شاركنا على صفحاتنا الاجتماعية

حسبي الله على فئات  ظهرت في هذا العصر تزعم ان القرآن وحده يكفي المسلمين في شئون دينهم ودنياهم، أما السنة فهي موضع شك عندهم  وحجتهم ان السنة لم تكتب في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وانها قد دخلها من الاحاديث الموضوعة ،  وهم بذلك يدعون الى الشك فيها ، واتهام ائمة الحديث بالغفلة والتساهل متناسيين ان علم الحديث علم دقيق قد حدد صحة ودرجة كل حديث ولو كان عند هؤلاء ذرة من حياء لسمعوا قول الله تعالى الذي شهد لسيدنا محمد : { وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }

 تأدبوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

الرسول بين المولد والبعثة والهجرة !

تمرُّ في هذه الشهور ذكرى رحيل الإنسان والمفكر والمسؤولجريدة الخرطوم في ذكرى المولد ربيع اول 1429 هذا حديث عن سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الذي ولد فيه خير البرية في مكة المكرمة، وبجوار الكعبة، وأنا اكتبه هدية لهذه الصحيفة لأن أهل السودان وشعب السودان تميزوا بحبهم لله عز وجل، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وشجاعتهم في إعلان ذلك الحب، ودفاعهم عن السيرة النبوية وخدمتهم لها، حتى أنك لا تكاد ترى أحدا من أهل السودان مهما اختلف تخصصه ألا وفي قلبه جذور المحبة، وعلى لسانه كلمات الحب لرسول الله وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولآل بيت رسول الله ولصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أجمل ان نعود بين وقت وآخر إلى السيرة النبوية، وننهل من مناهلها العذبة، ونستروح نسائمها العطرة، ونستعرض تلك الجوانب المشرفة ونصل الناشئة بها ونعلمهم ونأخذ بأيديهم إلى محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن ينظر بعمق في حياة الرسول الكريم والنبي العظيم والمراحل التي مر بها في حياته يجد انه من الممكن أن نقسمها إلى ثلات مراحل: 1 ـ من ولادته إلى بعثته.2 ـ من بعثته إلى الهجرة. 3 ـ من الهجرة إلى الوفاة. ودعونا نستعرض هذه المراحل: فالمرحلة الأولى هي مرحلة ولادته في مكة المكرمة: أحب البقاع إلى الله، وأكرم البلاد على الله، وهي البلد الحرام، وفيها البيت الحرام، وفيها زمزم والمقام.ولد في أشرف البيوت وأكرم الأنساب. أخرج الترمذي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إصطفي من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفي من ولد إسماعيل بني كنانة، وإصطفي من بني كنانة قريشاً، وإصطفي من قريش بني هاشم، وإصطفاني من بني هاشم) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.وأخرج الأمام مسلم عن واثلة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله إصطفى كنانة من ولد إسماعيل، وإصطفى قريشاً من كنانة، وإصطفى من قريش بني هاشم، وإصطفاني من بني هاشم) ذاد ابن حيان في آخره: فأنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول شفيع. روى ابن سعد في الطبقات عن علي بن حسين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إنما خرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح من لدن آدم، لم يصبني من سفاح أهل الجاهلية شئ، ولم أخرج إلا من طهرة.وأخرج عن ابن عباس قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح).وعن عائشة: خرجت من نكاح غير سفاح.ورى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال: (بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه).فلما كانت ولادته، وجاءت المراضع إلي مكة، أخذته حليمة السعدية، فأرضعته في بادية بني سعد، وقد رأت في أخذه ورضاعته من البركة والكرامات ما تفيض به كتب السيرة، ثم جرت حادثة شق صدره الشريف، فخافت حليمة عليه فأتت به أمه، وأخبرتها بذلك بعد إلحاح.عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك؟ قال: (أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى ابن مريم، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبنما أنا مع أهلي في بهم لهم لنا، أتاني رجلان بثياب بيض ومعهما طست من ذهب مملوء ثلجاً، فأضجعاني فشقا بطني ثم استخرجا قلبي، فغسلاه، ثم جعلا فيه حكمه وأيمانا) .فلما سمعت أمه من حليمة ذلك قالت: اتخوفت عليه من الشيطان ؟ قالت: نعم قالت آمنة: كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل وإن لابني لشأناً أفلا أخبرك خبره ؟ قالت: بلى قالت آمنة: رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصري من أرض الشام.ثم حملت به فو الله ما رأيت من حمل قط كان أخف ولا أيسر منه، ووقع حين ولادته وإنه لواضع يديه بالأرض رافعاً رأسه إلى السماء، دعيه عنك وانطلقي راشدة.وتوفيت أمه وعمره ست سنوات ودفنت بالأبواء .وظل النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاتها بكفالة جده عبد المطلب، وكان عبد المطلب أطول الناس قامه واحسن الناس وجهاً، وكان له مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره، وكان يُجلِس النبيَّ إلى جانبه على فراشه ويقول: إن لابني هذا لشأناً، وتوفي عبدالمطلب وعمره ثمان سنوات، وكان قد عهد بكفالة حفيده محمد صلى الله عليه وسلم إلى عمه أبي طالب.تروى بعض كتب الحديث أن عمه أبا طالب خرج به إلي الشام في تجارة ومعه أشياخ من قريش، حتى وصلوا إلى بصرى، فخرج إليهم الراهب (بحيرا )، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت فلما رآهم وهم يحلون رحالهم فجعل الراهب يتخللهم، حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ قريش: وما علمك ؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خرَّ ساجداً ولا تسجد إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع وصنع لهم طعاماً .. إنا نجده في كتبنا، وسأل أبا طالب أن يرده إلى مكة ولا يقدم به إلى الشام خوفاً عليه من اليهود، وعمره اثنتا عشرة سنة.وحضر حلف الفضول وعمره خمس عشرة سنة حيث اجتمع بنو هاشم وبنو المطلب وأسد بن عبدالعزَّى وزهرة ومخزوم وتعاهدوا أن لا يجدوا مظلوماً إلا نصروه وقد قال صلى الله عليه وسلم: لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً ما احب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت .ولما بلغ خمساً وعشرين سنة خرج تاجراً إلى الشام في مال خديجة بنت خويلد. وكانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال وبلغها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بلغها من صدق حديثه وعظم امانته، وكرم أخلاقه فبعثت إليه، فعرضت ان يخرج بتجارتها وتعطيه أفضل مما تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم، وخرج بتجارتها واخدمته ميسرة وذلك قبل النبوة بخمسة عشر عاماً.ولما رجع إلى مكة ورأت خديجة في مالها من البركة والربح ما لم تر قبل هذا، وحدثها غلامها ميسرة بما رأى فيه صلى الله عليه وسلم من فكر راجح ومنطق صادق وأمانة عظيمة وشمائل كريمة فوجدت ضالتها وكان السادات والرؤساء يخطبونها وتأبى، فأرسلت نفيسه بنت منية إليه لتفاتحه برغبة خديجة ففاتحته، وكلم أعمامه فذهبوا إلى عمها وخطبوها إليه، واصدقها عشرين بكرة، وكان عمرها أربعين سنة، وكانت أفضل نساء قومها نسباً وثروة وعقلاً وكمالاً.ولما صار سنه خمساً وثلاثين وقامت قريش ببناء الكعبة. واختلفوا من يضع الحجر الأسود في مكانه واشتد الخلاف حتى كاد يصل إلى الحرب والقتال.وأخيراً اتفقوا أن يحكموا أول داخل عليهم من الباب، فكان النبي صلى اله عليه وسلم أول داخل فلما رأوه هتفوا هذا الأمين هذا الأمين رضيناه هذا محمد.فبسط رداء ووضع الحجر الأسود في وسطه، وطلب من الرؤساء أن يمسك كل بطرف ويحملوه جميعاً، وعندما ورفعوه إلى مكانة أخذه بيده الشريفة ووضعه مكانه، وهذا حل حصيف رضي به القوم.فمحمد صلى الله عليه وسلم جمع في نشأته خير المزايا واكرم الشمائل، وكان طرازاً رفيعاً من الفكر الصائب والرأي السديد، مع حسن الفطنة وسداد الوسيلة والهدف.فكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا،ً واعزهم جواراً، وأعظمهم حلماً، وأصدقهم حديثاً، وألينهم عريكة، وأعفهم نفساً، وأبرهم عملاً، وأوفاهم عهدا، وآمنهم أمانة، حتى سماه قومه الأمين، وكما قالت خديجة رضي الله عنها: إنك لتصل الرحم. وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وكان صلى الله عليه وسلم محبوباً عند الجميع صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، وموثوقاً به في قريش ومن دخل فيها كافة.ولما نزل الوحي واصبح محمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً ودعا قومه إلى الإيمان بالله وحده ونبذ عبادة الأصنام.هنا كان الفيصل فدخل أبو بكر بالإسلام ( وهو صاحبة قبل الإسلام ويعرف عنه الكثير والكثير وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر، واستجابت السيدة خديجة لما تعلم من صدقه وأمانته، دعوته وما علمته من ورقة بن نوفل.واستجاب مولاه زيد بن حارثة لما يعلم من صدقه واستقامته وحسن أخلاقه وكريم شيمه.واستجاب علي بن أبي طالب الذي نشأ في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يعرف ما لا يعرفه غيره، ووقف أبو لهب عمه الذي أعتق ثويبة عندما بشرته بولادة محمد صلى الله عليه وسلم.أسوأ المواقف، ولم يترك سبيلاً لإيذائه الا فعله، وكانت زوجته حمالة الحطب من أشد الناس إيذاءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تخرج إلى الفلاة وتأتي بالشوك لتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم.واسلم بلال فلقي من الأذى ما تنوء به الجبال وكان يعذب وهو يقول أحد أحد فيقول له النبي: " أحد ينجيك " فكان يحمى الحديد في النار ويكوى به جسمه، وكانوا يضعونه على ا لرمل الحار ويضعون الصخرة على بطنه، وأسلم ياسر وزوجته سمية وابنه عمار فلقوا من التعذيب والإهانة ما يفتت الأكباد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بهم فيقول: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة، وماتت سمية تحت العذاب فكانت أول شهيدة في الإسلام.ولما جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة جاء أشراف قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عناه وإما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافة فنكفيكه، فقال لهم أبو طالب قولاً رقيقاً، وردهم رداً جميلاً.ولما جاء موسم الحج فرأت قريش بأنه لابد من كلمة تقولها للعرب في شأن محمد فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة، قالوا: أجمعوا على رأي واحد ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا، قالوا: نقول: كاهن قال: لا والله ليس بكاهن، لقد رأينا الكهان، فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه، قالوا: نقول مجنون، قال: ما هو بمجنون وليس فيه شيء من هذا، لقد عرفنا الجنون، ما هو بخنقة ولاتخالجه ولا وسوسته.قالوا: نقول: شاعر قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله، رجزه وقريضه، فما هو بالشعر.قالوا: فنقول: ساحر قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثهم ولا عقدهم. قالوا: فماذا نقول ؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، وان عليه لطلاوة، وان أصله لمعذق، وإن أعلاه لمثمر، وإن أقرب القول فيه أن تقولوا: ساحر جاء بقول يفرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك.وفي الواقع أن كفار قريش لم يتركوا باباً من السوء والأذى إلا ولجوه، ولم يتركوا سبيلاً إلا سلكوه، وقد حكى القرآن بعض ماقالوا "وقالوا يا أيها الذي أنزل عليه الذكر إنك لمجنون".. وقال الكافرون هذا ساحر كذاب.وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملي عليه بكرة وأصيلا. أما ما آذوه به من الأفعال القبيحة فكثير جداً، فمن ذلك ما رواه البخاري أن عقبة بن أبي معيط جاء بسلا جزور فوضعه على ظهره وهو يصلي وروى ابن هشام أن عقبة وطئ على رقبته الشريفة وهو ساجد، فأمسك عقبة بن أبي معيط مرة بتلابيبه ووضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، ولم يجرؤ أحد على فكه منه، حتى جاء أبو بكر وأخذ بمنكبيه، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم، فكان ردهم على أبي بكر أنهم ضربوه حتى تورم وجهه وحمل إلى البيت ولا يظن إلا أنه قد مات، والقصة في ذلك طويلة.! وفي السنة العاشرة من النبوة ماتت خديجة، ومات أبو طالب، فاشتد الأذى على رسول الله صلى الله عليه و سلم، وخرج إلى الطائف فلقي من زعماء الطائف أشد ما لاقى من أهل مكة، وكان معه زيد بن حارثة، ولما خرج من الطائف أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع الناس فوقفوا صفين، يرمونه بالحجارة وبكلمات السفه، ورجموا عراقيبه حتى أدموه، وكان زيد يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه، ولم يزل به السفهاء حتى ألجؤوه إلى حائط لعتبة وشيبه ابني ربيعه على ثلاثة أميال من الطائف، فجلس فأوى إلى ظل إلى جانب شجرة ودعا بالدعاء المشهور: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني، أم إلى بعيد ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل بي سخطك، او ينزل بي عذابك، لك العتبى حتى ترضى). فنزل جبريل وقال: يا محمد إن الله يقرؤك السلام وقد أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما تريد، فتقدم ملك الجبال وقال: يا محمد إن الله يقرؤك السلام، وقد أمرني أن أطيعك، فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (جبلين) لفعلت. والجبلان: أبو قبيس وقيقعان.قال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، أو اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) وهنا تجلت شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في الحلم والعفو والرأفة والرحمة فقال ملك الجبال صدق من سماك الرءوف الرحيم. وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة في جوار المطعم بن عدي، ولم يكتف كفار قريش بكل ما فعلوا ويفعلون، فإنهم تداعوا إلي ندوتهم يتداولون ماذا يفعلون بمحمد ؟ وحضر معهم إبليس، قال أبو الأسود: نخرجه من بين أظهرنا وننفيه من بلادنا ولا نبالي أين ذهب ولا حيث وقع، قال الشيخ النجدي: ما هذا برأي، ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به، فسقط الرأي. قال أبو النجتري: احبسوه في الحديد، وأغلقوا عليه باباً، ثم تربصوا به ما أصاب أمثاله من الشعراء، قال الشيخ النجدي: ما هذا برأي، سيخرج أمره من وراء الباب، ويثب عليكم أصحابه، فسقط الرأي.قال أبو جهل: أرى أن نأخذ من كل قبيلة شاباً جلداً نسيباً، ثم نعطي كل واحد منهم سيفاً صارماً فيضربوه ضربة رجل واحد، ويتفرق دمه في القبائل، ولا يقدر بنو هاشم على حرب قومهم جميعاً، فأجعوا على ذلك وقرروا تنفيذه، وأحاطوا بالبيت ليلاً والرسول في البيت مع علي بن أبي طالب. وكانت الهجرة نقلة عظيمة وحدثاً مهما، هامة حرص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحمي الدعوة بعد أن اشتد الضغط عليها في مكة المكرمة، وازداد الإرهاب والظلم والقسوة على اتباعه ـ رضوان الله عليهم ـ وأمعنت قريش فيهم تعذيبا ونهبا وسلبا وظلما، فكان لا بد من الإنتقال إلى مكان آخر، يسمح للدعوة بالحركة الحرة، والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان أمر الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة، وجاء الإذن من الله تعالى، وقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل أن يختار له أحب البلاد إليه، وأحب الناس إليه، فاختار الله تعالى له ولأصحابه المدينة فكانت أحب البلاد إلي الله، واختار له أصحابه من المهاجرين والأنصار فكانوا خير أمة أخرجت للناس، تحملوا الصعاب، وبذلوا المهج والأرواح في سبيل الله حتى جاء نصر الله. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة قد اجتمع بأناس من اهل المدينة، وتمت بيعة العقبة الأولى، ثم تمت بيعة العقبة الثانية، ولهذا عندما وصل إلى المدينة استقبله الأنصار بالفرحة والسرور بعد تلك اللحظات الحزينة، يوم خرج من مكة ونظر اليها وهو يودعها: انك أحب البلاد إلى الله، واحب البلاد إلى نفسي، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت. وعندما وصل إلى المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، وبنى مسجده المبارك، وأسس الدولة الإسلامية الأولى، وأرسل البعوث والسرايا، وغزا الغزوات الكثيرة، وحقق الله له ما وعده به من ظهور دينه، وقد أحب النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واتخذها لنفسه داراً وأحب المؤمنين من أهلها وجعلهم له أنصاراً، ودعا الله عز وجل لها ولأهلها وقال صلى الله عليه وسلم: " اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم أجعل فيها ضعفي ما جعلت في مكة من البركة". وهكذا كانت روعة الإستقبال وجمال اللقاء، وصفاء النفوس الطاهرة، وكانت الهجرة هي المرحلة الثالثة من حياته صلى الله عليه وسلم، حيث استقر هناك، وبقي إلى أن إنتقل إلى جوار ربه. وعلى الرغم من انه دخل مكة فاتحا منصورا، الا انه آثر العودة إلى المدينة، والبقاء مع الأنصار، وشاء الله ان يموت صلى الله عليه وسلم وان يدفن في المدينة المنورة، فكانت له داراً ومضجعاً، وأول عاصمة للاسلام. وظلت إلى يومنا هذا مدينة منورة بنور الإيمان، مزدانة بمسجده الشريف، وبقبره الطاهر، وقبر صاحبته الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وببقيع الفرقد الذي يضم قبور زوجاته الطاهرات، وقبور كثير من أصحابه الطاهرين، وسوف تبقى مشرقة بتاريخها العبق، وأيامها الخالدة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وحتى تنشق الأرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون أول من يبعث، وأول من تنشق الأرض عنه، صوات الله تعالى وسلامه عليه، ماهبت النسائم، وغنت على الأيك الحمائك. وإنه لجدير بنا أن نقف لحظات ونتدارس مواقف من هذه السيرة المشرقة نتعلمها ونعلمها لأولادنا واحفادنا واهلنا وجيراننا وتلاميذنا ومن حولنا. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل

الخوف من الفجوة
تهاويل
بيوتنا والحاجة الى الحب