شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

(الإبداع الإعلامي العربي لكي يكون جديراً بالتشجيع قادراً على المنافسة، فإنه ينبغي أن يوجَّه عنايته إلى ترقية الإنتاج والبرامج الإعلامية على اختلاف صورها المطبوعة والمسموعة والمرئية، لتقف صامدة في مواجهة الغزو الثقافي والإعلامي الخارجي، مجتذبة مشاهدينا ومستمعينا وقراءنا مكتسبة ثقتهم).

 أحاديث في الاعلام

فلنتعلم صيام الرسول صلى الله عليه وسلم

محمد عبده يماني 

ما أروع أن نقتدى برسول الله.. وأن نسير على هداه..

نحن أمة أكرمها الله بالإسلام، وكرمها بخاتم الأنبياء، وجعله القدوة والأسوة، وكلما أدل همت الخطوب، وتباينت الطرق، أمرنا أن نلتفت إلى قدوة هذه الأمة، ومدرسة النبوة: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة...} حتى إنه عز وجل قرن حبه بطاعة المصطفى واتباعه صلى الله عليه وسلم فقال:{قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم }.
ومن هنا وفي شهرنا المبارك هذا فإن من أفضل ما يعمله الإنسان أن يتعلم كيف صام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أفطر، وكيف تسحر، وكيف تهجد، وكيف علم الناس آداب الصيام في مدرسة النبوة.

ويكفيه في شرف الأسوة الحسنة قول الله تعالى فيه: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} إن مثل القدوة الصالحة في الأمة كمثل الرأس في الجسد، ومثل الروح في البدن، وقد جاءت آيات القرآن الكريم في شأن القدوة به، ووجوب اتباعه ولزوم طاعته جلية واضحة لا مجال فيها للاختلاف، ولا حاجة فيها لتأويل، نورد فيما يلي بعضها: 
قال تعالى: {قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. قل اطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين}  
وقال تعالى:{من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً }  
وقال عز وجل: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} .
وقال سبحانه: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً}  . 
وقال سبحانه: {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} .وقال عز وجل: {فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} .
إن التأسي برسول الله عليه الصلاة والسلام، هو الاتباع الصادق للقرآن الكريم، والتجسيد العملي لآياته، فلقد كان صلى الله عليه وسلم، الصورة العملية للقرآن، والترجمة الأمينة الدقيقة لآياته، وعندما سئلت السيدة عائشة أم المؤمنين ـ رضى الله عنها ـ عن خلقه قالت: "كان خلقه القرآن"  وهو يعلم الأمة "ألا أني قد أوتيت القرآن ومثله معه". لذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته لأخذ القدوة عنه في أقواله وأفعاله وعبادته، ورسم لها الصور التطبيقية العملية، لتكون واضحة المعالم لكل من أراد صادقاً أن  يتأسي بها، ويدعو الأمة إليها. فحين أراد صلى الله عليه وسلم أن يعلم الناس الصلاة، صلى مرة على منبر قام عليه فكبر عليه وكبر الناس وراءه وهو على المنبر، ثم ركع وهو عليه، ثم رفع فنزل القهقري حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس فقال: "يا أيها الناس إني إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي". رواه البخاري ومسلم وفي البخاري: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
وحين عزم على الحج آذن الناس بحجه، فجاءوا من كل فج عميق إلى المدينة المنورة، فساروا بسيره، واقتدوا به في أفعاله منذ خرج من بيته حتى أتم حجه، وكان يقول لهم: "خذوا عني مناسككم" .  وفي عمرة الحديبية، وحين صنعت قريش ما صنعت حين منعت المسلمين من دخول مكة، وجرى بذلك الصلح، أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن ينحروا هديهم، ويتحللوا، فتباطؤوا، فاشتد غضبه لذلك، فأشارت عليه أم سلمة أن يبدأ بالتحلل وذبح هديه، فلما رأى الناس منه ذلك، بادروا إلى النحر والتحلل، فنحروا وتحللوا اتباعاً لعمله صلى الله عليه وسلم. وحين ظن بعض الناس ممن كان معه يوم عرفة أن الصوم مسنون لأهل عرفة، أرسلت إليه زوجه ميمونة قدحاً من اللبن، فشرب والناس ينظرون، فكان فعله أوضح جواب وأبلغه .  وفي عام الفتح خرج صلى الله عليه وسم من المدينة في رمضان صائماً، والناس بين صائم ومفطر، فلما اقتربوا من عدوهم قال: " قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطر قوم، وبقي آخرون صياماً، وفي يوم آخر رأى بعد العصر أناساً أجهدهم الصوم، فأخذ قدحاً وشرب، وأمرهم بالفطر فأفطروا"  
وقد نهج الصحابة رضوان الله عليهم نهجه في التبليغ عنه وتعليم أفعاله، واقتدوا به في التبليغ عنه.
قال عثمان ـ رضى الله عنه ـ يوماً لأصحابه: "ألا أريكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، ثم توضأ ثلاثاً ثلاثاُ هذا ثم قال: رأيت رسول الله صلى عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه "
هكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلما بلغوا حكماً أو رووا حديثاً، لا يدعون صغيرة ولا كبيرة من أفعاله أو أقواله إلا فعلوها مثل فعله، وبلغوها على نحو تبليغه، امتثالاً لأمر ربهم، وابتغاء مرضاته، مستلهمين ذلك من قول الحق تبارك وتعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } وقوله تعالى: {ليكون الرسول شهيداً عليكم  وتكونوا شهداء على الناس..}وقول النبي صلى الله عليه وسلم:" نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه لا فقه  له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه "


حديث الرسول عن باب الريان..

ونواصل الحديث هذا الأسبوع عن هذا الركن من أركان الإسلام وفضله وشرفه، واذا ما نظرنا بعمق وجدنا أن الصيام من أشرف العبادات وأعظم القربات التي يتقرب بها العباد إلى ربهم عز وجل، والتي تدني العبد من خالقه سبحانه، وتشعره بضعفه وفقره وظمئه، وتذكره أن نعمة الطعام والشراب من النعم التي أنعم الله بها على عباده بعد نعمة الخلق والإيجاد، وليس للإنسان غنى عن هذه النعم التي لا يقوم صلبه إلا بها، ولا يدوم بقاؤه إلا بدوامها، ولقد جاء فى الحديث القدسي قول الله عز وجل: }يا عبادى كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعمونى أطعمكم، يا عبادى كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسونى أكسكم {.
ومع عظم هذه النعمة ودوامها، فإن الإنسان قد يوسوس له الشيطان ويدفعه لينسى فضل الله عليه فيها، وقد يغتر فيطغى ويتكبر في الأرض بغير الحق، ويظن أنه قوي شديد، ولا يكاد يشعر أن ما فيه من قوة فمن الطعام والشراب الذي يسره الله له، يأخذ منه حاجته كلما جاع أو عطش، فينسى شكر النعم، وقد امتن الله تعالى على عباده بهذه النعم فقال: "فلينظر الإنسان إلى طعامه. أنا صببنا الماء صباً. ثم شققنا الأرض شقا. فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً. وزيتوناُ ونخلاً. وحدائق غلبا. وفاكهةً وأباً. متاعاً لكم ولأنعامكم".
 ولكن للمؤمن مع ربه موقفاً آخر، فهو حين يمسك عن الطعام والشراب في وقت محدد يتذكر فضل الله عليه، وقدرته عليه، وحاجته إليه، فيعود إليه بالتوبة والإنابة، وتصحيح العمل، ويتذكر الآخرة، فيسعى لها سعيها، ويعمل من الصالحات ما يكون له زاداً يلقى به وجه الله: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} ويحرص على سلامة الصدر قال تعالى:}يوم لاينفع مال ولابنون.إلا من أتى الله بقلب سليم { .
 ويذكر الفقير والمسكين، والضعيف والعاجز، والأرملة واليتيم، ويمد يده إليهم بالمساعدة، ويتواصى مع أخوانه بالحق والمرحمة.. فالصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار،  وتقوم سوق الصالحات، ويتنافس الناس فى الخيرات..
إن الصوم إمساك عن أعظم شهوتين ركب عليهما الإنسان، هما شهوة البطن وشهوة الفرج، فيه يتجلى صبر المؤمن على الطـاعة، وصبره عن المعصية، امتثالاً لأمر الله، وتحقيقاً لحكمته في خلقه: } وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون{  والصيام عبادة تورث صاحبها تقوى الله، لتصل إلى أعماق النفس فتطهرها وتزكيها: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الكريمة والقدوة والحسنة في كل عبادة وفي كل شأن، كما أخبر عنه ربه سبحانه فقال: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.." فهو في صلاته قدوة: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وهو في صومه قدوة وقد دعا أمته إلى جعل الصوم معراجاً ترتقي به النفس إلى أسمى الدرجات  وترتفع فيه عن كل الدنيات، والصيام دون سائر الأعمال لله وأجره يتناسب مع كرم الله.
 عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني إمرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك،  للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه " .
والجزء الأول من هذا الحديث حديث قدسي أما ما بقي منه فحديث نبوي يبين فيه صلى الله عليه وسلم فضل الصيام، وأنه جنة أي سترة ووقاية من الرفث والآثام كما أنه وقاية من النار يوم القيامة. وقد قال الإمام النووي رحمه الله في معنى {إلا الصيام فإنه لي} لأن الصوم بعيد عن الرياء لخفائه، وقيل إنه ليس للصائم ونفسه فيه حظ.. وقيل: إن الله هو المتفرد بعلم مقدار ثوابه أو تضعيف حسناته. وفي الحديث بيان عظيم فضل الصوم والحث عليه.   وفي قوله: {وأنا أجزي به} بيان لعظم فضله وكثرة ثوابه، لأن الكريم إذا أخبره بأنه يتولى بنفسه الجزاء، اقتضى عظم الأجر وسعة العطاء.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا "   وأراد بالخريف السنة.
ثم بين الله في باقي حديث مسلم ما ينبغي أن يكون عليه الصائم من السماحة وسعة الصدر، والعفو عن المسيئ، وعدم الرد على الساب أو المقاتل، ولزوم الإعراض عن الرفث والفسوق والصياح، وتذكير من يتحرش به ويتعدى عليه بأنه صائم.
وأن الرفث والسب والخصام مخالفة لأخلاق الصائمين، وأن للصائم فرحتين، فرحة حين يفطر، وفرحة يوم يلقي ربه، فيجزيه على الصوم بأكرم الجزاء وأعظمه.
كما بين صلى الله عليه وسلم أن الصيام ليس إمساكا عن الطعام والشراب فحسب، بل لأبد للصائم أن يمسك عن الكذب، واللغو بالباطل، والإنحراف في القول فلا يتعدى على مسلم بلسانه أو جنانه بتكبر وازدراء.
 فإن فعل شيئا من ذلك فاتته فضيلة الصوم، والله غني عن صيام لا يثمر مخافته، وشدة مراقبته، والبعد عما حرم، والمسارعة الى ما يجب.
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" .
وفي هذا غاية الزجر والتخويف لمن لا يحفظ جوارحه عن محارم الله في رمضان لأن من اجترأ على ذلك في رمضان فهو في غيرها أكثر اجتراء ومن كان هذا شأنه فقد فاتته فضيلة الصوم، وابتعد عن أخلاق الصائمين، ولم يحمل ثمرة الصوم التي هي تقوي الله وخشيته. قال تعالى: "ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون".
نوه كذلك بفضيلة الصوم فقال: صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحد غيرهم يقال: أين الصائمون فيدخلون منه فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة ياعبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة. قال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ فقال: " نعم، وأرجو أن تكون منهم"  .
ومن هذين الحديثين ندرك ما للصيام من الأجر العظيم، وأن للصائمين باباً في الجنة يقال له الريان يدخل منه الصائمون إلى الجنة، فإذا دخلوا أغلق دونهم فلم يدخل منه أحد غيرهم، وإن دخولهم من هذا الباب يعني الري والارتواء والراحة، بخلاف ما كانوا عليه في الدنيا في حالة الصيام من الجوع والعطش.
وفي تعدد الأبواب الموصلة إلى الجنة دلالة على ما للفرائض من أهمية، وما أعده الله تعالى من زيادة نعيمه وإكرامه لعباده الصالحين، فكلما دخلوا الجنة من باب واستمتعوا بما فيه من بدائع الصنع، وجمال المناظر  وروائع  الإتقان، وأحسوا بطمأنينة الدخول، انفتح أمامهم باب آخر، يختلف عن الأبواب الأخرى، بما أودعت فيه يد الخالق المبدع الجليل من روائع ومناظر لم تر مثلها عين، ولم تسمع بمثلها أذن، ولم يخطر بخيال بشر، فيزداد بذلك سرورهم وحبورهم وأنسهم وغبطتهم، وينتقلون من نعيم إلى نعيم، ومن لذة إلى لذة ومن حبور إلى حبور. نسأل الله تعالى أن نكون من فزع ذلك اليوم، آمنين مطمئنين وأن يجعلنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.  


إفطاره كان بسيطاً..

وسحوره يسيراً.إنه صلى الله عليه وسلم قدوة هذه الأمة.. فما أحوجنا أن نأخذ عنه العبادات.. وكيف كان يؤديها.. ودعونا اليوم نلقى نظره على صومه ونتلمس القدوة والأسوة من الرسول صلى الله عليه وسلم فننظر فى فطوره صلى الله عليه وسلم.
ولو ذهبنا نتتبع ما روى في هذا الباب لطال حديثنا جداً، ولكن نخلص إلى الحديث عن فطوره وسحوره في رمضان، فقد روى أنس رضي الله عنه عن إفطاره صلى الله عليه وسلم فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلى على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء) .
وعن أنس أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تصبه النار). 
وعنه أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يفطر على اللبن وعلى تمر العجوة).
وعن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قربي إلينا الغداء المبارك يعني السحور، وربما لم يكن إلا تمرتين"    
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم سحور المؤمن التمر" .
وعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "السحور أكله بركة فلا تدعوه، ولو أن يتجرع أحدكم جرعة ماء، فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين" .   
وكان من هديه تعجيل الفطر إذا غابت الشمس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر حتى يعلم يقيناً بغروب الشمس، فإذا علم بادر إلى الفطر. وقد علمنا ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل، وأدبر النهار، وغابت الشمس، فقد أفطر الصائم"  . أي جاز له الفطر، سواء أفطر أم لم يفطر، وليس له فى تأخير الإفطار أجر، بل يكره تأخير الفطر!!
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه: "لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر.. إن اليهود والنصارى يؤخرون" .ولم يكن رسول الله يتأخر عن الفطر أو يتباطأ عنه بعد أن يتحقق من غروب الشمس الذي به يبدأ الليل، فعن عبد الله بن أبي أوفي رضي الله عنه قال:  كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر حتى أمسى … قال لرجل: "انزل فاجدح لي"  قال: يا رسول الله لو انتظرت حتى تمسي؟ قال: "انزل فاجدح لي …" قال: "إذا رأيت الليل أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم"  .
وفي رواية: " إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم"  . ومعنى "فقد أفطر الصائم" أصبح في حكم المفطر وإن لم يأكل. وهذا تعليم للأمة أن تسرع إلى الفطر بعد التحقيق من اكتمال الغروب. وفي الحديث القدسي: "إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً"  ، لذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يعجلون الفطر ويؤخرون السحـور، وقد مر بنا عن السيدة عائشة أنها سئلت في رجلين، أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، فسألت أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة. قيل: هو عبد الله بن مسعود. قالت كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع . وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال أمتي بخير ما عجلوا في الفطر وأخروا السحور" .
وبذلك نرى أن التعجيل في الفطر موافق لهديه صلى الله عليه وسلم وموجب لمحبة الله عز وجل لعباده، وأن الذي تعبدنا بالصوم، دعانا إلى التعجيل في الفطر في أول وقته بعد أن أتم الصائمون صيامهم، وأدوا لله ما أوجب عليهم. 
وفي تعجيل الفطر على التمر أو اللبن أو الماء وتقديمه على الصلاة تقصير لأمد الجوع والعطش، ودليل على رحمة الله تعالى بعباده، وعظيم اكرامه لهم، فالذي تعبدهم بالصيام دعاهم  إلى التعجيل في الفطر، وقد اجتمعوا على الطعام والشراب وتاقت إليه أنفسهم. ولا شك أن تعجيل الفطور يؤدي إلى المبادرة إلى صلاة المغرب وأدائها في أفضل أوقاتها.

وأما الصلاة قبل الإفطار فهو أمر مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم، يؤدي إلى الإنشغال عن الصلاة ويذهب بالخشوع، ولا يقتصر ذلك على الإفطار في رمضان قبل الصلاة بل يشمل كل صلاة يحضر معها طعام فيقدم الطعام على الصلاة اتباعاً لسنته عليه الصلاة والسلام. فعن عائشة رضى الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: "لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان" . وعنها أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء" .
قال الخطابي: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بالطعام لتأخذ النفس حاجتها منه، فيدخل المصلى في صلاته وهو ساكن الجأش لا تنازعه نفسه شهوة الطعام، فيعجله ذلك عن إتمام ركوعها وسجودها وإيفاء حقوقها. وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذا وضع له الطعام أكل، فإذا سمع الإقامة أتم طعامه ولم يقم إلى الصلاة حتى يستوفي حاجته ثم يصلي.  
وفى إفطاره وتسحره على الماء واللبن والتمر إعجاز طبي نبوي، وهو من دلائل النبوة، فالتمر واللبن من أجود الأغذية، يأخذ منها الجسم حاجته من الغذاء ويصلان الى الدم فى دقائق قليلة، دون أن يبذل الجسم فى هضمهما أي مجهود، ويعود للصائم قوته ونشاطه، ويذهب عنه الم الجوع فى وقت قصير، بينما يحتاج الجسم في هضم الأطعمة المطبوخة والمقلية والمشوية إلى جهود كبيرة وساعات لا تقل عن ثلاث حتى تصل إلى العروق.. ويظل الجسم خلالها في تعب وضيق، وافتقار الى الطاقة المغذية.. وقد امتن الله على عباده بالتمر واللبن وأنهما يجريان فى العروق ويصلان الى الدم بسهولة ويسر وسرعة وراحة، فقال فى التمر: "ونخل طلعها هضيم" والهضيم السهل في الهضم، المريح للجسم، وقال تعالى في اللبن: "نسقيكم مما فى بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصا سائغاً للشاربين"  والخالص هو النقي الهنئ المرئ السهل المدخل في الحلوق وفي العروق، المشتمل على الماء والغذاء.. وكذلك الحال في الماء الذى هو أهم ما يحتاج إليه الصائم عند الإفطار لتعويض ما خسره منه خلال فترة الصيام، وباستطاعة الإنسان أن يعيش فترة طويلة بلا غذاء، ولكنه يموت في أقل من ثلاثة أيام بلا ماء، ولذلك كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم فى الصيام بيان أهمية الماء، والإشارة إلى أحسن الغذاء من التمر واللبن، ويلحق بهما العسل وسائر الفواكه، فهذه أفضل ما يعين على فريضة الصيام، ولو اقتصر الصائم خلال شهر الصيام على الماء وهذه الأغذية دون إسراف لخرج من صيامه بصحة جيدة، وتخلص جسمه من كافة السموم والشحوم، ويصدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا تصحوا).


سحور المصطفى صلى الله عليه وسلم..

ونمضي مع صور مشرقه لصيام رسو الله صلى الله عليه وسلم ودعونا فى هذه الحلقة نتتبع ما جاء فى السيرة النبوية الشريفة عن سحوره وإمساكه، ورحمة الله تعالى لعباده الصائمين بإباحة الطعام والشراب وسائر المفطرات من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وهذا من التيسير في الصيام الذى لم يكن في صيام أهل الكتاب والأمم السابقة، بل هو من خصائص هذه الأمة التي جعل الله دينها يسراً، لا مشقة فيه ولا عنت، فقد كان الصائم في الأمم السابقة اذا أفطر ثم نام ولو لحظة حرم عليه ما يحرم على الصائم حتى مغرب اليوم التالي، وكان صوم المسلمين في أول الأمر على هذا، فإذا نام الصائم، أو صلى العشاء ثم نام واستيقظ حرم عليه الأكل والشرب والنساء حتى مغرب اليوم التالي، وقد وجد المسلمون في هذا الصيام مشقة وشدة، ووقع بعضهم في المحذور، فخفف الله تعالى عنهم ذلك، وأباح لهم المفطرات من المغرب حتى الفجر وأنزل الله عز وجل قوله تعالى: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ماكتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" 
وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلة السحور، ووقتها السحر، وهي الساعة التي تسبق طلوع الفجر، وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأكلة الغداء المبارك. عن عائشة رضي الله عنها قالت:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فربي إلينا الغداء المبارك". يعني السحور، وربما لم يكن إلا تمرتين) . 
وكان يحث على السحور ويرغب فيه. (عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تسحروا فإن في السحور بركة")  . 
وروى النسائي بسند صحيح إلى رجل من الصحابة قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر فقال: "إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه").  وسر البركة في هذه الأكلة أنها تكون ساعة تنزل الرحمات، ساعة التبتل والاستغفار، إنها أكلة في غير وقت اشتهاء الطعام والتلذذ به، يبتغي بها الصائم الاستعانة على طاعة الله في فريضة الصيام، وتقوية البدن على أداء ما عليه من واجبات السعي والعمل وطلب المعاش والمحافظة على قوة المسلمين أفراداً وجماعات، ويزيد في بركة هذه الأكلة أنها خاصة بهذه الأمة، ورحمة بها من الله عز وجل، فقد صام أهل الكتاب ولم يكن لهم سحور: (فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور") .  وكان صلى الله عليه وسلم يحب التمر في السحور: (فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نعم سحور المؤمن التمر") .
وليست العبرة في السحور بكثرة الطعام، بل تحصل الفضيلة والسنة بالقليل ولو كان تمرتين كما مر من حديث عائشة رضي الله عنها. وفي حديث جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أراد أن يصوم فليتسحر بشئ")  أي: لو بشئ قليل.
(وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه ومسلم قال: "السحور أكلة بركة فلا تدعوه ولو أن يتجرع أحدكم جرعة ماء فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين") . وصلاة الله عز وجل رحمة وسكينة ورضوان تتنزل على قلوب عباده المؤمنين في تلك الساعة المباركة وهم يتسحرون. وصلاة الملائكة دعاء بالرحمة والمغفرة والنجاة من النار ودخول الجنة. فأكرم بها من صلوات من رب رحيم وأعظم بها من دعوات من الملائكة الكرام المقربين للمتسحرين.
وهكذا نرى فضل الله تعالى على عباده الذين يتسحرون، فيؤجرون على سحورهم، وتصبح العادة عبادة بالنية وإتباع السنة الشريفة. 
وقت سحوره صلى الله عليه وسلم:من السنة تأخير السحور وتعجيل الفطور: "عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطور" .
وعن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أتسحر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  . وكان بعيد الدار عن المسجد، فكان يسرع ليدرك صلاة الفجر في المسجد النبوى الشريف. 
وعن بلال رضي الله عنه قال:  أتيت رسول الله صلى الله عليه أؤذنه بالصلاة وهو يريد الصيام فدعا بقدح، فشرب وسقاني، ثم خرج إلى المسجد للصلاة فقام يصلي بعد وضوء يريد الصوم . 
(وعن عائشة رضي الله عنها قال أبو أحمد: إن بلالاً كان يؤذن بليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلوا واشربـوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر" ، قال القاسم ولم يكن بينهما إلا أن يرقي ذا وينزل ذا)  .
وأما بعد دخول وقت الفجر وابتداء ابن أم مكتوم بالأذان فلا يجوز طعام ولا شراب، وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال: أصبحت أصبحت .
(وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا للصلاة. قال أنس كم بينهما؟ قال: قدر خمسين آية) . وهذا محمول على ما بين وقت الإمساك بين أذان بلال واذان ابن أم مكتوم يكون قبل الفجر، وعند طلوع الفجر يؤذن ابن أم مكتوم.
وقد بينت الآية الكريمة وقت الإمساك بقوله تعالى: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر"  والمراد بالخيط الأبيض والأسود (الليل والنهار)، ولا يحصل ذلك إلا بطلوع الفجر الصادق وهو الوقت الذى يؤذن فيه لصلاة الفجر.
أما الأذان الذى كان يؤذنه بلال قبل طلوع الفجر إلى قرب وقت الإمساك ليأخذ الصائمون حذرهم، ولينتبه النائم فيتسحر ولو بشئ يسير من التمر والماء، وليقوم من لم يصح إلى صلاة الفجر مع الجماعة.
وهنا أحب أن أذكر إخوانى الصائمين إلى أهمية حضور الفجر مع الجماعة، فإن الصلاة مع الجماعة تعدل سبعاً وعشرين صلاة بغير جماعة، كما أن حضور صلاة الفجر مع الجماعة له مزيه أخرى لا مثيل لها فى الصلوات الأخرى، وهي أن صلاة الفجر مع الجماعة تعدل قيام ليلة، وصلاة العشاء مع الجماعة تعدل قيام نصف ليلة، فقد روى الإمام مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله".
وهذا يكون في غير رمضان، فإذا كان رمضان كان الأجر أعظم أضعافاً كثيرة، كما جاء ذلك في الحديث الذى رواه سلمان قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يوم من شعبان قال: "يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيامه تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضه فيما سواه".كما أذكر إخواني الصائمين بقيام رمضان، لما فيه من الثواب العظيم، ومضاعفات الأجور من ملك الملوك، والذى قال فيه النبى صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً وإحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" وهو شهر التنافس فى الخير والبر والتقوى كما أخبر بذلك عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً وحضر رمضان: " أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، وينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقى من حرم فيه رحمة الله".
فنسألك اللهم أن توفقنا في هذا الشهر العظيم المبارك إلى ما تحب وترضى من القول والعمل، وأن تتقبل منا إنك أكرم الأكرمين، وأنت أرحم الراحمين ونسألك اللهم أن تعفو عنا وتغفر لنا وترحمنـا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. 

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب