شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

(إن الإعلام قضية ورجل. فحين تكون القضية عادلة ويكون الرجل مؤهلاً للدفاع عنها بمهارة الخبير العارف وعبر قنوات متطورة فإن النجاح في المهمة الإعلامية يكون مضموناً ومكفولاً مهما برزت على الطريق من عقبات وصعاب).

 أحاديث في الاعلام

المعجزات في الهجرة النبوية

د. محمد عبده يماني

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، إنها ذكرى عطرة تمر بنا هذه الأيام وهي ذكرى الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى يثرب، والتي سميت بعد ذلك بالمدينة، وهي منورة بنور  الإسلام ووصول خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام إليها مهاجرا من مكة المكرمة ومن ظلم وجبروت اهلها.وقد حدثت معجزات كبيرة في هذه الهجرة، ومن المناسب أن نقف عند هذه المعجزات وننظر فيها لنرى كيف أحاط الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بالعناية والرعاية والحفظ منذ خروجه من مكة المكرمة إلى أن وصل إلى مشارف يثرب بهذه المعجزات الثابتة والواضحة.ودعونا الآن أن نستعرض هذه المعجزات والظروف  التي مرت بها: 
المعجزة الأولى:
لما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صار له أنصار وأصحاب من غيرهم ورأوا خروج أصحابه إليهم وانهم أصابوا منعة حذروا أن يهاجر إليهم محمد صلى الله عليه وسلم وأن يجمعوا على حربهم، كما علموا دخول الأوس والخزرج في الإسلام في المدينة، وقد هاجر إليهم عدد من أصحابه فاجتمعوا في دار الندوة حيث اجتمع أشراف بني عبد شمس وبني نوفل وبني عبد الدار وبني أسد وبني مخزوم وبني سهم وبني جمح وغيرهم ولم يختلف من أهل الرأي أحد وكانت الوجوه البارزة: 

1. أبو جهل بن هشام من بني مخزوم.
2. جبير بن مطعم طعيمة بن عدي والحارث بن عامر من بني نوفل بن عبد مناف.
3. شيبة وعتبة ابناء ربيعة، وأبو سفيان من بني عبد شمس بن عبد مناف.
4. النضر بن الحارث (وهو الذي ألقى على رسو الله صلى الله عليه وسم سلا جزور) من بني عبد الدار.
5. أبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وحكيم بن حزام من بني أسد بن عبد العزى.
6. نبيه ومنبه أبناء الحجاج عن بني سهم.
7. أمية بن خلف عن بني جمح.
ولما جاؤا إلى دار الندوة حسب المعاد اعترضهم إبليس في هيئة شيخ، عليه طيلسان، ووقف على الباب فقالوا له: من الشيخ؟ قال: شيخ سمع بالذي اجتمعتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأيا ونصحا. قالوا: أجل فادخل فدخل معهم.

ولما تكامل الإجتماع بدأ عرض الحلول ودار النقاش طويلا، قال أبو البختري بن هشام: احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء حتى يصيبه ما أصابهم من هذا الموت.
قال الشيخ: لا والله ماهذا لكم برأي والله لئن حبستوه ـ كما تقولون ـ ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلأوشكوا  أن يثبوا عليكم فينزعون من أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوا على أمركم. ما هذا لكم برأى فانظروا رأيا غيره.قال أبو الأسود: نخرجه من بين أظهرنا وننفيه من بلادنا ولا نبالي أين ذهب؟ ولا حيث وقع؟ قال الشيخ: لا والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به؟ والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ثم يسير بهم إليكم ـ بعد أن يتابعوه ـ حتى يطأكم بهم في بلادكم ثم يفعل بكم ما أراد أديروا فيه رأيا غير هذا.فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه رأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد.قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما، ثلم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه. فنستريح منه. فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا. فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا منا بالعقل (الدية) فعقلناهم لهم.فقال الشيخ: القول ما قال الرجل هذا الرأي ولا رأي غيره.فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون عليه.فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره صلى الله عليه وسلم بمؤامرة قريش، وأن الله أذن له في الخروج، وحدد له وقت الهجرة، قائلا: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه  وذهب النبي صلى  الله عليه وسلم في الهاجرة إلى أبى بكر وأخبره بأن الله أذن له في الخروج فقال أبو بكر: الصحبة بأبى أنت يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فبكى أبو بكر من شدة الفرح، تقول عائشة: ما كنت أعلم أن أحداً يبكي من شدة الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ، فلما كانت عتمة من الليل أي الثلث الأول اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبوا عليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم وعلم ما يكون منهم قال لعلي بن أبى طالب: نم على فراشي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام.

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واخترق صفوفهم وأخذ حفنة من تراب فجعل يذره على رؤسهم وقد أخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه وهو يتلو هذه الآيات (يس والقرآن الحكيم. إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم) إلى قوله: (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) ولم يبق منهم رجل إلا وضع على رأسه ترابا.
ومضى إلى بيت أبي بكر فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلا حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمن، فأتاهم آت لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون ههنا؟ قالوا: محمداً فقال: خبتم وخسرتم والله قد خرج عليكم محمد ثم  ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا، وانطلق لحاجته فما ترون ما بكم قالوا: والله ما أبصرناه فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفرش مسجى ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائم عليه بُرده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا وقام علي عن الفراش فقالوا: والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا. فسقط في أيديهم وقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري فأنزل الله سبحانه (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) وقوله (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل: تربصوا فإني معكم من المتربصين) إنها معجزة عظيمة أن يمر بين الرجال فلا يرونه يضع على رؤسهم التراب ضاعت أبصارهم فلا يبصرونه.

المعجزة الثانية في الغار:
لما أجمع رسول الله صلى الله عليه و سلم الخروج أتى أبا بكر فخرجا من خوخة أبي بكر في ظهر بيته ومضيا إلى جبل ثور، ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: والله لا تدخله حتى أدخله قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك، وكان في الطريق مرة يمشي أمام النبي صلى الله عليه وسلم ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن شماله فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، مرة عن يمينك، ومرة عن شمالك، لا آمن عليك ………
ولما دخلا الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه الغار فسترته بفروعها، وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بين فروعها نسجاً متراكماً بعضه على بعض، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار.
ولما فقد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم شق عليهم ذلك وخافوا وطلبوه بمكة أعلاها وأسفلها وبعثوا القافة (الذين يقصون الأثر) في كل وجه يقفون أثره فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: "لو دخل هاهنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال "ابن كثير يقول هذا إسناد حسن"، ولما كانوا أربعين ذراعاً من الغار تعجل بعضهم ينظر في الغار فلم ير إلا حمامتين وحشيتين مع العنكبوت فقال: ليس فيه أحد، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فعرف أن الله عز وجل قد درأ عنه، وفي رواية: لما انتهوا إلى فم الغار قال قائل منهم: ادخلوا الغار، فقال أمية بن خلف: وما أربكم إلى الغار؟إن عليه لعنكبوتاً كان قبل ميلاد محمد، ثم جاء قبالة فم الغار فبال فقال أبو بكر: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه يرانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر لو كان يرانا ما فعل هذا، وقال صلى الله عليه وسلم: جزى الله العنكبوت خيراً فإنها نسجت على الغار "جامع الأحاديث 7243 ".
وروي أن المطاردين وصلوا إلى باب الغار وسمع أبو بكر القائف يقول لقريش: والله ما جاز مطلوبكم من هذا الغار حزن وبكى وقال: والله ما على نفسي أبكي ولكن مخافة أن أرى فيك ما أكره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحزن إن الله معنا.
روى البخاري عن أنس عن أبي بكر قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا، قال: اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما، وفي رواية: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما" البخاري 1/554 ".
وكل ما جرى في الغار وحول الغار معجزات أكرم الله بها نبيه قال تعالى: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذا يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم).
الترتيبات: عبد الله بن أبي بكر يعرف ما يقال يأتيهما حين يختلط الظلام ويدلج من عندهما بفجر فيصبح مع قريش كبائت في بيته فلا يسمع أمراً يكادان به إلا وعاه ويخبرهما به.
عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يروح عليهما بمنحة غنم أي مجموعة غنم فكان يرعاها حين تذهب ساعة من العشاء ويغدو بها عليها فإذا خرج من عندهما تبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يقفوا أثر قدميه يفعل ذلك كل ليلة من الليالي الثلاث وذلك بإرشاد أبي بكر.
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها إذا أمست تأتيهما بما يصلحهما من الطعام وتسمى ذات النطاقين لأنها قطعت قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب والقطعة الأخرى للسقاء فسميت ذات النطاقين وقال لها صلى الله عليه وسلم: " أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة "، وكان قد استأجر أبو بكر عبد الله بن أريقط الليثي ليدلهما على الطريق وكان على دين قريش فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه على جبل بعد ثلاث وبعد مضي الثلاث جاءهما الدليل وانطلق معهما عامر بن فهيرة فأخذ بهما طريق الساحل 1 ربيع أول، 16 سبتمبر 622م.

المعجزة الثالثة في الطريق إلى المدينة: 
سلك بهما الدليل طريقاً غير معروف إتجه نحو الساحل ثم سلك بهما نحو الشمال، ولما أيست قريش منهما أرسلوا لأهل السواحل أن من أسر أو قتل أحدهما كان له مائة ناقة، وكان من دأب أبي بكر انه كان خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان معروفاً فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: من هذا الرجل الذي بين يديك؟فيقول: هذا الرجل هاد يهديني الطريق فيفهم من كلام أبي بكر أنه يعني به الطريق وإنما يعني سبيل الخير" رواه البخاري عن أنس 1/556 ".
وتبعهم في الطريق سراقة بن مالك بن جعشم وكان قد علم من رسل كفار قريش إنهم يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره، قال سراقة: بينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إني رأيت آنفاً أسودة بالساحل أراها محمد أو أصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم فقلت له: إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننا ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت، فأمرت جاريتي أن تخرج فرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي، وأخذت رمحي فخرجت من ظهر البيت فحططت بزجه الأرض وخفضت عاليه، حتى أتيت فرسي فركبتها فدفعتها تقرب حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا؟فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام، تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغنا الركبتين فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها، فلما استويت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره.

فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيته من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أنه قال: أخف عنا " البخاري 5/76 ".
وفي الإمتاع: لما قرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخت يدا فرسه في الأرض فقال: ادع الله لي يا محمد أن يخلصني لله تعالى ولك علي أن أرد الطلب فدعا، فعاد فتبعهم فساخت قوائم فرسه أشد من الأولى فقال: يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله ينجيني مما أنا فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب فدعا له فانطلق راجعاً.
قال سراقة: فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.وفي رواية عن أبي بكر قال: ارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا إلا سراقة على فرس له فقلت: يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال: لا تحزن إن الله معنا " صحيح البخاري 1/566 "، فرجع سراقة فوجد الناس في الطلب فجعل يقول: قد استبرأت لكم الخبر، قد كفيتم ما ههنا وكان أول النهار جاهدا عليهما وآخره حارساً لهما " زاد المعاد 2/56 ".

إن معجزة سياخ قدم فرس سراقة في التراب وتحويل سراقة من محارب إلى ناصر لأمر عظيم ومعجزة واضحة.ولما ظهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل المدينة جعل سراقة يقص على الناس ما رأى وما شاهد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما كان من قصة جواده واشتهر هذا عنه فخشي سفهاء مكة أن يكون سبباً لإسلام كثير منهم وكان سراقة أمير بني مدلج ورئيسهم.
 وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قادمين من الشام فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بيضاً.

 المعجزة الرابعة في الطريق إلى المدينة: 
واجتازوا في طريقهم بأم معبد واسمها عاتكة وكان منزلها بقديد، وكانت امرأة برزة (تبرز للناس) جلدة تحتبي بفناء الخيمة ثم تطعم وتسقى من مر بها فسألاها هل عندك شيء؟ (أي لحم أو تمر أو لبن يشترونه) فقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزناكم القرى والشاة عازب لإنهم كانوا مسنتين (مجدبين) فنظر رسول الله إلى شاة في كسر الخيمة فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم (لم تطق اللحاق بالغنم لما بها من الهزال) قال: هل بها من لبن؟قالت: هي أجهد من ذلك، فقال: أتأذنين لي أن أحلبها قالت: بأبي وأمي إن رأيت بها حلباً فاحلبها، فمسح بيده ضرعها وسمى الله ودعا فدرت وتفاجت أم معبد فدعا بإناء فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ثم شرب وكان آخرها شرباً وقال: ساقي القوم آخرهم شرباً ثم حلب فيه ثانياً حتى ملأ الإناء وتركه عندها ثم ارتحلوا.
قالت أم معبد في رواية : وكنا نحلبها صبوحاً وغبوقاً (بكرة وعشية) وما في الأرض قليل ولا كثير مما يتعاطى الدواب أكله، ولما جاء زوجها أبو معبد عند المساء يسوق أعنزاً عجافاً ورأى اللبن الذي حلبه عجب فقال: من أين لك هذا؟والشاة عازب ولا حلوت بالبيت؟ قالت مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت ومن حاله كذا وكذا، قال: صفيه، قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، متبلج الوجه (مشرقه) في أشفاره وطف (يعني في شعر أجفانه عينيه طول) وفي عينيه دعج ( أي شدة  سواد العينين ) وفي صوته صحل (بحة) غصن بين الغصنين لا تشنؤه من طول (لا تبغضه لفرط طوله) ولا تقتحمه من قصر (لا  تحتقره) لم تعبه ثجلة (عظم البطن) ولم تزر به صعلة (صغر الرأس) كأن عنقه إبريق فضة (الإبريق: السيف الشديد البريق) إذا نطق فعليه البهاء، وإذا صمت فعليه الوقار ، له كلام كخرزات العظم، أزين أصحابه منظراً وإذا نهى انتهوا عند نهيه) ، قال: هذه والله صفة صاحب قريش ولو رأيته لاتبعته ولأجتهدت أن أفعل، فهذه المعجزة في شاة أم معبد واضحة جداً وعظيمة.هناك معجزة لم تذكر في المعجزات ولعلها خامسة:  
وهي أنه في الطريق لقي بريدة بن الحصيب الأسلمي في ركب من قومه يبلغون السبعين، وكان بلغه ما جعلته قريش لمن يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فطمع في ذلك، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال له: من أنت؟ قال: بريدة بن الحصيب، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا أبا بكر برد أمرنا وصلح، قال: ممن أنت؟ قال: من أسلم من بني سهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: سلمنا وخرج سهمك يا أبا بكر، لأنه كان صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يتطير (ولا يتشاءم)، ثم قال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قال: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله، فقال بريدة: أشهد أن لا إله إلا الله  وأشهد أن محمداً رسول الله، فأسلم بريدة وكل من كان معه وصلوا خلفه العشاء الآخرة.
فإسلام بريدة ومن معه معجزة في رأيي من المعجزات فقد تحول بريدة من معاد إلى نصيرٍ ومؤيدٍ وداعٍ.

المعجزة السادسة في المدينة المنورة: 
وسمع المسلمون بالمدينة بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة كانوا يغدون كل غداة إلى الحرة ينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة.فانقلبوا يوماً بعد ما أطالوا انتظارهم فلما آووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين (أي يلبسون الثياب البيض التي كساهم إياها الزبير وطلحة) يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي نفسه أن قال بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون)، فثار المسلمون إلى السلاح " صحيح البخاري 1/555 " ، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة عدل بهم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف في يوم الاثنين 13 ربيع الأول فلبث عندهم بضع عشرة ليلة أسس مسجد قباء وصلى فيه وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة، ولما أراد دخول المدينة أرسل إلى بني النجار (أخواله) فجاءوا متقلدين سيوفهم فسار نحو المدينة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي.
وبعد الجمعة دخل المدينة وكان راكباً هو وأبو بكر والناس عن يمينه وشماله وخلفه منهم الماشي والراكب وكانت البيوت والسكك ترتج بأصوات التحميد والتقديس جاء نبي الله جاء نبي الله، وصعدت ذوات الخدور على الأسطحة ينشدن فرحاً وسروراً: 
طلع البدر علينا: من ثنيات الوداع 
وجب الشكر علينا: ما دعا لله داع 
أيها المبعوث فينا: جئت بالأمر المطاع  جئت شرفت المدينة: مرحباً يا خير داع 
روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله.

وروى الإمام أحمد عن أنس قال: فما رأيت يوماً قط أنور ولا أحسن من يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر المدينة، وروى ابن ماجه عن أنس قال: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء.والأنصار كل واحد يتمنى أن ينزل الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته فكان لا يمر بدار من دور الأنصار إلا أخذوا خطام راحلته قائلين: هلم إلى العدد والعدة والسلاح والمتعة فكان يقول لهم: خلوا سبيلها فإنها مأمورة.

فلم تزل سائرة به حتى وصلت إلى موضع المسجد النبوي اليوم فبركت ولم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلاً ثم التفتت فرجعت إلى مبركها الأول فنزل عنها وقال: هنا المنزل إن شاء الله، وذلك في بني النجار أخواله صلى الله عليه وسلم وكان من إلهام الله للناقة أن بركت حيث يحب أن ينزل وما أجمل قول النبي صلى الله عليه وسلم "خلوا سبيلها فإنها مأمورة".
وفي رواية أنس عند البخاري قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: أي بيوت أهلنا أقرب؟ فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله هذه داري وهذا بابي قال: فانطلق فهيئ لنا مقيلاً قال: قوما على بركة الله.
وجاء في السيرة فبادر أبو أيوب الأنصاري إلى رحله فأدخله بيته فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المرء مع رحله، وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته وكانت عنده.
وهذه المعجزة يشاهدها المرافقون وكيف تصرفت الناقة ويسمع جميع المرافقين كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم: "خلوا سبيلها فإنها مأمورة"، وخرجت جويرات بني النجار يرحبن بالرسول صلى الله عليه وسلم وينقرن بالدفوف يقلن: 

نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار 
وختاما فهذه هي المعجزات التي مرت أثناء هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وما أروعها وما أعظمها من معجزات، ولا شك أن اطلاعنا على هذه الأمور وتجديد الصلة بها مما يساعد على ربطنا وربط الناشئة بسيرة هذا النبي الكريم، والرسول العظيم عليه أفضل الصلاة والتسليم.

والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل،،

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب