شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

ان من واجب الذين يتصدون لمديح الرسول صلى الله عليه وسلم ان يلتزموا بآداب هذه المديح ، وان يحرصوا كل الحرص على ذلك المنهج الرباني الذي وصفه الله به ، ثم ما تحدث به عليه الصلاة والسلام عن نفسه وأدبه ، ، ثم السير على نهج الصحابة الكرام في مديحهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتزامهم الأدب معه في وصفه ووذكر مناقبه ،  فلا يصح بأي حال من الأحوال أن نخالف هذا المنهج ، ولا هذه السنة ، بل يجب الالتزام بهما في كل حديثنا عنه صلى الله عليه وسلم

 تأدبوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

الإسلام نعمة.. فلا تجعلوه نقمة

محمد عبده يماني 

إن من ينظر بعمق في هذا الدين الحنيف، وهذا النور الذي أشرق على الكون، وهذا الهدى الذي جاء للعالمين يشعر بأن من واجب الأمة الإسلامية أن تثبت على هذا المنهج الذي تركها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، ورسالته هي خاتمة الرسالات، وسبحان من إختار لهذه الأمة أن تكون هي الأمة الوسط، وجاءت الأية واضحة: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}.
والمتأمل لحياة المصطفى صلى الله عليه وسلم يرى مثلا عظيمة للإعتدال والإتزان، ويتعلم منها كيف تبنى المجتمعات، وكيف يتم التغيير والتطوير، ووفق المثل والغايات بالتخطيط والتنظيم والعناية بالحقائق، والإبتعاد عن مظاهر العنف والقسوة والمكابرة.
وكانت قمة الدعوة هي الدعوة  الله على بصيرة وبالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن: {أدعو  سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن}.
والإسلام يدعو  دائما  الإعتدال.. والتسامح.. والحسني.. والمنطق.. والعدل.. ودعونا أولاً ننظر في معنى الإعتدال في اللغة.الإعتدال في اللغة هو التوسَّط في الأمور، جاء في لسان العرب، فرس معتدل الغُرَّة، إذا توسَّطت غرَّته جبهته فلم تصب واحدة من العينين، ولم تمل على واحد من الخدّين... والتوسط، أو الإعتدال، عادة هو أحسن الأحوال، جاء في أقوالهم خير الأمور الوسط وقالت الحكماء، الفضيلة وسط بين رذيلتين، وانفرد الانسان دون سائر المخلوقات بالخلافة عن الله في الأرض، وبسجود الاملاك له في أعلى عليين، لأنه وسط بين البهيمية والملائكية كما إنفرد ـ لهذا التوسط ـ بأن خلقه الله تع بيديه، كما جاء في الكتاب العزيز، امعانا في تكريمه، ومبالغة في التنويه بمكانته، وسخر له ما في السموات والأرض جميعاً منه..
ولما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو صاحب القِدْحِ المُعلَّى، والنصيب الأوفر والأعظم من هذا "الإعتدال" كان هو سيد الأولين والآخرين، وكان دينه صلى الله عليه وسلم هو المهيمن على سائر الأديان، وشريعته خاتمة لكل الشرائع، وكانت أمته خير أمة أخرجت للناس.. يقول الله تبارك وتع في كتابه العزيز "وكذلك جعلناكم أمَّة وسطا، لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا" . أخرج البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يُدْعَى نوح عليه السلام، يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يارب، فيقول هل بلَّغْتَ، فيقول نعم فيقول لأمته هل بلَّغكم، فيقولون ما جاءنا من نذير، فيقول مَنْ يشهد لك؟ فيقول محمد وأمته، فيشهدون أنه قد بَلّغ، فذلك قوله عز وجل لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا". فـلا تستطيع أمـة نوح أن تطعـن في شهادتنا، لأننا انفردنا باننا الأمة الوسط، ولا نستطيع أن نطعن نحن في شهادته صلى لله عليه وسلم علينا، لأنه خير هذه الأمة الوسط، وبالتالي سيد الخلق أجمعين..
ولقد جاءت الرسالة المحمدية وسطاً في كل شيء أي متناسبة في كل أجزائها، والتناسب هو الإعتدال، جاء في لسان العرب [ وكل ما تناسب فقد اعتدل، والعدل ما قام في النفوس أنه مستقيم ] يقول الله تع مُنوِّهاً بقدر هذه الرسالة الوسط للامة الوسط {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} كانت الديانات السماوية المتبقية حين جاء الإسلام، ديانتين، اليهودية والنصرانية، فجاء الإسلام وسطاً بينهما وخير الأمور الوسط، ولذلك جاء الدعاء في سورة الفاتحة،اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين انعمت عليهم [ من امة محمد صلى الله عليه وسلم ] غير المغضوب عليهم [اليهود] ولا الضالين [النصارى] آمين..ذلك أن اليهود حرفوا منهج الله لهم بما تصرفوا في التوراة نسياناً وكتماناً، وتحريفاً، وزيادة، فلم تعد التوراة بواقعها الموجود ممثلة لما أنزله الله، ولهذا لا نجد في التوراة ما يتعلق بالقيم ولا بالروحانيات ولا باليوم الآخر، وانغمسوا في الشكليات، فكانت عبادتهم خواء من الروح، فشاء الله أن يردهم  جادة الحق، فجاء عيسى عليه السلام برسالة من الله، لترد على اليهودية ما فقدته من الروحانية، ولتلطف ما ران عليها من أدران المادية، ولذلك لا نجد في الإنجيل مسألة تتعلق بنظام الحياة، وتقنيات المجتمع، وانما هي ومضات روحانية، لم يكن الغرض منها إلا أن تبعث الحياة، في الدين اليهودي، الذي أصبح جسداً بلا روح، وقلباً خواء من المشاعر والوجدانيات، وهكذا نرى كيف أن الإسلام قد جاء وفي العالم يهودية أنحرفت عن منهج الله  عالم المادة المحضة، حتى غالوا في المادية غلوًّا جعلهم يطلبون أن يروا الله جهرة،... وبجانب هذه اليهودية كانت هناك مسيحية جاءت بروحانية صرفة لتثني عنان هذا الجموح المادي الخالي من أي نصيب من الروحانية.ولكن العنصرين لم يمتزجا فظلت اليهودية قائمة إلاَّ من انتقل منهم  المسيحية، وظلت المسيحية أيضاً مستقلة عن اليهودية تحلَّق في أجواء روحانيتها، دون أن تضع أي إعتبار للمادة..فجاء الإسلام ليصحح للانسانية المعادلة الضرورية، مادية بقيم، وروحانية بحركة.. ولذلك كان الإسلام منهجاً متكاملاً شاملاً لكل الأمور بروحانياتها، ومادياتها على السواء.. يقول الله تبارك وتعالى "اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا  .وبهذا كان الإسلام وسطاً بين اليهودية والمسيحية، كما كانت الأمة المحمدية هي الأمة الوسط، التي وضع الله لها الصراط المستقيم، الذي جاد عنه المغضوب عليهم، ولا الضالين على السواء، ذلك فضل الله يؤتين من يشاء، والله ذو الفضل العظيم"  .ولقد إتضح الفرق الضخم، والبون الشاسع لكل ذي عينين، حين حكم المسلمون الإسلام في أنفسهم، وفي كل شيء في الحياة انتجوا حضارة لم يشهد العالم لها مثيلاً حتى اليوم، وحين تخلَّى المسيحيون عن مسيحيتهم، وحصرُوها في الاطار الشخصي المحض، واستطاعوا أن يأتوا بحضارة، حضارة عامرة الشكل، خربة الموضوع، لها قبح الباطن، وأن تميز ظاهرها بزخرف خادع كذاب. فالمسلمون تأخروا حين هجروا دينهم ونسُوا الله فأنساهم أنفسهم، والمسيحيون لم يتقدموا إلا بعد أن حطموا أغلال دينهم وقيود ملتهم، التي حرفوا فيها وبدّلوا، وجاءوا بهذه الحضارة التي أعادت مادية اليهود، وخلَتْ من أي عنصر من عناصر روحانية السيد المسيح عليه السلام، وعلى نبينا، الصلاة والسلام. والمسلمون لما اتجهوا  الغرب فقدوا "الإعتدال" فقدوا " التوازن " فقدوا " التوسط" الذي كان يكفله لهم الإسلام في كل جانب من جوانب الحياة. خذ الجانب الإقتصادي... أن نظام الإسلام الإقتصادي يجمع بين كل ما في الرأسمالية وما في الشيوعية من مزايا، دون أن يكون فيه أي مثلبة من المثالب التي يرزح تحتها النظامان الشيوعي والرأسمالي " ويمكن وصف هذا المذهب بأنه حُرّ بلا فردية، وجماعي مع المحافظة على الكيان الفردي" فهو مذهب حر يفترض عدم تدخل الدولة وان كان لا يأباه، واذا دعت المصلحة الشرعية لذلك فان الفرد هو العامل الأول في هذا الاقتصاد، وعليه أن يحقق المرافق العامة وان يقوم بها، وأما الدولة فوظائفها محدودة، ولكن هذه الحرية التي تتطلب اطلاق الجهود الفردية لا تجعل هذا النظام يقترب من نظم الفردية، بل يظل جماعي الصيغة، لأن الفرد في الجماعة الإسلامية إنما يعمل لإداء وظيفة إجتماعية، وليس لصالح نفسه "فالمذهب الإقتصادي الإسلامي يقوم على المنهج الوسط بين النظام الرأسمالي الذي يكون فيه الفرد هو المالك الوحيد لما يكتسب، ولا حق فيه لغيره، وله أن يتصرف فيه وفق ما يشاء ويرضى، وبين النظام الشيوعي الذي يجعل وسائل الانتاج كلها مشتركة بين أفراد المجتمع، ولا حق للأفراد بصفتهم الفردية أن يملكوها ويتصرفوا فيها حسب رغباتهم،فالرأسمالية والشيوعية على طرفي نقيض: أن الرأسمالية وأن كانت تمنح الأفراد حريتهم الشخصية، وحقوقهم الفطرية فإنه ليس في مبادئها ونظرياتها شيء يبعث الأفراد على القيام بخدمة مصالح المجتمع المشتركة، ويجبرهم على ذلك اجباراً، بل هي تنشىء فيهم عقلية تحبب إليهم ذواتهم، وتحملهم على محاربة مصالح المجتمع في سبيل مصالحهم الشخصية.. والشيوعية حين زعمت أنها تريد أن تعالج هذه المفسدة، ذهبت  الطرف الآخر، فجردت الأفراد من الملكية الشخصية، وجعلتهم خداماً عاملين للمجتمع، فحاربت بذلك الفطرة الانسانية، وقضت على الباعت الحقيقي على الجد والكد والاجتهاد عند الافراد، وذلك أن الذي يبعث الفرد على استنفاد قوته في السعي والجد في مضمار التمدن والاقتصاد، ان هو في الحقيقة إلا مصلحته الشخصية. أما الإسلام فيقيم بين هذين النظامين الإقتصاديين المتطرفين نظاماً وسطاً، نظاماً يتسم بالإعتدال، فهو يعطي الشخص حقوقه الفطرية والشخصية كلها بطريق لا يختل به التوازن في توزيع الثروة فهو حين يمنح الفرد حقه في الملكية الشخصية وحقه في التصرف في ماله نراه في الجانب الآخر يقيد كل حق من هذه الحقوق بقيود خلقية من داخله، وقيود قانونية من خارجه، حتى لا تجتمع موارد الثروة في يد فئة قليلة، بل تبقى متبادله بين مختلف الأفراد، يقول الله تع " كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم" .           
فنظرية الإسلام الإقتصادية، بكلمات مختصرة، هى أن الرابطة بين المصلحة الفردية المصلحة الجماعية وثيقة من حيث فطرتهما، فمن الواجب أن تكون بينهما الموافقة والمعاونة، لا المزاحمة والمصارعة .
فالمنهج الإسلامى يقوم على أساس أن الإنسان مادة وروح، ولئن أردنا السعادة فلن يتم ذلك إلا بايجاد التوازن ـ سمِّه إن شئن الإعتدال، أو التوسط ـ بين هذه العنصرين.ومن هنا فالنظرية الإسلامية تقوم على ركيزيتين هما:
1. إشباع الرغائب الحسية بحيث لايكون ذلك على حساب متطلبات الإشباع الروحى.
2. إشباع الرغائب الروحية فى نفس الوقت.

وهكذا نرى أن المنهج الإسلامي يسعى  تكوين انسان متوازن فى فرديته، ومتوازن ايضا فى ميله  الجماعة، وتعاونه معها، ويصل  ذلك بوسائل شتى.. فيصل قلب الفرد بالله، فى عبادة خاشعة، ومناجاة رائعة، تملأ القلب حبا لله، وخضوعاً له، وإذعانا لحكمته، فتنمو بذلك الشخصية الإستقلالية التى لا تعرف الأثَرَةَ البغيضة، فإذا إنفرد بهذه الروح إنسان يُحِس بمسئوليته الكبرى تجاه الجماعة، فلا ينغلق على نفسه، لأن من ينبوع الإيمان، وشعور المسئولية تنبثق الروح الجماعية، فإذا القلب الذى رباه الإيمان، وسيطرت عليه المسئولية، مصدر الحب والرحمة والإخلاص والوفاء، يرتبط بالجماعة اوثق إرتباط، يحب لأخيه مايحب لنفسه ويهتم بأمر المسلمين، ويسعى فى مصالحهم، ويؤثرهم على نفسه، وينصح لهم ويتعاون معهم. وبهذا صاغ الإسلام دين الفطرة هاتين النزعتين الأصليتين فى هذه الفطرة البشرية هذه الصياغة المحكمة الرائعة النافعة  فكان منهجه بذلك منهج الخير والإستفادة والطمأنينه والسلام، ومن حيث صلت بالمنحرفين عن هذا المنهج السُّبُلُ، وزلت بهم الأقدام، وانتهوا  ذلك الشر العاصف، وآلوا  ما هم فيه من صراع وخصام.
وخذ الجانب الإجتماعى، لترى "الإعتدال" أو "التوسط" فى كل ما شرعه الله تعالى أو سنه رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه،
لنقف وقفة صغيرة عند تعدد الزوجات..هل هناك أى تشريع وصفى "متزن" يمنع تعدد الزوجات؟إن تعدد الزوجات قد يكون ضرورة "إقتصادية" للأسر في بعض المجتمعات،  كما قد يكون "للحماية" في نفس الوقت، ان الرجل الذى له أبناء كثيرون يساعدونه فى زراعته او فى رعايته، أو في أعماله، أو يحمونه من عوامل التعصب القبلى أو ما شاكل ذلك، لا بد أن يكون أسعد حالاً ممن هو دونه في عدد الأبناء.. فالوقوف أمام تعدد الزوجات في هذه الحالة ـ مادام العرف يستسيغه، ومادامت للفتاة حرية الرفض أو القبول،  إن الوقوف أمام تعدد الزوجات في هذه الحالة وقوف ضد سعادة القادرين على التعدد، وضد حماية الأسر، وقانون يضرب بهذين  عرض الحائط، خليق أن يضرب به نفسه هو عرض الحائط، أولاً وقبل كل شي: في حالات عقم الزوجة، أو مرضها، أو نشوزها، مثلاً، ماذا ينبغي على أي تشريع "متزن" أن يعمل؟.
في حالات ازدياد عدد النساء، بسبب الحروب مثلاً، تستأثر المحظوظات منهن بالزواج، والحياة الأسرية، ومتعة الأمومة، وما  ذلك، وعلى الباقيات العفاء؟ ألم يُوصِ مؤتمر الشباب العالمي الذي انعقد بمدينة "ميونيخ" عام 1948م بتعدد الزوجات، كحل لمشكلة زيادة أعداد النساء عن الرجال عقب الحرب العالمية الأولى؟ ألم يطالب أهالي مدينة " بون " في 1949م أن ينص دستور البلاد (المانية الغربية) على إباحة تعدد الزوجات؟ 
إذن فتعدد الزوجات ضرورة تقتضيها بعض الظروف الفردية أو الجماعية، الخاصة منها والعامة، وأن تشريعاً لا يُعد له العدة، فتشريع ناقص..قد يبيح التشريع للقادرين من الرجال أن يتزوجوا ما استطاعوا من النساء دون تحديد؟ معنى ذلك أن يستأثر القادرون على الزواج بالنساء، دون الذين هم أقل منهم قدرة، فيصبح في المجتمع رجال لا يجدون من يتزوجون من النساء، وفي هذا ظلم للرجال وللنساء معاً..إذن فالإعتدال هنا أن يُنص على عدد النساء اللواتي يسمح للرجل بزواجهن ويكُنَّ جميعاً في عصمته في وقت واحد؟ هل يترك ذلك بلا قيد، ولا شرط؟ إذن يَنْهَارُ مَبْدأ "الإعتدال" أو التوسط.. فلا بد من شروط.. وأول شرط هو إستطاعة العدل بين الزوجات "في أنفسهن" وفي أبنائهن بالمثل.. ففي حالة العدد يبيح الإسلام للرجل أن ينكح " مثنى، وثلاث، ورباع " لكن بشرط العدل (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة).
هذا هو النظام الأمثل، هذا هو الحل "الوسط " و"المعتدل" لهذه المشكلة، صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة..ماذا فعل الغرب، في هذه الناحية، أباح نظام "الخلائل" ـ بالخاء ـ بدلاً من الحلائل، ونحن نرى ما في هذا النظام من "فوضى" وفيما ينجم عنه من ضرر وإفساد، لا في جانب الأطفال "غير الشرعيين"   بل في جانب النساء أنفسهن! 
فشريعة الإسلام في نظام الزواج شريعة تامة تحيط بجميع حالاته، بمعنى آخر شريعة تلتزم جانب "الإعتدال" أو "التوسط"، حتى في  الجانب الذي يتناوله أشد النقد من قبل خصوم الإسلام عامة أو من قبل خصوم تعدد الزوجات بشكل خاص.
فضلاً عن أن الإسلام لم ينشئ نظام تعدد الزوجات، ولم يوجبه، ولم يستحسنه، لكنه نظمه، وقيده، وأباحه في حالات يشترط فيها العدل على أقل تقدير، فليس النّص على إباحة تعدد الزوجات، لأنه واجب، على الرجل، أو مستحسن، أو مرغوب فيه، وإنما النص فيه إباحته، مع مراعاة إستيفاء الشروط اللازمة، إنما هو لإحتمال ضرورته في حالة من الحالات، ويكفي أن تدعو إليه الضرورة في حالة بين ألف حالة لتقضي الشريعة بما يلزم اتباعه في هذه الحالة، دون أن تتركها غفلاً من النص الصريح.
ربما عارض البعض تعدد الزوجات على أساس أنه يسهم في حدة الإنفجار السكاني الذي يثير هلع كثير من "المتحضرين"! فنقول له، وماذا فعلت "وجدانية الزوجة"؟ يقول البرفسور Plerre Soni المحاضر في جامعة السربون أن الجنس الأبيض يتهدده خطر الإنقراض! ويدلل على ذلك بأن نسبة المواليد في ألمانيا في تَدَنَّ يؤذن بانقراض الألمان أو احتمال انقراضهم في القرن التالي! وأن الإحصائيات السكانية تشير  أن فرنسا التي يبلغ سكانها الآن 52 مليون، لن يكون فيها أكثر من 17 مليون في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين  آخر ما قال.. ، ولا يستحُون أن يتحدثوا عن الطلاق! 
كما أن هناك ضرورات تبيح تعدد الزوجات، فنهاك ضرورات تجعل من الطلاق شراً لا بد منه، ووسيلة هي أبغض الحلال  الله! ماذا جنى الغرب عندما حرَّم الطلاق من الناحية الشرعية؟ لجأ  المحاكم لتبيحه من الناحية "المدنية! ".أن الطلاق هو "المخرج" الوحيد من محيط الزوجية عندما تتأجج فيه نيران التعاسة والشقاء، ويتحوَّل من عش  قفص، ومن فردوس  جحيم! ترى لو لم "يتمدَّنْ" الغرب، ولم يجد منفذاً  الطلاق "المدني" ماذا كانت تكون أحوال المجتمع فيه؟.
(في عام 1960م كان عدد الزيجات التي تم العقد عليها في كاليفورنيا مساوياً لعدد حالات الطلاق)، ومعنى هذا أن الأسر التي كانت ستظل ترسف في أغلال التعاسة والشقاء، لولا الطلاق، يساوي عددها عدد الأسر التي سيكون مآلها  نفس التعاسة، بعد حين!.وفي سويسرا تضاعفت حالات الطلاق في ظرف عشر سنوات فقط، أما في بولندا فقد بلغت حالات الطلاق أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل عشرين سنة، وفي تشكوسلوفاكيا بلغ عدد حالات الطلاق في 1975م ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل ثلاثين سنة  .. ولقد بلغ التشريع الإسلامي في الطلاق ذروة الإعتدال والتوسط حينما أحاطه بكل الوسائل التي تمنع وقوعه، وتخفف من ويلاته إذا وقع، وتجعل منه معبراً  حياة زوجية أسعد، مما لا يتسع المقام هنا لتفصيله  
إن المجال هنا لا يتسع لعشر معشار مظاهر الإعتدال والتوسط في كل ما شرعه الله أو حرمه أو أحله أو أباحه، وانما قصدنا هنا أن نهمس في آذان هؤلاء المفتونين بالغرب الواقعين في حباله، المتطفلين على فتات موائده التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ يتطلعون  السراب، وبين أيديهم الماء، يتسابقون  "الغرب" وفي ديارهم تطلع الشمس، ومن ديارهم تتسرب الأنوار! أولئك هم الأخسرون أعمالا {الذي ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} فهؤلاء أسوق هذه الأمثله، ولأختمها بمثال آخر، لضيق المجال.
الإسلام أمر بالشورى، وضع أسسها، وجاء الغرب بنظام شورى آخر، يسمونه الديمقراطية فانظر الإعتدال والتوسط في الشورى التي جاء بها الإسلام، والإضطراب والقلق في الديمقراطية التي جاء بها الغرب، وهام بها بعض المنخدعين به ممن يسمون مسلمين!
الديقراطية تحقق رغبات الشعوبوالشورى تحقق مصالح الشعوب وفرق كبير بين الرغبات والمصالح، كل مصلحة مرغوبة، وما كل مرغوب في مصلحة؟ قد يرغب المريض في أكل لا يجر إليه إلا المرض! وقد يرغب الطفل في التحسس على الجمرة، فلا يفيد منها إلا الوبال.. اسبانيا مثلا حين تفكر في الإنضمام  السوق الأوربية، تحتكم في ذلك  الشعب! يعني الجزارين والطباخين، والكناسين، والتجار وغيرهم ممن ينبغي ـ بحكم إتجاههم ـ ألا يكون لهم رأي في ذلك الموضوع لأنه موضوع يرجع فيه  أهل الإختصاص، أو بلغة القرآن الكريم أهل الذكر. فإذا إنضمت إسبانيا  السوق الأوربية، فإنها تكون قد حققت رغبات الجماهير، وحكمتهم في شئ أكثرهم لبسوا من أهل الرأي فيه.. أنت حين تستشير، حين تطبق الشورى، إنما نسأل عن آراء المختصين في المسألة، لا عن أهواء المتجمعين.ففي الإسلام الشورى معناها حكم الصفوة. الرجال الذي يميزون بين أقدار الرجال، وبين إختصاصاتهم، وبين ما يستمع إليهم فيه، وما لا يستمع، والباب مفتوح لكل من يتأهل لذلك. وفي الديمقراطية،على أحسن الفروض، تتحقق رغبات الأكثرية والحق لا يعرف بالعدد، والمصالح لا يتحكم فيها على أساس الشهوات والرغائب والميول.. والباب مفتوح لكل من هب ودب، ومن يعرف، ومن هرف بما لا يعرف في الديمقراطية الحاكم يعتمد على النفاق والكذب، وممالأة الجماهير وفي الشورى لا يهم الحاكم إلا الحق.. الحق الذي يقرره اهل الاختصاص، أهل الحل والعقد، أهل الذكر، حتى لو كرهته الدنيا بأسرها.. ومع ذلك ينجرف المتحذلقون المخاديع وراء سراب الديمقراطية الكاذب، الذي يرفع الوضيع بالعدد لا بالكفاءة ويحرم من المستحق من المكان الذي ينبغي أن يشغله لينفع البلاد. وآخرون أخزى وأضل، يرون في دكتاتورية الشيوعية ديمقراطية ويستحون أن يسموها موجهة التوجيه إنما يكون عند المؤهلين للتوجيه، لا عند الذين يفرضون الأمور فرضا ثم يتحايلون فيسمون الفرص والإكراه توجيها..  يلعبون بالالفاظ؟ أم بالعقول أم على الحبلين؟ {يخادعون الله والذين آمنوا، وما يخدعون إلا أنفسهم}.إذا لم يكون إعطاء الكلمة لأهل الرأي والخبرة إعتدالا فماذا يكون الإعتدال؟ إذا لم تكن إستشارة العالم الحاذق المؤتمن إعتدالاً، أفيكون الإعتدال في تعرف رغبات من يجهلون الأمر، ولا يؤتمنون عليه؟ إذا إستشار المريض التاجر في الدواء الناجح لعلاج ذلك الداء فهل يعمل برأى¬ – أستغفر الله برغبة – ألف تاجر أشاروا عليه بعلاج واحد، أم برأي طبيب واحد، واحد فقط يرى غير ما رغب فيه السوق التجار والحلاقين! الباب مفتوح للتاجر والحلاق، ومن اليهما ليكونوا من اهل الرأي في "الطب" لكن  أن يتأهلوا لذلك فكيف يرجع اليهم "عاقل" سوى المزاج "معتدل" التفكير! 

على أنها الأيام قد صرن كلها       عجائب حتى ليس فيها عجائب 
هذه الطامة إنما جاءتنا عن إستماتة الإستعمار والصليبية في محاولتها لهدم القيم والمعتقدات السائدة في مجتمعنا الإسلامي، من ناحية، ومن ناحية أخرى "تغريب" المسلمين، وتحبيب كل ما في الغرب  نفوسهم، حتى تحل القيم الاوربية محل القيم الإسلامية. وقد جندوا كل طاقاتهم الفكرية والمادية في سبيل تحقيق هذا الهدف.. والمجال هنا يضيق عن تفصيل ذلك السؤال الحقيقي وما ذا نفعل نحن؟
الواقع أننا نحتاج  ثورة شاملة ثورة في التعليم، وهي الأساس، ثورة في وسائل الإعلام، ثورة في علاقاتنا نحن المسلمين مع بعضها البعض، نورة في كل شئ.لكنها ينبغي أن تكون "ثورة" متسمة بالإعتدال.
إننا محتاجون  الغرب، ما في ذلك شك! فيجب أن نميز بين ما نحتاج إليه منه، وما لا نحتاج، فتورتنا على ضراوتها ينبغى ألا تؤثر في الإستفادة من الغرب في مجال الصناعة، والتكنولوجيا، وما   ذلك، وليس في ذلك ما يعيبنا من أي ناحية، إن هذه المسائل ملك مشاع للإنسانية وقد قدمت الأمم المختلفة خدماتها لإثراء مثل هذه العلوم، وتطويرها، وأسهمت كل أمة بدورها في وقت من الأوقات بنصيبها في هذا التراث الإنساني المشاع المتطور، وفضل الأمة الإسلامية على النهضة الغربية الحاضرة أقر به العدو قبل الصديق، وأصبح من الأمور المعلومة بالضرورة، {وتلك الأيام نداولها بين الناس} أن ثورتنا، مهما إضطرم أوارها، وتأججت نارها، ينبغي ألا تحول بيننا وبين الإستفادة الكاملة من الغرب في كل ما أضافه  الإنسانية من هذه الناحية بل علينا أن نستخدم هذه الإستفادة في مصلحة الإنسانية جمعاء لقد كنا سادة الناس في "المادة" وفي "الروح" والآن استقل الغرب "بالمادة" وحدها! إن حضارته خواء من الروح، إنها كالسراب، ترى فيه شبح الماء، ولن نجد فيه "روح" الري.. هنا يجئ دورنا نحن، سلالة النبوات، ومهبط الوحي، ومشرق الشموس، وسدنة المعارج التي تربط بين السماء والأرض.. إن ثورتنا يجب إن تكون ضارية كل الضراوة في هذا المجال،لإنه المجال الذي لا يشار كنا فيه اليوم أحد، فإذا نجحنا في ذلك، إجتمعت الدنيا المادة  الروح قسراً، كما إجتمعتا لدينا، حين كنا خير أمة أخرجت للناس! أما نرى اليابان أمسكت على تراثها ومعتقداتها بيد من حديد، ومدت الأخرى للغرب، لا مستجدية بل مستفيدة، حتى بلغت ما بلغ الغرب إن لم تتفوق عليه.. وهي مهيضة الجناح من حرب قضت على الاخضر واليابس، مثقلة الكاهل من معتقدات خرافية، لا تتمش مع العقل، ولا تتناسب والتطور، أفنعجز عن أن نكون مثل اليابان، وكل شئ عندنا يدفعنا  إرتياد أعلى آفاق العزة، وإمتطاء أعتى صهوات المجد؟ لا: أيها المسلم!إنك الأمل الموعود في قوله تعالى {سوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله أن لا يخافون لومة لائم}.إنك الذخر المنشود في قوله تعالى {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيمانا، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم تمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله}.إنك وحدك من المخلوقات الذين تمسك بيدك مفاتيح أبواب العزة.. "والعزة لله" ولرسوله وللمؤمنين.
إن هذا العصر ليل فأنر     أيها المسلم ليل الحائرين وسفين الحق في لج الهوى      لا يرى غيرك ربان السفن
أنت كنز الدر واليافوت في      موجة الدنيا وإن لم يعرفوك
محفل الأجيال محتاج      صوتك العالي وإن لم يسمعوك
ورحم الله إقبال حيث يقول (إن العالم أصبح خرابا يبابا بقسوة الغرب وفظائعه، فيا يها الرجل الذي بنيت الحرم قم وإبن هذا العالم) {وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما إستخلف الذين من قبلهم، وليمكننن لهم ديهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا}... ومن أوفى بعهده من الله.

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب