شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

(إن الحرية هي المناخ الوحيد الذي يزدهر الإعلام في ظلّه، وإذا كانت فنون الإعلام تؤدّي دورا ضخما في التأثير وتشكيل الوعي، فإن الحرية هي التي تسمح لذلك الوعي بأن يتشكِّل على نحو صحيح،  حيث أننا في هذه الحالة  نتيح فرصة عرض مختلف الآراء على الناس، ونمكنهم بالتالي من الانحياز إلى ما يقتنعون به وليس إلى ما يفرض عليهم).
أحاديث في الاعلام

 أحاديث في الاعلام

الإعلام ونصرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم 1

د. محمد عبده يماني

لقد ساءنا وساء المسلمين جميعا، ما قامت به بعض الصحف الدانماركية والبلجيكية من إساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بل أن ذلك قد ساء المنصفين من غير المسلمين الذين يعرفون من هو رسول الله صلى الله عليه وسلم،  وقد أشعرنا ذلك بتقصيرنا في الإعلام عن ديننا ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وعن شريعتنا السمحاء.

ومن هنا فإنه لا بد من التصدي لهذه الهجمة باستخدام وسائل الإعلام، بل كل وسائل الإتصال من إذاعة، وقنوات فضائية وشبكة المعلومات العالمية الإنترنت، لأن العصر عصر إعلامي، وهؤلاء بكل أسف يركزون هجماتهم في شكل برامج أطفال كرتونية للأطفال، وبرامج خليعة للشباب، وندوات ونشرات يبثونها عبر الأثير لتحقيق أهدافهم الظالمة، فوجب علينا عدم الغفلة، بل التصدي لهم وحماية أطفالنا وأجيالنا من هذه الهجمات. هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى العمل على الوصول إلى العالم الآخر خارج بلادنا الإسلامية لإمداده بالمعلومات الصحيحة والتصدي وفضح كل أكاذيب وطعونات أولئك الظالمين وفضح أهدافهم، وكشف وسائلهم، فإن لم نفعل ذلك صدقهم الناس وظنوا أنهم إنما يتكلمون عن حقائق وأمتنا نحن في غفلتها وعدم تصديق لهجماتهم.
وفي إطار موضوعنا اليوم عن دور وسائل الإعلام تجاه نصرة النبي صلى الله عليه وسلم فإن علينا في البداية التعريف بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي قال الله عز وجل ـ في وصفة ووصف بعثته المباركة وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وقد بين صلى الله عليه وسلم صفته هذه فقال (إنما أنا رحمة مهداة) ومن هنا أجد أنه لا بد من التذكير على أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو خاتم النبيين، وهو خير خلق الله من الملائكة والجن والناس أجمعين، وهو سيد ولد آدم - عليه السلام - لقوله صلى الله عليه وسلم  (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة)  وقوله صلى الله عليه وسلم (أنا سيد القوم يوم القيامة)  
قال الإمام إبن تيمية في فضائل النبي ـ صلى الله عليه وسلم (… فهو خاتم النبيين، وإمام المتقين، وسيد ولد آدم، وإمام الأنبياء إذا أجتمعوا، وخطيبهم إذا وفدوا، صاحب المقام المحمود الذي يغبطه الأولون والآخرون، وصاحب لواء الحمد، وصاحب الحوض المورود، وشفيع الخلائق يوم القيامة، وصاحب الوسيلة والفضيلة، الذي بعثه بأفضل كتبه وشرع، له أفضل شرائع دينه).


وهناك قضية مهمة وهي إننا عندما نقدم جوانب من سيرة  المصطفى صلى الله عليه وسلم، فمن واجبنا إن نركز على تلك الجوانب التي تصل إلى عقول وقلوب هؤلاء الناس في الغرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهم هذه النقاط هو إنه صلى الله عليه وسلم إنما جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل، وجاء ليؤكد على إحترام الأنبياء والرسل الذين سبقوه، وإنه يؤكد على إحترام الكتب السماوية التي  أنزلت، فجاء القرآن واضحا حيث يقول المولى عز وجل :{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ. مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}  .. وكذلك الآية الأخرى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}  
ثم نؤكد على حقيقة عظيمة وهي أن الله سبحانه وتعالى الذي إختاره وأكرمه وكرمه وختم به رسالات السماء إلى الأرض جعله رحمة مهداة من الله سبحانه وتعالى للعالمين من مسلمين وغير مسلمين، بل من كل إنس وجن وكل حيوان وجماد حيث يقول عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}   فهو نبي الرحمة، وبعثه بالرحمة، وجعله رحمة لكل ما في هذا الكون، ولجميع الخلق، فهو صلى الله عليه وسلم تلك الرحمة التي أهداها رب العالمين إلى الخلق أجمعين، فكان أمانا ورحمة للخليقة بكاملها، هذا النبي الذي هو رسول المحبة والسلام، والأمن والإطمئنان، وكان يرفض العنف، ويدعو إلى الرحمة، حتى أنه ما قتل أحد بيده إلا رجلا واحدا ظالما مصرا على ظلمه وهو "أبي بن خلف". فعلينا أن نركب موجة الإعلام ونوظف طاقة الأقمار لإعلام العالم أن الإسلام هو دين السلام، والله هو السلام، والجنة هي دار السلام، وتحية المسلم للمسلم السلام، ولم يعتد صلى الله عليه وسلم قط، ولم يباشر عدوانا ولا ظلما ولا إبادة بأي شكل، ولا دعا إلى إسالة دماء بل كان يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة  الحسنة ويجادل بالتي هي أحسن كما أمره الله عز وجل.  

ولا شك أن محبته ونصرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فريضة واجبة على كل مسلم، وهي ـ مع الأسف ـ من الفرائض الغائبة في هذا العصر الذي ضعف فيه الإحساس بفرائض الإسلام، وبخاصة على العاملين في الإعلام، لكثرة ما يواجهونه في المهنة من الشواغل والمتاعب الإعلامية اليومية الساخنة التي تستنفد منهم جهوداً مضنية – ولا عذر لهم في ذلك البتة لأن الدين هو الأهم من كل ما عداه – وقد إنحسر إهتمام الناس فيما خلقوا له أمام طغيان المادة، واشتغالهم في الدنيا عن الدين، فأصيب المسلمون من جراء هذا بمقتل.
ورغم كل ما في الساحة الإسلامية من علماء ودعاة ووسائل إعلام، ورغم كل ما يبذله المخلصون من جهود لسد هذا النقص وجبر هذا الضعف، فإنني أرى أن بيان مكانة هذه الفريضة ـ أعني حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونصرته، وإعادتها إلى مركز الدائرة وإلى سويداء القلب في الصدور يتطلب مضاعفة الجهود في كل البلاد العربية والإسلامية، وحيثما وجد المسلمون في العالم.وقد وردت  الآيات الكثيرة في حق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ  التي تبين فضل الله تعالى على الناس ببعثته، ومنته في ذلك على جميع خلقه، فمن ذلك قوله عز وجل لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ   وقوله عز وجل: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيم .

وكذلك الأمر في وجوب محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ  فقد وردت فيها النصوص الكثيرة في الكتاب الكريم والسنة المطهرة، فمن ذلك قوله عز وجل قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَإبناؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين   وقوله عز وجل  لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ إبناءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ  .
وأما ما ورد عن وجوب محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في السنة المطهرة فنصوص قاطعة لا تحتمل التأويل، فمن ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))  وكما جاء في الحديث التالي (كنا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم - وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إليَّ من كل شئ إلا نفسي، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال عمر: فإنه الآن والله أنت أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الآنَ يا عمرُ) 
أما وجوب نصرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ والذود عنه والدفاع عن دينه وسنته، والذب عن شريعته فالنصوص في ذلك كثيرة في القرآن الكريم، وفي السنة المطهرة، ففي الكتاب العزيز إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فإنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم   وفيه أيضا ما أخذه الله تعالى لنبيه من العهد على جميع الأٌنبياء قبله، وعلى جميع أتباعهم من الأمم السابقة أن يؤمنوا به وينصروه، وهذا واضح في قول الله عز وجل (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ(81)  وفي قوله تعالى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ  قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ   
وقد إهتم علماء المسلمين بنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت تصانيفهم في خصائصه وشمائله وسيرته دفاعا عنه، ومؤلفاتهم في حكم من سب الرسول أو إنتقصه كثيرة متنوعة، لعل أعلاها درجة كتاب الإمام عياض اليحصبي المالكي (الصفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم) وسبقه من قبل الإمام محمد بن سحنون القيرواني، فألف رسالة في سب الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تلاها كثيرون مثل الإمام إبن تيمية رحمه الله في كتابه: (الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثل الإمام تقي الدين السبكي في كتاب: (السيف المسلول على من سب الرسول) ومثل الشيخ محي الدين بن قاسم الرومي المشهور بأخوين والإمام الحافظ جلال الدين السيوطي، والعلامة حسام الدين جلبي، وإبن كمال باشا، وإبن طولون الحنفي، وإبن عابدين، ثم الشيخ الحافظ عبد الله بن صديق العماري، ولا يزال العلماء يوالون الكتابة في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، وآخر ما قرأت كتاب الأستاذ الدكتور الباحث عويد المطرفي: (السيف المسلول في شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم).
وختاما فلا بد من التأكيد على الدور الفعال الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام في الإعلام عن هذا الدين الحنيف، وهذا النبي الكريم والرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، فهذا في حد ذاته من  الوسائل الأساسية التي تعطي الناس الفرصة للمعرفة عن ديننا وشريعتنا وقيمنا ومبادئنا.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة..

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب