاهر".وفي أنصبة الزكاة أيضاً كتاب أمر صلى الله عليه وسلم بكتابته، وتوفي قبل إنفاذه، فحفظ عند أبي بكر الصديق رضى الله عنه، فعمل به وأمر عماله به. ولما خطب صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة قام رجل من أهل اليمن فقال: يا رسول الله اكتب لي، فقال صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه" . فأمرهم بكتابة الخطبة.والتتبع ينفي الحصر.واتسع نطاق الكتابة في عصر الصحابة.وقد ورد عن عمر، وابنه عبد الله، وانس، وابن عباس رضي الله عنهم: قيدوا العلم بالكتاب.وفي مقدمة سنن الدارمي وكتاب "تقييد العلم" للخطيب البغدادي آثار كثيرة في الباب. وكلما تقدم ازدات الكتابة اتساعاً. ومن المحاولات الرائدة الأولية في جمع السنة جمعاً عاماً ـ لا كتابة ـ المحاولة التى قام بها عبد العزيز بن مروان بن الحكم ـ والد عمر بن عبد العزيز ـ وذلك حين كتب إلى كثير بن مرة الحضرمي الحمصي أن اكتب إلينا بالأحاديث التي سمعتها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أحـاديث أبي هريرة فإنها عندنا. ذكره ابن سعد في "طبقاته" 7: 448. وفي هذا الخبر فوائد، منها أن عبد العزيز استكتب أحاديث أبي هريرة ـ ومعلوم كثرتهاـ من غير كثير بن مرة هذا، استكتبها قبل هذه المدة وحصل عليها.ومنها: أن طريقة تدوين السنة على المسانيد كانت هي الطريقة الأولى. ومنها: أن عبد العزيز هو السابق لولده عمر بن عبد العزيز في الجمع لا مجرد الكتابة، مع أن الشهرة في هذه الفضيلة لولده.ومنها: أن اختيار عبد العزيز لكثير بن مرة هذا كان بسبب قدمه وأسبقيته، فإن كثيراً قد أدرك بحمص ـ فقط ـ سبعين بدرياً! وكانت وفاته قبل سنة ثمانين للهجرة. وكل هذه الأخبار ـ وغيرها كثير جداً ـ ترد على أولئك الذين يزعمون بأن السنة قد دونت في وقت متأخر، منهم من يقول بعد مئة سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول بعد وفاته بمئتي سنة!!. ومنهم من ينكر صحة تدونيها كليا. والحق أن عمر بن عبد العزيز جاء متمماً لعمل والده، وعلى نطاق أوسع، فإنه كتب إلى أبي بكر ابن حزم، وابن شهاب الزهري أن يكتبا له الحديث المرفوع عامة، وخص ابن حزم أن يكتب له مرويات القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، ومرويات عمرة بنت عبد الرحمن خاصة. ثم كتب إلى علماء المدينة عامة. ثم كتب إلى الأمصار جميعها. ثم نأتي إلى قضية مهمة أخرى وهي أن الأحاديث الصحيحة وغير المكررة المسندة عن النبي صلى الله عليه وسلم هى في حدود أربعة آلاف وأربعمائة حديث وقد ذكر ذلك أبو جعفر محمد ابن الحسن البغدادي في كتاب التمييز وأن جملة الأحاديث المسندة لا تزيد عن هذا العدد وقال أحمد بن حنبل أنه سمع ابن مهدي يقول الحلال والحرام من هذه الأحاديث لا يزيد عن ثمانمائة حديث وكذلك قال إسحاق بن راهويه عن يحيى بن سعيد.. وفي الوقت نفسه نجد أن القاضي أبا بكر بن الحربي يؤكد أن الذي في الصحيحين من أحاديث الأحكام لا يزيد عن ألفي حديث. ولا شك أن من يطالع في هذه الأمور يدرك أن كلا من هؤلاء تحدث عما وصل إليه ولهذا اختلفت الأعداد. وإذا نظرنا بعمق في هذه المسألة نلاحظ أن الإختلاف بين الأعداد إنما يأتي على إعتبار أن هذه الأحاديث بعضها أصل في ذاته وبعضها تابع وفرع عن غيره ولهذا لا يعد الفرع حديثا مستقلا وتبقى القضية الأساسية وهي ما ذكره الحافظ بن حجر أن تفاوتهم إنما نشأ إلى ما وصلوا إليه من السنة أي فرادى لا مجتمعين ثم نأتي إلى قضية أخرى مهمة وهى طرق تمييز الحديث الصحيح عن الضعيف والموضوعفعماد ذلك دراسة حال الراوي ودراسة حال المروي.أما دراسة حال الراوي: فتكون بالتعرف على حاله وسلوكه العام (الظاهري)، وعلى حاله وسلوكه الخاص (الباطني: في خاصة نفسه وبيته وتعامله). ونشأ عن هذا: علم الجرح والتعديل، وقواعده، وأحكامه، وألفاظة..ويكون الحديث بناء على دراسة الراوي صحيحا أو حسنا أو ضعيفا أو موضوعا..حسب حال الراوي. أما دراسة حال المروي فتكون بمقارنة المروي بغيره من الأحاديث وهل يوجد تناقض بينه وبينها؟ فإن وجد تناقض وأمكن الجمع بأن يحمل كل حديث على معنى لا يناقض الآخر فيه فبها ونعمت وإن لم يمكن الجمع لجأ إلى التاريخ فالسابق منسوخ والمتأخر ناسخ فإن لم يوجد لجأنا إلى ترجيح أحد السندين على الآخر فإن لم يمكن الجمع ولا التاريخ ولا الترجيح وجب الوقف وهذا لم يوجد قطعا مع العلم بأن هناك أمورا يجب معرفتها:1-لم يوجد تناقض بين حديثين صحيحين البته ولا بين حديث صحيح ولا حسن قطعا وهذان مستحيلان لأن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم وهو صادق لكن متى خالف الثقة من هو أوثق منه اعتبر الحديث شاذا فالشذوذ أن يخالف الثقة من هو أوثق منه أو أكثر أو أعلم ويكون الحديث بناء على دراسة حال الراوي صحيحا أو حسنا أو ضعيفا أو موضوعا فتكون بمقارنة ألفاظ الرواة لهذا الحديث الواحد عن هذا الصحابي، أو عن الرجل الكبير الشهير في رجال السند، ثم بمقارنة ألفاظ الرواة الآخرين عن صحابة آخرين، ثم بمقارنة ألفاظة بالأحاديث الأخرى المروية في المسألة ذاتها، فإن لم يوجد شيء من هذا فيقارن بينه وبين القواعد العامة في الدين. ونشأ عن دراسة حال الراوي – أيضا – والمروي معا: علم مصطلح الحديث. وعلم مصطلح الحديث يبحث في كل ما يتعلق بالحديث، ودراسة أحوال الرواة تعرف عند المستشرقين وأتباعهم ب(النقد الخارجي) وتسمى عندنا دراسة السند ونقدهودراسة ألفاظ المرويات تعرف عندهم ب(النقد الداخلي) وتسمى عندنا دراسة المتن ونقدهوقد رأينا بكل أسف بعض المستشرقين يغمز ويلمز المحدثين ويزعم أنهم اهتموا بالنقد الخارجي فقط، أي اهتموا بالنقد للرواة وتتبع أحوالهم وأخبارهم جرحا وتعديلا، وأهملوا النقد الداخلي للمتون وما في بعضها من ألفاظ مستغربة أو منكرة. وهذه مزاعم فاسدة، فقد غفلوا – أو تغافلوا – عن جهود المحدثين – ومعهم علماء المسلمين الآخرون – في نقد المرويات سندا ومتنا، ومقارنتها ببعضها، ومعلوم أن الأصل في الرواي الثقة أن يقبل منه كل ما يرويه، كما أن الأصل في غير الثقة أن لا يقبل منه أي وقد بحث المحدثون في علم مصطلح الحديث هذه الأمور كلها ودققوا فيها. وأما المقبول من رواية غير الثقة: - فإن المحدثين رأوا أن الراوي الضعيف قد يروي حديثا ويوافقة عليه ضعيف آخر مثله، وآخر، ورابع، أو يوافقة عليه ثقة، أو تشهد الأحاديث الصحيحة والقواعد العامة لصحة رواية هذا الضعيف، فهذه الموافقات تقويه وتجعلهم يحكمون بثبوته ويسمونه: الحديث الحسن لغيره، فالحسن لغيره هو الحديث الضعيف الذي تتعدد طرقة على شكل يجبر بعضها بعضا.. وأما إذا تعددت طرقه على شكل لم يجبر بعضها بعضا فيبقى ضعيفا. ودعونا الآن نناقش موضوع إكثار بعض الصحابة رضوان الله عليهم في رواية الحديث والمكثرون من الصحابة هم سبعة فقط كان لكل واحد منهم أكثر من ألف حديث وهم: أبو هريرة 5374 حديثا عبد الله بن عمر 2630 حديثاأنس بن مالك 2286 حديثا عائشة الصديقة 2210 حديثاابن عباس 1660 حديثا جابر بن عبد الله 1540 حديثاأبو سعيد الخدري 1170 حديثا وكان الإمام بقي بن مخلد الأندلسي – تلميذ الإمام أحمد رضي الله عنهما – قد ألف مسندا وصف بأنه أكبر من مسند أحمد، روى فيه عن 1018 صحابيا، وهو مفقود، وكان الإمام ابن حزم وقف عليه وعد أحاديث كل صحابي، فخرج بهذه الأرقام التي ذكرتها، وبأرقام أحاديث كل صحابي سواهم، واعتمد العلماء عدد أحاديث كل صحابي بناء على تعداد ابن حزم لمرويات الصحابي في المسند.. ويدخل في هذا العدد: المكرر وغير الصحيح. وقبل أن أذكر سبب إكثار المكثرين وسبب إقلال المقلين، لا بد من التنبيه إلى شيء في إصطلاح المحدثين هو: أن العلم عندهم: تحمل وأداء. فالتحمل: هو أخذ العلم وتلقيه وسماعه وكتابته وحفظه..، ثم: أداء وهو نشره وتعليميه، وروايته وتصنيفه. ولا تلازم بين الأمرين. أي: قد يوجد عالم كبير، ولا يخلد لنفسه مؤلفا أبدا، أو قد يؤلف كتابا صغيرا لا يدل على سعة علمه، لكنه تحمل علما كثيرا وجد واجتهد في طلبه. فهو كثير التحمل قليل الأداء. أما لماذا؟ فالله أعلم بظروفه النفسيه والزمنية. وكذلك الصحابة رضي الله عنهم، قد يتحمل الواحد منهم علما كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يروي عنه إلا القليل. فالصديق الأكبر رضي الله عنه أول الرجال إسلاما، وأطولهم صحبة، وأشدهم ملازمة، ومع ذلك فلم يرو – أو بعبارة أصح وأصوب: لم يصل إلينا من مروياته – إلا 142 حديثا ذكرها له بقي بن مخلد في "مسنده" المفقود، مع التكرار وعدم التزام الصحة. وعددها في مسند أحمد 81 حديثا مع المكرر وعدم التزام الصحة، وبعضها غير مرفوع. وذكر له السيوطي في "تاريخ الخلفاء" 104 أحاديث وغير الصحيح منها كثير. والسيدة فاطمة ابنته وخاصته في بيته الكريم ولم ترو إلا 18 حديثا. وأمها السيدة خديجة رضي الله عنهما لها حديث واحد في مسند بقي بن مخلد. وعبد الله بن عمرو الذي تقدم أنه كان يكتب ما يسمع ويرى، ومع ذلك روى 700 حديث فقط. فأداء هؤلاء قليل، وتحملهم – لا ريب – أنه كثير. إذا لا تلازم بين كون الأداء قليلا، وبين أن يكون التحمل قليلا أيضا. وقلة رواية الصحابي لا تدل على قلة علمه أو قلة مدة صحبته أو قلة ملازمته. وإذا ما ناقشنا الأسباب التي أدت إلى قلة رواية البعض وزيادة البعض الآخرة فسنجد أن الأسباب متعددة فمثلا قد تقل رواية بعضهم لقرب وفاته من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولو عاش وتأخرت وفاته إلى وقت يحتاج فيه إلى علمه لروى الشيء الكثير، فالسيدة فاطمة توفيت في وقت مبكر، أما أم المؤمنين عائشة فتأخرت وفإتها إلى سنة واحتاج الناس إلى علمها، وكذلك أمر الصديق رضي الله عنه. وقد يتفرغ بعضهم للرواية والتعليم والفتوى، فينقل عنه علم كثير، ومن لا يتيسر له ذلك لا ينقل عنه إلا علم قليل. فخالد بن الوليد تأخرت وفاته إلى ما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين، ولم يرو إلا قدر ما روته السيدة فاطمة 18 حديثا لتفرغه للجهاد. ومن الأسباب: كون الصحابي في بلد العلم والرواية والسؤال، كابن عمر وابن عباس.، أما من كان في باديته ونحوها فلا يعرف، ولو عرف لما نقل عنه إلا اليسير. قال الحافظ في "فتح الباري" 1: 207: "انتشر عن أبي هريرة أضعاف ما انتشر عن عبد الله بن عمرو، لتصدي أبي هريرة لذلك، ولمقامة بالمدينة النبوية بخلاف عبد الله ابن عمرو في الأمرين". وكان عبد الله بن عمرو متنقلا بين مصر والطائف، ومتوجها للعبادة وقد يعرض للصحابي مع تفرغة للعلم ما نع يشغله عن كثرة الرواية، كما حصل لعبد الله بن مسعود، فإنه تفرغ للعلم، لكن تفرغ للتفقيه والدراية أكثر من الرواية. مع ما يعرض له ولغيره من عامة الصحابة من عامل نفسي كان له أثر كبير في إقلالهم من الرواية، ذلك هو خوفهم من التوسع في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقعوا في الخطأ عليه. روى البخاري (107) عن عبد الله بن الزبير أنه قال لأبيه الزبير: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان؟ قال: أما إني لم أفارقه، ولكن سمعته يقول: "من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار" وبلغت مرويات الزبير 32 حديثا واستشهد سنة 36. ثم روى البخاري بعده عن أنس أنه قال: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار" وبلغت مروياته 2286 حديثا، وتوفي سنة 93. "ومن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث، وأما من أكثر منهم فمحمول على أنهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبت، أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان. رضي الله عنهم" قاله ابن حجر في "الفتح" 1: 201 ومن مظاهر خوفهم وتورعهم: أنهم كانوا يسألون فيجيبون بنص حديث شريف، لكن لا ينسبونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورعا، فيظنه السامع كلاما من عند هذا الصحابي، فيرويه فيما بعد على أنه من فتواه وقوله، ولو أن الصحابي نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لعد حديثا آخر يضاف إلى جملة مروياته. أما نحن فعرفناه حديثا إما من موقف آخر لهذا الصحابي، أو لرواية صحابي آخر له رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. روى الدرامي في "سننه" (270) عن عمرو بن ميمون قال: كنت لا تفوتني عشية خميس إلا آتي فيها عبد الله بن مسعود، فما سمعته يقول لشيء قط: قال رسول الله.. حتى كانت ذات عشية فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فاغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه، فأنا رأيته محلولة أزراره. وقال مثله أو نحوه أو شبيها به. وذكر أخبارا كثيرة عن صحابة آخرين، وعن بعض التابعين رضي الله عنهم جميعا. والحقيقة أن الإنسان كلما تعمق في دراسة الحديث النبوي كلما أدرك عظمة هذا الجانب ورفعة هذا الجانب لأنه متمم لكتاب الله عز وجل خاصة اذا ما تدبرنا الحديث المروي عن رسول الله والذي يحذرنا من الانصراف عن حديثه فيقول قولته المشهورة:عن المقدام ابن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما يجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع ولا لقطه مال إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه" وعنه أنه قال: إلا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه كالسابق..
وختاما فهذه لمحات عن كتابة الحديث النبوي الشريف وكتابه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده وأن الحديث متمم للقرآن الكريم فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد للأمة: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه".والحديث النبوي خدم خدمة عظيمة وقد دونت السنة في وقت مبكر جدا وعلى عهد رسول الله وبإذنه وأمره.وعلم الحديث من العلوم العظيمة التي خدمت ودققت وفحصت من ناحية الرجال والمتون والأسانيد وميزت الأحاديث الصحيحة عن الضعيفة وكشفت الموضوعة بدراسة لحالة الراوي وحالة الأحاديث المروية.وحتى نشأ علم الجرح والتعديل بقواعده وأحكامه ثم جاء علم مصطلح الحديث ودراسة أحوال الرواة. ومن يتعمق في دراسة أسس الحديث النبوي يلاحظ ذلك الجهد الكبير والعمل الأصيل الذي خدمت به السنة النبوية.ومن هنا أشعر أن واجبنا وفي هذا العصر بالذات أن نعلم أولادنا ونتعلم نحن لمحات عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وطرق كتابة هذا الحديث وكتاب الحديث وعلم الحديث ومصطلح الحديث وعلم الرواة والجرح والتعديل حتى نكون على دراية بكل ما يحيط بحديث رسول الله فلا نقبل طعنا ولا غمزا ولا لمزا لأن هذه الأحاديث النبوية مؤكدة للقرآن الكريم ومفصلة وشارحه له كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومتى تتبعنا هذه الدراسة عرفنا بدء تدوين السنة النبوية وأنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهمنا أقسام الحديث من صحيح وحسن وضعيف وموضوع وتعلمنا طرق العلماء في تمييز هذه الأقسام ومعرفتها ثم درسنا الروايات والصحابة الذين يعتبرون من المكثرين وأدركنا صدقهم ودقة روايتهم كما فعنا في دراستنا لأحاديث أبي هريرة عندما أدخلناها في الحاسب الآلـي (الكمبيوتر) وأثبتنا دقة هذه الروايات وصحتها وقلة عددها عندما أخرجنا ما أنفرد به هذا الصحابي الجليل وكذلك ان شاء الله سنفعل مع أحاديث السيدة عائشة رضي الله عنها وسيدنا أنس بن مالك وابن عباس وأبي سعيد الخدري، وبقية المكثرين من رواة الحديث ان شاء الله. وصلى الله على سيدنا محمد الذي ما نطق عن الهوى وكان حديثه وحيا يوحى.. وعلى أهله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين. والله من وراء القصد… وهو الهادي إلى سواء السبيل
|
|